تمر حسين ابراهيم
أحزاب كورد سوريا بين المطالب القومية وخلافاتها الداخلية
تعيش الأوساط الشبابية والثقافية الكوردية في سوريا حالة من الإحباط وخيبة الأمل بسبب الأوضاع السياسية القائمة في المناطق الكوردية التي تسودها حالة من الخلاف والتشرذم، كما أن هناك شعورا بالمرارة ينتاب معظم الناشطين من أن الفصائل السياسية الكوردية قد خذلتهم ولم تعبر عن طموحات الشعب الكوردي ومطالبه القومية خلال سنوات الانتفاضة السورية الست وما شهدته المنطقة عموما من تغيير.
تزداد هذه المخاوف بعد التطورات الميدانية الأخيرة في سوريا وتبدل المواقف السياسية خاصة بعد الاتفاق الروسي- التركي الأخير.يراقب كورد سوريا وهم الطرف الأبرز الذي يخوض حربا ضد تنظيم داعش المشهد بعين القلق في ظل غياب الولايات المتحدة الأمريكية الحليف العسكري الوحيد الداعم للقوات الكوردية عن وضع بنود الاتفاق.
تزداد الخشية من أن يتم تسليم إدارة الملف السوري إلى روسيا والتي لن تضحي بنظام بشار الأسد لصالح الكورد، كما أن التعاون القائم حاليا بينها وتركيا فيما يتعلق بالملف السوري سيترك من دون شك تبعاته السلبية على الدور المستقبلي للكورد في رسم خارطة سوريا بالنظر إلى الرغبة التركية الدائمة بإضعاف الكورد لصالح اطياف من المعارضة تدعمها.
يصعب حقيقة فهم الخلاف الموجود بين فصائل الحركة الكوردية السورية إذا انطلقنا من مبدأ أنها جميعا تحمل أهدافا قومية في برامجها السياسية والتي كانت الأساس الذي نادت به هذه الأحزاب عند تشكلها في أواسط و أواخر القرن الماضي في سوريا.
تُشكل إدارة المناطق الكوردية السورية والتعامل مع المعارضة السورية جوهر الخلاف والملف الأكثر تعقيدا بين الطرفين الرئيسين المُتمثلين بالمجلس الوطني الكوردي والإدارة الذاتية اللذين يعيشان حربا كلامية وإعلامية في إلقاء اللوم و تبادل التهم إزاء الجمود السياسي الحاصل. فشلت الأحزاب الكوردية السورية على كثرتها في الامتحان الداخلي وهو وحدة الصف وهي التي ناضلت لأربعة عقود في ظل حكم عائلة الأسد وبقت مُقسمة يُشفع لها حجم الاضطهاد السياسي و الأمني الذي تعرضت له.
صحيح عمليا لا يمكن تهديد المناطق الكوردية عسكريا في الوقت الراهن ربما لتواجد القوات الأمريكية لكن الانقسام السياسي بعد انطلاق الانتفاضة السورية هو الأخطر داخليا وإقليميا وسيؤثر سلبا على المطالب القومية الكوردية والتي لا يجب أن تقتصر على حقوق ثقافية واجتماعية بل يجب أن تبقى على الدوام مسالة مصيرية كالفيدرالية وتثبيت هوية الشعب الكوردي كجزء من أمة قسمت على حدود أربع دول ويعيش على أرضه.
ترفض كل من المعارضة والنظام المطالب القومية للكورد مستفيدين من ضعف ديناميكية الأحزاب الكوردية وافتقارها إلى جسم سياسي متكامل ومنسجم مع طموحات الشعب الكوردي.
النظام مازال متمسكا بعقليته الاقصائية التي ترفض أي اعتراف بوجود الشعب الكوردي يشاركه في ذلك المعارضة ذات الصبغة الإسلامية التي تتحكم فيها تركيا وهي ترفض تماما أي شكل من أشكال الحكم الذاتي للكورد على حدودها.
هناك غموض يكتنف الموقف الروسي والأمريكي فيما يتعلق بالمطالبة الكوردية بالفيدرالية لكن حماسهما للفكرة سيزداد عند وجود اجماع سياسي كوردي حيال الموضوع.
إن لعب السياسة بطريقة بارعة والتفاوض مستقبلا مع كافة الأطراف السورية يتطلب من ساسة كورد سوريا أن يضعوا خلافاتهم وانقساماتهم جانبا لمواجهة التهديدات الإقليمية التي لا تتوقف وطرح المطالب القومية للشعب الكوردي في سوريا بالصورة الأمثل التي تضمن حقوقهم في الدستور لا عن طريق إطلاق شعارات وتصريحات رنانة في الإعلام عدا ذلك سيبقى آلاف من كورد سوريا في المخيمات وبلاد الاغتراب وسيحرم الشعب الكوردي من حقوقه مجددا وسط هذه الفرصة التاريخية.[1]