#هوشنك بروكا#
اليوم السبت(25-07-2009) ستذهب كردستان إلى صناديق الإقتراع، لإختيار رئيسٍ جديدٍ، وبرلمان جديدٍ، وحكومة جديدة لها.
منذ أن دخلت كردستان في حمية الإنتخابات التي يخوضها 24 كياناً سياسياً للفوز ب111 مقعداً برلمانياً، كما يتنافس خمسة مرشحين أبرزهم مسعود بارزاني(وأوفرهم حظاً بدون شك) على منصب رئاسة الإقليم؛ منذ نار الإنتخابات هذه وتصاعد دخانها في أرجاء الإقليم، بدأ الكثيرون يتحدثون عن إمكانية التغيير، في كردستان، للعبور إلى كردستان ممكنة متغيّرة، وبرلمان متغيّر، وحكومة متغيّرة، ورئيس متغيّر، فضلاً عن قوانين متغيرة، وصحافة متغيّرة، وحرية متغيّرة..إلخ.
وربما تعويلاً على هذا الأمل الكبير في التغييّر الممكن، حملت قائمة القيادي السابق البارز في الإتحاد الوطني الكردستاني نوشيروان مصطفى، إسم التغيير(كَوران)، وذلك للفت أنظار الكثير من الناخبين الكردستانيين، وحصاد المزيد من أصوات هذه الأغلبية الصامتة، التي تبحث عن منقذٍ يغيّر كردستانها، وتسعى إلى بصيص أمل يؤديها من كردستان النفق، إلى كردستان متغيّرة ممكنة.
وإذا كان العامة من شعوب كردستان قد عوّلت على التغيير المحتمل أو الممكن هذا، من موقعهم كمؤمنين معوّلين على المخلّص الغائب، أو مهدي كردستان المنتظر، لتخليصهم من كردستان صعبة واقعة(لا سيما كردستان الفساد الواقع، والمحسوبيات الواقعة، والحزب القائد الواقع)، كان لها أن تكون أفضل بكثير مما هي عليه الآن، فإنّ كتاباً ومعلقين سياسيين، ومحررين، وأصحاب خبرات إعلامية، هنا وهناك، قد عوّلوا على التغيير في طبعته الكردستانية عينه، ولكن بدوافع أخرى لم تخلُ من الروح النفعية، والوصولية، والإرتزاقية، والمسح جوخية، والتملقية، والتأليهية، والتعجيزية، قلّ فيها بعد النظر، والتحليل، والمنطق، والقراءة المدعومة بالأرقام والشواهد، التي لا تزال في كردستان، دلائل حية تُرزق.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، الرئيس مسعود بارزاني، رئيس كردستان الآن، ولاحقاً، كما ستثبت نتائج الإنتخابات بعد أسبوع أو أقل تقريباً، ففي الوقت الذي أعلم فيه(ويعلم الكثيرون)، بأنّ البارزاني(الذي أقدّره كسياسي كردي، له ثقله، وتاريخه الخاص به، وتضحياته، ونضاله، دون أدنى أيّ شك)، هو الرئيس الأقوى بين منافسيه الأربعة، كما هو الأكثر شعبيةً، ونفوذاً، وحنكةً، ومالاً، وجاهاً، ونضالاً، فضلاً عن أنه الأكثر بينهم ممّن صادق الجبال، ومشى وأنشد معها أي رقيبه، أيام كردستان الجبل...إلخ، ولكني أعلم أيضاً أنه ليس بالرئيس الضرورة، والرئيس الإسطورة، والرئيس المنقذ كنوح لسفينة كردستان، والرئيس الحلّ، والرئيس المعجزة، والرئيس السوبر مان، وسوى ذلك من هذه الأوصاف الفوق بشرية، واليوتوبيات، التي جاءت، كأوصاف مبالغة فيها جداً، على لسان الكثيرين ممن كتبوا وعبروا عن رأيهم في هذا المنحى.
فإذا كان هو الأفضل، أو الأصلح بين منافسيه الآن(وهذا صحيح)، والأوفر حظاً بالفوز المؤكد بينهم، ولكن ذلك لا يعني بأنه الرئيس الضروري الأوحد، أو الرئيس النهائي، لكردستان يجب أن تكون وطناً نهائياً لكل شعوبها، كرداً وعرباً وتركماناً وأشوريين وكلدانيين وأرمن، ولكل أقلياتها الدينية مسلمين سنة، وفيليين شيعة، وشبك، ومسيحيين، وإيزيديين، وأهل حق كاكائيين، وصابئة، وبهائيين..إلخ.
وإذا كان هذا الرئيس الإسطورة، كما ذهب إليه الكثيرون من أهل الكتاب(أقصد أهل الحرف من الكتُاب) وأهل الرأي، وأهل القلم، رئيساً صحيحاً، ورئيساً متحققاً موجوداً، كما ذهب إلى وصفه هذا البعض الفوق واقعي، وكال له الألقاب ، فلماذا وصلت كردستان تحت قيادته وقيادة حزبه بشراكة حزب الطالباني، منذ حوالي 18 سنة(تخللتها حروب الإخوة والحكومات والحكومات المضادة)، إلى ما وصلت إليه اليوم من فسادٍ وإفساد، وتبذيرٍ وهدرٍ ونهبٍ للمال العام، حيث بلغت آخر ميزانية كردستان لسنة 2008 حوالي تسع مليارات دولار، أي أكبر من ميزانية الجارة العراقية، الأردن التي بلغت حوالي 7.3 مليار دولار للعام نفسه؟
لا أريد هنا الدخول في شئون التصويت لالرئيس البارزاني، ضد منافسيه الآخرين، أو بالعكس، لأنّ هذا شأن الناخب الكردستاني، الذي له الحق في أن يرشّح من يشاء ويسقط من يشاء،..تلك هي نعمة الديمقراطية، التي تنقلب شرقياً، في بعض الأحيان، إلى نقمة، كما حدث في فلسطين التي انتخبت في انتخابات المجلس التشريعي لعام 2006 حماس بالأكثرية، وكان قد حصل ما حصل.
فبدلاً من أن تذهب فلسطين إلى دولة واحدة موحدة، تعيش إلى جانب دولة إسرائيل بسلام وأمان، انشقت على نفسها إلى دويلتين: دويلة حماس الإسلامية، ودويلة فتح العرفاتية.
كما أني لا أريد، ههنا، أن أذهب مذهب الكثيرين من زملائي وأصدقائي الباحثين في شئون الكتابة والرأي، بأن أمنح لنفسي حقاً لا أملكه إطلاقاً، وذلك بافتاء حق التصويت بنعم كبيرة للبارزاني وقائمته مع شريكه الطالباني، ضد المرشحين الآخرين، والقوائم الأخرى، أو معكوساً، علماً إني واثقٌ(كما هو ثقة الكثيرين، رغم إن الإنتخابات قد بدأت للتو، حيث لا تزال نتائجها مجهولةً)، وأعلم علم اليقين وعينه، بأن البازاني سيكون الرئيس القادم لكردستان، كما سيصبح د. برهم صالح الرئيس القادم لحكومة كردستان القادمة، حيث ستفوز قائمتهما الكردستانية بأكثرية الأصوات التي ستمنح حزبيهما حق تشكيل حكومة بمفردهما، دون الحاجة، لا إلى قائمة التغيير، ولا إلى قائمة الإصلاح، أو سواها من القوائم الأخرى، ولا هم يحزنون.
لا شك أيضاً، أنّ المتغير الجديد، ههنا، في انتخابات كردستان هذه، هو المنافسة الكبيرة بين قوائم كثيرة، حيث لأول مرة، تشهد كردستان، منافسة سياسية علنية مكشوفة، غير مسبوقة، وغير مستورة بين الحكومة والمعارضة، كما نرى معركة حامية الوطيس دائرة بينهما اليوم.
المتغيّر الجديد، في كردستان الإنتخابات الجديدة، إذن، هو ظهور المعارضة العلنية، التي طلّقت الديمقراطية التوافقية، وانشقت عن ما كانت تسمى بحكومة الوحدة الوطنية؛ أو ما أسميها بحكومة حكّللي لأحكلك، التي لا تنتج في الشرق، من لبنان إلى العراق، سوى المزيد من اللاوطن بمفهومه العلماني، القانوني، الديمقراطي، الحر، والمزيد من المحسوبيات على طريقة المثل الشامي القائل: حكّللي لأحكّلك!
وهذا الجديد المتغيّر، هو جديد يحسب لكردستان وديمقراطيتها المبتدئة، أو البدائية، على أية حال.
أما الذي لن يتغيّر في كردستان، في المدى المنظور والقريب، على الأقل، كوطن معوّل عليه، كما أذهب، فهو الكثير، أكثر مما يمكن أن يتصوّره أي مراقب محايد، قريب أو بعيد.
ما لن يتغيّر في كردستان، هو أن الحزب والعشيرة والدين، كمؤسسات ديكتاتورية ستظل أكبر من كردستان، كما سيظل قانون الحزب والدين والعشيرة، أعلى من كل قانونٍ فيها.
ما لن يتغيّر في كردستان، هو أنّ القائد سيظل كما هو في عموم الشرق، أكبر من الوطن، ولا حياة للوطن من دون حياة القائد.
ما لن يتغيّر، هو أنّ إبن الرئيس وأولياء عهده سيبقون رؤساءً كعادة كل الشرق(حيث كل أبناءهم وأقرباءهم المقرّبين، المتنفذين في الحزبين الرئيسيين، ترفّعوا بطريقة أوتوماتيكية لتقليد رتبة عضو المكتب السياسي في الحزبين، هذا فضلاً عن إشغالهم لرأس المراكز والمناصب الحساسة في كردستان، سواء أولئك المحسوبين على آل البارزاني أو آل الطالباني. والخريطة السياسية التي تتوزع بين هؤلاء وأولئك، هي معروفة للجميع، ولكل من يفك الحرف في السياسة وجاراتها.
ما لن يتغيّر في كردستان، هو أنّ الغني سيصبح أغنى، والفقير سيذهب إلى فقر أكثر، وحرمان أكثر، وتهميش أكثر، فضلاً عن أنّ سنّة الحزب والدين والعشيرة، ستكون كالعادة، مع الأول ضد الثاني، كلما اقتضت الحاجة إليه.
ما لن يتغيّر في كردستان، هو أنّ الفوق الكردي الدائم، والجاهز تحت الطلب، سيظل يهرب من داخل كردستان الذي يعيش ألف مشكلة ومشكلة، من الفساد وانقطاع القانون إلى ديكتاتورية الحزب وانقطاع الكهرباء، إلى ركوب خارجها من المشاكل العالقة، بين عراق بغداد وعراق هولير. وهذا ما تبين بوضوح، من البرنامج الإنتخابي للقائمة الكرستانية، والرئيس بارزاني، الذي بالغ في التركيز على خارج كردستان أكثر من داخلها، وعلى المشاكل البعيدة المؤجلة على حساب القريبة منها والعاجلة.
ما لن يتغيّر في كردستان، هو أنّ كل الوعود، أو جلّها، لا سيما تلك الكبيرة منها(كمكافحة الفساد، والتغيير والإصلاح الكبيرين مثلاً)، والتي حلف بها المتنافسون على كردستان لتحقيقها والوفاء بها، ستذهب أدراج الرياح، لتعود كردستان حليمة إلى عادتها القديمة.
ما لن يتغيّر في كردستان، هو أن المال العام سيظل مالاً خاصاً في الجيوب الخاصة للحزبين الحاكمين، ولن يسطيع أحد من ملاكي مزرعة كردستان الخصوصيين، محاسبة أحد، وفقاً لقانون من أين لك هذا؟، والسبب بسيط جداً، وهو لأن الكل في هوى الفساد والإفساد سوى، ومافي حدا أحسن من حدا.
ما لن يتغيّر في كردستان، هو أن المواطن الميت في حزبه ودينه وعشيرته في كردستان، سيظل يختار القائد قبل الوطن، ودولة الرئيس والحزب قبل دولة المواطنة، وسيصوّت لبرلمانٍ ساكت، ثابت، مفعولٍ به، قبل التصويت لبرلمانٍ متحرك، متغيّر، فاعل.
ما لن يتغيّر في كردستان، هو أن الشعب فيها، لن يساوي نفسه، بقدر ما سيساوي الرئيس؛ الحزب الرئيس، والدين الرئيس، والعشيرة الرئيس.
ما لن يتغيّر في كردستان، هو أن الحقيقة لن تكون نفسها، بقدر ما أنها ستكون عكوسها أو جنباتها.
ما لن يتغيّر في كردستان، هو أنّ الديمقراطية فيها لن تمشي إلى نعمتها، بقد ما ستمشي إلى نقمتها.
ما لن يتغيّر في كردستان، هو أنّ الحرية الفاعلة لن يكون لها محل من الإعراب في كردستان كفاعل، بقدر ما ستُعرَب في لغة حزبها ودينها وعشيرتها، كمفعولٍ به.
ما لن يتغيّر في كردستان، هو أن نساء كردستان لن يصبحن قوّامات على رجالها، كما جاء في تقريرٍ لإيلاف أمس، وأنما سيظل الرجال قوامون عليهن، في الدنيا وفي الآخرة، كما يشهد الحاضر، والقادم القريب المحتمل من كردستان.
ولما لا.. طالما أنّ أكثر من نصف نساء بعض كردستان، أي 60% بحسب تقارير دولية(كتلك الصادرة من منظمة وادي الألمانية مثلاً)، لا يزلن يتعرضن للختان، كما لا يمر يوم واحد، إلا وتقتل فيه إمرأة أو أكثر بدافع الشرف.
وبحسب تقريرٍ صادر عن بعثة الأمم المتحدة لمساندة العراق في يونيو حزيران 2007، فأنّ عمليات العنف ضد النساء ارتفعت بنسبة 18 بالمائة خلال الفترة من مارس إلى مايو 2006. وبحسب مصادر أخرى، ففي الفترة ما بين 20032006 سجلت كردستان حالات قتل كثيرة، بمعدل خمس حالات يومية ماتت منهن ثلاث نساء يومياً.
كما سجلت محافظة دهوك وحدها 267 حالة قتل و انتحار خلال عام واحد فقط(2007).
علماً وبحسب إحصائيات وزارة الصحة بالإقليم نفسها، فإن حوالي 44.6 من حالات الإنتحار حرقاً تعود لنساء تزيد أعمارهن عن 18 عاماً.
صحيح أن الحصة القانونية لنساء كردستان في القادم من البرلمان هي 30% وفقاً لقانون الكوتا الخاص بهن، ولكن الصحيح أيضاً، والذي لن يتغيّر أيضاً، هو أن الرجل في كردستان سيبقى رجل أو رجّال على رأسه ريشة، فيما المرأة ستبقى حرمة، حدودها هي المطبخ، مختصة في شئون صناعة الأكل والأولاد، ومسجونة في ذاتها الناقصة، التي كتب لها الرجل هكذا أن تكون، بنصف عقل، ونصف دين، ونصف لسان، ونصف جسد، حتى لو أصبح نسبتهن في البرلمان 100%. وذلك لسبب بسيط جداً، وهو أن لا إعراب للمرأة في كردستان، بدون فاعلها القوّام عليها، الرجل.
أما من لا يصدّق فليسأل نصف كردستان المعطّل، الذي أراد له النصف الآخر، هكذا معطّلاً، مفروغاً من كل فعلٍ، أن يكون.
لكل هذا ولأشياء أخرى كثيرة، فإنّ ما لن يتغيّر أيضاً، في القريب العاجل من كردستان، كما قد يتصوّره، أو يحلله البعض، هو أنّ الكرد في كردستان العراق، أو في أية جهةٍ من جهات الأرض الأخرى، هم شرقيين في كل شيء، من قلنسوة رأسهم إلى أخمص قدميهم، مثلهم مثل غيرهم من نزلاء الشرق الماضي المقيمين في الدين الماضي، والله الماضي، والسماء الماضية، والدنيا الماضية، والزعيم المقدس الماضي، إذ يموتون في الماضي باليوم ألف مرة، ويحبونه أكثر بكثير من القادم والمستقبل.
هم، مثلهم في ذلك مثل أي شرقي رجولي، بطرياركي، سلفي، ماضوي، عشائري آخر، يختزلون نصف العالم من النساء في ذكوريتهم، ويحبون ذواتهم أكثر من أولادهم، ويحسبون لأمسهم أكثر من غدهم.
هم، هكذا طارئون على عالمٍ يريد أن يعيش؛ إذ يموتون في الدين أكثر من عيشهم في الدنيا، ويقدسون الميت وطقوسه أكثر من تقديسهم للحي وطقوس الحياة.
هم، هكذا سجناء خيمتهم، وتقاليدهم الميتة في سبع موتات، يرفعون حقوق العشيرة المختزلة في شيخها، على حقوق الفرد، ويعلّون وطن الرئيس على وطن المواطن.
لهذا بقي الشرق شرقاً يزحف ويتراوح مكانه في مقدسٍ إسمه رجل، بدون تغيير.
ولهذا أصبح الغرب، غرباً، يتقدم ويتقدم ويتقدم، في مقدسٍ إسمه إنسانٌ، في تغيير مستمرٍ، نحو الأفعل، والأجمل، والأنبل، والأرحب، والأعلى، والأكثر، والأكبر.
انتخابات سعيدة لكردستان أسعد![1]