#بدري نوئيل يوسف#
المقدمة: العِلْك ضرب من صَمغ الشجر كاللُّبان، يُمضغ فلا يذوب، يمضغه الناس ولا يبلعونه، ويأتي في أشكال مختلفة منها العصيّ والكُرات والحبَّات والقطع، وأكثر النكهات المحبوبة للعلكة هي النعناع والقرفة ونكهة الفاكهة، ويرى بعض الناس بأن مضغ العلكة يساعد على التركيز، ويخفف الملل، بالإضافة إلى ذلك أثبتت بعض الدراسات أن مضغ العلكة يساعد الناس على الاسترخاء.
في نصوص عربية قديمة ذُكر العلك: دفعوا لأعرابية علكًا لتمضغه فَرَدَّتْهُ، فقيل لها في ذلك، فقالت: ما فيه إلاّ تعب الأضراس وخيبة الحنجرة، وكذلك قيل لأشعب: هل رأيت أطمع منك قط؟ قال: نعم، كلب يتبعني أربعة أميال على مضغ العلك، يعني أن الكلب تبع أشعب طمعًا في أن يلقي إليه مَا يُلْفَظُ وَيُطْرَحُ مِنَ الْفَمِ الشيء الذي يأكله.
كان قدماء الرومان يمضغون علك المستكي وهي علكة صنعوها من راتينج وهي مادة تخرج بكثرة من شجرة المستكي عند شَقّها، وتكون غالبا مختلطة بالصُّموغ والزيوت التي تفرزها الشجرة، ومنذ أكثر من 1000 عام كان هنود المايا في المكسيك يمضغون(( Chicle)) وهي عصارة لبنية تستخرج من شجرة السبُّوتة في أمريكا الوسطى، ونحو عام 1850 م أصبح شمع البرافين المُسكَّر أكثر شيوعًا من علكة الشجرة الراتينجية.
كثرة مضغ العلكة من دواعي التسلية وتنتشر هذه العادة بين النساء، فإذا كانت قطعة العلك كبيرة وغير مقبولة وتظهر الوجه وكأنه منتفخ فيكون منظره قبيح وكذلك تتعب الشخص، فإذا اكثر شخص من اخذ شيء شبهوه بالمجنون، ويضرب لمن يسيء التصرف يقال عليه المثل الشعبي(علك ماء المخبل ترس حلكه) .
ويقال صار بيت آل (فلان) (علك ماء في حلوق اللي يسوى واللي ما يسوى) أي عندما لا تحافظ العائلة مسار حياتها ولا تتكون حذره الناس الذين يراقبون أفعالها وأقوالها، ولا تجعل حكايتها في حلوق الناس هكذا هو حال العلك أو اللبان الذي يمضغ من آلاف الناس، ويقال لا تصير مثل العلك لزكة، ويقصد للذي يلح كثيرا، وعندما ينعت شخص بأنه (عَلْكَة) أي ثقيل.
ولكل حضارة علكها المميز فمثلا علك الماء العراقي، هو المستخرج من البطم ( ثمرة الحبة الخضراء)، وتعطي الشجرة إنتاجها بعد فترة تتراوح بين ثمان وعشر سنوات من الإنبات، وتنمو بسرعة عندما تكون بعيدة عن مناطق تساقط الأمطار الموسمية، وهي من فصيلة البخوريات كثيرة الأغصان أوراقها خضراء داكنة، ويتراوح ارتفاعها ما بين ثلاثة إلى خمسة أمتار، وهي ذات جذع واحد أو متفرع عند القاعدة، وتحتوي على غدد لبنية تفرز مادة (الراتينج) الصمغية، هو إفراز عضوي يحوي المواد الهيدروكربونية من النبات، و بوصفها مصدرا هاما للمواد الخام للبخور والعطور، والراتنج الأحفوري هو مصدر الكهرمان، وكذلك الراتينح المنتج من شجرة حبة الخضراء يسمى (اللبان المر) أي (علك الماء).
وتجدر الاشارة الى ان علك ماء الماء استعمل منذ فجر التاريخ في البخور، ويستخدم بالطيب كالعود حرقاً وحتى العطور، ومستحضرات نظافة البشرة ومستحضرات التجميل، ومواد تنظيف الأسنان لإيقاف التسويس والنخر بها،
وتهدئة العصب وتعتبر المستكي من أجود أنواع الراتينجات وأغلاها ثمناً.
كانت بدايات العلك المعروف في الوقت الحاضر في أواخر عام 1860 م، في ذلك الوقت تم نقل بعض Chicle من المكسيك إلى الولايات المتحدة، لكي يُباع بوصفه نوعًا من المطاط، وحاول مخترعٌ في مدينة نيويورك يدعى تُوماس أدمز أن يحوِّل Chicle إلى مطاط ولكن المادة لم تتماسك، وعندما قام أدمز بغلي التشكيل وجد أنها تحولت إلى علكة مضغ ممتازة. وسرعان ما كسبت هذه العلكة الاستحسان وفضلت على علكة الراتينج والبرافين. وأنتجت العلكة الفقاعية أول مرة عام 1906 م ولكنها لم تُحسن وتُسوق حتى 1928 م.
في أواسط الستينيات بدأت شركات علكة المضغ، في صناعة العلكة الخالية من السكر، ويوصي الكثير من أطباء الأسنان بالعلكة الخالية من السكر، لأنهم يعتقدون أن السكر قد يسبب تآكل الأسنان.
إلا أن البحوث ترى أن سكر العلكة العادية ينفصلُ عن المحتويات الأخرى، وأن غسيل اللعاب المستمر للأسنان الناتج طوال عملية المضغ يقلل من احتمال تآكل الأسنان، كما أن علكة المضغ ليست ضارة إذا ما ابتلعت مصادفة.
عندما يتناول المرء القليل من العلك.
منذ آلاف السنين كان الإغريق القدامى يحرصون على مضغ المستكا أو المصتكا لعدة قرون، والتي كانوا يستخلصونها من لحاء شجرة (المصطكي) أو شجرة المستكة التي وُجدت أساسا في اليونان وتركيا، إذ كانت علكة المستكا خيار نساء الإغريق الأفضل لتنظيف الأسنان، واستعملت فصوص المصطكى في الطب الشعبي فكانت توصف لعلاج النزلات والصداع بأنواعه، ولقطع النزيف وعلاج سوء الهضم وعلاج الكبد والطحال، وإذا طبخت في الزيت وقطرت باردة في الأذن فتحت السد وأزالت الصمم واستعملت لتقوية اللثة والأسنان.
وقد استعمل الاتراك واليونان وأهل الشام المستكى بمضغها لإعطاء رائحة مستحبة للفم، وكمضادات للتشنجات المعوية وتقوية اللثة وتحفظ بياض الأسنان، وتزيد اللعاب وتقوي المعدة وتستعمل لعمل كمادات الآلام الروماتيزمية وآلام النقرس وآلام الأعصاب وتستعمل في التقلصات الصدرية.
علك الماء.
فوق جبال كوردستان في محافظة السليمانية، يتم تحضير علك الماء الأصلي من الأشجار الكبيرة المنتشرة في مناطق اقضية شارباشير وقلعة دزة وقره داغ ومناطق أخرى، والعلك أصبح جزءا من التراث الفولكلوري الكوردستاني .
تستخرج المادة الصمغیة من اشجار حبة البطم (الخضرة المشهورة)، التي تفرزها الشجرة عندما یجرح لحائها حيث يقوم الفلاحون والمزارعين في تلك المناطق، من خلال استخدام فأس خاصة لتنقير جذوع الأشجار الذي تكثر فيه خامات علك الماء، و حفر جذع الشجرة على شكل أوعية تسمى (كوجلة).
لعصارة هذه الشجرة رائحة زكیة یستحسنها الأنسان. وعصارة شجرة البطم لزجة صمغیة و مرة الطعم، والتي تمسى أشجار القزوان بالكوردية، یقوم الفلاحون بجمعها في اقداح مصنوعة من خلط تربة خاصة كلسیة بالماء (لا تلتصق عصارة الشجرة بهذا النوع من التربة) ثم یقومون بعجنها و انشاء أطباق طینیة علی شكل نصف طبق تلصق بجذع الشجرة ثم یقوم القرویون بجرح جذع الشجرة فوق الكأس الطیني لكي تنساب العصارة الی الكأس وتتجمع فیه، و بعد عدة ایام یرجع القرویون الی اقداحهم و یجمعون العصارة المتجمعة في الأطباق، وتسمى عملية اخراج مادة
العلك من شجرة القزوان، ببستني بنيشت أي تصفيد العلك.
یكون طعم العصارة مرا عندما تؤخذ من الشجرة و تستعمل كدواء لآلام المعدة، یقوم القرویون بغلی العصارة في الماء لكي تتخلص من الطعم المر ویصنعون منها بعد ذلك العلكة البیضاء المشهورة في العراق ب(علك ماي) بعد خلطها بشمع العسل لكي لا تلتصق بالأسنان عند مضغها.
ويتم تعبئتها في عبوات كبيرة تتسع الواحدة منها 15 كغم، وعلك الماء مطلوب بالسوق بشكل ملفت للنظر، وعليه إقبال في الأسواق المحلية والعراقية، وحتى قسم كبير منه يصدر الى الخارج حيث يتم تصنيعه وتعبئته، ويعاد بشكل جميل ومغلف بعلب وأكياس ملونة، إضافة الى أن بعض المعامل تعتمد على إضافة النكهات المختلفة أليه، ولكن جزء كبير من النساء يفضلن علك الماء بدون طعم أو رائحة، لأن رائحته الأصلية هي المفضة لديهم، ويكون تحضيره محليا بطريقة إضافة الماء لمحلول العلك ويسخن، ومن ثم يحضر على شكل ألواح جاهزة للاستعمال ويباع في الأسواق بأحجام مختلفة، ومنها يقطع الى قطع صغيرة ويسلفن بالورق الشفاف، والقسم الأخر يستخدمه التجار الصغار بإعادة تصنيعه الى قطع صغيرة، وتوضع بعلب شفافة وجميلة تباع بالجملة في أسواق السليمانية ،ويتم تصدير الباقي الى المحافظات الاخرى.
ثمرة شجرة البطم (حبة الخضرة) غیر مرغوبة لأنها ذات حبات صغیرة الحجم وقاسیة القشرة، تقطف الثمار في أحیان قبل نضوجها، وذلك لأنها تكون رقیقة وذات رائحة زكیة، وتؤكل كما هي أو توضع في اللبن المضاف له الماء (ماست ئاو) أو ما یسمی في اللهجة العراقية (شنینة)، لتعطیها رائحة وطعم البطم،كما یضع الكورد البطم الاخضر (القزوان الاخضر) في الطرشي لتكسب الطرشي رائحة البطم الزكیة.
ثمار البطم الناضجة تكون مغطاة بقشرة خضراء دهنیة یستخرج منها ومن البذور زیت البطم، الذي یستخدم في صناعة الأدویة و مواد التجمیل والأكل، كما و یقوم البعض بنقع البذور بقشورها في الماء و الملح لیأكلوها كمكسرات.
مسبحة القزوان:
یصنع من حبات البطم نوع من المسبحات المشهورة في كوردستان، ویتفاخر بها كبار السن، وهي بأنواع مختلفة بحسب حجم الحبات، واعتاد معظم سكان السليمانية بحمل المسبحة، شأنهم في ذلك شأن الآلاف مثلهم في كوردستان المعروفين بهذه العادة المتوارثة من أسلافهم، وثمة شرائح في المجتمع الكوردستاني لا تستطيع تركها ولا يوجد سبباً معقولاً لتفسير هذا العشق في حمل المسبحات.
وأهم انواع المسبحات نوع يطلق عليه (قزوان أبلق)، وأنواع اخرى وأهمها ( لارش، لاسور)، وهي عبارة عن حبات منتقاة من بعض أشجار القزوان المثمرة في المناطق الجبلية العالية ويتطلب صنعها الكثير من العناء، وفي مدينة السليمانية يفترش باعة المسبحات أطراف الجامع الكبير، وفي أيام الجمع والعطلات يتضاعف عدد الباعة الجوالين مع زيادة الإقبال على هذه السوق من زوار المدينة، والمسبحات الكوردية التي تصنع من نوع خاص من حبة القزوان في المراتب المتقدمة بالأسعار، وتتدنى بحسب نوعية المسبحة حتى تصل إلى ألف دينار عراقي.
إن اشجار حبة الخضرة تنمو في الربيع ويتم قطف الثمرة في نهاية الصيف لكي تكون مكتملة النمو وجافة بما يكفي
لتتحمل اجراء عمليات التثقيب والبرد والغسل والتلوين عليها.
هذه الحرفة تحتاج الى الجهد والصبر والدقة والحس الفني،ومردودها المالي لا يتناسب وحجم الجهد المبذول في صناعتها، ولكن كثرين متمسكين بهذه الحرفة لأنها جزء من التراث وحفاظا عليها من الاندثار، ومعظم مراحل صناعة المسبحة يتم يدويا، ورغم المردود المالي القليل لهذه المهنة إلا انها مازالت مستمرة وتجد رواجا ايضا.
وعن عدد حباتها هناك مسبحة تتألف من مائة حبة وحبة، والبعض الآخر مكون من 33 حبة، والمسبحة الكوردية تتكون من 220 حبة، وبذلك تكون الأطول من غيرها، وهذا النوع هو المرغوب عند الأغلبية وخاصة المتقدمين بالعمر، وعادة استعمال المسبحات لم تقتصر على الرجال، بل تعدّت إلى النساء أيضا لاسيما المتقدمات بالعمر.
خرافة عن العلكة!
مؤكد أنه تم التحذير من ابتلاع العلكة، لأنها تبقى بالمعدة مدة 7 سنوات ولا يمكن هضمها، لكن يمكن الاطمئنان إلى أن كل اللبنان الذي يبتلعه الصغار لم يتعفن في المعدة، بل يتم التخلص منه سريعًا، إذ تقوم المعدة بهضم محتويات اللبنان كالنكهات والمحليات، أما المادة المطاطية فيتم التخلص منها باعتبارها فضلات لا فائدة للجسم منها.
في تركيا، يُعتبر مضغ العلكة ليلا أمر مثير للاشمئزاز، فبدلا من مضغ العلكة بعد وجبة العشاء لتنظيف الاسنان تستبدل العلكة بمعجون الأسنان! أما عن السبب فيُعتقد أن مضغ العلكة ليلا تتحول إلى لحم بشر أموات.
المصادر :
ويكيبيديا العربية.
التراث الشعبي.[1]