#مؤيد عبد الستار#
المعدان قوم تميزوا باسلوب حياة مختلف ، عاشوا منذ القدم في مناطق الاهوار التي تغمرها المياه ، وبرعوا في تربية الجاموس وصناعة القيمر – القشدة – واللبن ، ولكن الحكومات العراقية لم تساعدهم على تطوير صناعتهم التي لو قدر لها ان تجد من يعتني بها لاصبحت اشهر مصدر لصناعة الالبان مثل الدنمرك وفرنسا ، بل على العكس قام نظام صدام المقبور بتجفيف اهوارهم وتشتيت شملهم فاصبحت ارضهم يبابا صفصفا .... واليوم نامل ان تكون المياه عادت الى مجاريها بعد زوال نظام الطاغية .
اطلعت على بعض الاراء التي تحاول تفسير كلمة المعدان والبحث عن جذورها وعلاقاتها مع اللغات الاخرى ، ولابد ان نذكر صعوبة الخوض في علاقات تاريخية ولغوية تعود الى الاف السنين دون عدة كافية من لغات مختلفة واطلاع على الدراسات والبحوث التاريخية ، فليس من السهل تفسير اسم قوم مثل المعدان عاشوا منذ اقدم العصور في اهوار العراق وقرب انهاره ، دون ان نكلف انفسنا البحث في المصادر الكثيرة حول سكان الاهوار ، ابتداء من مؤلفات المستشرقين مرورا بمؤلفات العراقيين الذين كتبوا كثيرا عن سكان الاهوار اضافة الى الدراسات التاريخية والاركيولوجية حول حضارات بلاد الرافدين .
واظن ان من المفيد اعادة نشر مقالي حول المعدان الذي نشرته قبل سنوات بعد تنقيح واضافة بعض الملاحظات اليه عسى ان ينفع في المزيد من التقصي والبحث حول بعض الاسماء العراقية وعلاقتها بالشعوب التي اسست حضارات بلاد الرافدين منذ الاف السنين .
معدان ... ماد ... مادان
المعدان ينتشرون في أغلب مناطق وسط وجنوب العراق ، ولكن بسبب الاضطهاد المبرمج ضدهم من قبل السلطة الطائفية ، على مدى عقود طويلة ، والتي توجها النظام الصدامي البائد بتدمير وسائل عيشهم وقراهم وتجفيف الاهوار ، كما دمر بلدات وقرى اخوتهم الكورد في كوردستان العراق، وكوردستان ايران المحاذية للاهوار خلال الحرب العراقية الايرانية ، فتقلصت أعدادهم وأهملت قراهم ومدنهم ، وهاجروا الى ايران ومدن العراق الاخرى ، وراحوا ضحايا لحروب صدام مع ايران والكويت .
تُعرف منطقة الاهوار سابقا باسم الجبايش ( بالجيم المثلثة ch = ) ، ولا توجد لهذه التسمية علاقات اشتقاقية في اللغة العربية، خاصة وان الجيم المثلثة من الحروف المعروفة في اللغات الهندوايرانية، مثل الكردية والفارسية والهندية ، وقد اطلقت تسمية الجبايش على المنطقة بسبب إقامة سكان الاهوار جزرا صناعية صغيرة ، يشيدونها من البردي والطين، تسمى جبيشه Chebisheh، ثم يشيدون فوقها أكواخ القصب، والجبش Chepsh بالجيم والباء المثلثتين في الفارسية هو الجدي الصغير ، ولربما كانت للجبيشة علاقة بهذه التسمية ، خاصة اذا عرفنا ان في الكردية توجد كلمة كبرة Kepreh بالباء المثلثة ، قد تحور الى جبرة- بالجيم المثلثة - Chepreh ، وهي كوخ يشيد من أغصان الاشجار في الصيف ليكون أشبه بالسقيفة للحماية من الشمس، وبالمناسبة فان كلمة كوخ كردية / فارسية ، ذات اصل سومري ، انتقلت الى الانجليزية ايضا واصبحت Cottage وتعني كوخ .
وعن تسمية المعدان من المفيد أن نذكر ماجاء في القاموس الفارسي العربي ، من ان كلمة ماد ، اسم قوم عاشوا شرق ايران قديما.
وماد لها علاقة بالشعب الميدي الكردي، والهضبة الواقعة غرب ايران أو شرق دجلة ، المسماة عيلام ( ايلام)، وتشمل لورستان وجبالها بشتكوه وبيشكوه، فهي موطن الكورد الفيليين اللور ، وهي البلاد المجاورة لاهوار وسط وجنوب العراق .
لذلك أرى ان كلمة معدان لها علاقة بالجذر الكردي ، ماد ، علما ان ( آن) هي احدى لواحق الجمع في الكردية ، مثل لاو = شاب ، جمعها لاوان : شباب . فتكون مادان ، اسم جمع للقوم الذين ينتسبون لشعب ال ( ماد ). وتغيير مادان الى معدان شبيه بتغيير ايلام الى عيلام وآكرى الى عقرة وآمدي الى عمادية وقس على ذلك، بسبب خصائص النطق في اللغات السامية ومنها الاكدية و العربية.
وبما ان مناطق جنوب العراق غنية بالاعشاب والاحراش والقصب والبردي ، لذلك كانت مثار اهتمام الرعاة الكورد، ينتقلون اليها من الجبال لرعي مواشيهم والحصول على أراض زراعية اضافية، وان مثال انكيدو دليل على هبوط اكراد ايلام الى البراري المحاذية لجبالهم، من أجل رعي مواشيهم ، طلبا للكلأ ، وبما انهم كانوا ضخام الاجسام ، أقوياء البنية ، كانوا مثار فزع للصيادين الذين يصيدون الاسماك والطيور، وقد جاء في ملحمة جلجامش ترجمة العلامة طه باقر صفحة 40 في حديث الصياد الذي راى انكيدو الراعي الهابط من الجبال الى اوروك، فذهب ليخبر اباه بما راى قال:
( يا ابي ، رايت رجلا عجيبا قد انحدر من المرتفعات
انه اقوى من في البلاد، وذو بأس شديد
وهو في شدة بأسه مثل عزم آنو
انه يجوب السهوب والتلال ويأكل العشب
ويرعى الكلأ مع حيوان البر ويسقي معها عند مورد الماء
لقد ذعرت منه فلم أقو على الاقتراب منه ....)
حين يقول انحدر من المرتفعات ، تدل على انها المرتفعات المحاذية لاوروك ( وفي ترجمة اخرى ، انحدر من الجبال ، وطه باقر نفسه يذكر ذلك في الهامش رقم 17 في نفس الصفحة ) ولاتوجد جبال قرب اوروك غير جبال ايلام موطن اللور، الكرد الفيلية.
اما قول الصياد ان انكيدو يرعى الكلأ مع حيوان البر، فسببه ان اكراد ايلام كانوا من اوائل الاقوام الذين دجنوا الحيوانات البرية مثل الماعز والاغنام والابقار والخيول وصنعوا العربات الشهيرة التي كان الملك الاشوري يستوردها منهم لمتانتها، بسبب توفر الاشجار و صناعة الحديد لديهم ، اضافة الى ذلك اشتهرت منطقة ايلام بتوفر المعادن فيها ، ولذلك ظهرت فيها صناعات معدنية منذ عصر مبكر، واشتهرت بحداديها وصناعة الاسلحة ، واهمها الفأس، وهو مازال يسمى في العراق كما في الكردية الطبر او( ته ور ) اذ تخفف احيانا الباء في بعض اللهجات الكردية الى واو .
و بانتقال اكراد ايلام التدريجي الى هذه الاراضي المغمورة بالمياه والتي تكثر فيها المستنقعات، كانوا يبتعدون شيئا فشيئا عن تقاليدهم الجبلية ، وازيائهم الكردية و يكتسبون عادات جديدة ، وخبرات جديدة ، تتلائم مع طرق العيش المناسبة لصيد الاسماك وتربية الجاموس . والجاموس ، نوع من الابقار التي تعيش قرب المستنقعات الشهيرة والكثيرة الممتدة من العراق الى السند ( الباكستان) والهند . ويندر وجوده غرب العراق بسبب عدم توفر المياه والبيئة الملائمة له.
وكلمة الجاموس ، لها جذر كردي / سومري ، ففي السومرية يطلق على الثور غود ( خود ) ، ينظر مقالنا السابق : الشروكية والكورد الفيلية ، في مواقع عراقية الكترونية .
أما اسم الهور فيعود الى الكردية / الفارسية / السنسكريتية ، من الجذر ﮪور ، ومنه اله الخير او اله النور في الديانة الزرادشتية اهورمزدا، واله الشر او الظلام اهورامن وفي الكردية الحديثة مازالت كلمة ﮪَور تعني غيم ، ويجمعها مع المياه صفة مشتركة ، فالغيوم مياه والهور مياه، لذلك ربط الانسان الكردي الاثنين بتسمية واحدة ، اضافة الى صفات مشتركة اخرى مثل البياض المشترك بين الغيوم والمياه ، فالمسطحات المائية تبدو من بعيد او من المرتفعات الجبلية مثل الغيوم ، وربما لهذا لانجد لكلمة الهور استعمالات مشابهة في اللغة العربية ، اما هار واستخدامها في عبارة مثل جرف هار ، فهي بعيدة عن المراد ولا علاقة لها بالمطلوب.
الاهوار ، أسماها العرب البطائح، وهناك كلمات اخرى قريبة من هور في الكوردية ايضا هي : هاوار ، بمعنى النجدة التي يطلبها الشخص من الله او السلطة او الحاكم .. الخ ، وخلال تطور التاريخ المشترك للعرب والاكراد في العراق ، اختلطت القبائل العربية القادمة من غرب العراق مع سكان العراق القدماء ، واصبحت اللغة الاكدية هي السائدة بعد زوال اللغة السومرية في مناطق وسط وجنوب العراق، بينما ظلت السومرية تأخذ اشكالا اخرى لدى القبائل الكردية المنتشرة في كردستان، يقول كيفن يونج في كتابه العودة الى الاهوار : ( ولا تسبح الاهوار دوما بشمس مشرقة ، فهناك احيانا ضباب بارد ، رمادي اللون ملئ بالاشباح يبدو وكأنه شبيه ببداية الحياة في بلاد سومر ، وبعد مرور ساعة على رحلتنا – داخل الهور – هبت رياح عاتية قادمة من جبال كردستان وفي تلك الاثناء خيم الظلام على الهور وبدأت الغيوم السود تطاردنا ...) ص 99 – 100.
وبالتأكيد ان جبال كردستان هي جبال وهضبات بلاد الكورد الفيليين – جبال بشتكوه .
كما ورد في اللغة المندائية : انهور ، انهورا بمعنى طاهر ، نور ، مطلق الطهارة .( ينظر كتاب الصابئة المندائيون لسليم برنجي ص 37 ) فنجد علاقة بين النور والبياض والغيوم والسماء والطهارة المتأتية من الماء الذي يتطهر به الانسان ويتعمد به المؤمنون ويتوضأ به المصلون ، مما يدل على قدم العلاقة بين الهور والماء والغيوم والطهارة في لغات الشعوب العراقية القديمة في بلاد الرافدين.
سومر ...سومري ... سورميري
ولان الشعب الكردي من سكان الجبال ، وتمتاز الكثير من قبائله ببياض البشرة و حمرتها ، لذلك بقي هذا اللون والشكل لدى بعض سكان الاهوار في العراق ، ولدى الكورد الفيليين قبيلة مشهورة اسمها السورميري ، والاسم يتألف : من سور = احمر ، مي ، موي = شعر ، ري، روي = وجه ، مازالوا الى اليوم ينتشرون في مناطق واسعة تمتد من محافظة واسط وديالى الى السليمانية وكركوك، وقد نالهم التهجير والتعريب ، علما ان مناطق الاكراد الفيلية كانت تمتد على طول جبل حمرين الى عبادان جنوبا، وبالمناسبة فان تسمية حمرين تعريب للكلمة الكردية سورين اي احمر ، وهي نفس الكلمة في سورمي ري .
وارجح ان اطلاق تسمية السومري على شعوب وسط وجنوب العراق بسبب البياض وحمرة البشرة ، التي عرفت بها قبائل السورميري ، وهي من باب اطلاق اسم الجزء على الكل ، فغلب اسم السومري على شعوب وسط وجنوب العراق.
واود ان اضرب مثلا على التغيير الذي تعرضت له الاسماء الكردية ، بسبب نقلها من اللغات الاوربية الى اللغة العربية، فقد كان اغلب المنقبين والباحثين في الاثار في العراق من الاجانب مثل الالمان والانجليز والفرنسيين، فعلى سبيل المثال نقرأ عن الترجمة الالمانية ماكتب من نقوش :
( لتبق نينماخ Nin- mah الى الابد الملكة السامية، ولتشهد باكبار وسرور أعمالي الجليلة )
وكذلك :
أنا نبوخذ نصر ، ملك بابل ...
ل ( نينماخ ) ، للاميرة ، للجليلة
شيدت المعبد في بابل
وبسور ضخم من قار الارض والحجر
سورت المعبد ، باكداس التراب النقي
ملأت داخله
( نينماخ )ايتها الام الرؤوم
انظري بفرح
لتكن اوامرك رحمة لي
انشري ذريتي
مدي سلالتي احفظي مافي ارحام سلالتي
باركي الميلاد.....) ينظر صفحة 134 من كتاب معابد بابل ولورسبا ، تاليف الاثاري الالماني روبرت كولديفاي ، ترجمة نوال خورشيد سعيد ، بغداد 1985 .
والملاحظ هنا ان الملكة التي يتوجه اليها نبوخذنصر هي نين ماه Nin-mah كما كتبها المترجم الالماني بالحروف اللاتينية، ولكن لان المترجمة أخضعت الاسم الى المنطق اللغوي الالماني، حولته الى نين ماخ فاضاعت بذلك فرصة تفسير الاسم استنادا الى اللغة الكردية ، لان قراءة الاسم استنادا الى اللغة الكردية تكون كالاتي :
نين = ننه = الام الكبيرة ( الجدة ) وهي مازالت مستخدمة في الكردية والفارسية بمعنى الجدة
ماه = الام وكذلك القمر ، وفي الهندية المعاصرة مازالت كلمة ماه تطلق على الام . وفي الفارسية مادر = الام ، وفي الكوردية ميمي ، ميمك = العمة ، وفي الكوردية و الفارسية مانك ، ماه ، مانك شه و = القمر .
وبهذا يكون المعنى : الام الكبيرة ( الجدة ) أو الام القمر أو الالهة القمر .
وهي التي يتوجه اليها نبوخذ نصر بالدعاء .
ومن المفيد ان نذكر ان الاريين كانوا يعبدون الكواكب ايضا في مراحل اولى من ديانتهم ومازالت اثارها موجودة في المنطقة وفي الهندوسية ، وقد تطرق القرآن الكريم الى عبادة القمر ايضا .
نظرية نظام عنصري
ولاننس ان نبوخذ نصر تزوج اماياتيس الاميرة الكردية الميدية ، وتذكر المصادر التاريخية ان سبب بناء نبوخذ نصر للجنائن المعلقة هو شوق زوجته الاميرة الكردية الى حياتها الجبلية ، مما يدل على صلة الميديين القوية بسهول العراق. ولربما كان زواج اماياتيس سببا لقدوم العديد من النساء الميديات الى بلاط بابل، كوصيفات ، وفنانات ، وصاحبات للاميرة .
ويجدر بنا أن نذكر ان تتابع الموجات السامية على وسط وجنوب العراق قبل الاسلام ، ومجئ القبائل العربية بعد الفتح الاسلامي ، جعل الغلبة للاكدية ومن ثم للعربية لغة وقوما في وسط وجنوب العراق وانحسر وجود الكورد الفيلية وتراجع الى الجبال والمناطق المحاذية لها مثل مدن خانقين وعلى الغربي و بدرة و زرباطية... الخ.
اما ما اشاعه نظام صدام حسين - وهو نظام شوفيني عنصري - من ان سكان الاهوار جاءوا من الهند ، فهو خلط لاوراق التاريخ من أجل اهداف سياسية ، يروم النظام بواسطتها الاجهاز على العراقيين ، والتخلص منهم ، وهي التهم التي توجه للكورد الفيليين ايضا ، واتهامهم بانهم ايرانيون ، من أجل ابادتهم وتهجيرهم، ولكن هذا لايعني عدم وجود هجرات من الهند الى جنوب العراق وبالعكس ، فالعلاقات قديمة بين وادي السند والعراق ، وهناك تشابه كبير بين حضارة وادي السند وحضارة وادي الرافدين.( راجع مانشرناه حول الموضوع سابقا) .[1]