محمود الوندي
تحتوي هذه الدراسة المختصرة والموجزة حول تأريخ الكورد الفيلية في الماضي بغية أعطاء فكرة للقارئ الكريم بشكل موضوعي بعد أستيعانتي بكتب التأريخ وبعض المقالات عن سبب أضطهادهم من قبل الحكومات المتعاقبة دست على الحكم في العراق ، والظلم والأجحاف الكبير الذي لحق بهم في التأريخ الحديث ، وما هي دورهم في الحركة الوطنية العراقية والكوردستانية منذ الحرب العالمية الثانية ، وكذلك دعمهم للتنظيمات الإسلامية السياسية منذ بداية تشكيلها ضمن إطارها الوطني العراقي العام ، وأبعادها القومية الكوردية والمذهبية الشيعية ، وما وضعهم الأقتصادي والأجتماعي الحالي داخل المجتمع العراقي ومقارنة مع وضعهم السابق ، ونتسأل ماذا قدمت لهم الحكومة التي تلت السقوط لهذه الشريحة ؟ وماهي مستحقاتهم آلآن في الحكومة الجديدة ؟ وما السبب لحد الآن عدم تمكنها تلبية مطالبهم المشروعة ؟ ولماذا لم تعيد لهم كامل حقوقهم وعلى رأسها حقهم في المواطنة ؟ يجب وضع الحلول الجذرية لهذه المشاكل والمعاناة الطويلة ، وإصدار قرارات سياسية محكمة من الحكومة العراقية والبرلمان العراقي بسن قانون جديد من قبلهم ليكون حد نهائي لمعاناتهم وآلامهم وحلاً نهائياً لقضاياهم .
تأريخ الكورد الفيلية :
لقد أثبتت الدراسات التأريخية والتقنيات الأثرية على أن أقدم الأقوام البشرية التي سكنت في المناطق المحصورة بين شرق دجلة وجهتي جبال زاكورس المتاخمة للحدود العراقية الإيرانية هم الكورد الفيلية ، وحكموا ولاتهم المنطقة أكثر من 331 سنة وكانت عاصمتهم تقع في المنطقة الكميت ضمن محافظة نيسان ، حيث يعود تأريخ سكناهم في هذه المناطق الى أكثر من 5 ألاف عام ، وكانوا مصدراً رئيسياً لصناعة آلات حديدية ونحاسية الى بلاد ما بين النهرين والى بلاد الفرس ، أضافة الى الزراعة وتربية الحيوانات ، ونشأت عليها أقدم الشرائع في حينها وإنتعشت الحركة الثقافية وإزدهرت النهضة العمرانية في ظل حكمهم بسبب نشاطهم العقلي وجهدهم البدني ، يشهد التأريخ بحق هذه الشريحة الكوردية على إنسانيتها وقدرتها وتصميمها الجبارة في بناء صرح الإنسانية وتشييد الحضارات البشرية منذ فجره ، وكانوا من الرواد الأوائل في بناء صروح الحضارات الإنسانية من خلال المسيرة التأريخية ، وينحدر الكورد الفيلية من عشائر معروفة مثل عشيرة الجيروان والملكشاهي والكولكولي والشيروان والزركوش والقطبي والشوهان وهناك عشائر كوردية اخرى ، الأصل الحقيقي للكورد الفيلية يعود الى الشعب اللوري هو جزء من الأمة الكوردية ، وتنتمي أغلبهم الى مذهب أهل البيت وهو المذهب الشيعي . يذكر العديد من المؤرخين بأن الشعب اللوري من بقايا العلاميين أو الكوتيين حيث تنتشر هذه الشريحة الكوردية في مدينة بغداد وفي المناطق الوسطى والجنوبية من العراق ( من خانقين شمالاً الى الكوت والعمارة جنوباً ، وغيرها من المدن العراقية بمحاذات حدود العراقية الإيرانية) . ولهم لهجتهم الخاصة المشتقة من اللغة الكوردية ، بل أنها الأساس الحقيقي لللغة الكوردية . أما مدلول كلمة الفيلي حسب تعريف العلماء تعني انها الرجولة والشجاعة النادرة والغيرة والأنسانية .
نجح الكورد الفيلية في الاندماج منذ ألاف السنين بالمجتمع العربي العراقي على نحو متكامل أجتماعياً وأقتصادياً وثقافياً وسياسياً ، دون أن يفقدوا حسهم بالانتماء القومي الى الأمة الكوردية وحافظوا على لهجتهم الكوردية اللورية ، شأنهم شأن العديد من الأقليات القومية والدينية الصغيرة ، كما حافظوا على تقاليدهم المذهبية ، والمعروف عن الكورد الفيلية أنهم أناس مسالمين ومحبين الى الخير والعمل الإنساني ، كما نجحوا في أمتهان العمل التجاري والصناعي والزراعي لأنهم تميزوا بوفاء وأحترام المواثيق والصدق والامانة في نشاطاتهم التجارية والأقتصادية ، وبرزت أسماء متميزة من بينهم في ميدان الحركة الوطنية العراقية والكوردستانية ، وتأريخ العراق السياسي عموماُ من خلال نشاطهم الوطني العراقي ضمن صفوف الحركة الكوردية التحررية وضمن صفوف الحزب الشيوعي العراقي والحركات السياسية الاخرى ، و ظهرت أسماء لامعة في ميدان الثقافة العراقية وفي ميدان الفن والرياضة الى جانب التجار المعروفين في الميدان الاقنصادي ، بالإضافة الى المئات من شهداء الكورد الفيلية الذين ضحوا في سبيل الوطن والشعب داخل السجون والمعتقلات الأنظمة السابقة وفي الأقبيتهم وأختلط دمائهم بدماء أبناء العراقيين الشرفاء الذين لم يرضخوا يوماً الى الحكام الطغاة ، وهناك أمثلة الكثيرة سوف نذكرها في الأجزاء القادمة ، كما ضحوا وأستشهدوا دفاعاً عن الشعب الكوردي فوق قمم جبال كوردستان ووديانها ، لا يسعنا ذكرها وإذا أردنا ذكر فالقائمة تطول ، لأن لهم تحت كل شجرة وصخرة جندي مجهول ، وفي كل سجن سفيراً لهم .
كان الكورد الفيلية ضحية التخطيط الأنتقالي للحدود الفارسية والعثمانية في وقتها لأنها تسكن في المناطق الحدودية بين العراق وإيران كما أشرنا اليها ، وأصبحت مناطقهم أرض صراع بين الدولتين حتى العقدين الأخرين من القرن الماضي ، أستمرت هذه الحالة بعد سقوط العثمانيين ، وأخرها كانت الحرب الايرانية - العراقية التي أستمرت ثمانية أعوام في القرن الماضي التي دفعت جميع المدن التي تسكنها الكورد الفيلية أهلها وبنيتها التحتية ثمناً باهضاً طيلة سنوات الحرب المدمرة ، حيث القصف العشوائي والتدمير اليومي الذي أصاب البشر والحجر والبساتين وكل شيء حي .
المصادر
الباحثة الألمانية باريار غوتمان : لورستان الغارقة في القدم
المستشرق هول : تأريخ الشرق الأدنى القديم
مؤسسة شفق للثقافة والاعلام للكورد الفيليين.[1]