محمود الوندي
دور الكورد الفيلية في الحزب الشيوعي العراقي
شهدت فترة منتصف الثلاثينات وبداية الأربعينات من القرن الماضي نشوء الوعي السياسي لدى سكان مدينة بغداد وضواحيها وفي العديد من المدن العراقية ولاسيما في الجنوب والوسط ، للوقوف ضد الاستعمار البريطاني والنظام الملكي وضد التحالفات الدولية والأقلمية التي تصب لمصلحة الحكام فقط ( مثل حلف بغداد ما يسمى حاف سانتو ) ، كانت الكورد الفلية في طليعتهم وأتدفاعهم بحماس للمشاركة في النضال الوطني لتحرير الوطن من تبعية الأستعمار البريطاني وبناء الديمقراطية في العراق وتحقيق العدالة الأجتماعية بين مكونات الشعب العراقي ومبادئ حقوق الانسان للضمان المؤكد لحماية جميع الأطياف العراقية وأقرارحقوقهم المدنية والقومية والدينية ، من خلال أرتباطهم بقوى الحركة الوطنية العراقية وبشكل خاص أنضمامهم الى صفوف الحزب الشيوعي العراقي ، لأنهم وجدوا الحزب الشيوعي أحد أعمدة العمل السياسي في مجتمعنا وكان أبرز قوة سياسية وتنظيمية أنذاك في بغداد والعديد من المدن العراقية ، وأقدم الحزب من بين الاحزاب السياسية العراقية ، وأستوعب تطلعاتهم الوطنية والقومية ، وبرزت خلال ذات الفترة أناس من الكورد الفيلية الذين أثبتوا جدارتهم في المجال السياسي والثقافي والنضالي داخل الحزب الشيوعي ، كما أثبتوا جدارتهم في المجال الاقتصادي والصناعي ، لأنهم كانوا قوة سياسية وسكانية داخل يعض مدن الوسط والجنوب وخاصة مدينة بغداد العاصمة حيث لعبوا دوراُ مشرفاً في وثبة كانون وانتفاضة تشرين وكانوا هم من أبطالها ، وبينت تلك القوة عند مقاومتهم لأنقلاب 8 شباط الأسود عام 1963 في شارع الكفاح منطقة عكد ( حي ) الاكراد والصدرية وباب الشيخ والقشل وأبو سيفين وأبو دودو والعوينة وساحة النهضة وصبابيغ الال وفضوة عرب وتبة الكورد ومدينة الحرية والكاظمية والاحياء الشعبية الكوردية الاخرى في مدينة الثورة والجميلة تدل على اخلاصهم ووفائهم للشعب والوطن والحزب الشيوعي .
عندما هب الشعب العراقي من مختلف القوميات والطوائف ليس في مدينة يغداد وحدها بل في جميع المدن العراقية للتصدي للأنقلابيين وكان الكورد الفيلية في مقدمتهم ، لقد وقف الكورد الفيلية كبقية العراقيين بوجه المتأمرين ليدافعوا على ثورة الرابع عشر من تموز وحفاظ على مكتسباتها ، وعلى قائدها الشهيد عبد الكريم قاسم ، بروحهم واموالهم ودمهم وجسدهم ، ونزلوا الى الشوارع وتوجهوا الى وزارة الدفاع ، وهم يطالبون الزعيم قاسم بالسلاح لمقاتلة أنقلابيين الخونة ، وجابهت تلك الزمرة الضالة من الأنقلابيين مقاومة شعبية من قبل العراقيين كان الكورد الفيلية في طليعتهم وخاضوا معارك باسلة ودامية للتصدي للمجرمين الاقزام والخونة وأفشال مؤامرتهم ، في ذلك الحين أشتد الصراع بينهم وبين الأنقلابيين فقتل وجرح الكثير من المشاركين في الانقلاب الاسود في تلك المواجهة ، هنا تجلت أروع صور التضحية للكورد الفيلية ، حيث قدموا الاف من الشهداء من ابناهم من اجل الوطن والشعب وحفاظ على ثورة 14 تموز ومنجزاتها ، وزج بالألاف منهم في السجون والمعتقلات وتم تعذيبهم على أيدي رجال الحرس القومي مما أدى الى أستشهاد عدد كبير منهم تحت التعذيب ، والله لوكانوا يملكون السلاح لأسقطوا الانقلابيين .
بعد عودة البعث الى الحكم مرة اخرى عام 1968 أخذ ينتقم من الكورد الفيلية بسبب مقاومتهم لأنقلاب 8 شباط ، كما أخذ الكورد الفيلية نشاطاتها المسلحة في مقارعة النظام البعثي مرة أخرى من خلال الحزب الشيوعي للقيادة المركزية ، ونشاطاتها السياسية من خلال الحزب الشيوعي للجنة المركزية ضد نظام البعث .
قدمت الكوردي الفيلية قوافل من الشهداء من أبنائهم من أجل حرية وديمقراطية الوطن وسعادة الشعب ، وتحدى أبنائهم الموت والعذاب والسجن بالدفاع عن الحريات وحقوق الأنسان وحقوق المرأة ، كما ضحوا بكل شيء من أجل ضمان حقوق الشعب العراقي وبكل أطيافه وشرائحه ، وسقيت أرض العراق بدمائهم الزكية ثمناً لمبادئهم وأفكارهم الوطنية الصادقة والمخلصة ، وقام الحزب الشيوعي العراقي بأرسال العشرات من أبناء وبنات هذه الشريجة الى الدول الأشتراكية السابقة والأتحاد السوفيتي السابق للدراسة والتحصيل العلمي لخدمة المجتمع العراقي .
وأستخدمت الحكومات العراقية المتعاقبة على الحكم العراق كل الوسائل والسبل لتحجيم وتعطيل دور الكورد الفيلية على الساحة العراقية سياسياً واقتصادياً وأجتماعياً ، ولكن تتحدى أبناءها البررة للشر والظلم بكل أنواعه وأشكاله ، ولم تستطيع تلك الحكومات أقلاع جذورهم العراقي ممتداً عميقاً في أرض العراق أو ينال من عزيمتهم على مدى عقود من السنين ، هذه الحقيقة ناصعة للداني والقاصي ، لأن الجميع يعلم ويعرف بالدور المتميز الذي لعبها الكورد الفيلية سياسياً وفكرياً ورياضياً وعلمياً وفنياً وحضورهم النضالي على الساحة العراقية والكوردستانية ، ووقفهم البطولية ضد أعتى نظام دكتاتوري وأشده غطرسة في العالم العربي والاسلامي ، وتأريخهم المشهودة على الساحة السياسية في بغداد وخانقين وبقية المدن والقصبات العراقية لنضالهم ضد الظلم والطغيان ، ولعل ان أذكر بعضاً من رموزهم في القدام والشجاعة من الذين تحملوا من التعذيب الوحشي في الأقبية قصر النهاية من قبل جلاوزة البعث المجرمين لأانتزاع أعتراف منهم وخير مثال لهم الشهيد لطبف الحاج أستشهد عام 1963 والشهيد جبار محمد علي السيوميري الملقب جبار الحلاج أستشهد عام 1969 بعد تقطيع بعض أعضاء جسمهم جزءاً جزءاً بسبب صمودهم البطولي وعدم إعتراقهم على رفاقهم .
ومن أهم الشخصيات برزت داخل الحزب الشيوعي العراقي هم : د . عزيز الحاج و د. أحمد رجب علي ( المانيا) و د.كمال شاكر سكرتير الحزب الشيوعي الكوردستاني وكامل رضا ، والشهيد نصرالدين مجيد الدلوي ابن خانقين البار كان ضمن التشكيلة القيادة للحزب الشيوعي العراقي ( القيادة المركزية ) أحد ضحايا قصر النهاية الرهيب ورمى جثته الطاهرة على طرق المحافظات الجنوبية بعد التنكيل به ، ومن الطبيعي هناك شخصيات أخرى شغلت مناصب قيادية أوأحتلوا مواقع مهمة في صفوف الحزب الشيوعي العراقي . لا يتسع الآن المجال لذكرهم فعذراً لمن لم يرد أسمه أعلاه .
المصادر
مؤسسة شفق للثقافة والإعلام للكورد الفيليين
د . زهير عبد الملك : مراجعة سريعة للحركة السياسية في اوساط الكورد الفيليين
د . مجيد جعفر : مبررات تنظيمات سياسية كوردية في خارج كوردستان – الكورد الفيلية.[1]