حسين شاويش
الإبادات الثقافية التي هي ثاني أسلوب في الإبادة، غالباً ما تُطَبَّقُ على الشعوب والمجموعات الأثنية والجماعات العقائدية التي هي في وضعٍ واهنٍ ومتخلفٍ مقارنةً مع ثقافة الدولة القومية والنخبة الحاكمة. وبالإبادة الثقافية التي تُعَدُّ آليةً أساسية، يُرامُ إلى تحقيق التصفية التامة لتلك الشعوب والمجموعات الأثنية والدينية ضمن بوتقة ثقافة ولغة النخبة الحاكمة والدولة القومية، ويُسعى إلى القضاءِ على وجودِها بإقحامِها في مكبَسِ كافةِ أنواعِ المؤسساتِ الاجتماعية، وعلى رأسِها المؤسساتُ التعليمية. الإبادةُ الثقافيةُ شكلٌ من أشكالِ التطهيرِ العِرقيِّ أكثر مخاضاً مقارنةً مع الإبادةِ الجسدية، وتمتدُّ على سياقٍ طويلِ الأَمَد. والنتائجُ التي تُفرِزُها أفظَعُ مما عليه الإبادةُ الجسدية، وتُعادِلُ أكبرَ أنواعِ الفواجعِ مما قد يَشهدُه شعبٌ )أو مجموعةٌ ما( في الحياة. ذلك أنّ الإرغام على التخلي عن وجودِه وهويته وعن جميع المُقَوِّمات الثقافية المادية والمعنوية الكائنة في طبيعة مجتمعِه، يُعادِلُ الصَّلبَ الجماهيريَّ الممتدَّ على مرحلةٍ طويلة المدى. يستحيل الحديث هنا عن العيش في سبيل القيم الثقافية المُعَرَّضة للإبادة، بل لا يُمكنُ الحديث سوى عن التأوُّه والأنين. » مرافعة مانيفستو الحضارة الديمقراطية -المجلد الخامس-عبدالله أوجلان.
الإبادة هي عنوان مؤسسة الدولة وتشمل جميع ممارساتها القمعية الفظة والتدريبية والاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية. وهي تهدف إلى إنهاء وجود المجموعات والمكونات الاجتماعية والثقافية التي تعيش خارج إطار الدولة وتحاول ممارسة خصوصياتها ومميزاتها وهوياتها بحرية.
ليس خافياً على أحد على أن أكثر المجموعات والمكونات الاجتماعية والثقافية التي تعرضت للإبادة في بداية القرن العشرين بشكل خاص هو المكون الكردي والأرمن في الشرق الأوسط. الكرد هم ضحية سياسة الإبادة الثقافية في المنطقة على يد الأنظمة القوموية الشوفينية التركية – العربية – الفارسية والإسلام السياسي المنسجم مع سياسة الدولة القومية. إلى جانب الكرد يجب الإشارة إلى أن الأرمن والسريان والآشور والكلدان أيضاً تعرضوا للإبادة على يد نفس القوى كأقدم شعوب ومكونات هذه المنطقة.
الإبادة الثقافية هي عبارة عن ممارسة وجريمة بحق الإنسانية إكمالاً لسياسة الصهر القومي والمذابح الجسدية العرقية. ولكن هناك فرق شاسع فيما بين الإبادة الجسدية والإبادة الثقافية من حيث النتيجة والممارسة. فالإبادة الجسدية تقضي على وجود المكونات والمجموعات الثقافية والقومية المتنوعة جسدياً وجغرافياً عبر الوحشية. بينما المذابح الثقافية تعبر عن الاستمرارية في الوصول إلى أعلى مستوى من الصهر القومي والتهجير والتغيير الديموغرافي.
الإبادة الثقافية تجاه الكرد في الشرق الأوسط: تهدف إلى تغيير الهوية التاريخية والثقافية والقومية للكرد وتحويلهم إلى مادة خامة في بناء هوية شوفينية مصطنعة على يد الدول القوموية في المنطقة. تحولت ممارسات الإبادة الثقافية إلى حرب خاصة ضد الكرد في عموم أجزاء كردستان. لقد تم منع اللغة والثقافة والفلكلور والأسماء والإشارات والموسيقى والمناسبات الكردية من قبل الدول الاستبدادية والشوفينية في المنطقة.
تصفية الذاكرة من أحدى الوسائل المعتمدة لدى دوائر الحرب الخاصة في كل من تركيا وسوريا وإيران والمستخدمة ضد الشبيبة الكردية هي القضاء على الذاكرة الاجتماعية التاريخية والثقافية للشبيبة كجزء مهم من الإبادة الثقافية على يد عصابات الأرغنكون والميت والمخابرات السورية والاطلاعات ) ا لا ستخبا ر ا ت ( الإيرانية. والهدف هو القضاء على كل آمال الحرية لدى المجتمع الكردي. دون أدنى شك تلعب دائرة الحرب الخاصة التركية المرتبطة بالموساد والمخابرات الأمريكية الدور الريادي في تشجيع المخابرات السورية والاطلاعات الإيرانية على هذه المسألة. ففي الآونة الأخيرة تحاول هذه الأجهزة المعادية لأبعد الحدود لوجود الشعب الكردي، على اختراق صفوف الشبيبة الكردية وخصوصاً الفتيات بهدف تحويلهم إلى أدوات لفرض الانحلال الخلقي وتجارة الجنس في المنطقة. وهم يستهدفون بذلك فتح القلعة من الداخل، لأن المرأة هي الأساس في تربية المجتمع الكردي المتمتع بالخصوصيات الطبيعية والمستمدة من المجتمع القروي الزراعي )النيوليتي(.
نعم أنهم يستهدفون قلب المجتمع الكردي وسمعته وكرامته وشرفه. هذه الأجهزة الهدامة والعنصرية تجيد وسائل لم يتم استعمالها من جانب أية قوة أخرى في أي مكان على وجه الكرة الأرضية. ولكن الوسيلة الأكثر تأثيراً هي تصفية الذاكرة.
ما هي تصفية الذاكرة؟ هي تصفية الخيال الذهني والتصور الاجتماعي والارتباط الثقافي والتاريخي والجغرافي إلى جانب العالم الروحي والعاطفي تماماً، وخلق عالم وهمي وافتراضي )مزيف( بعيدا عن الواقع لدى الإنسان. ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف تستخدم هذه الدول أساليب الإرهاب والقتل والاعتقال إلى جانب فتح الطريق أمام الإغراءات المادية والشهوانية. فالدولة البعثية العنصرية في سوريا تحاول في السنوات الأخيرة سد الطريق أمام الاحتفال بعيد نيروز من جانب الشبيبة.
والمجتمع الكردي عموماً عبر وسائل القتل والاعتقال كما حصل في نيروز 2010 في مدينة الرقة ونيروز 2009 في مدينة قامشلو. وفي نفس الوقت تفتح المجال لبعض المجموعات الكردية المشبوهة لكي يمارسوا اللعب واللهو والطرب في هذا اليوم المقدس، والهدف هو إفراغ نيروز من محتواه وتحويله إلى يوم للنزهة ليس له أي معنى تاريخي وثقافي كما حصل في مسألة عيد العمال العالمي ) 1 أيار( مع مرور الزمن. بالنسبة إلى العصابات التركية المخابراتية )الأرغنكون( فأنهم يحاولون خطف الفتيات الكرديات الصغيرات من المدارس الليلية الحكومية واغتصابهن وتصوير عمليات الاغتصاب بالفيديو واستعمالها كأداة للضغط والابتزاز ضد الفتاة وعائلتها لكي يقبلوا بالعمالة للدولة. وقد انتشرت هذه الممارسة في عهد حكومة أردوغان «الإسلامي » ومثلما حصل في سيرت وبرواري ووان وماردين في الآونة الأخيرة. وقد وعد أردوغان بنشر المدارس التركية ذات الطابع القومي الشوفيني والإسلامي المزيف في كل أنحاء كردستان، والغاية الأساسية من ذلك هو نشر اللغة والثقافة التركية الدولتية الهدامة فيما بين الشبيبة الكردية وخصوصاً الفتيات. كما أن سوريا التي تحولت إلى ولاية عثمانية مدارة من جانب «بشار باشا العثماني » تترجم المسلسلات التركية والشوفينية إلى اللغة العربية وتحاول نشر الثقافة التركية واللغة العربية )تعريب وتتريك( فيما بين الشبيبة. ومن أجل سد الطريق أمام مشاهدة الجماهير الكردية واستماعهم إلى نشرة الأخبار لفضائيات الكردية في المساء. فأن أجهزة النظام البعثي الأردوغاني عمدت على نشر المسلسلات التركية الهدامة في نفس الساعة.
إن محاولة الدولة التركية في تصفية الذاكرة الكردية دخلت في حيز التنفيذ منذ سنوات على يد حكومة البعث السوري في غربي كردستان أيضاً. وأما في جنوبي كردستان )إقليم جنوب كردستان( فإننا لا نستغرب المظاهر الاستعراضية لفنانين تابعين للدولة التركية ويتاجرون بالفن والثقافة، فأي زائر لمدينة زاخو أو دهوك أو هولير، يستطيع أن يرى صورة سيبل جان، وإبراهيم تاتليسس وجيلان في كل مكان، بينما لا نلاحظ أية مظهر استعراضي فني أو ثقافي للفن الكردي الشعبي الأصيل مثل أياز يوسف أو تحسين طه أو حسن زيرك أو محمد شيخو، لأن حكومة إقليم كردستان تدعم هذا التوجه الثقافي والفني الهدام وكأنها جزء من حكومة تركيا العثمانية الاسلامية. لا شك بأن أمريكا وإسرائيل وانكلترا بشكل خاص، يدعمون هذا التوجه الثقافي ذات الصبغة الإسلامية المعتدلة والجذور الأوربية الحداثوية الرأسمالية. لأنهم يريدون تصفية أسس ثقافة المقاومة والروح الاجتماعية الأخلاقية والكومونالية لدى مجتمعات الشرق الأوسطية.
وأكبر مثال على ذلك هو دعم أمريكا وانكلترا لرئيس الطريقة النورسية التركي فتح الله كولن من أجل فتح المدارس الدينية التركية في هولير والسليمانية وكركوك ودهوك وآسيا الوسطى وفلسطين وسوريا.
أمام هذه اللوحة الثقافية والفكرية الهدامة والهادفة إلى تصفية الذاكرة الاجتماعية التاريخية ما هي مهامنا ومسؤوليتنا؟ قبل كل شيء علينا أن لا نخدع أنفسنا، لأن هذه الحرب الخاصة أخذت مسافة لا يمكن الاستهانة بها. ولنعطي مثالاً على ذلك، فالشاب الكردي والشابة الكردية تتذكر لون قميص إبراهيم تاتليسس أو كوجوك جيلان في حفلة تلفزيون قبل سنوات عديدة، بينما لا تتذكر مظلوم دوغان الذي أحيى ذكرى عيد نيروز بدمائه في سجن ديار بكر )آمد( وكما لا يتذكرون ذكرى استشهاد قاضي محمد ولا يعرفون من هو أحمد خاني وفقه تيران. وهم يتابعون الحياة الخاصة المتفسخة ل مادونا بينما لا يعرفون مآسي محمد شيخو والفنان الشهيد سرحد و آياز والفنانة الشهيدة مزكين. إذاً هناك غزو ثقافي وحرب ثقافية علينا أن نواجهها من خلال تدريب الشبيبة وأحياء روح الوطنية الصادقة والديمقراطية فيها، وكما يجب علينا توجيه الشبيبة نحو ثقافة المقاومة لشهدائنا ونشر اللغة الكردية والأدب الكردي والموسيقى الكردية الأصيلة والشعبية فيما بينهم وخلق البديل الثقافي واستعادة الذاكرة الشعبية والاجتماعية عبر الندوات والاجتماعات وبكل الوسائل المسموعة والمكتوبة والمرئية. وكما يقول القائد آبو «الشبيبة والمرأة هما القوة الأساسية الرائدة في بناء المجتمع الديمقراطي الكومونالي ». اذاً نحن مكلفين بتحمل مسؤولياتنا أكثر من أي وقت مضى وبأسرع خطوات ممكنة لأننا تأخرنا في هذه المواجهة الحيوية. الإبادة ضد الشبيبة الرياضة كظاهرة تلعب دوراً كبيراً في تربية الإنسان جسدياً وروحياً، حتى هناك الكثير من الأمراض الجسدية والروحية يمكن معالجتها بالرياضة. ولكن عندما ننظر إلى مستوى هذه الظاهرة في العالم الراهن، فإننا نرى بأن الرياضة خرجت من هذا الإطار الإيجابي ولم تعد تلعب مثل هذا الدور بل تحولت إلى آلة للحرب ضد المجتمع وخصوصاً الشبيبة.
فالمعارك الدموية الحاصلة في ملاعب كرة القدم دليل كافي على ذلك. إن روح الشوفينية القومية التي تلازم مباريات كرة القدم وتحاول تغذية روح العداوة بين الشعوب، أفرغت الرياضة من جوهرها )كونها أداة للصداقة بين الشعوب(. كما أن تغذية الروح الإقليمية والمنطقية عبر الرياضة، أدت إلى انقسام الشبيبة على نفسها ودخولها في صراع مصطنع ضد بعضها البعض بعد أن كان موجهاً ضد النظام في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. كما أن تنظيم الشبيبة على أساس فرق كرة القدم وانشغال هذه الطاقة الخلاقة بحروب الرياضة أبعدتها عن هموم المجتمع والسياسة والبيئة وما شابه من الأمور الأساسية. وأكثر من هذا كله. فأن تخريب نفسية الشباب ومعنوياتهم الرومانسية عبر خلق طراز من الشخصيات الذي يحاول النظام تقديمها كشخصية نموذجية مثالية، أفرغت الشبيبة من جوهرها كشخصية تملك الخيال والعطاء والرومانسية الثورية فالفرق الرياضية تحولت إلى مذاهب دينية لبعض فئات الشبيبة، وملأت روحها وعقلها وأبعدتها عن الحقيقة التي يعيشها العالم. وكأن المشكلة الأساسية للشبيبة تكمن في انتصار فريق ريال مدريد على برشلونة أو بالعكس. وكما تحول روبرتو كارلوس ورونلادينو وأمثالهم إلى أنبياء ورسل للشبيبة الواقعة تحت تأثير النظام. فكلما ندخل بيتاً نرى فيه صورة ل روبرتو كارلوس أو رونالدينو، بينما لا نشاهد صور الأبطال الذين استشهدوا في سبيل الحرية، مثل مظلوم دوغان وكمال بير وغيرهم.
الفن بشكل عام لم يتطور من قبل الدولة البرجوازية الحديثة ونظامها العالمي. بل الفن موجود وبشكل مرتبط بحياة المجتمع وأخلاقياته الإنسانية منذ ظهور الإنسان العاقل )هوموسابيانس(. كل ما فعله الرأسمالي الحرامي، هو السيطرة عليه وتحويله إلى بضاعة استهلاكية )كما فعل بالرياضة( واستخدامها كأداة للانحلال الخلقي وسقوط المجتمع.
إن ثقافة مادونا ومايكل جاكسون الأمريكية التي تغزو كل أسواق الثقافة الاستهلاكية في العالم وتهدف الشبيبة بشكل خاص لها أهداف سياسية. فشخصية مايكل جاكسون هي قبل كل شيء شخصية ممسوخة، لأن مايكل أصله زنجي، ولكنه مر بسبعة عمليات تجميل لكي يظهر نفسه بأنه ليس زنجي بل من العرق الأصفر. إن إنكار الأصل ومحاولة تقمص شخصية أخرى لا يرضي أحدا على وجه الأرض. بينما مادونا ومن على شاكلتها، فهم لا يبدعون الفن، بل يحاولون التحول إلى شخصيات نموذجية لا روح لها حسب رغبة النظام الرأسمالي العالمي. كل الشبيبة المتأثرة بهذه الثقافة يقلدون مايكل ومادونا، من ناحية اللباس وتسريحة الشعر ونمط الحياة.
إلى جانب هذا كله، فإن هذه الثقافة الفنية الاستهلاكية، تحاول قطع الشبيبة عن الفلكلور الشعبي الأصيل وتحاول تحويله إلى قرد لا يستطيع التفريق بينما ما هو أصيل ومزيف، وبينما يصفق ويرقص ويضحك لكل شيء. أما من ناحية السينما، فإننا لا ننكر خدمة هذا الفن الإنسانية. ونحن نشيد بالسينما في شخص شارلي شابلن وغيره من المبدعين. ولكن ما يحصل غير ذلك.
لأن سيطرة هوليود على السوق والإنتاج السينمائي، حولت كل شيء أمريكي أو أوربي أو على هذا النمط )هندي، عربي، تركي …..الخ( إلى نموذج تحتذي به الشبيبة المتأثرة بهذه الثقافة. فإلى جانب صور ومادونا على صدر الشبيبة فإننا نرى صور نجوم ونجمات هوليود على صدرهم. هؤلاء النجوم الذين يحرفون الحقيقة في أفلامهم. فكثيرا ما نضحك ونستهزئ بالجندي الأمريكي الذي ذهب إلى فيتنام أو العراق وقتل كل «الأشرار » ببندقيته الأسطورية ورجع إلى أمريكا أما سليما أو بجروح طفيفة. ولكن ثقافة هوليود، تحاول تصوير هذا الجندي أو العميل الأمريكي، كمحور للإنسانية، بينما تصور الطرف المقاوم كعدو للإنسانية )أي إرهابي(. إن قلب الحقائق في ذهن الشبيبة هو الهدف من وراء هذه السياسة الثقافية.
طبعاً نؤكد وبشكل قاطع بأن الفن ظاهرة إنسانية اجتماعية ومعنوية. ولكن بعد تحوله إلى سلعة استهلاكية في السوق من جانب الرأسمال المالي العالمي، تغير دوره في تطوير معنويات المجتمع وتغذية روحه. وذلك بعد أن ابتعد عن الأخلاقية الاجتماعية للإنسانية. فالفن ليس سلعة ولا بضاعة، بل هو قيمة معنوية لا يقاس بأية شيء مثل القيم لا إنسانية الأخرى. هنا سوف نحاول إلقاء الضوء على السينما والفيديو والإنتاج المرئي بالترابط مع الجنس.
الجنس ظاهرة طبيعية في حياة الإنسان ومرتبطة بحاجته في الاستمرار على نوعه كجنس. ولم تكن في بدايات التطور الاجتماعي )العصر الحجري الوسط والحديث( غريزة وحشية وهجومية من قبل جنس الرجل ضد المرأة، وكما أن الجنس لم يكن غالباً في العلاقة بين الجنسين في تلك المراحل. بل كان أداة لاستمرارية الحياة. حتى أن المرأة كانت تدخل في تلك العلاقة مع الرجل لإنجاب عدة أطفال وبهدف ذلك. هذه العلاقة كانت ضرورة اجتماعية من أجل الاستمرارية وليس أكثر لذا كانت تصف بالقدسية والخصوبة بسبب تغلب هذا الجانب الإنساني والاجتماعي على هذا الظاهرة. لأن العلاقات بين الجنسين أيضا كانت تسيطر عليها المساواة والاحترام المتبادل والحب الاجتماعي وتعاونه.
بعد ظهور الدولة وسيطرة جنس الرجل )كمهيمن على الدولة( على المرأة، تحولت مسألة الجنس إلى بضاعة تباع وتشترى )ومعها المرأة أيضاً( مثل أية سلعة أخرى. وقد زالت قدسية هذه العلاقة وذابت في مستنقع السوق الثقافي الاستهلاكي للرأسمالية.
إن أكثر الفئات المعرضة إلى هذا الغزو الثقافي الجنسي الاستهلاكي هم الشبيبة. فالأفلام الخلاعية الهوليودية والتي ليس لها هدف سوى إثارة العلاقة الجنسية غير الهادفة، والمئات بل الآلاف من المحطات التلفزيونية التي تبث الأفلام الخلاعية ومئات الآلاف من بيوت الدعارة الرسمية والخاصة، كلها تهدف إلى تخريب المجتمع وخصوصاً الفئة الشابة منها. لأن الشبيبة كما ذكرنا سابقاً، تملك العنفوان والنشاط والقوة والجمال؛ تستطيع من خلالها القيام بتغيير جذري في المجتمع، والنظام يدرك ذلك جيدا،ً لذا يحاول توجيه نشاط الشبيبة وجمالها نحو مسألة بيولوجية غير أساسية.
إن الجنس كما يقول أوجلان: «تحول إلى دين جديد للنظام الرأسمال المالي ومعها المواد المخدرة المقدمة بسهولة للشبيبة. هكذا يريدون تصفية روح غيفارا وماهير جايان وكمال بير وحقي قرار بهذه الطريق اللعينة وتحت اسم الحداثة والتحديث .» دور الإسلام السياسي في هذا المجال كل المسلمين في كل الأصقاع يعترفون بدور الشعب الكردي وعلى رأسهم صلاح الدين الأيوبي في حماية الكيان الإسلامي في الشرق الأوسط في مواجهة المد الغربي من الناحية التاريخية. وعندما نسأل مسلماً سياسياً ونقول لهُ ما رأيك بالمسألة الكردية وحقوق الشعب الكردي؟ فسيقول لنا: كلنا مسلمون وأخوة ولا يوجد فرق بين عربي وكردي إلا بالتقوى.
لكن عندما أَرتكب صدام مجزرة حلبجة لم يتفوه أي مسلم ولو بكلمة واحدة لإدانة صدام ونظامه البعثي، والأكثر من ذلك حصلت المجزرة في 16 -03- 1988 وانعقد اجتماع المؤتمر الإسلامي في 19 آذار من العام نفسه وفي العاصمة الكويتية التي لا تبعد عن حلبجة إلا ساعات قليلة ولم يتوقف المؤتمر الإسلامي على هذه المجزرة ضد الشعب الكردي المسلم. حيث توقف المؤتمر على كل القضايا في العالم الإسلامي ما عدا القضية الكردية. كما أن الدولة التركية بكل حكوماتها وأحزابها استغلت مواقف منظمة المؤتمر الإسلامي والشخصيات الإسلامية مثل يوسف القرضاوي وحسن نصر الله في حربها الوحشية ضد الشعب الكردي. حتى يومنا هذا لم تتفوه أي شخصية إسلامية بكلمة واحدة لإدانة المجازر التركية والأردوغانية ضد الشعب الكردي. أول استخدام للسلاح الكيماوي ضد الشعب الكردي في الشرق الأوسط كان من جانب الحكومات العربية والتركية المدعومة إسلامياً.
نشاهد اليوم معارضة من قبل الأخوان المسلمين لحقوق الشعب الكردي في سوريا مثل البعث تماماً حيث لا يختلف عنهُ وهما وجهان لعملة واحدة. فالمنظمات الإسلامية في سوريا تحالفت مع حكومة أردوغان ضد مصالح الشعب الكردي مثلما سبقَ وتعاونت الحكومة البعثية مع أردوغان ضد النضال التحرري الكردستاني على أساس اتفاقية أضنة. أما في تركيا فإن الجماعات الإسلامية وعلى رأسهم فتح الله غولان رئيس الجماعة النورسية يفتشون في الأحاديث النبوية لكي يعثروا على حديث غير مسند يشرعوا فيه المذابح واستعمال السلاح الكيماوي ضد الكرد. أما بالنسبة إلى إيران فإن آيةُ الله خميني أًنكر وجود الشعب الكردي وحقوقهُ تحت أسم الدين وحتى وصل الأمر بأحمدي نجاة إلى إعدام الشباب والشابات الكرد تحت ذريعة مناهضة الشريعة الإسلامية. أما في العراق فأن المنظمات الإسلامية المعارضة للحكومة والمتمثلة في البرلمان يحاولونَ بشتى الوسائل تصفية المكاسب التي حصل عليها الكرد بعد انهيار نظام صدام. هذه هي حكاية الإسلام السياسي مع الشعب الكردي بشكل مختصر ومفيد.
منذ اندلاع الانتفاضات الشعبية الديمقراطية والسلمية في سوريا وغربي كردستان, كان هناك اتجاهين أساسيين، اتجاه يعطي الأهمية لتنظيم الشعب وتوجيهه حول شعار تغيير النظام السياسي نحو الديمقراطية بهدف دمقرطة البلاد وتحقيق الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي والوصول إلى الإدارة الذاتية الديمقراطية للمجتمع الكردي والابتعاد عن سياسة الأجندات الخارجية وخصوصاً الأجندات التركية ذات التأثير ضمن المعارضة السورية عبر المجلس الوطني الإسطنبولي. أما الاتجاه الآخر فقد سعى دائماً إلى توجيه الشارع الكردي نحو إعاقة الاتجاه الأول بأي ثمن ولو كان على حساب الأهداف النبيلة والاستراتيجية للمجتمع الكردي بشكل خاص والسوري بشكل عام.
لقد حاول هذا الاتجاه بكل الوسائل الممكنة والمستحيلة, فرض سياسة المجلس الوطني السوري الإسطنبولي على الجماهير الكردية في غربي كردستان. هكذا تحولت المدن الكردية إلى أسواق المزاد العلني للتنسيقيات وتحت مسميات كثيرة ولكنها حملت نفس اللوحة والرقم الصادر من غرفة عمليات الاخوان والاتجاه الأردوغاني في المعارضة السورية.
استندَ هذا الاتجاه في دعايته على الإمبراطوريات الإعلامية الضخمة مثل العربية والجزيرة بهدف تشهير حزب الاتحاد الديمقراطي بتهمة التعامل مع النظام السوري البعثي. أحدى أهم حجج هذا الاتجاه الذي ضَمَ مجاميع الأحزاب الكردية الكلاسيكية كانت كالتالي: لماذا كان صالح مسلم محمد سكرتير حزب الاتحاد الديمقراطي ملاحقاً قبل اندلاع الانتفاضات ولم يتم اعتقاله بعد رجوعه؟ نعم كان السيد صالح مسلم محمد ملاحقاً سياسياً من قبل أجهزة الأمن السوري منذ ما بعد 2004 بسبب موقفه السياسي الواضح من النظام, ولكن زعماء هذه الأحزاب كانوا يسرحون ويمرحون بكل حرية في جميع المدن الكردية والسورية بشكل عام, فهل كانوا عملاء ومتعاملين مع النظام خلال هذه السنوات كلها؟!
الحملة الأولى للتشهير كانت هدفها تلطيخ سمعة حزب الاتحاد الديمقراطي من قبل هذه الرموز التي تحولت إلى أبواق لبث الأكاذيب والدعايات على طاولات المطاعم لكي يجعلوا هذا الشعب لا يفكر بهم وبتقربهم وحياتهم الخاصة القائمة على ارضاء النظام موضوعياً أو ذاتياً.
الحملة الثانية تجسدت في محاولاتهم لتحويل الشارع الكري إلى ميدان لصراع فيما بين سياسة أردوغان المتجسدة في المجلس الوطني الإسطنبولي المذهبية والداعية إلى الصدام المسلح والتدخل التركي وسياسة الدولة السورية البعثية. بمعنى تحويل الشارع الكردي إلى ميدان للصراع على السلطة وليس في سبيل النضال من أجل الديمقراطية والحرية والحقوق المشروعة للشعب الكردي. هكذا كانوا يريدون تجريد الشارع الكردي من هويته الوطنية من خلال فرض العزلة على القوى الديمقراطية والثورية الحقيقية المتمثلة في حركة المجتمع الديمقراطي. الحملة الثالثة تجسدت في الاتصال بالإمبراطوريات الإعلامية العالمية بهدف إضفاء الشرعية على دعاياتهم في تلطيخ سمعة حزب الاتحاد الديمقراطي وأنصاره وتجريد هذه الحركة الشعبية عالمياً وعربياً.
حتى أن موقفهم ضد هيئة التنسيق لم يكن له أية علاقة بسياسة هيئة التنسيق الرافضة للتدخل الخارجي والعنف والطائفية والمناهضة للنظام والمجلس الإسطنبولي معاً, بل لأن حزب الاتحاد الديمقراطي دخل في هيئة التنسيق وبشكل فعال, لذا اتخذوا الموقف العدائي من الهيئة على مبدأ أن «صديق عدوك هو عدوك .» الحملة الرابعة هي محاولة هذه الأحزاب في توجيه مجموعات شبابية غير مسيسة وغير واعية ضد قيم ورموز وشهداء حركة حزب العمال الكردستاني وفتح الطريق أمام اقتتال الأخوة في الشارع الكردي بدعم مباشر من بعض التيارات في اقليم جنوب كردستان ودعم أعلامي من الإمبراطوريات الإعلامية التابعة للنظام العالمي الحاكم.
الحملة الخامسة هي إبعاد حزب الاتحاد الديمقراطي عن مؤتمر الأحزاب الكردية بإجماع مدعوم بشكل مباشر من هولير وواشنطن لإرضاء أنقرة وإثبات عدائهم التاريخي والأبدي لنهج وفلسفة قائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان ولثورة شمال كردستان.
بالمقابل قام حزب الاتحاد الديمقراطي وحركة المجتمع الديمقراطي في غربي كردستان )بحملة إعادة الهوية الكردية للشارع الكردي وبناء المؤسسات التعليمية والثقافية في المناطق الكردية وبناء المجلس الشعبي لغربي كردستان بالانتخابات بالإضافة إلى بناء المجالس الشعبية المحلية بالانتخاب الحر في كل المدن والقرى والبلدات في المناطق الكردية ومناطق تواجد الشعب الكردي(.[1]