في المفاضلة بين الدرزي (الجميل) والكردي (القبيح)!
حلیم یوسف
خلال ما يزيد عن المئة عام تحولت أية إشارة إلى خصوصية قومية وثقافية كردية إلى خطر مزعوم يتهدد الأمن القومي للدول التي تتقاسم الكرد، الدول التي تختلف على كل شيء وتجتمع دائماً وأبداً على قتل الكردي وخنقه وسلبه مقومات الحياة أينما وجدت. أصبح العمل على إلغاء الكرد من الوجود والتخطيط لإبادتهم الثقافية جزءاً من المصالح القومية المشتركة بين هذه الدول. في حين باتت المسألة الكردية في السياسة العالمية جزءاً من الشؤون الداخلية لكل دولة من هذه الدول، إذ لا يجوز التدخل لمساعدتهم أو مدّ يد العون لهم في المحن وعند ارتكاب المجازر بحقهم بوصف الأمر (تعدياً) على سيادة تلك الدول المتوحشة ومخالفة صريحة للقانون الدولي.
شاءت الظروف التاريخية والجيوسياسية السائدة أن يجد الكردي الذي يطالب بأدنى حقوقه الإنسانية والقومية في مواجهة العالم برمته، على اعتباره متمرداً على قوانين الدولة التي يعيش فيها. وبالتالي، فهو مارق ومخالف للقوانين الدولية المعتمدة والتي لا تتعرف عليه أكثر من كونه (مواطناً) خاضعاً لقوانين الدولة التي يعيش فيها. وتنتظره صفة الإرهاب فيما إذا لجأ إلى الكفاح المسلح لحماية نفسه من الاعتداء الجسدي والسعي ليكون سيد نفسه على أرض آبائه وأجداده، وتنتظره السجون والمعتقلات فيما إذا لجأ إلى الكفاح السياسي. وفي أفضل الأحوال ستنتظره بلاد اللجوء الآمنة التي تزود الدول التي تتقاسم وطنه بالأسلحة الثقيلة والتكنولوجيا الحديثة، لتتمكن تلك الدول من سحق ما تبقى من المقاومين الكرد المتحصنين في جبالهم العالية.
تتفق الأنظمة في جوهرها على القضاء على الخصوصية الكردية، ولا تختلف إلا في درجة التوحش ومدى دمويته، التي تتناسب طرداً مع درجة الخطورة التي تحس بها جراء تصاعد المقاومة الكردية العنيدة من أجل البقاء. وتحتل تركيا الصدارة في تزعم هذا العداء الذي بات يتجاوز الحدود التركية باتجاه الأراضي السورية حينا والعراقية حينا آخر. وهكذا تردد هذه الدول نفس المعزوفة الطريفة القائلة بأن (الكرد أخوتنا) ومشكلتنا مع (الانفصاليين) أو (الإرهابيين). ومع مجيء ما سمي بالربيع العربي تفاءل الكرد خيراً، على أمل مشاركة شركاء الوطن لاستقبال هذا الربيع الذي قد يفتح الباب أمام انتهاء معاناتهم المزمنة مع هذه الأنظمة، وزاد تفاؤلهم بعد تشكل ما سميت بالمعارضة، وكان طبيعياً أن ينحاز الكرد في غالبيتهم إلى ضفة المعارضة التي هي بالأساس ضفتهم الأزلية. لم يطل الأمر كثيراً، حتى تكشفت حقيقة تطابق سلوكيات المعارضة مع سلوكيات النظام الذي انشقت عنه تجاه الكرد. ذهبت (المعارضة) بعد السيطرة المطلقة للإسلام السياسي عليها، أبعد من ذلك، حين تبنّت الرواية التركية تجاه الكرد وأصبحت حارساً أميناً للأمن القومي التركي وأداة طيّعة لتنفيذ الأجندات التركية المشبوهة في سوريا.
هكذا تحوّل خروج الكرد إلى الشوارع بألوانهم وبأعلامهم الخاصة إلى دعوات للانفصال وخروجاً عن الإجماع الوطني والعمالة غير مرة. كما أن تبنيهم لما يسمى (الخط الثالث)، لا مع النظام ولا مع المعارضة في الحرب الأهلية، يعتبر خدعة أو كذبة يتبعونها لمناصرة النظام، وأنه لا يوجد في سوريا اليوم شيء اسمه طرف ثالث. وتحولت أعلامهم ورموزهم إلى رموز (إرهابية) وإدارتهم الذاتية إلى إدارة (انفصالية عميلة للأمريكان) في إعلام النظام وعميلة للنظام ولإيران في إعلام المعارضة، كما أصبحت مسألة سيطرتهم على مناطقهم توصف بأنها (سرقة) ونهب لموارد وخيرات الشعب السوري، ولتوصف سيطرتهم على بعض الأجزاء من المناطق العربية مثل دير الزور والرقة، حتى لو تشكلت القوات المسيطرة من أبناء تلك المناطق العربية نفسها، بأنها قوة احتلال طالما تقاد من قبل الكرد. هذه هي اللوحة العامة للحالة الكردية في سوريا، والفضل الأكبر يعود للرسام التركي في تجهيز قماش هذه اللوحة وتلوينها وتقديمها كماركة سورية مسجلة.
مع بدء الاحتجاجات في السويداء وخروج الدروز بأعلامهم الخاصة وبألوانهم، وهذا حق طبيعي لهم بالتأكيد، وما تبعتها من تطورات تتقاطع مع الحالة الكردية في خطوطها العريضة إلى حد كبير، جعلنا نتوقف عند ظاهرة ازدواجية المعايير المتبعة تجاه الحالة الكردية في سوريا. ولنتتبع بعض المواقف من خلال المقارنة بين الحالتين الدرزية والكردية، مع مراعاة الاختلاف بينهما على أكثر من صعيد بالطبع. في الوقت الذي يتم الحديث عن العلم الكردي كرمز انفصالي وخروج عن الحالة الوطنية العامة، نجد أن العلم الدرزي يصبح، وبقدرة قادر، رمزا ثقافيا لا يمت إلى الانفصال بصلة وهو تعبير عن حالة وطنية سورية لا غبار عليها.
وفي الوقت الذي يتم تصوير الإدارة الذاتية (الكردية) على أنها خطوة انفصالية تسعى إلى سرقة خيرات الوطن السوري ونهبه، نجد أن الحديث عن الإدارة الذاتية أو خروج السويداء عن سيطرة النظام وتصدي أهاليها لإدارة شؤونهم بنفسهم، على أنه انجاز عظيم لل(ثورة) السورية وانتعاش للحالة الوطنية السورية. كما أن بقاءهم كخط ثالث برفضهم لعلم النظام ورفضهم لرفع علم المعارضة يعتبر قراراً حكيماً يهدف إلى قطع الطريق على النظام وعلى أعداء الثورة لاستغلالها لمصالحهم وتحقيق الحماية للأهالي ولكل سوريا. في الوقت الذي تتم تسمية وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة “الكردية” التي تم تشكيلها لحماية مناطقهم من الهجمات المعادية، على أنها ميليشيات انفصالية، إرهابية، غير سورية، نجد أن الحديث يتم عن استعداد الدروز للدفاع عن مناطقهم في حال حدوث مداخلة عسكرية من قبل النظام أو من قبل ميليشيات إيران. وتتم تسمية هذه القوات التي ستتصدى للهجمات على أنها مقاومة شعبية و ستكون قوات وفصائل داعمة للثورة، فيما إذا تشكلت.
إن الأمور تسير بكل بساطة في هذا الاتجاه، إن الكردي الذي يرفع علمه الخاص ويحمل السلاح للدفاع عن النفس يعتبر انفصالياً، إرهابياً، عميلاً، قبيحاً، ينبغي التصدي لنواياه الخبيثة وصده إلى أن يرحل الأمريكي، فيكون وقتها الدرب سالكاً باتجاه القضاء عليه وخلاص الوطن من شره، ودفنه في الخنادق التي حفرها تحت الأرض لحماية نفسه.
وهنا علينا ألا ننسى اللازمة التي كررها ويكررها بين الحين والآخر كل من أردوغان وفيصل المقداد وأبو عمشة والجولاني معاً، وهي: (إن الكرد إخوتنا ومشكلتنا فقط هي مع قسد).
كما أن الدرزي الذي يرفع علمه الخاص الذي يعتبر رمزاً ثقافياً، من حقه أن يحمل السلاح ليدافع عن نفسه ويصد هجمات الغير عن أهله، فيما إذا اضطر إلى فعل ذلك. وهو بذلك يدافع عن المطالب المحقة، عن الثورة، وعن كل السوريين. هذا ما يقوله لسان حالهم.
لذلك تسعى المعارضة السورية ومن خلفها النظام الذي انشقت عنه إلى محاربة الكردي القبيح والتخلص منه، وتصفّق للدرزي الجميل، الذي سيظل جميلاً حتى لو أقدم على فعل كل ما يفعله الكردي.
من نافل القول إن الأوضاع لن تهدأ ولن تهدأ النفوس في هذه البلاد السيئة الحظ، إلا إذا فهم أهلها جميعاً، وأولهم المعارضة الخارجة للتو من رحم نظام ذي لون أوحد، أن الكردي مثله مثل العربي، مثل السرياني، مثل الآشوري، مثل الدرزي، لن يصبح جميلاً إلا بألوانه. [1]