الكورد الفيلية والالعاب الرياضية
ا . د . قاسم المندلاوي .
تدل الاكتشافات و الاثباتات الاثرية والدراسات التاريخية بان الكورد الفيلية من الشعوب الاوائل الذين اهتموا بالالعاب الرياضية و مارسوا المصارعة و الملاكمة و المبارزة و العاب الخيل و الفروسية و تمارين بدنية و قتالية في حياتهم اليومية وكذلك خلال المهرجانات و الاحتفالات التي كانت تقام بمناسبات مختلفة ” دينية و شعبية وعسكرية ” ، ونظرا لجغرافية مناطقهم ” التي تمتد من شرق دجلة في وسط وجنوب العراق حتىكرمنشاه و ايلام و مهران و خوزستان في ايران ” والعوامل الطبيعية و المناخية من جبال و وديان وسهول خصبة وغابات و وفرة المياه ساعدت على هجرة اجدادهم الكاشيين والايلاميين من جبال ” زاكروس الى تلك المناطق واستقروا فيها و اكتشفوا الزراعة و تربية المواشي و انتاج المواد الغذائية و استطاعوا بناء امبراطورية كبيرة وقوية ذات حضارة متقدمة قبل حوالي 5000 قبل ميلاد السيد المسيح ” ع ” بيرآميه ” 14 ” وقد امتازوا بشجاعة وقوة بدنية عالية ومهارة قتالية متفوقة ، و كانوا مصدر تهديد دائم لمملكة آشور” والتر هينتز ” 3 ” و يذكرالمستشرق ” ادموندز ” 12 ” الكاشيون هم الاصول الاولى للكورد الفيليين .. علماء الاثار كانوا يدعونهم باسم ” كاسي – كاساي – كاسيت ” وهم من القبائل التي سكنت جبال زاكروس ” موطنهم الاصلي ” منذ الاف السنين قبل الميلاد ، و دام حكمهم مدة تقارب ستة قرون منذ عام 1746 وحتى 1171 قبل الميلاد و قد كان حدود امبراطوريتهم تمتد حتى سواحل البحر الابيض المتوسط ” وهناك معالم اثرية عريقة للحضارة الايلامية و الكاشية و الميدية في هذه المناطق مثل ” قبور ملوك الميديين والكاشيين و المنقوشات الاثرية التي تشير الى عصرهم الذهبي ” باسيل نيكيتين ” 8 ” واكد عالم الاثار ” بوتس ” 13 ” انه نتيجة رقي الحضارة الايلامية فان جوانب عديدة من حياة الامبراطورية الاخمينية مثل شكل الالبسة و كيفية ادارة الدولة قد تاثرت بالحضارة الايلامية لدرجة ان الاخمينيين استخدموا الابجدية الايلامية ، وخلال التنقيبات في مدينة ” سوسه ” كشفت عن مساكن لمجتمعات زراعية و اواني و ادوات مصنوعة من الفخار المستخدمة لاغراض عديدة بعض هذه الاواني كانت ملونة و بعضها الاخر محلى باعمال الزخرفة ، كما تم اكتشاف لوحات طينية في مدينة ” سوسه ” تحمل سجلات مكتوبة بكتابة تصويرية ” والتر هينتز ” 3 ” وهناك ادلة و شواهد عديدة وردة في عدد من المصادر على اهتمام الكورد الفيلية بالمصارعة والمبارزة و الفروسية والملاكمة و السباحة والصيد ” قاسم المندلاوي ” 4 ” ، وكانت المصارعة من الالعاب التي انتشرت لدى الاقوام الكوردية انذاك بدليل ان الكلمة الكوردية ” البهلوان ” وتعني المصارع – بالعربية ، وان هذه الكلمة مشتقة من ” اللغة البهلوية ” وهي لغة قوم اطلقت عليهم صفة ” بهلوان ” الشاهنامة الفردوسي – عن ” مؤيد عبد الستار ” 1 ” وكان الفردوسي يجيد ” اللغة البهلوية ” وقد نظم ملحمته الشعرية بالاعتماد و الاقتباس منها وكانت هذه اللغة هي لغة سكان هضبة أيلام وبلاد الكورد انذاك ، و هناك راي أكيد في اطلاق هذه الصفة اي ” بهلوان ” على العيلاميين نظرا لما كانوا يتمتعون باجسام قوية واتقانهم فنون القتال والمبارزة و المصارعة حتى اصبحت صفة ” بهلوان ” تطلق على من يجيد العاب الجمناستيك و الاكروباتيك ” نفس المصدر السابق ” و في المخطوطات السومرية القديمة جاءت كلمة ” البيلي او الفيلي ” بمعنى ” المحارب او الشجاع ” عبد الواحد الفيلي ” 9 ” كما يؤكد علماء اللغة على ذلك ، و يذكر المستشرق البريطاني جورج كرزون ” المجلد الثاني من كتابه التارخي ” ان كلمة ” الفيلي تعني ” الثائر و المتمرد ” و يتفق معه في الراي المستشرق ” هنري فيلد ” 10″ في مؤلفه ” معرفة الاجناس البشرية – 1987 بيروت ” بان كلمة ” الفيلي او بيلي ” هي قديمة و تعني ” الشجاع ، الثائر ، المتمرد ” ، و حسب المصادر التاريخية ان الكورد الفيلية كانوا في صراع دائم ضد الاعداء و الطغاة ” محمد امين زكي ” 6 ” ما جاء انفا من اوصاف و مصطلحات يرمز الى قوة شخصية الكورد الفيلية و كدليل ومؤشر واضح لقدراتهم البدنية العالية والشجاعة الفائقة والارادة الصلبة منذ تلك العصور القديمة ، وقد اهتموا اهتماما كبيرا بالالعاب الرياضية التي كانت تهيئهم جسديا ونفسيا لتحمل ثقل الصراع المرير مع قساوة الطبيعة الباردة شتاءا ، كذلك في دفاعهم المستمر ضد الاعداء و الغزاة و الظالمين ” قاسم المندلاوي ” 2 ” ، وهناك ايضا اسماء مدن فيلية لا تزال تحمل صفة المصارعة مثل مدينة ” شار زور ” و تعني بالعربية ” مدينة المصارعة او مدينة القوة ” وقد سميت بهذا الاسم لانه كان قديما تقام فيها مسابقة المصارعة و المصارع الذي يفوز في المنازلة يصبح حاكما على المدينة لذا سميت بهذا الاسم او بسبب شهرة هذه المدينة الكوردية الفيلية بمصارعين اقوياء ، وقديما كان يطلق على غالبية ارض جنوب كوردستان اسم ” شهرزور ” اي مدينة الاقوياء ” محمد مندلاوي ” 11 ” وفي يومنا نجد اثباتات وشواهد اخرى ملموسة عن البنية الجسدية القوية لدى ابطال الكورد الفيلية من خلال فوزهم باوسمة متنوعة في المصارعة ورفع الاثقال ” في البطولات الدولية و الاولمبية وهم يمثلون ” ايران او تركيا او سوريا او العراق ” لان بلادهم ” كوردستان ” محتلة من قبل تلك الدول ظلما ، و هناك بقايا لبعض آثار لتلك الالعاب الرياضية التي حافظت على استمرارها وحيويتها و الى يومنا ، وعلى سبيل المثال ” الزورخانة و العابها ” وهي لاتزال منتشرة في اغلب المدن الكوردية الفيلية في شرق كوردستان مثل ” كرماشان و ايلام و مهران و لورستان و شار زور وغيرها ويمارس فيها الشباب و حتى الكبار التمارين و الالعاب ، فضلا عن اندية الكورد الفيلية في بغداد وبدرة و خانقين في صناعة ابطال دولين في المصارعة و رفع الاثقال والملاكمة وغيرها …. لقد امتاز الكورد الفيلية وكما اشرنا اعلاه باجسام قوية نظرا لظروف حياتهم المعيشية و بيئتهم الجغرافية و المناخية و الجبلية والى جانب اهتمامهم بالالعاب الرياضية والمهرجانات والاحتفالات الشعبية والعسكرية مارسوا ايضا الزراعة وتربية المواشي والحرف و الصناعات اليدوية المختلفة ” عبد الجليل فيلي ” 5 ” ، ويعتبر الكورد الفيلية اول من أهتموا بالتجارة في بلاد الرافدين ، ويذكر المؤرخ العالم ” هينتز ” 3 ” في عام 4200 قبل الميلاد بنى الايلاميين او العيلاميين مدينة ” شوش او سوس ” على نهر كارون وفي ارض زراعية خصبة ، وكانت هذه المدينة عاصمة لدولتهم و مركز حضارتهم في العلوم والثقافة والادب الكلاسيكي و الموسيقى و الفنون الاخرى ، وهي من اقدم المدن التاريخية في العالم ” وتقع على بعد اكثر من 130 كم شمال مدينة اهواز و حوالي 40 كم شرق مدينة دزفول و كانت مركزا للايلاميين التجارية في بلاد ما بين النهرين ” نفس المصدر السابق ” وقد توارث الفيليين صفة ” التجارة ” من اجدادهم القدماء جيل بعد جيل وتجذرت هذه الصفة في شخصيتهم وحياتهم المعيشية ، بل واصبحت من الصفات البارزة لديهم في الحياة ، حتى انهم مارسوا ” مهنة الحمالة ” في سوق ” الشورجة ” ببغداد وكانوا يحملون البضائع الثقيلة جدا على ظهورهم ” وهو دليل آخر على قوة اجسامهم ولياقتهم النفسية والصحية الفائقة و قدرتهم العالية في الصبر وشدة تحمل العمل المرهق ومخاطره ، ولم يخجلوا من ممارسة هذه المهنة الصعبة ” لانهم كانوا يؤمنون بان العمل ” شرف و رمز للنزاهة ” ويكسبون قوت عيشهم من عرق جباههم ، ومع مرور الزمن ونظرا لذكائهم وشطارتهم و اخلاصهم وكانوا مصدرا للثقة بين مختلف طبقات المجتمع العراقي استطاعوا مسك زمام التجارة في بغداد و اصبحت تجارة العراق تدار من قبلهم ، كما و لهم الفضل الكبير في تفعيل حركة التجارة بين العراق و ايران و كوردستان ، قبل مجيء الطاغية صدام حسين الى سدت الحكم … مما جاء انفا يمكننا استنتاج ما يلي : 1 – يعتبر الكورد الايلاميين و الكاشيين ” اجداد الكورد الفيلية ” من الشعوب الاوائل في بلاد النهرين الذين مارسوا الالعاب الرياضية وخاصة تمارين القوة والعاب قتالية ” المصارعة و الملاكمة و المبارزة و الفروسية ” و السباحة في حياتهم العادية و خلال المهرجانات و الاحتفالات الدينية و الاعياد الشعبية والعسكرية ومن المؤكد كان هناك اسماء كوردية يطلق على تلك المهرجانات الرياضية وان لم نتعرف عليه الان ، ولكن سيظهر قريبا بفضل التنقيبات الاثرية . 2 – الكورد الفيلية من اوائل الشعوب الذين اهتموا بالزراعة وتربية المواشي والحيوانات الاليفة وخاصة تربية الفرس وقد اشتهروا بالفروسية وسباقتها و الترويض مع الفرس واستخدموا الحمار في نقل الاشخاص و البضائع التجارية 3 – الكورد الفيلية من اوائل شعوب وادي الرافدين الذين اهتموا بالتجارة ” وكانت مدينة ” سوس اوشوش ” مركزا تجاريا لشعوب وادي الرافدين والعلاقات التجارية مع غيرهم من الشعوب و الاقوام كالمصريين والفينيقين وغيرهم 4 — هناك الكثير من الحقائق الاثرية و التاريخية الثمينة والمهمة عن الكورد الفيلية لم تتم كشفها وقسم كبير تمت سرقتها او تحريفها اوتغيرها اوتشويهها ” سوزدار ميدي – 7 ” ولمجموعة عوامل و اسباب سياسية واجتماعية وغيرها ، فضلا عن الكثير من المعلومات الاثرية والتاريخية الاخرى لا تزال مغيبة والى يومنا بسبب اندثارها نتيجة لعوامل طبيعية و الحروب 5 – الكورد الفيلية يعيشون تحت كابوس الظلم والاضطهاد الممنهج من قبل الطغاة ، وهناك تعتيم كامل و مستمر و شديد على تراثهم و نشاطاتهم الرياضية و الثقافية و الموسيقية والغنائية و الفلكلورية .. .
المصادروالمراجع : 1 – مؤيد عبد الستار ” شاهنامة الفردوسي ومصادرها الكوردية ” صوت كوردستان 02-04-2021 – قاسم المندلاوي ” الكاشيون و الالعاب الرياضية 14-05-2021 صوت العراق 3 – والتر هينتز ” دنياي كمشده ي ايلام ” ترجمة فيروز فيروزنيا 1376 هجرية ” 1956 ميلادية، طهران 4 ، قاسم المندلاوي ” الثقافة الرياضية في ميزوبوتامية ” 1970 وارشو – بولونيا 5 – عبد الجليل فيلي ” اللور الكورد الفيليون في الماضي و الحاضر ” 1999 السويد 6 – محمد امين زكي ” خلاصة تاريخ الكرد و كردستان من اقدم العصور التاريخية حتى الان ” ترجمة محمد علي عوني الجزء الاول – الطبعة الثانية 1961 7 – سوزدار ميدي ” تصحيح تاريخ الكورد المحرف و المسروق ” 14-12-2013 ، عن موقع ” كوكل ” 8 – باسيل نكيتين ” الاكراد ” 1975 بغداد 9 – عبد الواحد الفيلي ” تاريخ الكورد وحضارته – مختصر من تاريخ الكورد الفيليين ” 05-07-2020 وكالة انباء برثا عن موقع ” كوكل ” 10 – هنري فيلد ” علم الاجناس البشرية ” دار العلم للمطابع و النشر 1987 بيروت – لبنان 11 – محمد مندلاوي ” ما هو المعنى الحقيقي لاسم البطل السومري كل كاميش باللغة الكوردية ” 04-08-2020 صوت كوردستان 12 – ادموندز” كرد و ترك وعرب ” ترجمة جرجيس فتح الله المحامي 1971 بغداد 13 – بوتس . د . ت ” دليل لعلم الاثار القديم بالقرب من ايلام – امبراطورية ايران الاولى ” 2012 ” 14 – بيرآميه ” تاريخ ايلام ” ترجمة شيرين بياني – تهران 1372 هجرية 15 – موقع ويكيبيدبا . .
[1]