مشاهير الكرد في التاريخ الإسلامي (الحلقة السادسة) إبراﮪيم هنانو: قائد ثورة الشمال ( 1869 1935 م )
د. أحمد الخليل
تاريخ سوريا الحديث حافل بالمواقف الكفاحية ضد القهر، وفيه الكثير من التضحيات البطولية ضد الاستعمار، وقد شارك الكرد السوريون بإخلاص في كل تلك المواقف، وقدّموا التضحيات من دمائهم وأموالهم وأملاكهم، بل تذكر المصادر الموثوقة أن المواطن الكردي السوري (مُحُو إيبو شاشو)، من سهل (جُومَه) في منطقة عفرين، هو أول من أطلق الرصاصة الأولى ضد الاستعمار الفرنسي.
وإبراهيم هنانو من أبرز القادة الذين ساهموا في قيادة النضال ضد الاستعمار الفرنسي، وكان قائد الثورة السورية في الشمال، وهو من المجاهدين الشجعان، وهبه الله قوة الجَنان، وطلاقة اللسان، ومحبة للحرية لا حدود لها.
فمن هو هذا القائد المقاتل؟!
أصله .. ونشأته
ولد إبراهيم بن سليمان آغا بن محمد هنانو سنة (1869 م) في قرية (كَفْر تَخاريم) الواقعة غربي حلب والتابعة لقضاء (حارم)، وآل هنانو أسرة عريقة في الجاه وكرم الأصل، وثمة من نسب أسرة إبراهيم هنانو إلى عشيرة (رَشْوان) الكردية، لكن الأستاذ الشاعر عبد الله يوركي حلاّق صاحب (مجلّة الضاد) أكّد في كتابه (الثورات السورية الكبرى في ربع قرن) أن أسرة هنانو تنتمي إلى قبيلة بَرازي Berazieh الكردية؛ وهذا هو الأرجح، نظراً لكثرة انتشار الأسر المنتمية إلى هذه القبيلة في شمالي سوريا.
وقبيلة بَرازي كثيرة العدد، تتوزّع في جنوب شرقي تركيا وفي شمالي سوريا، وهي في الأصل مؤلفة من اتحاد عشائر، وكان تعدادها في بدايات القرن العشرين حوالي عشرة آلاف خيمة (عائلة)، ويضم هذا الاتحاد عشائر: كَيتْكان Keytkan، شَيْخان Shykhan، أُوكْيان Okian، شَدادان Shadadan، على دِنْلي Alidinli، مَعافان Maafan، زَرْوان Zerwan، پِيژان Pijan، قَرَه گَيچان Karagetchan، مِير Mir، دِنّان (دِينان) Dinan، دِيدان Didan. هذا ما أفاده العلاّمة محمد أمين زكي في كتابه (خلاصة تاريخ الكرد وكردستان)، ووليام إيغلتون في كتابه (مدخل إلى السجّاد الكردي). ولقبيلة برازي حضور كثيف في ريف محافظة حلب، وعلى وجه خاص في مناطق السفيرة، والباب، وأعزاز، وعفرين. كما أن لها امتدادات في مدينة حماه، ومن أبرز شخصياتها حسني البرازي.
وذكر عبد الله يوركي حلاّق أن جد إبراهيم هنانو الأكبر قدم من جهات (ماردين) في جنوب شرقي تركيا منذ ثلاثمئة سنة؛ أي حوالي القرن السابع عشر، فاختار كفر تخاريم مقاماً له، وكانت تلك القرية مزرعة صغيرة فيها بعض البيوت العربية والكردية، وقد توسّع جد هنانو الأكبر في شراء الأراضي، فكثرت ذريته، وعلا اسمه.
أما فيما يتعلق بأصل تسمية (هنانو) فيذكر الأستاذ عبد الله يوركي أن الجد أضاع ابنه- وكان لا يجيد العربية- فراح يسأل عنه كل من يراه قائلاً: (ابني هنا)؟ فكانوا يجيبونه: (نُو)، وهي كلمة كردية تعني بالعربية ( لا )، ويُقال: إن الاسم (هنانو) جاء من هذا التركيب العربي الكردي (هنا- نو).
ولا نرى وجهاً موضوعياً لهذا التأويل، إذ كيف لا يجيد الجد العربية وهو في الوقت نفسه يسأل بالعربية: ابني هنا؟ ولنفترض أنه كان تعلّم بعض العربية، واستطاع أن يسأل قائلاً: (ابني هنا ؟)، فهذا يعني أنه كان يسأل جيرانه من العرب، لكنا نجد الجواب يأتي بالكردية (نُو) أي (لا)، وفي هذا تناقض واضح.
والصواب فيما نرى أن اسم (هنانو) هو تكريد للاسم العربي (عبد الحنان)، وهو اسم شائع بين الكرد، وكل من خالط الكرد يعرف أنهم يختصرون الأسماء هكذا: (أحمد = أَحْمُو)، و(محمود = مَعْمُو)، و (مصطفى = مسْتُو)، و(عبد الرحمن أو عبد الله = عبدو)، وتارة يتحول (عبد الرحمن) إلى (رحمان)، ثم يفخّم الحرف الأخير بالواو كما هو الأمر غالباً عند الكرد، فيصبح (رحمانو)، وكذلك (عبد الحنان) يصبح (حنان/ حنانو). وبما أن صوتيات اللغة الكردية لا تشتمل على حرف الحاء، فإن كلمة (حنانو) تُلفظ (هنانو). وﮪذا أمر يعرفه كل من خالط الكرد وعرف خصائص اللغة الكردية وصوتياتها ولهجاتها.
هذا، وتلقّى إبراﮪيم هنانو دروسه الابتدائية في حارم، ثم دخل المدرسة الثانوية ونال شهادتها، ثم توجّه إلى الأستانة (إستانبول) عاصمة الدولة العثمانية، ودخل المدرسة الملكية فيها، وبعد أن حصل على إجازتها عمل موظفاً في السلك الإداري.
ولما انتهت الحرب العالمية الأولى سنة (1918 م) كان إبراهيم هنانو يشغل وظيفة قائم مقام (مدير منطقة) في أحد أقضية (دياربكر) بجنوب شرقي تركيا، فعاد إلى حلب، وانتُخب عضواً في المؤتمر السوري الذي عقد أولى جلساته في الثالث من حزيران/يونيو سنة (1919 م)، وكان أحد الممثّلين الستة عشر الذين مثّلوا محافظة حلب في المؤتمر. وانعقد المؤتمر في مقر النادي العربي بدمشق، وكانت المهمة الأساسية للمؤتمرين هي العمل لوحدة سوريا بمناطقها الثلاثة: الشرقية والغربية والجنوبية أي فلسطين، والمناداة بالأمير فيصل بن الشريف حسين زعيماً، وإنابته للدفاع عن استقلال سورية.
انطلاق الثورة
أدرك إبراهيم هنانو، بثاقب فكره وبعد نظره، أن الفرنسيين يماطلون، ويعملون للقضاء على استقلال سوريا. فغادر المؤتمر في مطلع تشرين الأول/أكتوبر سنة (1919 م)، وقصد مدينة إدلب، حيث اجتمع بمن جاؤوا لملاقاته من أهل بلدته كفر تخاريم ومن حارم وجسر الشغور ومعرّة النعمان وبعض مناطق الساحل السوري، وحدّثهم أنه لم يعد مطمئناً إلى نيّات فرنسا المنتدبة على سوريا، وأن ﮪذه الدولة تدفع جيوشها إلى داخل البلاد لتحتلّها كلها، وأن كل سوري أبيّ يرفض ذلك ولا يرضى إلا بالاستقلال، وأن الاستقلال يؤخذ ولا يعطى، وعلى السوريين أن يتصدوا للغزاة، فالموت في سبيل الوطن شرف وشهادة، والحياة في ظل الأجنبي عار ومذلة.
ثم أخبر هنانو المجتمعين أنه سيتعاون مع الزعيم التركي مصطفى كمال (أتاتورك) في محاربة الفرنسيين الذين وعدوا أن يجعلوا منطقة كيليكيا وطناً قومياً للأرمن، وأن القائد التركي سيزوّده بكل ما يحتاج إليه من أسلحة وأعتدة وذخائر، ولم يبق أمام السوريين إلا البدء بالكفاح ضد الاستعمار الفرنسي.
وبعد أن تداول المجتمعون الآراء، وتناولوا الأمور بالدراسة من جميع النواحي، قرّروا إعلان الثورة على الفرنسيين، الذين كانوا يحتلون وقتئذ المنطقة الغربية من الوطن السوري، أي الساحل الممتد من رأس الناقورة إلى خليج الإسكندرونة.
وشرع هنانو يجمع الرجال، ويدرّبهم على القتال، مستعيناً بضباط متخرجين من المدارس الحربية، وراح هو ورجاله يشنّون هجماتهم بإحكام على الجنود الفرنسيين، ويحولون بينهم وبين المواقع التي يريدون الوصول إليها، ويتعرضون لقوافلهم المحمّلة بالذخيرة والغذاء ويستولون عليها، بعد أن يقتلوا العديد من أفرادها، إنهم كانوا يكمنون خلف الصخور والأشجار والأحراج الكثيفة، حتى إذا صار الجنود الفرنسيون على مقربة منهم انقضّوا عليهم كالصواعق، وفتكوا بهم فتكاً ذريعاً، وغنموا كل ما معهم من زاد وعتاد، وتكررت هذه الحملات الموفّقة مراراً في جبل الزاوية، وجبل الأربعين القريب من أريحا، وفي منطقة الحفّة التابعة لمحافظة اللاذقية.
وقد آزر الثورة كثيرون من أفراد أسرة هنانو بالأراوح والأموال، وفي طليعتهم ولده طارق، فقد خاض مظاهرة ضد الفرنسيين في حلب، فضُرب وأوذي، فأصيب في عينه، وبارتجاج في دماغه، فأُدخل في (العصفورية) ببيروت. وزكية هنانو شقيقة الزعيم، وأخواه عقيل وحقّي، وعدد وافر من أهله وأنسبائه من أمثال: عزّت هنانو، وعاطف هنانو، وعلي هنانو، وخالد نامق بك.
وهناك أبطال صناديد، تركوا بصماتهم واضحة المعالم، جلية الخطوط في ثورة هنانو منهم: إبراهيم عُوَيد، والشيخ يوسف السَّعْدون، وهو كردي أيضاً من عشيرة (دِيدان) أحد فروع اتحاد عشائر بَرازي، وقد أكد لي ذلك شيوخ عائلة (قُول آغاسي) في قرية (غُوز) الواقعة شمالي حلب، والتابعة لمنطقة إعزاز، وهذه العائلة هي زعيمة عشيرة ديدان بمحافظة حلب، وذكروا لي أن الشيخ يوسف زار والدهم (حيدر آغا قول آغاسي) أكثر من مرة.
وكان يؤازر الزعيم هنانو في حلب ويمدّه بالمال والسلاح والرجال كل من: فاتح المرعشي، والشيخ طاهر الرفاعي، والشيخ رضا الرفاعي، وسعد الله الجابري، والحاج نجيب باقي، والحاج عبد الرحمن كدرو.
مقاتل شهم .. وقائد محنّك
حارت فرنسا وهي تتلقّى الضربة إثر الضربة على أيدي رجال هنانو، فهي ليست أمام جيش نظامي وجهاً لوجه، ولكنها تقاوم جماعات من الجن ينقضون على كتائبها انقضاض الصواعق من رؤوس الجبال، ويمطرونها بوابل من نيران بنادقهم، وفي طرفة عين يتوارون كالأشباح في أعماق الغابات وبطون الأودية.
وذات يوم وصل إلى مقر هنانو بعض الضباط الفرنسيين وعلى رأسهم الكولونيل فوان، فاستقبلهم الزعيم مرحباً بهم، وبعد أن قدّم لهم القهوة، سألهم عن سبب زيارتهم، فأجابه الكولونيل فوان: لقد أرسلنا الجنرال جوبو (قائد الحملة الفرنسية ضد ثورة الشمال)، ليتفق معك على عقد هدنة وتبادل الأسرى، وهو يرجو أن تقابله في مقرّ قيادته، وكي لا تظن أن هناك مكيدة، أترك هنا جميع هؤلاء الضباط ذوي الرتب العالية رهينة لدى رجالك، حتى إذا عدتَ تركتهم.
فأطرق أبو طارق ملياً، ثم نظر إلى وجه الكولونيل فوان، وقال له:
– أتقسم لي بشرفك العسكري أن ليس في الأمر مكيدة؟
فأجابه الكولونيل على الفور:
– أقسم بشرفي العسكري وبشرف فرنسا، أنه ليس في الأمر مكيدة.
فابتسم هنانو ابتسامة الرضا، وقال:
– أنا واثق بشرف فرنسا، فلا حاجة للرهائن، وليعد رجالك معك.
وفي الحال امتطى هنانو صهوة جواده، وتبعه الكولونيل فوان وضباطه، حتى وصلوا إلى مركز قيادة الجنرال جوبو، فرحّب به الجنرال، ودعاه إلى تناول طعام الغداء. ثم جلسا يتفاوضان في قضية الهدنة وتبادل الأسرى، وقد صرّح الجنرال جوبو بعد ذلك أن هنانو ليس بالرجل العادي، إنه كتلة ملتهبة من ذكاء ونشاط كما أنه صاحب معرفة واسعة.
وقد أحسن هنانو تنظيم عملياته الحربية، فوزع رجاله في ثلاث مناطق:
– المنطقة الأولى: قاد العمليات الحربية فيها الشيخ يوسف السَّعدون، وكان يجسّد فكر الثورة في الشمال، وينطلق في هجماته من بلدة سَلْقِين مكان إقامته.
– المنطقة الثانية: تولّى قيادتها نجيب عويد القائد الحربي لقوات هنانو، وكان القطاع الموكل إليه يمتد من بحيرة العمق في الشمال، حتى حدود إدلب وجسر الشغور المحاذية لقوات المناضل الشيخ صالح العلي في الجنوب.
– المنطقة الثالثة: تولّى أمر القيادة فيها مصطفى الحاج حسين من بلدة إحسم في جبل الزاوية، والمنطقة المذكورة تمتد من إدلب إلى محافظة حماة. وكان التعاون وثيقاً ومنظماً بين الثوار في هذه المناطق وغيرها، كمنطقة حايا وسرجه التي كان مسؤولاً عنها محمود حسن الشحادة.
الغدر بهنانو
عندما سقطت مدينة مرسين بأيدي الأتراك، اضطرت فرنسا إلى التخلّي عن كيليكيا التي وعد الحلفاءُ الأرمنَ بها. ومن ثَم لم يعد مصطفى كمال بحاجة إلى معونة هنانو، فقطع عنه المدد إرضاءً لفرنسا، وسحب ضباطه الترك من صفوف الثورة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، وإنما اقتحم الجيش الفرنسي دمشق بعد معركة ميسلون واستشهاد وزير الحربية يوسف العظمة، ووجد هنانو أنه بقي وحده في الميدان، وأدرك أن المقاومة لم تعد تجدي نفعاً، فغادر سوريا عن طريق السلمية قاصداً مدينة عمّان عاصمة الأردنّ، فبلغها بعد رحلة تراجيدية شاقة، واستقر فيها بعض الوقت.
وقامت إنكلترا بدور بشع آنذاك، إذ لم تكتف بأن تنكّرت لعلاقات الصداقة والتعاون مع سوريا، وتنصلت من الوعود التي قطعتها للعرب، بل عقد المفوّض السامي الإنكليزي في فلسطين والمفوّض السامي الفرنسي في سوريا ولبنان اتفاقاً يقضي بتبادل المجرمين، وبهذا قطعا الطريق على الثوّار، وسدّا عليهم المنافذ، وجعلا كل ثورة تمنى بالفشل الذريع.
اعتقال هنانو
بعد أن كان هنانو في عمّان مشمولاً بحماية الأمير عبد الله بن الحسين (الملك عبد الله بعدئذ)، خطر له أن يتوجه إلى فلسطين. وما كاد يصل إليها حتى ألقي القبض عليه من قبل الإنكليز، وسُلّم إلى السلطة الفرنسية في سوريا. وفي منتصف شهر آب/أغسطس (1921 م) أُودِع هنانو السجن العسكري بخان إستانبول في حلب.
وفي 24 أيلول/ سبتمبر (1921 م) تسلّم المحامي الحلبي فتح الله الصقّال مذكّرة وردت عليه من النائب العام العسكري الفرنسي، جاء فيها: ” إنه يسمح للأستاذ الصقّال بمقابلة المتهم إبراهيم هنانو، بصفته وكيلاً عنه “. واستغرب الأستاذ الصقّال وصول هذه المذكرة إليه، لأن أحداً لم يفاتحه بقضية هنانو، ولأنه لم يعرض نفسه على أحد، لا في هذه القضية ولا في سواها.
ولم يكن من اللياقة والواجب المسلكي إلا أن يتوجّه المحامي إلى هنانو، وأوصله مدير السجن إلى غرفة هنانو، وكانت صغيرة وقد وضع فيها وحده. وبعد أن بادره بالسلام، سأله هنانو: أأنت الأستاذ فتح الله الصقّال؟ فأجابه: نعم. فقال هنانو: نِعم الاسم، لقد اخترتك وكيلاً عني، بعد أن اختارك النائب العام وكيلاً عنه أيضاً.
وأحسّ المحامي الشاب الذي لم يكن قد بلغ ربيعه الثامن والعشرين، أنه أمام رجل شديد الذكاء، قوي الإرادة، تشعّ عيناه بنور غريب، وتكادان تقذفان شرراً. وبقي هنانو نحو ساعتين، يقصّ على موكله قصة كفاحه في سبيل أمته وبلاده. وكان المحامي الشاب يدوّن على ورقة أمامه، ما يجده جديراً بالتدوين من أسماء وأرقام ووقائع.
ولما قابل المحامي النائب العام قال له هذا بلهجة رزينة: سنكون خصمين شريفين، لأنني سأقوم بواجبي على الوجه الأكمل، وستقوم أنت بواجبك نحو موكّلك وأحد مواطنيك، وإذا وفّقك الله وانتصرت عليّ، فسأكون أول من يتقدم لتهنئتك.
ووضع النائب العام بين يدي المحامي ملف الدعوى، كي يطالعه ويلمّ بما يتضمنه من وقائع. وبعد أن درس الأستاذ الصقّال الملف دراسة عميقة ومتأنية، ومحّص كل كلمة وردت فيها تمحيصاً دقيقاً، خرج بالنتيجة التالية:
– دارت حرب بين الجيش الفرنسي من جهة وبين هنانو ورجاله من جهة ثانية.
– قابل هنانو الجنرال جوبو، قائد الحملة الفرنسية للاتفاق على شروط الهدنة.
– عُقدت الهدنة مرتين بين هنانو والجيش الفرنسي.
– تبادل الفريقان الأسرى.
وتبيّن للمحامي الصقال أن هذه الوقائع كلها، لا تبرر اعتبار هنانو مجرماً عادياً، أو مجرماً سياسياً، بل تجعله مقاتلاً في سبيل وطنه.
الخصم هو الحَكَم!
ولما اقتنع الأستاذ الصقّال بنظريته ﮪذه، زار موكله المعتقل في إحدى غرف سجن خان إستانبول، وكان ينتظر مطالعته بكثير من الشوق واللهفة، وبادره بقوله:
– لا يجوز اعتبارك مجرماً عادياً، ولا مجرماً سياسياً. وهذه النظرية لا تقبل أدنى شك، ولكن هناك أمر خطير، وهو أن حاكمك هو خصمك، والمعروف أن المحاكم العسكرية تتأثر بالعاطفة أكثر مما تتأثر بأحكام القانون.
ولاحت في فكر الأستاذ الصقّال بارقة أمل قد تعطي هنانو ما ينشده من حق، وقد تختصر أمامه طريق دعواه المحفوفة بالأخطار.
وفي تشرين الأول/أكتوبر (1921 م )، أرسل إلى الجنرال غورو – بوساطة الجنرال دو لاموت مندوبه في حلب- كتاباً مسهباً، أوضح فيه نظريته القانونية السابقة الذكر، وقال في جملة ما قاله:
– ” إن هنانو قام بثورته مطالباً بحرية بلاده، والمطالبة بالحرية لا تعدّ جرماً، بل هي حق طبيعي، اعترفت به الدول الكبرى، منها أمريكا بلسان رئيسها ويلسن، الذي اشتهر ببنوده الأربعة عشر”.
لكن السلطة الفرنسية ردّت على كتاب الأستاذ الصقّال قائلة:
– إن هنانو متهم بجرائم عادية، لا بجرائم سياسية، وإنه لا بد من السير في الدعوى.
وبتاريخ 4 شباط/فبراير (1922 م) أعاد محامي هنانو المحاولة، طالباً من الجنرال غورو أن تطبّق على هنانو المادة الخامسة من اتفاقية أنقرة، تلك المادة التي أعلنت العفو العام عن جميع الجرائم السياسية التي ارتكبت أثناء العمليات الحربية، وقد أثبت المحامي بالوثائق الرسمية أن هنانو كان تابعاً، من الناحية العسكرية، للجيش النظامي التركي، وكان يتلقّى منه العتاد والذخائر للقيام بعملياته الحربية.
غير أن فرنسا بقيت مصرّة على رأيها القاضي بمحاكمة إبراهيم هنانو.
في قاعة المحكمة
في اليوم الخامس عشر من شهر آذار/مارس (1922 م)، بدأت محاكمة إبراهيم هنانو في دار الحكومة (السراي القديمة) بحلب. واستعداداً لكل طارئ، اتُّخذت أقصى الاحتياطات الأمنية، فمنذ فجر ذلك اليوم، اصطفّ الجنود السنغاليون على جانبي الطريق الممتد من بناية البريد القديمة إلى مدخل دار الحكومة، فإلى قاعة محكمة الجنايات، وكانوا يحملون بنادقهم وعليها الحراب. وغصّت جميع الطرق المؤدية إلى المحكمة بعشرات الألوف من أبناء حلب الشهباء، كما غصّت دار العدل بالمتفرجين من حكام ومحامين وسياسيين ومستمعين.
وفي تمام الساعة الثامنة ظهر أعضاء هيئة المحكمة بألبستهم الرسمية، وسيوفهم اللامعة، وكفوف اليد البيض، وكانوا خمسة أعضاء، برئاسة عميد (كولونيل) وبعضوية مقدّم (قومندان) ونقيب (كابتن) وملازم أول وملازم ثانٍ. وكانت النيابة العامة ممثلة بالنقيب (استاك).
ولأول مرة في تاريخ القضاء في حلب ارتدى الأستاذ فتح الله الصقّال رداء المحاماة، وكان حمله معه من القاهرة، فأصبح عرضة لأنظار الجمهور المحتشد في قاعة المحاكمة. وأبلغ الأستاذ الصقّال النيابة العامة بأنه سيقدّم مرافعتين ابتدائيتين: تهدف الأولى إلى عدم صلاحية المحكمة العسكرية في محاكمة هنانو. وترمي الثانية إلى عدم قانونية تسليم هنانو للسلطة العسكرية الفرنسية. وإذا ردّت المحكمة هذين الدفاعين، فإن وكيل هنانو سيدخل في أساس الدعوى، وسيُطلع النيابة العامة على أسماء شهود الدفاع.
وفي جلسة بعد الظهر دخل القضاء في أساس الدعوى، فقال الرئيس مخاطباً إبراهيم هنانو: إن القانون الفرنسي يمنحك الحق التام في الدفاع عن نفسك، وها أنت اليوم متهم بالاشتراك مع عصابات الأشقياء، وقد كنت ترأسهم وتدير حملاتهم.
فأجاب هنانو بكل جرأة:
” أنا لست مجرماً، لأن أمرنا سياسي صرف، ولا أشكّ في أنكم ستحكمون بالعدل، أما تشكيلنا العصابات فلم يكن للفتك والنهب، ولو كان الأمر كذلك لقاومَنا الشعب وسحقنا سحقاً، فقواتنا مؤلفة من أفراد الشعب، صاحب الحق والسلطان. إنني متهم سياسي فقط، ولو كنت مجرماً، كما تقولون، لما فاوضني ممثّلكم الجنرال جوبو لعقد هدنة ومبادلة أسرى، ولما عقدت معي حكومة أنقرة التي تعترفون بها اتفاقاً، لأن الحكومتين الفرنسية والتركية أسمى من أن تتنازلا لمفاوضة مجرم، فنحن لم نلجأ إلى الوسائل الحربية إلا للدفاع عن أنفسنا، وأنا إذاً ثائر سياسي أدافع عن وطني، وقد جاهرت وأجاهر بأنني أتبرّأ من كل مجرم سفّاك.
وسأله الرئيس:
– من اضطرك إلى أن تحارب؟
فأجابه هنانو بدون تردد:
– عندما أهاجَم أكون مضطراً للدفاع عن نفسي.
وحان وقت الظهر، ووقف المؤذّن في مسجد دار الحكومة يصيح بملء صوته: الله أكبر! الله أكبر! يدعو الناس إلى الصلاة. فصاح رئيس المحكمة بالحاجب:
– أسكت هذا الذي يصرخ في الخارج!
وقبل أن يتزحزح الحاجب من مكانه رفع الأستاذ الصقّال يده، وقال للرئيس:
– أتدري يا حضرة الرئيس من هذا؟ إنه الشيخ يؤذّن.
قال الرئيس:
– وماذا يقول؟!
قال الأستاذ الصقّال:
– إنه يدعو الناس إلى الصلاة، ويرجو الله أن يلهمكم السداد لتحكموا على هنانو بالعدل.
المطلوب رأس هنانو!
كانت محاكمة هنانو تجرى في الصباح وبعد الظهر، وفي اليوم السابع، طلب رئيس المحكمة من النائب العام أن يلقي مرافعته، فنهض النائب، وتكلم بمنتهى القوة والحماس، من الساعة التاسعة صباحاً إلى الساعة الثانية عشر ظهراً. وختم النائب العام مطالعته بقوله:
– لو كان لإبراهيم هنانو سبعة رؤوس بعدد جرائمه السبع، لطلبت إعدام رؤوسه السبعة، لكنه لا يملك إلا رأساً واحداً، ويؤسفني إن أطلب إعدامه، ليكون عبرة لغيره، أطلب ذلك، بالرغم مما يحويه رأس هنانو من دراية واتزان.
كانت التهمة الأولى الموجّهة إلى هنانو تنحصر في تشكيل عصابة من الأشقياء، وعلى هذه التهمة ارتكزت التهم الباقية، وترمي التهمة المذكورة إلى تثبيت أن اتفاقاً جنائياً تمّ بين هنانو ورفاقه في الثورة. وأوضح محامي الدفاع أن جريمة الاتفاق الجنائي تقوم على ركنين: أولهما مادي وهو الاتفاق على ارتكاب الجناية. والثاني معنوي؛ وهو أن القصد جنائي، والركنان غير متوافرين في هذه القضية.
وكانت حجة محامي هنانو أن الأتراك عقدوا مع هنانو اتفاقاً، وأمدّوه بالرجال والعتاد، وأن السلطة الفرنسية فاوضته بشأن عقد هدنة وتبادل الأسرى، وأن الجنرال جوبو دعاه إلى تناول طعام الغداء على مائدته، ولما عرض الكولونيل فوان أن يبقى رهينة لدى رجال هنانو أبى هنانو ذلك، وقال إنه يثق بالشرف العسكري الفرنسي، فلو كان هنانو مجرماً لما تنازلت فرنسا إلى مفاوضته، ولما عاملته معاملة الند للند.
وراح المحامي الشاب يؤكد أن هنانو قام بثورته مدفوعاً بعاطفة وطنية نبيلة، تشبه العاطفة التي هزّت فرنسا يوم احتلت ألمانيا بعض البلاد الفرنسية سنة (1914 م)، ألم يتصدّ لها الفرنسيون في السهل والجبل وبطون الأودية دفاعاً عن أرضهم وكرامتهم؟ ولما انتهى الأستاذ الصقّال من دفاعه، التفت الرئيس إلى هنانو وسأله:
– هل لكم أن تقولوا شيئاً بعد دفاع وكيلكم؟
فأجابه هنانو:
– إنني واثق بعدالتكم، بالرغم من الخصومة القائمة بين بلادكم وبلادي، وإذا كانت فرنسا تتغنّى بالحرية والعدالة فإن سورية تنشد الحرية نفسها والعدالة عينها.
وقد صرّح الأستاذ الصقّال قائلاً: كان إبراهيم هنانو يمتاز بالنباهة والذكاء، والثقافة والجرأة، وهي صفات سهّلت مهمتي كثيراً. وتحسّباً لكل طارئ يمكن أن يعكّر الأمن عند صدر الحكم على غير ما يحبه الشعب السوري، فقد رأت المحكمة أن تعيد إبراهيم هنانو إلى السجن، قبل أن تلفظ حكمها القطعي.
يوم عصيب!
ومكثت الهيئة الحاكمة ساعتين في غرفة المذاكرة، ثم عادت إلى منصة القضاء، فوقف الحضور، وقد خيّم عليهم جو من الرهبة والخشوع، وكانت أنظار الجميع متجهة إلى الرئيس، الذي قام بتلاوة الأسئلة، ليجاب عنها بكلمتي: ( نعم ) أو ( لا ).
وكان السؤال الأول: هل يُعتبر هنانو مذنباً بتشكيل عصابة من الأشقياء للنهب والسلب؟ فإذا كان الجواب ( نعم ) كانت أجوبة التسعين سؤالاً ( نعم ). وإذا كان الجواب ( لا ) كانت الأجوبة كلها ( لا ). وما كاد الرئيس يجيب عن السؤال الأول بكلمة ( لا ) حتى تبيّن أن البراءة تشمل جميع التهم المنسوبة إلى هنانو. وهذا ما تمّ، فكلما طرح الرئيس سؤالاً كان الجواب ( لا ) بأكثرية ثلاثة أصوات ضد صوتين.
ولما انتهى الرئيس من تلاوة التسعين سؤالاً، وأعلن البراءة، دوّت قاعة المحكمة بالتصفيق الحاد، وسرت الهتافات كالتيار الكهربائي في أرجاء دار العدل وفي الشوارع المجاورة مردّدة: فليحيا العدل! فليحيا هنانو! فليحيا الأستاذ الصقّال! فلتحيا فرنسا!
وكانت الساعة قد قاربت التاسعة مساء.
وفي بضع دقائق سرت البشرى إلى جميع أحياء حلب الشهباء، ومنها انتقلت إلى مختلف المدن السورية، فإبراهيم هنانو نجا مما كان يراد له من شر، والحرية الوطنية مازالت بخير، وقامت الأفراح في كل مكان من الوطن السوري، لا سيما بين العاملين في الحقل الوطني، وراح الناس يهنّئ بعضهم بعضاً كأنهم في عيد سعيد.
وكان إبراهيم هنانو قد أعيد إلى سجنه قبيل لفظ الحكم كما ذكرنا، وعندما أعلنت براءته، وعلت هتافات الشعب بحياته وحياة العدالة، وتسللت الجماهير التي كانت محتشدة داخل دار الحكومة وخارجها، تسللت من حي الفرافرة إلى خان إستانبول، فوصلت إليه قبل وكيله وقبل النائب العام العسكري الفرنسي نفسه، وراحت تهتف هتافات فهم منها هنانو- وهو داخل السجن- أن براءته قد أُعلنت.
وما هي إلا دقائق معدودة حتى أُطلق سراح البطل.
وكان على باب السجن عربة يجرها حصانان، وما إن ركبها هنانو ووكيله الأستاذ الصقّال، حتى تدفقت الجماهير كالسيل، فحلّت أربطة الحصانين، وراحت تجرّ العربة بدلاً منهما حتى وصلت إلى دار هنانو، وكانت في أحد أزقة (باب جِنَين)، وكانت النساء يزغردن على طول الطريق من السجن إلى الدار، وكانت مئات منهن واقفات على أسطحة البيوت يمطرن العربة بماء الزهر وعطر الورد.
وكان من الطبيعي أن يفرح الشعب السوري لبراءة هنانو، وأن يهرع الناس إليه من كل حدَب وصوب ليهنئوه وليبايعوه بالزعامة، فقد عرف ذلك الرجل الشجاع كيف يقاوم الانتداب، وكيف يجيب الحكام بالمنطق، وكيف يختار المحامي القوي الجنان الطلق اللسان، الملمّ بكنه القوانين الفرنسية التي لم توضع عبثاً، وإنما وضعت صوتاً لحرية الإنسان، ودفاعاً عن حق الضعيف، وانتصاراً لكرامة المجتمع البشري.
لقد بقي إبراهيم هنانو ثلاثة أيام يستقبل ويودّع، ويقدّم الأطعمة بما فطر عليه من سخاء، ويؤكد أقرب المقربين إليه، أنه لم يذق طعم النوم خلال هذه المدة كلها. ومنذ ذلك الحين أحرز هنانو سمعة طيبة وشهرة ذائعة، وأصبح اسمه على كل شفة ولسان، وصار في عداد الزعماء الوطنيين الذين سجّل التاريخ أسماءهم ومواقفهم بمداد الإكبار والإعجاب، فإذا ذُكر سعد زغلول في مصر، وعمر المختار في ليبيا، والأمير عبد القادر الجزائري في الجزائر، ذُكر إبراهيم هنانو في سوريا، لأنه ضحّى كثيراً في سبيلها؛ ضحّى بماله وصحته، وبابنه طارق، وبعدد من أفراد عائلته الآخرين.
الوطن بين أيديكم!
ما إن ثبتت براءة إبراهيم هنانو من التهم الموجّهة إليه حتى التفّ الشعب السوري حوله، ورأى فيه مثلاً حيّاً للشجاعة والمروءة والإخلاص والزهد في كل ما يمتّ إلى المناصب الرفيعة بسبب؛ فقد عمل في القضية الوطنية، وشارك في المؤتمر السوري الأول الذي عُقد بدمشق في آب/أغسطس (1919 م)، وفي سنة (1920 م)، وكان لآرائه في المؤتمر تأثير كبير.
ولما تأكد لهنانو أن الفرنسيين يلعبون على حبال المراوغة ترك حياة الدعة، وناصب الفرنسيين العداء، وخرج من سجنه أقوى مما كان عليه، وأراد الفرنسيون أن يجعلوه رئيساً للدولة السورية، فقال لهم كلمته المشهورة:
– ” سأبقى خادماً للشعب السوري حتى ينال استقلاله التام، وعندئذ أقبل ما يعرضه عليّ أبناء وطني، ولو كان منصب رئيس بلدية في أصغر قضاء من أقضية بلادي “.
وفي سنة (1928م) تمّ انتخاب أعضاء جمعية تأسيسية تضع دستوراً جديداً للبلاد، فانتخب فيها عدد من خيرة العاملين في الحقل السياسي، واختير الزعيم هنانو رئيساً للجنة الدستور لما كان له من مقام رفيع بين مواطنيه، وكلمة نافذة بين رجالات البلاد، وقد تمّ وضع الدستور ونشر سنة (1930 م). وحاول الفرنسيون التدخل في شؤون الجمعية، وتحوير بعض مواد الدستور الذي وضعه ممثلو الشعب، فوقف هنانو بصلابة في وجه كل حركة مغايرة للمصلحة العامة، ومخالفة للحرية الشخصية، ومناوئة لتقدم سوريا وازدهارها.
ولهذا أحب الشعب هنانو حباً شديداً، وأحلّه أرفع مكان من نفسه، واعترف به زعيماً أكبر، وعدّه مثلاً أعلى للصدق والكفاح البطولي، وعهد إليه بالحركة الوطنية، يديرها بما وهبه الله من حكمة وحنكة وبعد نظر، وكان يردّد باستمرار، هذه الكلمة الدالة على ثبات عقيدته: ” لا مفاوضة ولا اتفاق مع فرنسا قبل الجلاء “.
وعجزت فرنسا بكل أساليبها وإغراءاتها ووعودها عن استمالة هنانو أو كسب سكوته، وكان على الدوام أقوى من الفولاذ في الدفاع عن حق وطنه بالحياة الحرة الكريمة أولاً، وزوال الانتداب الفرنسي عن الوطن السوري بأجمعه ثانياً.
هذه كانت رسالته التي عاش لها، والتي ناضل من أجلها، غير مهتم بالداء الذي كان ينهش رئتيه، ويتسلّل إلى أنحاء أخرى من جسمه الطويل النحيل، لقد كان هنانو في أيامه الأخيرة، يدير معركة الجلاء من قريته (ستي عاتكة) الواقفة كالحارس بين مسقط رأسه كفر تخاريم وبين حارم ذات الينابيع العذبة والبساتين الزاهرة.
نعم في هذه القرية المتواضعة الرابضة بين هضبتين، والمطلّة على سهول حارم وكفر تخاريم وتفتناز، كانت تُعقد بعض اجتماعات الكتلة الوطنية، وتُدار دفّة السياسة السورية بحزم ودراية.
وفي هذه القرية تحمّل الزعيم السوري الكردي آلام مرضه وأعباء واجبه الوطني بصبر عجيب، ولما شعر ببرد مفاجئ وألم شديد، وأحس أن دقات قلبه تتسارع بدون انتظام، أدرك أن الخطر يحدق به، فترك الساعة التي كان يقيس بوساطتها نبضه، والتفت إلى من كان حوله وقال لهم: ” الوطن بين أيديكم “! ثم فاضت روحه الزكية، وانتقلت إلى أحضان بارئها. وكان ذلك في صباح يوم الخميس الواقع 25 شعبان 1354 الموافق 12 تشرين الثاني/ نوفمبر (1935 م).
وهكذا سكن القلب الجريء المخلص، وسكت اللسان العذب الصادق، فتقطعت قلوب السوريين لهول الخطب، وراحت تبثّ زفير الألم، وتندب البطل المغوار الذي قضى نحبه وهو لا يزال في طريقه إلى ساحة الظفر.
المراجع
1 – أدهم آل جندي: تاريخ الثورات السورية في عهد الانتداب الفرنسي، مطبعة الاتحاد، دمشق، 1960.
2- خير الدين الزركلي: معجم الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة التاسعة، 1990، الجزء الأول.
3- عبد الله يوركي حلاق: الثورات السورية الكبرى في ربع قرن (1918- 1945)، دار طلاس، دمشق، الطبعة الأولى، 1990.
4 – منير الريّس: الكتاب الذهبي للثورات الوطنية في المشرق العربي، مطابع ألفباء، دمشق، 1976م.
5- نجيب الريس: سورية الانتداب (1928-1936)، رياض الريس للكتب والنشر، لندن-قبرص-بيروت، 1994.
6 – يوسف الحكيم: سورية والانتداب الفرنسي، دار النهار للنشر، بيروت، 1983.
وإلى اللقاء في الحلقة السابعة.
[1]