حكايتي مع البعث 18
#شكري شيخاني#
الحوار المتمدن-العدد: 7374 - #17-09-2022# - 02:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
جو مشحون تماما يلف كل المناطق وخاصة منطقة سكني في المزة حيث وجود مطار المزة العسكري ووجود العديد من القطع العسكرية التابعة لسلح الجو... وايضا وجود بعض السفارات العربية والاجنبية في هذه المنطقةوبدأ الاخبار المتقطعة تأتي من منطقة البرامكة وخصيصا فرع الشرطة العسكرية ( مكانه الان كلية الفنون الجميلة ) وبقرب الفرع كان مبنى القيادة القطرية... وحسب الاخبار والانباء المتداولة ان العقيد علي المدني وبضعة ضباط وصف ضباط دخلوا مبنى القطرية قفزا من على السور.. بينما احاط بالمبنى باقي صف الضباط والجنود.. هو انقلاب ابيض تقريبااو انه يمكن اطلاق اي اسم الا موضوع التصحيح؟ وفيما بعد نستطيع القول بأنه قد استفاد بعض قادة الحزب العسكريين من إجراءات القبول المتساهلة هذه، وضمّوا أقرباء وأصدقاء ومعارف لجهاز الحزب كأعضاء عاملين دون الحاجة إلى توافر معايير معينة مشددة مثل مستوى معين من التعليم أو التعرف على المبادئ الأيديولوجية للحزب والالتزام بها، علاوة على ذلك لم يكن هناك في الكثير من الحالات وثائق حزبية للتحقق من عدد وهُوية وأعضاء الحزب السابقين، ورُتبهم في الحزب وطريقة قبولهم، لذلك لم يكن الأمر عسيرا على هؤلاء القادة وأنصارهم من تحويل تكوين بعض فروع الحزب جذريا لمصلحتهم الشخصية، ونتيجة لتلك السياسة تكوّن عدد من الكتل الحزبية والمصالح المتحالفة ارتبط أعضاؤها ببعضهم بعضا عن طريق خلفية إقليمية أو عشائرية أو طائفية مشتركة أكثر من كونها مبادئ عقائدية وأفكارا يجتمعون عليها
أدّت هذه الطائفية والحزبية وخلق تيارات مصالح داخل حزب البعث إلى آثار خطيرة لا تزال تعاني منها سوريا إلى يومنا هذا، فقد أضعف الانضباط الحزبي، وسعى الجميع إلى الصراع على السلطة من منطلق جهوي أو طائفي، وما لبث أن ازداد عدد أعضاء الأقليات في سلك الجيش السوري على حساب الأغلبية السنية، وقام هؤلاء باستدعاء العديد من الضباط وضباط الصف الذين تربطهم بهم أواصر عائلية أو عشائرية أو إقليمية لتعضيد مراكزهم الجديدة التي حصلوا عليها بصورة سريعة في انقلاب #08-03-1963#
ويبدو أن آثار هذه الطائفية سرعان ما أفصحت عن وجهها القبيح داخل حزب البعث ذاته، حيث جاء في النشرة الدورية للحزب في سنة 1966م، تحت عنوان أزمة الحزب وحركة 23 شباط ما يلي:
ألحّت ظروف الثورة الأولى ومرحلتها الصعبة على دعوة عدد كبير من العسكريين الاحتياطيين، حزبيين ومؤيدين، لملء الشواغر التي نجمت عن تصفيات الخصوم، ولتدعيم مواقف الثورة (انقلاب 8 مارس/آذار) وحمايتها، ولم يسمح ذلك الإلحاح آنذاك باعتماد أسس موضوعية في عملية الاستدعاء، وإنما كانت عوامل الصداقة والقرابة وأحيانا مجرد المعرفة الشخصية هي الأساس، مما أدّى إلى تسرّب عدد معين من العناصر الغريبة البعيدة عن منطق الحزب ومنطلقاته، وسبّب بالنتيجة استخدام هذا الموضوع سلاحا للطعن في نيّات بعض الرفاق والتشكيك بهم
واللافت أن معظم العسكريين الذين استُدعوا بهذه الطريقة كانوا ينتمون إلى الأقليات العلوية والدروز والإسماعيلية، ولم يكن الأمر مثيرا للاستغراب، إذ إن معظم أعضاء اللجنة العسكرية البعثية المشرفة على نشاطات التنظيم العسكري البعثي كانوا من أعضاء تلك الأقليات، وكان تسعة 9 ضباط من أصل 15 ضابطا من هذه الأقليات من بين أعضاء اللجنة العسكرية الحاكمة للبلاد آنذاك
وجاء أوج احتكار البعثيين للسلطة في #18-07-1963# عندما قامت مجموعة معظمها من الضباط الناصريين من الأغلبية السنية تحت قيادة الضباط جاسم علوان بانقلاب فاشل، لما رأوه من سيطرة مطلقة للأقليات وعلى رأسها العلويون لمقاليد السلطة، وتغلغلهم وأقاربهم وأبناء طوائفهم في المناصب المفصلية المدنية والعسكرية، وكان معظم الضباط الذين أخمدوا هذا الانقلاب، مع إراقة الدماء، ينتمون لأقليات وكان من بينهم ضباط علويون لعبوا دورا متميزا في هذا الشأن
كان انقلاب الناصريين السنة الفاشل في يوليو/تموز 1963م البداية الحقيقية للصراع على السلطة بين قادة اللجنة العسكرية البعثية، حيث لجأ هؤلاء القادة بهدف تقوية مراكزهم إلى زيادة أعداد العسكريين الموالين لهم على أسس طائفية أو عشائرية أو إقليمية، وبسبب ذلك قُوِّضت بنية القيادة والانضباط داخل الجيش السوري.
وفي غضون عام 1966م كتب الدكتور منيف الرزاز الأمين العام للقيادة القومية لحزب البعث قائلا: إن روائح التكتيل الطائفي المقصود بدأت تفوح، وبدأ الحديث عنها أول الأمر، همسا، ثم بدأت الأصوات في الارتفاع حين ظهرت بوادر مادية تسند الاتهام. وبدأ التمييز ضد السنة، حين سُرِّح أعداد كبيرة منهم عقب انقلاب 8 مارس/آذار، ثم لدى تقدُّمهم للالتحاق بالكلية العسكرية ومراكز التدريب، فضلا عن التجنيد للانضمام لحزب البعث، فقد كان العلويون والدروز والإسماعيلية والأرثوذكس في المقابل يحظون بمركز متميز على الدوام في المعاملة في معظم الحالات
وعلى الرغم من أن رئيس البلاد ورئيس المجلس العسكري ووزير الدفاع والداخلية كان سنيا وهو أمين الحافظ، فإن الضباط العلويين البارزين أمثال صلاح جديد وحافظ الأسد قد حظوا على الدوام بمساندة جماعات عسكرية قوية من الأغلبية العلوية في الجيش التفّت حولهم، لا سيما بعد إبعاد اللواء العلوي محمد عمران عن البلاد، وكان صلاح جديد قد ارتقى لمنصب رئاسة أركان الجيش، واعتبارا من النصف الثاني من عام 1965م أصبح اتهام الرئيس أمين الحافظ لرئيس الأركان صلاح جديد علنيا بأنه يعمل على بناء كتلة علوية طائفية داخل الجيش، الأمر الذي أدّى إلى وجود كتلتين داخل الجيش السوري عملت كلٌّ منهما لضمان بقائها ومصالحها، وهما السنيون الملتفون حول أمين الحافظ، والعلويون الملتفون حول صلاح جديد وحافظ الأسد
وقد أدّى هذا الاستقطاب العلني والطائفي داخل الجيش السوري وحزب البعث بين السنة والعلويين إلى وقوع انقلاب #23-12-1966# م، بقيادة العلويَّيْنِ صلاح جديد وحافظ الأسد والدرزي سليم حاطوم، فقُضي على أمين الحافظ بالسجن ثم بالنفي إلى لُبنان بعد هزيمة يونيو/حزيران سنة 1967م، وكان من نتائج الانقلاب المباشرة تولّي صلاح جديد منصب أمين عام مساعد للقيادة القُطرية لحزب البعث، أما حافظ الأسد فقد ترقى من قيادة سلاح الطيران ليصبح وزيرا للدفاع، كل هذا من خلف رئيس مدني صوري لم يكن يملك من أمره شيئا هو نور الدين الأتاسي ذلك المنصب الذي خُصص للسنة آنذاك
كما أسفر الانقلاب الجديد عن تصفية بعض جماعات الضباط السّنيين البارزة، ثم تمَّ تسريح أهم أعضاء كتلة وزير الدفاع السابق محمد عمران، وفي غضون عام 1966م تم تصفية هؤلاء أيضا بصورة رسمية، وكان أغلب هؤلاء الضباط الذين تمت تصفيتهم من أبناء السُّنة، ولقد نتج عن هذا الانقلاب وسياساته ازدياد تمثيل أعضاء الأقليات الدينية مرة أخرى، لكن هذه المرة دون توازن واضح، وفي غياب كبير للمكون السني ذي الأغلبية النسبية في البلاد، بل أصبح العلويون والدروز والإسماعيليون والأرثوذكس هم الطرف الأقوى في معادلة الحكم الجديدة، سواء في الحزب أم في الجيش
كان استبعاد سليم حاطوم الضابط الدُّرزي من مكاسب انقلاب #23-12-1966# م، بل وبقاؤه على رتبته السابقة للانقلاب، وعمله في حراسة مبنى الإذاعة والتلفزيون السوري، وهو الذي أقدم على هذا الانقلاب وكان صاحب اليد العُليا في نجاحه، مع صعود العلويين بقيادة صلاح جديد وحافظ الأسد، قد أثار نقمته وحفيظته، إذ أدرك مدى الخيانة والخسارة التي تعرض لها، فراح يُجمع شتات أمره من جديد، متحالفا مع الأعضاء القدامى المؤمنين بمبادئ المؤسسين للحزب ميشل عفلق والبيطار، ومُلتجِئا هذه المرة إلى أفراد طائفته من الضباط الدروز وبعض قيادات السنة في الجيش آنذاك، لكن محاولته باءت بالفشل والانكشاف وذلك في سبتمبر/أيلول 1966م، وكان صلاح جديد وحافظ الأسد يملكون القوة الكبرى في الجيش السوري فضلا عن سلاح الطيران الذي أجبر سليم حاطوم على الهرب واللجوء إلى الأردن
وقد قُبِض على حاطوم بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967م، حيث دخل إلى سوريا ظنًّا منه أن صفحة الماضي قد طويت، وأن رفاقه القدامى سيتّحدون معه من جديد بعد الهزيمة، لكن ما حدث كان العكس؛ إذ عُذِّب تعذيبا شديدا ثم أُعدم رميا بالرصاص في #26-06-1967# م، وبهذا تُخُلِّص من أهم الجماعات أو الكتل المناوئة للعلويين في الجيش من الضباط والقيادات السنية والدُّرزية المناوئة، إما بالسجن والنفي وإما بالقتل والتصفية، ودخلت سوريا في منعطف النكسة والهزيمة فخسرت الجولان والقنيطرة، وكان من اللافت أن وزير الدفاع حافظ الأسد قد رقَّى نفسه آنذاك من رتبة لواء إلى فريق في ظل أجواء الهزيمة المذلة تلك، كما يروي الرئيس السوري الأسبق أمين الحافظ في شهادته على العصر
وبهذا أصبح العلويون سادة الجيش السوري، بل والسلطة في البلاد موزعة بين صلاح جديد المسيطر على الحزب والحكومة والجناح المدني، وحافظ الأسد المسيطر على الجيش والأجهزة العسكرية، لكن سرعان ما ظهرت الخلافات العلنية بين الرجلين في التوجهات الإقليمية والفكرية وقتها بعد هزيمة يونيو، وعمل حافظ الأسد في أثناء عام 1968م على إحكام سيطرته على الجهاز العسكري، واستطاع أن يفصله عن قيادة الحزب المدنية، كما أصدر أوامره بمنع أعضاء القيادة القُطرية أو مسؤولي الحزب المدنيين الآخرين من زيارة أقسام تنظيم الحزب العسكري أو القيام باتصالات مباشرة مع قطاع الحزب العسكري، كما مُنِع ضباط الجيش بدورهم من إجراء أي اتصالات مباشرة مع سياسيي الحزب المدنيين إلا عن طريق القنوات الرسمية لقيادة تنظيم الحزب العسكري
وهكذا خُلِقَت ازدواجية السلطة بين القائدين العلويَّيْنِ، وكانت القطيعة بين الفريقين حين استطاع حافظ الأسد منع أي اتصالات بين الجانبين منذ فبراير/شباط 1969م، ويصفها نيقولاس فان دام بما يشبه الانقلاب العسكري، ثم استطاعت قوات الأسد السيطرة على مبنى إذاعة دمشق ومبنى إذاعة حلب، بالإضافة إلى مكاتب أكبر جريدتين سوريتين البعث والثورة، وفرض الرقابة العسكرية على نشرات الأخبار والتعليقات السياسية وجميع البرامج السياسية والثقافية والإعلامية.
[1]