سوريا: -الإدارة الذاتية- الكردية، والبحث عن (الشرعية المفقودة)
#سليمان يوسف يوسف#
الحوار المتمدن-العدد: 7253 - #19-05-2022# - 13:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
سوريا: الإدارة الذاتية الكردية، والبحث عن (الشرعية المفقودة)
خلال سنوات قليلة تمكن(حزب الاتحاد الديمقراطي )، الذي تأسس عام 2003 ، من البروز وتصدر الساحة الكردية في سوريا . الحرب السورية بمفاعيلها وتداعياتها المختلفة وفرت الظروف المناسبة للحزب لتشكيل ميليشيا كردية تعاظمت قوتها، حتى أصبحت بمثابة جيش، مكنت الحزب من فرض سلطته على معظم منطقة الجزيرة السورية( شرق الفرات) وأجزاء من ريف حلب الشرقي والشمالي (منبج - تل رفعت - عفرين). بداية عام 2014 اعلن الحزب المناطق الخاضعة لسيطرته العسكرية إدارة ذاتية تم التحضير لها من قبل ما سمي ب المجلس الشعبي لغرب كردستان ، أسسه الحزب عام 2012 في القامشلي.
بفضل (المغريات المادية) التي يقدمها حزب الاتحاد الديمقراطي للمتطوعين في تشكيلاته العسكرية ، وفرض (التجنيد الإجباري)، نجح في ضم الآلاف من أبناء العشائر العربية ومجموعات صغيرة من التركمان و السريان الآشوريين والأرمن والشركس والشيشان، الى (الوحدات الكردية)، في إطار ما تسمى بقوات سوريا الديمقراطية – قسد التي أسسها في#11-09-2015# ، وهي تعد( الجناح العسكري) لالإدارة الذاتية الكردية. تسميتها ب الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا و تطعيمها ببعض الأحزاب والمجموعات الغير كردية، لا ينفي عنها (الهوية الكردية) . معطيات سياسية وغير سياسية تعزز القناعة بأنها إدارة كردية الهوى والهوية . وإن كانت أحزاب (المجلس الوطني الكردي) ترى في هذه الإدارة تقويض ونسف لقضية الأكراد السوريين، بتمددها وتوسيع حدودها في العمق العربي (شرق الفرات)،حيث أصبح الأكراد (أقلية صغيرة) وسط غالبية عربية رافضة للتطلعات القومية للأكراد.
بحثاً عن (الشرعية المفقودة) ، تتحضر الإدارة الذاتية لوضع عقد اجتماعي - دستور جديد، وإجراء انتخابات عامة وإعادة هيكلة مؤسساتها بما يتوافق مع التطورات والمستجدات، التي شهدتها مناطق الإدارة وعموم سوريا في السنوات الأخيرة. يتأمل القائمون على الإدارة الذاتية أن توفر هذه الخطوات الإصلاحية البيئة (السياسية والمجتمعية والقانونية) للحصول على( الشرعية الوطنية المفقودة) لإدارتهم. هذا ما كشفت عنه السيدة إلهام مطلي (نائبة الرئاسة المشتركة للمجلس التشريعي في الإدارة الذاتية للجزيرة وعضوة اللجنة الموسعة لصياغة العقد الاجتماعي) في تصريح لها يوم 28 نيسان الماضي لموقع الإدارة الذاتية الرَّسمي في حال توصّلت الإدارة الذاتية لاتفاق مع حكومة دمشق من الممكن أن تُعدَّل المسودة بما يفيد الطرفين إذا اعتُرِف بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا . كلام السيدة إلهام يتناغم مع رغبة حزب الاتحاد الديمقراطي بالتفاهم مع النظام السوري على صيغة تتيح له الاحتفاظ بالمناطق الخاضعة لسيطرته العسكرية والحفاظ على امتيازاته ومكاسبه (السياسية والعسكرية والاقتصادية )، التي حققها خلال سنوات الحرب.
للعقد الاجتماعي أهمية كبيرة ك(مرجعية قانونية وحقوقية) وفي تحديد شكل وهوية الإدارة الذاتية وتنظيم العلاقة بينها وبين سكان المناطق الخاضعة لسيطرتها. لكن العبرة ليست بما يشرعه القانونيون وما يقرره السياسيون ، وإنما بما يٌمارس على الأرض وكيفية تعاطي (السلطات التنفيذية) مع مصالح الناس وقضاياهم الحياتية وما تقدمه لهم من خدمات ورعاية صحية واجتماعية وتوفير فرص للعمل والتعليم الجيد ، خاصة في هكذا ظروف وأوضاع (اقتصادية ومعيشية وأمنية) بالغة الصعوبة. فشل الحكومات والأنظمة السياسية، التي تعاقبت على حكم سوريا ، في إقامة (دولة القانون) وتحقيق (العدالة والمساواة) وعدم احترامها للدساتير والقوانين التي وضعتها بنفسها ،رسخت قناعة لدى السوريين بأن أي عقد اجتماعي جديد، وبغض النظر عن مضامينه ، لن يُحدث التغير الفعلي المطوب في مسار وبنية الإدارة الذاتية ولن يحقق الانتقال الى التعددية والديمقراطية والتشاركية الحقيقية في اتخاذ القرارات و تسيير أمور هذه الإدارة . فمن غير المتوقع أن يتخلى (حزب الاتحاد الديمقراطي ) عن السلطة في الإدارة الذاتية - الدويلة التي أقامها بدماء شهدائه، لأي جهة أخرى، حتى لو كانت كردية. سيبقى الحزب هو الحاكم الفعلي لها ومصدر كل السلطات و القرارات المصيرية الخاصة بمستقبل الإدارة. مظاهر الديمقراطية والتعددية وإجراء انتخابات وتخصيص كوتا للمرأة في مختلف مجالس وهيئات الإدارة الذاتية، لا تعني وجود ممارسات ديمقراطية حقيقية. المشاركة الفعلية، للأحزاب والمكونات والشخصيات المنخرطة في الإدارة الذاتية، مازالت غائبة .
انضمام ما تسمى ب وحدات حماية الشعب الكردية، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي ، الى (التحالف الدولي)، الذي تأسس في يوليو 2014 بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة (تنظيم الدولة الاسلامية – داعش) في سوريا والعراق، لا يخلو من أهداف سياسية الى جانب الأهداف العسكرية. الحزب يتطلع لاعتراف أمريكي غربي بالإدارة الذاتية، ك( ثمن سياسي) للتضحيات التي قدمها في الحرب على داعش . رغم التشكيك الكردي بالمواقف والسياسات الأمريكية حيال (التطلعات القومية للأكراد السوريين)، القائمون على الادارة الذاتية رحبوا بقرار واشنطن، الخاص باستثناء المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية من عقوبات قانون قيصر المطبق على سوريا ، لما يحمله القرار من رسالة تطمين لهم ببقاء الوجود الأمريكي في سوريا فترة طويلة ولاعتقادهم بأن للقرار (أبعاد سياسية) ترتبط بمصير ومستقبل منطقة شرق الفرات، التي باتت محمية أمريكية يسعى الحزب لفرضها منطقة حكم ذاتي فدرالي يعترف بها النظام وجميع الدول الفاعلة في الأزمة السورية، بينها تركيا الرافضة لأي كيان (سياسي أو عسكري) كردي يقيمه ويحكمه (حزب الاتحاد الديمقراطي) لارتباطه بحزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية . جدير بالذكر أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق(دونالد ترامب) أعطت الضوء الأخضر لتركيا ومرتزقتها من فصائل الجيش الحر والمجموعات الاسلامية ، للقيام بعمليات عسكرية( 2018 و2019 ) ضد القوات الكردية واحتلال العديد من المدن والبلدات السورية كانت تحت السيطرة الكردية منها ( عفرين .. تل ابيض ..راس العين). وهي(تركيا) تهدد بمزيد من العمليات العسكرية لإخلاء الشريط الحدودي من الجانب السوري من المسلحين الأكراد. تأكيد الخارجية الأميركية على أن إعفاء منطقة شرق الفرات من عقوبات قيصر لا يعني دعم الاستقلال الذاتي لمناطق شمال شرق سوريا وتأكيدها على موقفها الداعم للحفاظ على وحدة الأراضي السورية، لم يبدد مخاوف السوريين من وجود نوايا وخطط أمريكية لتقسيم سوريا وإنشاء كيان كردي في الجزيرة السورية. هذه المخاوف تبدو مشروعة مع استمرار الوجود العسكري الأمريكي في سوريا و امتلاك الإدارة الذاتية الكردية كل مقومات الدولة( جغرافية سياسية . حدود. معابر.. جيش. اقتصاد. مؤسسات. تعليم. حلفاء دوليين .. علاقات خارجية) ..
[1]