تسونامي كردية في القامشلي وغزو عربي لأسواق المدينة
#سليمان يوسف يوسف#
الحوار المتمدن-العدد: 1226 - #12-06-2005# - 08:50
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لم تكن، مدينة(القامشلي)، قد تخلصت بعد من تداعيات الأحداث المؤلمة التي شهدتها في آذار من عام 2004، على خلفية مباراة بكرة القدم وقع ضحيتها العشرات من الأكراد بين قتيل وجريح، حتى تهتز من جديد، بسبب اعمال العنف والصدامات التي شهدتها بعض شوارع المدينة بين أكراد متظاهرين سلمياً منددين باغتيال الدكتور(معشوق الخزنوي) وقوات الأمن السورية، ذهب ضحيتها، أحد عناصر الأمن وامرأة كردية وجرح العديد من المتظاهرين، كذلك بسبب عمليات نهب وسلب تعرضت لها أسواق المدينة، غالبيتها تعود لأكراد، قام بها بعض الغوغاء من ابناء بعض عشائر العرب، وهم يرددون بالروح بالدم نفديك يا بشار.
إن ما شهدته مدينة القامشلي، مساء يوم الخميس #02-06-2005# أثناء تشييع جنازة الشيخ الشهيد معشوق الخزنوي الذي قتل في ظروف غامضة على أيدي مجموعة كانوا قد خطفوه في العاشر من شهر أيار الماضي من العاصمة دمشق، يمكن وصفه ب(تسونامي كردية)،حيث الآلاف من الجماهير الكردية تدفقت الى المدينة، تسير خلف جثمان الشيخ الشهيد، الذي استقبل جثمانه من قبل الجموع الكردية المحتشدة، كشهيد وبطل كردي، حيث لف جثمانه (بعلم كردستان) وأقيم له عزاءاً سياسياً رسمياً توافدت عليها الجماهير الكردية من مختلف المناطق،كذلك وفود من مختلف الطيف السياسي والاجتماعي السوري، الآشوري والعربي والأرمني، ولجان وفعاليات المجتمع المدني لتقديم واجب العزاء واستنكار الجريمة التي أحدثت صدمة كبيرة في الوسط الكردي والسوري عامة،باعتبارها ظاهرة خطيرة وغريبة على الحياة السورية.
تميز الشيخ الدكتور (معشوق الخزنوي)- الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مركز الدراسات الإسلامية في وسوريا- كرجل دين أكاديمي ومفكر اسلامي بالاعتدال والانفتاح على الآخر المختلف معه في الدين والقومية والفكر، تفتقر مجتمعاتنا الى امثاله، في هذا الزمن الصعب، حيث تسود ثقافة التطرف والعنف والتعصب،أن اغتياله هو اغتيال لمدرسة اسلامية تجديدية في الإسلام السياسي تقوم على الفكر الليبرالي وفصل الدين عن الدولة، ونبذ العنف والتطرف وكل أنواع التعصب،الذي يصدر عن بعض التيارات الإسلامية المتشددة، وربما لهذه الأسباب جميعها اغتيل الشيخ الدكتور( معشوق الخزنوي).
كنا قد نبهنا في مقالات سابقة- من على صفحات جريدة السياسة الكويتية وايلاف الإلكترونية- لمخاطر استمرار خطف الخزنوي وتعرض حياته لخطر، واليوم، بعد أن وقعت الجريمة التي كنا نخشى حصولها، لا أعتقد، بأن قضية (الخزنوي) ستنتهي، أو تدفن، بدفن جثته وانتهاء مراسيم العزاء، إذ من المتوقع أن يكون لها تداعيات لاحقة على صعيد الملف الكردي وحقوق الإنسان والوضع السياسي في سوريا، وهي مرشحة للتفاعل والتصعيد، الى جانب قضايا أخرى، في ظل نمو وتصاعد الحالة الكردية في المنطقة وفي ظل المناخ الإقليمي والدولي السائد والضاغط على سوريا، خاصة وإن الحركة الكردية السورية تعاملت مع (قضية الخزنوي) منذ البداية باعتبارها (قضية سياسية)، فبالرغم من نفى مصدر مسئول في وزارة الداخلية السورية أية مسؤولية أو علاقة للسلطات السورية بعملية خطف الخزنوي واغتياله، شككت( الحركة الكردية) بنتائج التحقيق التي أعلنتها السلطات القضائية السورية حول الجريمة، وطالبت بفتح التحقيق من جديد في القضية من قبل جهات قانونية وحقوقية محايدة، وقد أيدتها بذلك العديد من الهيئات الحقوقية، المحلية والعربية والدولية( اللجنة السورية واللجنة العربية لحقوق الإنسان، و منظمة العفو الدولية)، وكان قد رفض أبناء الشيخ الخزنوي، مراد ومرشد، الرواية التي قدمها التلفزيون السوري حول مجريات ونتائج التحقيق في قضية اغتيال والدهم وقالوا أن ما أظهره التلفزيون ليس إلا جزء من الحقيقة، وعاهدا بمواصلة مسيرة ابيهم.
لا شك، من حق الأكراد، كما هو من حق، كل مجموعة بشرية وفئات المجتمع السوري، عندما تشعر بظلم يقع عليها، الاحتجاج بشكل سلمي وحضاري بطريقة لا تسيء لبقية شرائح المجتمع التي تشاركها العيش، وتعبر عن موقفها بطريقة تكسب تعاطف وتأييد الآخرين لقضاياها، لكن ما حصل في مسيرة التشييع (الشهيد الخزنوي) وما تلاها من مسيرات كردية سلمية، خرجت عن هذا الاطار وعن التقاليد الوطنية للأكراد السوريين، و تجاوزت حالة الغضب والاستنكار والشجب للجريمة وتحويلها الى تظاهرة كردية، مستفزة للآخر، كانت الكلمة فيها للغوغاء الكردي المتطرف يطلق شعارات وهتافات مهينة لكل ما هو غير كردي في سوريا،مثيرة للغرائز ومحرضة على الفتنة، وقام بممارسات مسيئة، مست مشاعر الشارع الوطني السوري بكل طيفه ومكوناته،إذ تعارضت مع أسس العيش المشترك واساءت للحركة الكردية أكثر ما أفادتها، نذكر منها( لا عرب ولا سريان، هذه كردستان)، ونترفع عن ذكر غيرها لسوقيتها، كما قام بعض شباب الكرد باجبار البعض على إقفال محلاتهم التجارية تحت التهديد وإنزال العلم السوري عن بعضها الآخر. ومن باب حرص (المنظمة الآشورية الديمقراطية) على استمرار العلاقات الوطنية السليمة بين الأكراد و مختلف مكونات الشعب السوري،واجهت(المنظمة) مختلف الأحزاب الكردية بهذه التجاوزات التي حصلت ونبهتها لمخاطرها، تبرأت غالبية الأحزاب الكردية( جبهة وتحالف) من هذه الممارسات، ووصفت مسببيه بالغوغاء، وأدانتها في بيان لها وطالبت بعدم تكرارها وأكدت على ضرورة احترام الآخر وعدم مس بثوابت وأسس العيش المشترك، لكن لا أعتقد بأن بياناً يكفي لإزالة آثار هذه الإساءات وتجاوز ما حصل، فهي تتحمل، بشكل أو بآخر،مسؤولية هذا (الغوغاء الكردي) لأنه بالنهاية هو حصيلة خطاب سياسي وقومي كردي معين، وثقافة كردية معينة، مئات من الفتيان والفتيات والشباب الأكراد السوريين، بسن العمل لا عمل لهم، الفقر والعوز عنوان حياتهم، ينزلون للشارع في مسيرة حزن وتشييع جنائزي،بدت الأحزاب غائبة عنها بالرغم من مشاركتها بها ، حاملة الأعلام الكردية، طبعاً من غير أن ترفع العلم الوطني ، يهتفون، لوحدة وحرية كردستان، ويرفعون شارات النصر، ويطالبون بدولة كردية في سوريا، أليس أمراً يثير التساؤل والمفارقة ويضع أكثر من اشارة استفهام على الخطاب الكردي؟. عما يتحدث أربعة عشرة حزباً كردياً في سوريا للجماهير الكردية، وعن أية ديمقراطية وحقوق يتحدثون و يطالبون بها لأكراد سوريا. هل يمكن تبرير ما قام به بعض أبناء عشائر العرب من نهب وسرقة للأسواق الكردية والسكوت عنها، بالقول بانهم بعض الصبية الجهلة والغوغائيين العرب،لا أحد يتحمل مسؤوليتهم، بكل تاكيد سترفض الأحزاب الكردية هذا التبرير،ومن حقها أن ترفضه، لأن هؤلاء الغوغاء العرب لم يتحركوا من تلقاء ذاتهم. فمثلما هي( الأحزاب الكردية) تحمل السلطات و(حزب البعث) الحاكم والأحزاب العربية الأخرى مسؤولية الغوغاء والشوفينية الموجودة في الوسط العربي، هي الأخرى كقوى كردية تتحمل مسؤولية الغوغاء والتطرف في الوسط الكردي، وإن هي لا تمتلك سلطة مادية أو قانونية، لكنها تمتلك سلطة معنوية وأخلاقية على الجماهير الكردية التي تتحدث باسمها وتعبر عن تطلعاتها وتعيش بينها ومعها، أليست إحدى أهم مهمة ووظائف الأحزاب عقلنة وتهذيب وتوجيه سلوك الجماهير وتكوين الراي العام.
نؤكد هنا على ما قلناه في مناسبات سابقة، حول مخاطر تعميم مصطلح( كردستان سوريا) في الخطاب السياسي والقومي الكردي والثقافة الكردية، والانعكاسات السلبية لهذا الخطاب على صعيد سلوك والوعي الوطني للإنسان الكردي السوري من جهة أولى، وعلى صعيد العلاقة الكردية مع بقية الفئات والقوى الوطنية السورية من جهة ثانية، ونجدد اليوم دعوتنا لمعظم الأحزاب والتنظيمات الكردية السورية للتخلص من الأوهام والأحلام القومية وأن لا تذهب بعيداً في مشاريعها وطروحاتها القومية، حتى لا تبتعد عن القضايا والمصالح الحقيقة للأكراد السوريين والمصالح الحقيقة للمجتمع السوري، وأن لا يكرروا أو يقلدوا أخطاء القوميين العرب التقليدين في خطابهم وأيديولوجيتهم المهزومة، بعثيين وغيرهم، اللذين سئمت غالبية الشعوب العربية، الجائعة والمقموعة، خطاباتهم وشعاراتهم القومجية ( أمة عربية واحدة... وبلاد العرب أوطاني... حماة الديار..) الى بقية الشعارات العربية الثورجية التي لم تعد تطعم خبزاً ولم تعد تصرف في سوق السياسة.
لا شك، في كل وسط، اجتماعي وسياسي وثقافي، هناك المعتدل والمتطرف، ومن دون شك أيضاً، توفير فرص العمل والمناخ الديمقراطي واحترام الحريات وحقوق الإنسان- الغير متوفرة للشعب السوري- مسائل مهمة واساسية في تخفيف حالة الاحتقان والتعصب والتطرف في المجتمع، إذ أن الحرمان والكبت والقمع والاستبداد، ينمي التعصب والتطرف بكل أشكاله ويولد الاحتقان والغلو ويسبب الانفجار،حيث تكون السياسة ردود أفعال سلبية أكثر من أن تكون فعل ايجابي.
أخيراً:
نؤكد على دعمنا وتاييدنا للحقوق القومية(الديمقراطية وحقوق المواطنة) لأكراد سوريا مثلما نؤيد ونطالب بهذه الحقوق لآشوريي(سريان/كلدان) سوريا ولكل أبناء سوريا. وامام هذه الاحتقانات واضطرابات المستمرة والمتصاعدة في المجتمع السوري، القيادة السورية مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، بأن تعيد النظر في مسألة التعددية القومية في سوريا وحلها على اسس ديمقراطية عادلة والمساواة التامة بين جميع ابناء سوريا وعلى أرضية الوحدة الوطنية.
[1]