ماذا بقي لحرية الراي في سوريا
#سليمان يوسف يوسف#
الحوار المتمدن-العدد: 1313 - #10-09-2005# - 09:29
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
بخلاف توقعات المتفائلين، الذين تنبئوا بحدوث مزيد من الانفراج السياسي والانفتاح الديمقراطي، على ضوء التوصيات والقرارات التي خرج بها المؤتمر القطري العاشر لحزب (البعث) الحاكم،تشهد سوريا عودة الى سياسة تشديد(القبضة الأمنية)، بهدف التضييق على (الحراك السياسي والثقافي) المستقل، الذي تميزت به الساحة السورية في السنوات التي تلت تولي الرئيس (بشار الأسد) مقاليد الحكم.فبعد اغلاق (منتدى الاتاسي) للحوار الديمقراطي في ايار الماضي،وسعت السلطات السورية دائرة المضايقات الأمنية لنشطاء هذا الحراك وكيل التهم لهم واعتقال البعض ومنع البعض الآخر منهم من مغادرة البلاد، وزادت من الخطوط الحمراء امام وحول هذا (الحراك ) بعد أن كانت (الخطوط الحمراء) في السابق، تشمل فقط (حركة الإخوان المسلمين) التي خاضت عصياناً مسلحاً ودموياً ضد النظام وقامت بأعمال ارهابية داخل سوريا في الثمانينات من القرن الماضي.وقد حالات الاجراءات والمضايقات الأمنية المشددة،دون انعقاد اللقاء التأسيسي ل(التجمع العلماني الليبرالي الديمقراطي) الذي كان مقرراً في منطقة الزبداني في الخامس من شهر آب وفي السادس منه فاجأت قوات الشرطة والأمن (لجان أحياء المجتمع المدني) بدمشق وهي تعقد اجتماعها الدوري العام، وقد أجبرتها على فض الاجتماع ومغادرة المكان، وفي العاشر منه حصل ذات الشيء ل (ملتقى العمل الوطني الديمقراطي) في مدينة السويداء، وتكرر المشهد ذاته في العديد من المدن السورية، كما طالت المضايقات الأمنية، أحزاباً آشورية وأخرى كردية. جرى كل هذا بحجة أن (( القانون يمنع عقد مثل هذه الاجتماعات واللقاءات))في حين أن الدستور السوري- المعطل بسبب قوانين الطوارئ- يكفل حرية الراي والتعبير والكلمة والإعلان والاجتماعات السلمية لجميع المواطنين السوريين.
إن بعث الروح والحياة في القوانين الاستثنائية وإنعاش (العقلية الأمنية) من جديد-والتي اعتبر البعض بانها باتت جزء من الماضي- في مرحلة أحوج ما تكون سوريا فيها الى مزيد من الانفراج السياسي لتخفيف من حالات الاحتقان وزيادة اللحمة الوطنية في المجتمع، إنما تعكس، بشكل أو بآخر، عجز (النظام) عن تقديم الحلول والمعالجات الصحيحة لمشكلات وأزمات الواقع السوري،بدءاً من قضية (الديمقراطية)و مشكلة الفقر والبطالة واستفحال ظاهرة الفساد والبيروقراطية في مؤسسات الدولة.كما أن العودة الى (نظرية المؤامرة)وسياسية كيل التهم لناشطي ومثقفي الحراك السياسي- اتهم وزير الإعلام السوري مثقفين وكتاب سوريون يكتبون في صحف خارجية بأنهم سيكونون في المستقبل كتاب جريدة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية- يعكس مدى تخبط وارتباك (السياسة السورية) اتجاه الأحداث والتطورات الدولية والإقليمية الضاغطة على سوريا.ويشكل، التراجع عن الهامش المحدود للحريات، امتحان سريع لمدى جدية حزب (البعث) في تطبيق وتنفيذ تلك القرارات والتوصيات الخجولة التي خرج بها مؤتمره الأخير والمتعلقة بالتعددية الحزبية والحريات الإعلامية والسياسية وحصر استخدام قانون الطوارئ في قضايا أمن الوطن، وبات واضحاً أن تلك القرارات كانت التفافاً بعثياً على مطالب التغيير والتحول الديمقراطي في البلاد، وليحمي موقعه، كحزب قائد الدولة والمجتمع.
إن تراجع السلطات السورية عن الانفراج النسبي والتخلي عن سياسة غض النظر والتسامح مع الرأي الآخر،يؤكد من جديد، على أن (الديمقراطية) الحقيقية والحريات لا يمكن أن تأتي بتوصية أو بقرار من حزب حاكم، وإنما تحقق عبر صيرورة نضالية طويلة ومن خلال حدوث تحولات ثقافية وفكرية واجتماعية عميقة تبنى وتأسس عليها (الديمقراطية) وتحتضنها.فبسبب افتقار المجتمع السوري الى (التقاليد الديمقراطية والثقافة الليبرالية) وضعف المجتمع السياسي المدني والأهلي،سرعان ما تأخذ سياسة (القبضة الأمنية) مفعولها وتربك مختلف قوى وتيارات المعارضة السورية وتقلق معظم ناشطي الحراك الديمقراطي وتشل حركتهم.وللأسباب التي سقناها الى جانب أسباب أخرى ،ذاتية وموضوعية، في مقدمتها الظروف السياسية والأمنية الصعبة التي أحاطت ب(المعارضة السورية) طيلة العقود الماضية، دفعت بالكثير من السوريين الى العزوف عن العمل السياسي وعدم التعاطي بالشأن العام، ونشوء (معارضات نخبوية)، غير متماسكة سياسياً وديمقراطياً، لم تستطيع مد الجسور وفتح أقنية وبوابات التواصل والتفاعل بينها وبين قطاعات واسعة من الفئات المحرومة من الشعب السوري صاحبة المصلحة الحقيقة في التغير الديمقراطي وفشلت في تكوين (رأي عام) سوري قوي وفاعل يحتضن القضايا والمطالب التي تطرحها(المعارضة) ويدافع عنها.
مع استمرار الضغوط الخارجية على سوريا، وتحرك الشارع السوري عبر الاحتجاج السياسي السلمي والهادئ(الاعتصامات الرمزية) على الأوضاع السائدة وصعود (مشكلة الأقليات) في الداخل السوري، من المتوقع أن تستمر السلطات السورية في سياسية (تضييق الخناق) على (المجتمع السياسي المدني والأهلي) المستقل،الذي يقف خلف الحراك السياسي والديمقراطي والنشاط الحقوقي المعارض، وسد كل ما تبقى من المنافذ والمنتديات المحدودة للرأي الآخر والتي أثمرها (ربيع دمشق) القصير.من دون شك،أن العودة من جديد الى سياسة الإبعاد والإقصاء ومصادرة الحريات، ستزيد في تعميق الأزمة الداخلية وستسبب المزيد من الاحتقانات السياسية والاجتماعية في المجتمع السوري،وتقود في النهاية الى عكس النتائج المتوخاة منها.إذ، لا يمكن لأي مجتمع أن يتطور ويزدهر من غير أن تتحرك قواه الحية، التي تشكل مصدر فعاليته وديناميكيته، بحرية وبعيداً عن هيمنة السلطة ووصاية الحزب القائد.
سليمان يوسف يوسف... كاتب سوري آشوري...مهتم بحقوق الأقليات
shosin@scs-net.org
[1]