عاشوراء كوردي ذي ستة اصابع (2)
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 6313 - #07-08-2019# - 15:07
المحور: الادب والفن
رد (ميرلي) وهل نحن فقط من يتمتع بايام عاشوراء ؟ فتمتعكم بها يفوق مما نكون عليه في تلكم الايام .
ردت الام :كيف يا بني من اننا نتمتع بها اكثر منكم ؟ فليس لنا في العمر ألا التعب والهم .
فأردف (ميرلي) انت اعلم بما اقصد يا أماه .
ردت الام بدهشهة :اهاا مالذي تقصد يابني؟
اضاف (ميرلي) وبأبتسامة ساخرة :
اماه لِمَ لم تبترو لي الاصبع السادس منذ طفولتي ؟ لاقطعها الان واتخلص منها اليس ذاك افضل ؟
قالت الام بذهول لم تعهده من صبيها الذي تحبه :
ما بك يا بني انت تقفز من حديثك عن عاشوراء الى اصبعك السادس ,واضافت بني لقد خفنا عليك في طفولتك ان نبترها لانها احدى ايات الله في خلقه وراعنا من يصيبك بترها بسوء .
وفي خظم ذاك النقاش المبطن من (ميرلي )مع والدته ذاك الصبي المسكين والمستضعف بعشرات العقد والافكار السوداء التي تخيم على مخيلته الطفولية .همس في نفسه كم كنت اتمنا لو بتر ذاك الاصبع حتى وان ادى ذالك لفنائي .ومالذي كان سيحصل لو مت اثناء ذلك ,لا شيء لا شيء.
لكن بعض من الهمس الخفي قد وصل مشوشا الى سمع والدته فقالت بخوف: مالذي قلته يابني؟
رد (ميرلي)لاشيء لاشيء يا اماه .
اتعرف يابني عندما مرضت في طفولتك اخذناك الى طبيب اسمة خليل سخن او ساخن الفلسطيني وعندما اشتد عليك المرض نذر والدك ان يأخذك لزيارة الامام الحسين واخوه العباس كل عام حتى تكبر وتستطيع ان تزورهما لوحدك .وعند عودتك من اول زيارة كانت خدودك قد توردة من جديد وعادت اليك العافية.
وبتنهد عميق قال (ميرلي):
اعلم يا أم كل عام يصطحبني ابي الى كربلاء ,وهل تعتقدون انتم ايضا يتلك العقائد ؟!!
ردت الام :
مالذي تقوله يا بني هل ترانا جاحدين لتلك العقائد؟
وبأستهزاء وبأبتسامة ماكرة رد (ميرلي):
يعني انكم تؤمنون بيوم عاشوراء امي الحبيبة .بضحكة ساخرة هههه.
ضحكت الام ببراءة وقالت :
مالذي تقصده ياولدي؟
رد (ميرلي):
هذا يعني ان لعاشوراء قدسية كبيرة لديك وابي .اراد (ميرلي)ان يفجر الموضوع ولكن اخفاه بشيء من المكر.
واضاف :وهل استوجب ان ...في تلك الليلة .ابتلع (ميرلي)الكلمات دون ان يكملها .
وبدهشة قالت الام :
يستوجب ماذا يابني؟
رد (ميرلي) ان تحفظ قدسية تلك الليلة وتبقى طاهراً.
لم تدرك الام ما يذهب اليه (ميرلي)في حديثه ,قالت بصفاء سريرتها :
_مالذي تعنيه يابني,هل من المعقول ان تكون نجساً وموحلاً في تلك الليلة المباركة ....في النهار الاول لعاشوراء يمكن للناس ان يمرغوا انفسهم في الطين ويلطمون
رد (ميرلي):
-حسناً حسناً يا أم، فهمت.
عندما كانت الام قد قدمت قدحً من الشاي لولدها المتعب من العمل .خذ يا بني اشرب لتزيح عن كاهلك تعب اليوم ...
اخذ (ميرلي )يرتشف الشاي والتعب كان قد اخذ منه مأخذا فاطبق جفونه ونام قبل ان يكمل ثمالة القدح .وهكذا بقي ذاك السر الذي ينخر في دواخلة دون ان يستطيع البوح به .واستمر في عمله ليجمع مصروف دراسته التي لم يتبقى على البدء بها الا قليلاً ,وهذا الهاجس المضني والمؤرق لم يبارح عقل (ميرلي)طوال الوقت .
وهو يواصل العمل لذاك الصيف .
وفي احد ايام الجمع وبعد حديث الخال (شامرتي )والعقدة التي خلفها ذاك الربط بين عاشوراء والاصبع السادس قرر (ميرلي)وصاحبه (شيرلي) زيارة جارهم (سيرزي)ذاك الرجل المرح ذو الهيئة المحببة والذي كانت عمامته السوداء تضفي عليه الهيبة رغم كل مرحه وخفة ظله .لقضاء بعض الوقت بصحبة ذاك الرجل والاستعلام عن بعض الاسئلة التي كانت بحاجة للاستفهام عنها .ومن مواصفات (سيرزي)بالاضافة الى انه رجل دين ويعتمر عمامة السادة فقد كان مشغولاً باستمرا بمطالعة الكتب الدينية والتي كان قد عود ابنه (ابراهيم)على دراستها .فقد كان الرجل يحفظ العشرات من اشعار حافظ الشيرازي والفردوسي والحكم الكوردية والفارسية والتي غالباً ما كان يقراها فيضفي ذاك الروح المتنورة على مجلسة روح المرح والدعابة وجمال الشعر وسلامة القائها ممزوجاً بتعاليم الدين .ولم يكن (سيرزي)يتأخر عن المحبين الذين يلجئون له للتواصل مع حبيباتهم فقد كان رجلاً يخوض غمار كل العلاقات الانسانية والثقافية والدينية .رغم ان حالته المادية كانت رثة ومقترة .لكن ذاك لم يدفعه لاخذ اي اموال مقابل عمله فقد كان نزيها ورعاً محباً .وبالقرب من دار (سيرزي)وعلى بعد حوالي 50 متراً كان يسكن (أليوي)المدعي انه رجل دين لكنه كان نصف متعلم ولا يرقى الى ان يكون قد اطلع على بعض الكتب وحفظ بعض الايات .ويحاول منافسة (سيرزي)رغم ان صفاته كانت مختلفة كلياً عن طبيعة واخلاق (سيرزي)والذي كان محبوباً من الجميع .
وقد مارس (أليوي) الدجل والشعوذه من خلال السحر والجادو وكتابة الادعية للمرضى الذين غالباً ما يتعرضون للاحتيال من خلال طلباته التي كانت عبارة عن البيض والدجاج والماعز فقد كان يطلب من رواده ان يدفنوا البيض في المقبرة عند قبر فلان ومن جهة القدم للقبر في الساعة المحددة من قبله وحين انصراف الشخص كان (أليوي)قريبا ليستخرجها من الحفرة ويتلذذ بطهيها .او ان يريد دجاجة سوداء ذو افخاذ ممتلئة ليشفي مريضً .وحين يكون في حضرته مريضاً منهكاً يطلب ماعزاً على ان لا يكون هرماً وخالياً من الامراض ليعزم على لحم وعظام تلك المعزة وهو ينهشها في غدائه .اما للمراهقين من الجنسين فقد عمد ان يكتب اوراقاً مثلثة او مربعة ويغلفها بخرقة خضراء ويعمل هو على ان يلتقي العشاق من خلال الايحاء للطرفين بذاك وغالباً ما تكون اللقاءات في منزله الذي بات وكراً لها ومقابل ذاك كان يقبض من الطرفين .فهذا المدعي كان في بحبوحة من العيش بفضل سذاجة الاخرين وسعة حيلته .
وفي الوقت المحدد من يوم الجمعة ذهب الصديقان لزيارة (سيرزي)في منزله الذي كان لا يخلو من محبيه .ودار حديث شيق عن الشعر والحكم واقوال الامام علي .واحتدم النقاش والاسئلة التي يشغل بال الشباب عن الخلق والكرامات عن الشعر والحوادث التي قيلت فيها، عن الجيران والساكنين فيها عن الفتياة الجميلات في الحي ولم يكن (سيرزي)يتجاهل ادغام العشق والغراميات التي تدور رحاها بين شبان وفتياة الحي ليضفي على الجلسة نشوة التواصل وليبث في روح الشباب الرغبة في معاودة زيارته بلا انقطاع، وفي خضم ذلك الحديث الشيق دخل الى مضاف (سيرزي) جاره القديم الذي جاء للتو من بغداد لزيارة اهله واقاربه مهللاً لرؤية (سيرزي) والغبطة على محياه .
قال (سيرزي) مرحبا بجاره القديم المحبب لقلبه:
جاري العزير ممو (هير) كم كنت مشتاق لرؤيتك .
وبعد مراسيم الترحيب عاد الحديث اكثر حرارة من ذي قبل.
قال (سيرزي)موجهاً حديثة لممو (هير) :
-هل تذكر جارنا (هميد و هواس) جيراننا الذي كان (هياس) يرعاهم.
-كيف لا اذكرهم ياعم موجها كلامه ل (سيرزي)
تأوه (سيرزي)وشهق بحسرة بعد صمت موقر ادار وجهه صوب (شيرلي ) و (ميرلي)وقال:
أتعرفون بأي مرض مات (هياس)؟ انه قضى بالمرض الخبيث .واردف قائلاً كل تلك الحسنات والانسانية لم تشفع له عند الله ولم يأخذه الله بعين العطف!!
بعديث الحديث اللطيف والشيق اخذ (ميرلي)يروي ما جرى له عندما اطلعه الخال (شامرتي)عن اصبعة السادس وربطه بعاشوراء وقص قصتة البائسة بما جرى وبالتفصيل للعم (سيرزي) وعندما استمع (سيرزي)لتلك القصة تنهد وقال:
-تفسير ذاك الرجل لاصبعك حماقة رجل خرف ولا تأخذ كلامه على محمل المعرفة وكأنه قد اكل غائطه .
وبدهشة مفرحة قال (ميرلي):
-مالذي قلت ياعم ؟هل تصدقني القول؟
رد (سيرزي)بود وحنان ابوي:
-ياولدي الامام الحسين ليس ظالماً للينغص على محبيه فرحتهم وليجعل من نشوتهم تشويها والماً ,ان الله لا يفسد فرحة محبيه .
رد (ميرلي) :
-وما سبب ذاك الاصبع المارق النابت في غير موضعه .
رد (سيرزي)يا بني ايً كان فالامام الحسين لا يتمنى لمحبيه شيئاً مؤذياً ولا الله .وهذا الذي تدعيه انه شيء نافر .فانه من صنع الله ولان الله يحبك فقد اضاف اليك شيئاً كمعجزة في خلقة .ليريه عباده انه قادر على كل شيء .وان كان الاصبع المارق يزعجك بامكانك ان تبتره ولن يصيبك اي مكروه .
قال (ميرلي)بتعجب :
-حقاً سوف لن يحصل اي مكروه لي ؟
-نعم بحق مولانا لن يحصل ما يضيرك .قالها (سيرزي) بثقة
وبعد عودة (ميرلي)الى البيت اخذ يحلل كلام (سيرزي)متعمقاً في تفسيره وايقن ان هذا المعمم ربما يفكر بطريقة حضارية وعلمانية اكثر من المتنورين العلمانيين .وهذا ما ادخل في قلبة فرحة لا تسعها السماء، لقد تخلص من وهم الخال (شامرتي) ذاك الخرف الجاهل .
وتلك الليلة بقيت معلقة في ذاكرتي التي لا زالت تحتفظ بتفاصيلها من المرح وحديث العشق والهزل واشعار الخيام التي كان (سيرزي)يليقها على مسامعنا بلذة وحميمية والتي كانت تجتذب الكثير من شباب الحي للمواضبة على زيارة داره .ولكن لا بد لي من اذكر ان (سيرزي) كان يتجنب دوما الحديث عن اصوله ومن اي بلاد هو او لأي ملة ينتمي .واغلب اهل الحي كانو يومئون من ان اصله فارسي فقد كان يتقن الفارسية بفصاحة .وفي احد الصباحات كانت الجيش الحكومي يطوق منزل (سيرزي)واعتقلو مع اسرته ويقال قد هجروا الى ايران وتلك الحادثة اضافت هما جديدا على هموم (ميرلي) الذي كان يستأنس بزيارته ويشعر بالراحة لذاك الرجل المعطاء والمزيح لهمومه التي كانت تؤرقه.[1]