حين يشتدّ حرّ الصيف، ينعزل رجال الدين الإيزيديون عن محيطهم، ويبدأون طقوس الصوم الأربعيني الخاص بأيام السنة الأكثر قيظاً.
بدءاً من 24 يونيو الماضي، وحتى الثاني من أغسطس ، ينخرط رجال الدين الإيزيديون، بمختلف رتبهم، في شعائر الصوم والصلاة ويتفرغون للعبادة.
ولهذا الصوم تقليد موازٍ في فصل الشتاء، حين يصومون أيضاً أربعينية الشتاء، خلال الأيام الأقصر والأشد برداً من السنة.
تتبع المعتقدات الإيزيدية حركة الفصول، وهي على ارتباط وثيق بعناصر الطبيعة في تحديد أعيادها وطقوسها.
ويعتقد المؤرخون أن الديانة الإيزيدية مستلهمة من مصادر قديمة عدّة، منها الديانات البابلية والأشورية القديمة، وتقاليد عبادة إله الشمس في الشرق القديم ميثرا.
تلك البوتقة من المعتقدات، أخذت شكلها الحالي بعد امتزاجها بتقاليد الزهد والتصوّف التي أرساها الشيخ عدي بن مسافر الذي عاش في القرن الحادي عشر للميلاد، ودفن في معبد لالش المزار المقدس الأكبر للإيزيديين في العالم.
يقع المعبد في قضاء شيخان، في شمال محافظة نينوى العراقية، على تخوم إقليم كردستان.
هل الصوم فريضة على كل إيزيدي؟
صوم الأربعين في الصيف والشتاء، ليس فرضاً دينياً على كل أتباع الإيزيدية، لكنه فرض على رجال الدين من مختلف الرتب والطبقات.
ينقسم المجتمع الإيزيدي إلى ثلاث طبقات، نفصلها هنا وفقاً لدراسة بعنوان الطبقات الاجتماعية والدينية للمجتمع الإيزيدي للباحث عايد محمد بدر.
طبقة الشيوخ: وهم تاريخيًا الأمراء، وينقسمون إلى ثلاث سلالات: الآدانية والشمسانية والقاتانية، ومن هذه الأخيرة ينحدر أمير الأيزيدين الحالي، وهو رئيس الشؤون الدنيوية.
طبقة البير:وهم الكهنة وينتمون أيضاً إلى سلالة واحدة، ويحق لهم عقد الزواج، وإجراء الطقوس الدينية، وهم يشبهون شيوخ الطريقة لدى الصوفيين.
طبقة المريدين:وهم الأتباع، ويجب أن يكون لكل مريد شيخ أو بير، يمتثل لطاعتهما.
ولا يجوز بحسب الشريعة الإيزيدية الزواج بين هذه الطبقات.
بابا شيخ، وهو الرئيس الروحاني الأعلى، أو الشيخ الكبير، ويجب أن ينحدر من سلاسة الشيخ فخر الدين بن عدي، وهو من طبقة المشايخ الشمسانيين.
رتبة فقير، وتعني الزاهد وتارك الدنيا الذي يخصص وقته للعبادة، وهم من سلالة شيخ حسن، أو بيشمامي فقيرا، ولهم هيبتهم، ويعرفون بأنهم مرتدو الخرقة، يرتدون حزاماً صوفياً أحمر، وطاقية فوقها عمامة سوداء.
رتبة القوالين، وهم الكهنة المرتلين الأدعية والأناشيد ويتولون العزف على الآلات المقدسة وهي الدف والشبابة.
رتبة الكوجاك، أو العارف والمتبصر بعلم الغيب، وتتميز مثل رتبة الفقراء بالزهد والتقشف، ويتوجب احترامهم أيضاً. ويمكن للإيزيدي أن يصبح كوجاكاً إن استطاع صوم أربعينية الصيف والشتاء، وزيارة لالش مرتين وعدم الزواج.
بيشي مام وهي رتبة دينية مستحدثة، ويعتبر ضمن حاشية بابا شيخ.
بابا كافان، ويتولى التوعية الدينية.
بابا جاويش، يقيم في معبد لالش، ويعكف على خدمته، ولا يجوز له الزواج.
رئيس القوالين القوال بهزاد قوال سليمان، هو مسؤول عن الطقوس الدينية لدى الإيزيديين، وعن تنظيم القوالين في مناطق تواجد أتباع هذه الديانة، في العراق وسوريا على وجه الخصوص.
يوضح القوال بهزاد لبي بي سي نيوز عربي، أنه يوجد نوعان من الصوم لدى الإيزيديين. هناك صوم إيزي، وهو فريضة على كل الإيزيديين بمختلف طبقاتهم، ويمتد لثلاثة أيام في منتصف شهر 12 من كل عام. ويبدأ يوم الثلاثاء، وينتهي صباح الجمعة، ويكون ذلك اليوم يوم عيد.
أما الصوم الثاني، فهو صوم يقتصر فقط على رجال الدين الذين فرض عليهم صوم أربعين يوماً في الصيف وأربعين يوماً في الشتاء، بحسب رئيس القوالين.
يلي صوم أربعينية الصيف عيد يسمى العيد الكبير أو عيد جيل هافين، ويتجه فيه رجال الدين بمختلف رتبهم إلى لالش لأداء الصلاة والطقوس، في بداية أغسطس من كل عام.
وعلى المنوال ذاته، يلي أربعينية الشتاء أيضاً عيد احتفالي بانتهاء الشتاء القارس، في الأيام الأخيرة من شهر يناير كل عام.
ويوضح القوال بهزاد إن صوم الأربعينيتين فريضة على رجال الدين مدة عشرين سنة من حياتهم، ويصفه بأنه نوع من التصوف والزهد والنسك والابتعاد عن ملذات الدنيا.
ما هي طقوس الصوم اليومية؟
تشابه طقوس الصوم الإيزيدي طقوس صوم شهر رمضان لدى المسلمين، إذ تتبع حركة شروق الشمس وغروبها.
يصف المسؤول الإعلامي في المجلس الروحاني الإيزيدي نصر حجي خضر لبي بي سي نيوز عربي، يوميات رجل الدين الصائم.
ينهض صائم الأربعين المتصوف من النوم في وقت السحور، ويصادف بين الثالثة والنصف والرابعة فجراً صيفاً في العراق. يغسل وجهه ويصلي دعاء الفجر، ويتناول السحور. ويبقى في خلوة أو مكان معزول مخصص للعبادة طول الأيام الأربعين، حيث يؤدي صلوات وأدعية وتراتيل وطقوساً دينية خاصة، ويستمر بذلك حتى غروب الشمس، حين يغسل وجهه دعاء الغروب، ويتناول الفطور.
يوضح نصر حجي خضر أن فترة الصوم هذه لا تقتصر بالنسبة للزهاد والمتعبدين على الانقطاع عن الطعام وأداء الأدعية، إذ يبقى الصائم متعبداً طوال الليل والنهار، حتى نومه يكون قليلاً، وبعد الفطور يمكن أن يستقبل شخصاً أو شخصين من المتعبدين أو المؤمنين، فيسردون القصص الدينية، ويتطرقون لأمور تتعلق بالعبادة.
إلى جانب ممارسة الزهد والتصوف، يلعب رجال الدين في المجتمع الإيزيدي دوراً مهماً في نظم تفاصيل الحياة والأعياد والتقاليد.
ويتولى المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى شؤون الديانة، يرأسه الأمير أو المير المسؤول الدنيوي عن الإيزيديين وهو حالياً حازم تحسين سعيد بك.
ويضم المجلس الروحاني أيضاً البابا شيخ وهو شيخ علي شيخ الياس، اختير قبل أشهر خلفاً للبابا شيخ الراحل خرتو حجي إسماعيل.
إلى جانبهما، البشيمام فاروق شيخ خليل عثمان، ورئيس القوالين بهزاد سليمان، والشيخ وزير امين خضر يزدين، وبابا جاويش بير شرو. ويقول القوال بهزاد إن لكل عضو من أعضاء هذا المجلس مجلسه الخاص أيضاً، وإن ما يصدر عن المجلس الروحاني قرارات وليس فتاوى.[1]
بغداد- (بي بي سي):