ولي شريف حسين الوندي
ولد #عبد المجيد لطفي# في مدينة #خانقين# عام 1906 , قضى طفولتة على ضفاف (نهر الوند) عاش في حياة الحاجة والضيق وامضى شبابه في و ظائف صغيرة وباماكن نائية وعاش في كهولتة صراع التحولات السياسية ومع الذكريات يقضي شيخوخته , عاش لطفي ليكتب.
وهو من بين الرواد الذين رسموا بداية القصة في العراق، (عبد المجيد لطفي) وغيره نقلوا لنا بنفوس مرهقة وبقلوب بيض مشاعر الناس وصدى احوالهم الاجتماعية الى مليون ورقه بقيت اثارها في الاجيال الى مليون ذاكرة مازال بعضها يتذكر عنفوان ذلك الجيل الذي اعاب على الاقطاع انانيته في استغلال الفلاح الفقير واعاب على الانكليز استعمارهم للشعوب وأدانوا في المجتمع كل ما هو منحرف.
(فمحمود السيد وذنوب ايوب وعبد المجيد لطفي وجعفرا الخليلي) هولاء كانوا بقصصهم جهازا اعلاميا فعالافي الدعاية الى الفضيلة.
فعرفهم قراء الثلاثينات بانهم من اعلام القصة وكانوا هم جهازها الفني . وهم بنوا قواعدها حتى وان بدت قواعد بدائية وكانوا هم حملة نتاجها . كان عقل لطفي اوسع طاقة من جسمه هكذا قال عنه النقاد بدليل انه اصدر مجموعة قصصية في سنة 1958 بعنوان (في الطريق) والتي اطلق عليها اسم (القصة الاولى)يعرض لطفي في قصته خواطر سائق سيارة لاحد المترقين بينما سيدة تقضي الليل على موائد القمار .ويكشف الكاتب ببراعة عن نفسية هذا الشقي اليائس وتضحيته وحبه ورغبته في الزواج من فتاة مقعدة اغراها احد اللئام واوقعها في شباكه وفي اخر الليل يعود الى الدار وينتهي بخصومة مع ساكن الدار تقوده الى السجن ومع ذلك فهو متعلق بالحياة لانة يعلم ان هناك قلبا ينبض بحبه. كتب(عبد المجيد لطفي )خلال الفترة الاخيرة ،مجموعة (خمسة كتب)اودعها الى خمسين كتابا والقاها في اكياس ورماها في غرفته المظلمة (لانه لا احد يسال ماذا يكتب هذا الرائد الغاطس في عزلته) كان لطفي يقرا لاخر مولود في القصة ولاخر أنتاج في نقد القصة . ويتابع كل الخطوات في عالم القصة .ان مجموعاته المطبوعة اقل من مخطوطاته القصصية اذ ان نسبة ما طبع له يشكل 5 % من نتاجه القصصي العام لاسباب مادية . لقد لعب البؤس في حياته دورا شريرا ، فلم يجد مجالا للابداع والنشر لان نداء اللقمة كان اقوى اليه .
كان لطفي متواضعا واصيلا فترى يعطيك نفسه مرة واحدة، بلا تلكؤ او تهزيل او تزويق او ادعاء وانما لانه من جيل الرواد فترى فيه البراءة في القول والبساطة فما يريد ان يعلن عن دوافعه في الادب والكتابة وفيما يريد ان يثبت الحقيقة لجيل اخر في اواسط الخمسينات .
كتب يقول : ان اكثر ما نشرنا في الماضي ضيق الافق ومحلي جدا واحيانا خيالي محض ولكن قد وعينا الحياة وهضمنا تجارب كثيرة عسيرة الهضم صار ت لنا رسالة وفكرة ولعل لمن الاسباب التي تدعو لطفي الى الاعتراف هو ( عصبيته) انه ذو مزاج عصبي حاد ويقوم عصبيته على عاملين .
الاول : واقعيته في الحياة وشدة حرصه على ان يكون حريصا على صدق انفعالاته والصدق جزء من تركيبه البنيوي والنفسي .
الثاني : فقره الذي كان يصرح به دائما حتى يصل فقره العوز فينفعل به ، اذ يجد نفسه ذا قدرة وموهبة فلماذ تجف الحياة من امامه ومن خلفه .والموهبة بدون (مال) او بدون يد تساعده على الانتشار تغدو ضربا من الوهم في روى امثال ( عبد المجيد لطفي ) وهو عندما يعترف يرى انه قال شيئا عن اصالته او انفعاله النفسي في عام 1949 نشر في مجلة البيان تحت ( عنوان النهاية ) شارحا حالة فقره باسلوب مبطن يقول فيها لا لوم على اديب حين يسكت في هذا البلد وقد كنت الى حين مضى انا نفسي بين اللائمين حتى صحوت فاذ بي على ظلال مبين. وعلق الدكتور ( عبد الاله احمد ) وهو من اشد النقاد قسوة على لطفي على اعتر ( عبد المجيد لطفي ) بفقره ( ان لطفي كتب هذه الكلمات المؤلمة بعد ان اضطر الى بيع اثاث بيته لتوفير المال لشراء دواء لمعالجتة من مرض الم به بعد جهاد عشرين عاما في دنيا الادب ) . وانت تدخل بيته ترى هذا الفقر او العوز في اول لحظة فهو يكتب على فورمايكا من طراز الثلاثينات . وكتبه منثورة في رزم مبرومة في زوايا غرفة اشبه بدهليز ، فقد تساقطت الكتب على الكتب والاوراق على الاوراق حتى غرفة استقباله لا تسع الا لثلاثة من غير المدخنين . كان ( عبد المجيد لطفي ) يطيل القراءة وهو في سريره فاذا خرج فانما يتمشى في خطوات في شارعه ويعود بعد طرد ضجره. وكانت اسرته تبجله كثيرا. ياكل وجباته بقناعة حتى عندما لا تكون وفقا لمزاجه او متطلبات حياته . يقرا ويتصفح الصحف ويتصل بالعالم عن طريق جريدتين محليتين والاذاعة ويعرف اوقات اذاعة الاخبار العالمية والتحليلات السياسية ويحاول ان يعطي رايا فيها . كان قادرا على التغلب على غضبه . ونادرا ما يفلت امام هدوئه المصطنع من قدرته ، وشيئ من قلقه ارجعه الى حساسيته الادبية ، فالقلق صفة حساسة تلازم اغلب المبدعين والادباء ( الموهوبين) كان لطفي يميل الى الهدوء لتواضعة مع الناس .وكان حزنه كما يعبر عنه الادباء حزن كاتب لا يستقر او يهدا الا وقد تحققت افكاره للوصول الى حقيقة الثابتة او حقيقة الذين استعملهم ( ابطالا وشخوصا ) في قصصه و رواياته . وليس امامه غير ( ذاكرته) وسيلة لتعرف على ذكرياته القديمة . وهي ذكريات وجد فيها افكاره اقوى من فنه القصصي واكثر تعبيرا عن اعماقه , وهذه افكاره التي عاشت في ذاكرته طوال حياته كانت له ذاكرة متحفزة . وكل افكاره كانت تدور في ( الانسان) من اجل تحريره واعتناقه بالوعي وكان انسانية ( الشعب ) .
وان يكون فكره اعمق من فنه وكانت فلسفة لطفي مع الشعب عن قناعة ووجدان ورؤية طبقيه.
( عبد المجيد لطفي ) كاتب كردي كرس ابداعاته الادبية في وجدان اللغة العربية الا ما ندر من شعر وقصص ورواية تموجت الوانها في اجواء اللغة الكورديه وكتب باللغة الكوردية العديد من القصائد والقصص ودفتها بين اوراقة وطلب من ابنه ان تنشر بعده.
وفحوى تلك الكتابات اجتماعي في اطار الغضب عند الجهل والفقر . وفي احدى القصص ان رجلا صاحب علوة في (خانقين) كانت له امنية واحدة في ان يفرز من خانه بمساحة كافية لبناء جامع قد اوصى اولادة بذلك ووضع في حوزتهم ما ادخر ولكن ذلك لم يتحقق لأن الورثة لم يلتفتوا الى الوصية وتقاسموا المال المخصص لبناء الجامع فيما فرز مساحة عشر امتار من ارض الخان وبنى منارة فقط وسورها بالاشجار وكانهم قد حققوا وصية ابيهم وعلت الماذنة وعلت من حولها الاشجار وتنطوي القصة على روح الجشع في الانسان لان القيم المادية باتت فوق كل شيء . اما في الشعر فقد نضم بالكردية ابياتا مفردة بين البيتين والاربعة ابيات . واختار للغة الكردية واحدة من افضل رواياته المكتوبة باللغة العربية بعنوان ( نبؤة العراف الغجري ) وقد قام الاديب الكردي المعروف (شكور لطفي ) بترجمتها الى اللغة الكردية .
تدور احداثة في كوردستان العراق وفيها صور مشرفة للامكنة والخيال ومزارع التبغ الصغيرة المنتشرة في السفوح . والرواية ماساوية لانجراف قرية( شيرين ) الفتاة العذراء بعد هطول امطار غزيرة حيث يموت كل افراد اسرتها وتنجو هي مع القله الناجية من الطوفان المطر وتتابع من حولها الاحداث الى ان تصل الى بغداد تتعين بوظيفة معينة في احدى المستشفيات ثم تترك العمل لخدمة عجوز ثري مقعد فيقع الابن في هواها وهو فنان فاشل يقضي معظم شهور السنة في اسبانيا .
في سنة (1948) وضع لطفي كتاب بعنوان (نظرات في الأدب الكردي) بالاشتراك مع صديقه لاديب الراحل (عبد السلام حلمي) وكانت الغاية منه محاولة اولية للتعريف بالشعر الكردي للقارئ العربي مع لمحات من التاريخ الكردي من خلال القصائد . وكان الدكتور (زكي مبارك) قد نشر صفحة كاملة من اشعار الكتاب في الجريدة التي كانت يشرف على صفحاتها الادبية في القاهرة وقارئها با عذب ما قرا باللغة الفرنسية . كما ان اديبة مصرية من اصل كردي قد اعتمدت الكتاب مصدرا لكتابة رسالتها للحصول على شهادة الماجستير . في خانقين تعلم لطفي اوليات ما كان مشاعا من العلم والدين في ( التكية النقشندية ) قرب مدخل القنطرة الحجرية من جهة الصوب الصغير ( جلوه)
في هذه التكية كتب اسراره الاولى . كانت تعقد في هذه التكية حلقات لتعليم القران الكريم وكان كل ( خلفة) مسؤولا عن خمسة اطفال اضعف منه يعلمهم ويوجههم وله سلطة مطلقة عليعم من ( الملا حتى الضرب).
وكان ( لطفي) الطفل مرتبطا بخلفه اسمه ( حمه سور ) كثير الزهو بنفسه يملي على الاطفال كل يبغضهم من الطلبات وكانت داره الخربة تقع في الجانب الايسر من ( نهر الوند ) ,فذات يوم قال تعال عبد المجيد اذهب الى داري وجئني بالمحبرة التي نسيتها في البيت , فعبر ( عبد المجيد القنطرة ) وقطع نحوا من الكيلو متر في حرارة الصيف فلما عاد وسلم المحبرة الى الخلفة قال , من قال لك ان تاتي بالمحبرة السوداء .
انما اردت المحبرة الحمراء , قال ( عبد المجيد ) :اني طلبت المحبرة من امك وقد اعطتنني هذه, قال لي المعلم اذهب وعد بالمحبرة الحمراء فادرك عبد المجيد لاول مرة كيف هي حرارة الظلم والعدوان وما يدفع الغرور بالناس الى المتاعب .
فان ( خلفتة ) انما تعسف معه ليثبت اهميته لامه في التكية وانه استاذ له طلاب طائعون .
واما والد (عبد المجيد ) فقد استشهد في الحرب العالمية الاولى (على رواية رفاقه) فوقع عبء عائلته على امراه لم تكن قد تعودت أي لون من حياة الشغف ومع ذلك فقد نهضت امه بامومتها لحماية الاسرة اليتيمة بكل شجاعة واصالة.
واول ما فعلته سحبت ( عبد المجيد ) من التعليم في التكية وادخلته كمتدرب لدى صانع احذية كان من اصدقاء لبية ثم في صبغ الجلود وثم العمل في الحلاقة ثم عند نجار .
وبعدها توفيت الام في ليله ممطرة واكفرهت امام وجهه الايام ثم ارسل الى بغداد ليقيم لدى عمه الذي كان بدوره متواضع الحال ومكت لديه طويلا وتخرج في مدرسه الصناعه في سنه 1932 قسم البرادة والخراطه فذهب الى البصرة للعمل في احدى معامل الميناء ثم ترك البصر فذهب الى كركوك للعمل في شركة النفط بعد اعوام نقل الى ديوان وزارة المالية في بغداد سنة 1938 حيث تزوج سنة 1939. وبقيت امه ترسم في اعماقة صورة كبرياء تثير فيه خيال طفولته وكتب فيها اعمدة وقصصا وشغلت حيزا كبيرا من عاطفته .
كتب اقصوصة في بدايه الثلاثينات بعنوان ( خالدة) ترد فيها ذكرى امه وهو يزور مقبرة كبيرة بحثا عن ابن ابنة اخيه التي اختطفها الموت فجاة في مجموعته القصصية ( اصداء الزمن ) (1938 ) والتي عبر فيها بطريقة رومانسيه حزينه شاحبة سلبية عن آلام نفسه وشقائها ويعد ( اصداء الزمن ) وسطا بين الشعر والنثر وان شاعريتة تجلت في جميع ما كتب وان كان باسلوب النثر وقد شغف بالادب الرومانتيكي الذي كان يقترن بادب المهجر .
كان لطفي لايتبع منهجا علميا صرفا او اكاديميا في تاليف القصص لانه لا يكتب دراسة او بحثا وانما يكتب (أدبا ابداعيا) والادب الابداعي بجوهره (تصرف عفوي) تمليه حساسيه معينه نحو شيئ معين في ظرف معين . ولعل من المفيد ان نقول بان كل قصة كتبها كاتب تضع لنفسها خطى بدايتها ولكنها لا تتكلم في النهايه .
اذا كثيرا ما تاتي النهاية بما لا علاقة لها بالبداية ملم يدر في خطواتها الاولى او يتم بشئ عن تلك النهاية .
وفي السابق كان في كتابه القصة والرواية حيث يبدا بوصف المكان والومان والصور الخارجية التي تتصل بالشخوص . ولكن تجاوز ذلك على ما يبدوا في كتاباتة الاخيرة اذ بدا بالحوار مباشرة بين شخصين وهي الطريقة التي تتبع كثيرا من قبل الكتاب في الغرب .
بلغ المطبوع عن كتاباتة (16) كتابا توزعت بين القصة والشعر الفكر والمسرحيو وادب الانطباعات العامة في المجتمع .
ومن مؤلفاتة :ِ ( قلب الام , خاتمة موسيقار , نظرات في الادب الكردي , عفيفة , في الطريق , عيد في البيت , الامام علي رجل الاسلام المخلد , الجدوه والريح , الرجال تبكي بصمت , ضجة النهار , تصابي الكلمات , الخطافي العد التنازلي , المتنبي شاعر الفكر العربي , خليج المرجان .) كان المبدع الاصيل عبد المجيد لطفي بارعا في العطاء رائعا في تصويرالحياة بكل نسجاتها تصويرا حقيقيا نابضا بالامل المتجدد وهاهي السنوات تمرعجالا ويكاد الجيل الحاضر لا يعرف شيئا عن هذا المبدع الذي اخذته المنية في زمن نجتاج الى عطائه وابداعه كي يضيف الى مكتبتنا الكثير لان رحيله ترك فينا فراغا يصعب ملأه ولم يبق لنا سوى ان نقول لاجيالنا القادمة أياكم ان تنسوا دور المبدعين ولاتدعوا النسيان ان يلفهم ويغمرهم بغبار الزمن القاسي .
هكذا رحل ذلك الاديب الكبير , الاديب الانسان مخلد فينا ذخيرة حيه من الكلمات والكتابات والنتاجات الادبيه والتي ستظل شمعة مضيئة في دنيا الادب . وقد اوصى (عبد المجيد لطفي) ان يدفن في خانقين وفي مرقد (بابا محمود) وفاء لمدينته ومرتع صباه ووافاه الاجل في 27-10- 1992.
عن موقع كلكامش الالكتروني.[1]