معد فياض
تعتز الروائية الكوردية، #مها حسن# ، بانها كوردية تنحدر من#عفرين# ، وتتحدث وتكتب باللغة العربية، و تعيش في فرنسا منذ اكثر من 20 عام، وتعتبر ان هذا التنوع في الهوية والانتماء يمنحها غنى ثقافي وميزة ابداعية تمكنها من انتقاء المواضيع التي تكتب فيها.
صدر للكاتبة مها حسن حتى الان 14 رواية، هي: عمت صباحاً أيتها الحرب، حي الدهشة، ذيول الخيبة، في بيت آن فرانك، بنات البراري، تراتيل العدم، حبل سري، الراويات، طبول الحب، اللامتناهي - سيرة الآخر، نفق الوجود، قريناتي، ومترو حلب التي ترجمها للغة الكوردية الزميل خالد جميل محمد.. وصدرت لها مؤخرا رواية مقام الكورد. اضافة الى بحوث منها: نساء بابل الجندر والتمثلات في بلاد مابين النهرين ونصوص مسمارية من البابلي الوسيط.
في ندوة ثقافية اقامها نادي (المدى) للقراءة ومعهد غوتة الالماني في اربيل، مؤخرا، تحدثت الكاتبة مها حسن عن الانتماء والمكان وكتابة الرواية كمسؤولية ابداعية واجتماعية، وعن وجودها للمرة الاولى في اربيل خاصة واقليم كوردستان عامة، قالت: هنا في شق عاطفي فانا كوردية من عفرين وانا هنا في اربيل ولاول مرة ارتدي الزي الكوردي.. وبمواجهة قراء وجمهور يتابعني، فليس من السهل ان تكون هذه العلاقة بين الكاتب والقارئ في مكان واحد، وهذا ما تحقق هنا حيث ولدت لي علاقات اضافية في اربيل. مشيرة الى ان : القراءة هي نصف العملية الابداعية فنحن لا نكتب لانفسنا ونحن بحاجة الى القارئ وهذا ما وجدته هنا.
مضيفة بقولها: حملت بالكتابة في حلب، وعشت مخاضها سنوات طويلة، بين حلب وباريس، ومدن كثيرة تنقلت فيها بحملي الثقيل.. توجعت وانقهرت وبكيت وطلبت الاسعاف مرارا وشعرت باقتراب الموت وحدي..لم أكن أعلم أنني جئت إلى أربيل لألد فيها: هنا منحتني الكتابة أولادي الفكريين، أولاد الأسئلة والسرد والخيال والتفكي.
لا اتبنى الادب النسوي
حول اعتبارها كاتبة، أمرأة، وتهتم بقضايا المرأة، وفيما اذا تعتقد ان هناك ادب نسوي ام لا؟، قالت الروائية مها حسن لشبكة رووداو:انا لا اتبنى مصطلح الادب النسوي وهو تعبير ذكوري للتقليل من قيمة الادب الذي تكتبه المراة وكأن ادب الرجال هو الادب الرسمي او المعياري والادب الذي تكتبه النساء هو من الدرجة الثانية، انا ارفض هذا المصطلح. منوهة بقولها: انا اتحدث عن كوني امراة في المشرق وهذا اعتبره امتياز فهناك ابواب كثيرة مغلقة امام الكاتب الرجل، انا لدي امكانية ان اخوض مع اية امراة احاديث محرمة على الرجل، وان تخبرني اية أمرأة بقصصها السرية او ما تعانيه. مستطردة بقولها: انا في المجتمع الشرقي، ككاتبة، اكثر قربا ومعرفة بمشاكل النساء، وعندما اكتب عن المرأة فانا لا افعل ذلك انطلاقا من مفهوم اجتماعي بل بل لدواعي ابداعية.. يعني ككاتب، بدون التاء المربوطة، لا اريد ان (اجندر) نفسي، فانا احب ان اكتب عن النماذج البشرية المتنوعة، وكأمراة مشرقية هذا يقربني اكثر، بسبب الظروف الاجتماعية، من عوالم النساء، انا مثلا استطيع ان اكتب عن جرائم الشرف، استطيع ان اقترب وارصد بدقة مشاعر الخوف الذي يعتري المراة المهددة بالقتل. اشعر ان لدي حساسية في بعض المسائل التي تعاني منها النساء. مضيفة:انا لا ازعم باني اهم من غيري ابداعيا ولكن انا مصدر ثقة للنساء اكثر من الكاتب الرجل، المراة تطمئن للكاتبة كوني من جنسها انا لا اجندر كتابتي ولا اسعى ان اكتب ادب المراة ولكن استفيد او اوظف في كتاباتي، حكايات النساء التي تحدث في حلقات صغيرة ومغلقة.
وتكشف الكاتبة مها حسن قائلة:انا دائما اقول ان جدتي هي مورثتي في الكتابة وامي ينبوع السرد ، الراوية، فالقصص التي تحكيها امي لي لا تخبرها لاخي ، وهي لا تحكيها لي لاني كاتبة بل لاني ابنتها و(تفضفض) بها لي وانا اعتبر ذلك امتياز.. انا كامراة في الحياة الاجتماعية الشرقية لعنة وفي الكتابة مصدر ترف. اشعر اني محظوظة كوني امراة كاتبة لان تُفتح امامي بوابات من الحكايات ..هناك عقد عاطفي بين النساء نشعر ان بيننا لغة بعيدة عن البروتكول الذي هو بين المراة والرجل الكاتب. . النساء ينظرن للكاتب باعتباره رجل اولا ثم كاتب، بينما يتعاملن معي باعتباري كاتبة وامرأة.
المكان والانتماء
وحول مفهوم الكاتب بين (الداخل والخارج)، قالت الروائية مها حسن:ككاتبة، وعندما نتحدث عن الداخل والخارج، فانا اعيش في الخارج، فرنسا، واكتب عن الداخل. احاول ان امد جسرا بين المنطقتين، هذه التجربة تضيف لكتاباتي غنى ثقافي واجتماعي. مشيرة الى ان فرنسا ليست بلدا مضيفا لي بل هو بلدي، انا فرنسية ولي حق مثلما للرئيس الفرنسي (مانويل) ماكرون من حقوق وربما انا اتمتع يحقوق أكثر منه كوني لا اتحمل ضغوط ومسؤوليات سياسية، وسوريا، بلدي الام، لم تمنحني هذا الحق، انا لا ارى ان هناك أزمة هوية، انا اجدها حقل ثراء لان عندي امكانية ان اتنقل بين المكانين. لكن يصير عندي احيانا احساس مثل فرق التوقيت في الساعة، يعني انا عندما اتحدث باللغة الفرنسية اشعر بنفسي وكاني كائن آخر وعندما اتحث بالعربية لا اشعر اني فرنسية بل احس بحالي عندي شخصيتين ..مها التي تتحدث بالفرنسية هي غيرها التي تتحدث بالعربية ..واذا اقدم حالي لاصدقائي السوريين بالفرنسية لا يعرفون من انا ويستغربوا. منوهة الى: انا فنيا مستمتعة باني قادرة على ان اجمع بين أكثر من ثقافة، ان اكون فرنسية وعربية وكوردية، وان اكون سورية وكوردستانية واربيلية وفرنسية، انا احزن على الاشخاص الذين لهم انتماء واحد لانهم غير قادرين على تذوق جمالية الامكنة والثقافات الاخرى..الابداع هو هذا التنوع..من حسن حظي اني ولدت كوردية واتحدث واكتب بالعربية، لو انا في مجتمع كوردي سيكون عندي توجه ذهني واحد، هذا التنوع منحني هويات اضافية، وكل هوية تتدخل في كتابتي، لذلك هناك من يقول لي انت تكتبين بالعربي لكننا نشعر بك كوردية واحيانا يقولون عفرينية، انا لا اشعر بالفرق لكن القارئ هو من يشعر بذلك فهذا التراث جزء من تاريخي وانتماءاتي المتعددة ..هذا ما سمعته من خالد جميل محمد، مترجم روايتي(مترو حلب) عندما قال:الروح الكوردية في رواية (مترو حلب) هي التي دفعتني لترجمتها.
توضح الروائية الكوردية مها حسن قائلة: عندما كنت في سوريا كنت ملتصقة بالمكان، واول ما وصلت الى فرنسا كتبت رواية (حبل سري)، استطعت ان اكون اكثر قربا من المكان.. انا اكتشفت كورديتي في فرنسا بسبب الديمقراطية الغربية التي اتاحت لي ان اكون كوردية، بينما عندما كنت في سورية لم استطع ان اكون كوردية لانه ينتابني نوع من الشعور بالاثم او الجريمة السياسية، ان تكون كورديا فهذه جريمة بسبب التضييقات الامنية والثقافية، لكن في فرنسا يحدث العكس تماما فكل ما اختلفت مع الفرنسي يحبك اكثر، هو ليس بحاجة الى كاتب فرنسي وعندهم كتاب كبار لكن عندما ياتي كاتب من مجتمع آخر سيعتبر ذلك أثراء واكتشف ان ما كنت اخاف منه في سوريا كوني كوردية صار بالنسبة لي اثراء في فرنسا وصرت اقترب اكثر من النقاط التي تشبهني وصرت كوردية في فرنسا واكثر حرية في الاقتراب من النقاط التي كانت بعيدة عني او انا بعيدة عنها في سوريا وصرت اكثر التصاقا بالامكنة.
الرواية كوثيقة
تتحدث مها حسن عن الرواية كوثيقة ابداعية، تقول:حسب تجربتي الشخصية وفي روايتي(طبول الحب) صار هناك سجال طويل وقتذاك حول هل نكتب عن الحرب اثناء وقوعها؟ اي ان نكتب عن الحدث خلال وقوعه ام بعد حدوثه؟ هناك الكثير من الملاحظات التي تلقيتها تقول انه يجب الكتابة عن الحدث فيما بعد حتى نهظم ما حصل..الان وبعد أكثر من عشر سنوات على صدور هذه الرواية اقتنعت بانه كان يجب ان اكتب عن الاحداث حين وقوعها بسبب التقلبات الكثيرة والسريعة والمتلاحقة التي صارت في الحدث السوري واشعر ان هناك خيانات عديدة لفكرة التوثيق. اعتقد ان الكاتب، وبلا نرجسية، ليس عنده مصلحة في تزوير الحقائق، نحن نكتب لان عندنا رغبة للتواصل مع الانسانية ولتقديم وجهة نظر الى حد ما اخلاقية وبلا اجندات. مضيفة:عندما كتبت (طبول الحب) وصفت بدقة الامكنة التي كانت في حلب، هذه الامكنة وبسبب الحرب، لم تعد موجودة، لهذا فالرواية وبطريقة غير مقصودة مني تحولت الى وثيقة ..كنت اوثق للمكان والعلاقات البشرية في ذاك الوقت.
تعترف الكاتبة مها حسن قائلة: نحن ككتاب مضطرون في الشرق الاوسط لان تتحول الكتابة الى مسؤولية، وانا لا اريد ذلك، نحن ليس لدينا ترف الكاتب الغربي الذي يكون على مسافة من الحدث وهو مثلا يكتب عن شجرة بلوط في سفح جبل.. نحن لا نتمتع بهذا الترف ولا نزال مسكونون بهموم المنطقة وشعوبنا.انا مثلا ابنة عفرين التي تتعرض لتغيير ديموغرافي لا استطيع، وهنا الصراع قوي جدا،ان انتج نص فني احلم بان يكون خالدا او ان يكون النص منفصل وحيادي عن الضغط العاطفي الذي يحدث للكاتب ،لي، انا ابنة هذا المجتمع حتى وان كنت اعيش في فرنسا لاكثر من 20 سنة لكني لا استطيع ان انفصل عن الذي يصير في عفرين او في دمشق او دير الزور او حمص او في اي مكان بسوريا واشعر بانه يمسني.. هذا ليس من باب الشعور بالهوية والانتماء وانما من باب اني مطلعة على معاناة هؤلاء الناس.
وتشخص الكاتبة مها حسن مشكلتها ككاتبة، تقول: كل ما تعددت هوياتنا وانتماءتنا ثقلت مسؤولاياتنا، والتابوهات المركبة علينا ..انا ككاتبة كوردية اعاني من تابوهات من الضفة العربية وانا ككاتبة باللغة العربية اعاني من تابوهات من الضفة الكوردية، وانا ككاتبة كوردية عربية اعاني من تابوهات المجتمع الثقافي ..كلما صعدت، بمعنى التراتبي، التوسع، كلما دخلت في هوية تعاني من ارهاصات التفكير الجمعي لاهل الهوية التي انا مشتركة فيها معهم وبالاخر ومثلما يقول اصدقائي (هذول ناسنا شو بدنا نعمل؟) كيف تكون صادقا مع نفسك كمبدع وكيف تكون اخلاقي مع الاخر..هذه هي المشكلة.
تشرح معاناتها بصورة اوضح، قائلة: انا كامراة وكاتبة ما عندي ترف الانفصال عن معاناة النساء في العالم العربي او المجتمع الشرقي او الكوردي ما اقدر افصل نفسي عن جنسي وانهن نساء ويعانين من مشاكل، كوني امراة هي احد الهويات الاضافية التي احملها.. كل ما عندي هوية اضافية يعني عندي عبأ اضافي ومشكلة اضافية .. انا اتمنى ان اكتب بترف ميلان كونديرا(كاتب فرنسي من اصل تشيكي) او ايزابيل اللندي(كاتبة كولومبية)..لكن انا كامراة من المشرق احمل هذا الارث من الالم والوجع لا استطيع ان ادير ظهري لحدث كقضية قتل امرأة في قرية او مدينة في سوريا او في اي مكان في العالم.. لا استطيع ان انفصل ابداعيا عن هذه التفصيلة.. ما عندي ترف الانفصال عن الالم والهواجس التي تعيشها النساء.. الكاتب في منطقتنا لا يستطيع ان يدير ظهره لما يحدث هنا وعندنا التزام اخلاقي اتجاه ما يحدث ..بعض النساء يقولن لي انت توصلين صوتنا، هذا عبء يقلل من حجم حريتي كوني انا مسؤولة عن ايصال معاناة النساء بطريقة وباخرى..انا لست حرة وما اقدر ان اتصرف فقط بنزقي الشخصي..انا شخصيا اعيش صراع ما بين المرأة والكاتبة والانسانة وليست سهلا ان اكون كل هذا في وقت واحد.[1]