الإسلام السياسي والتطرف الديني في كوردستان
د. مهدي كاكه يي
في البداية يجدر القول بأنه يجب مكافحة التطرف الإسلامي في كوردستان عن طريق وسائل الإعلام والمناهج الدراسية ومنع الأصوات الداعية الى الإرهاب والتطرف والشمولية من منابر الجوامع وعلى شاشات التلفزيون و صفحات الكتب والصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية وعلى صفحات التواصل الإجتماعي، لِخلق مجتمع كوردستاني منفتح ومتسامح وديمقراطي، فيه يتمتع الجميع بِحرية الإعتقاد واللاإعتقاد والحرية الشخصية وحرية التعبير والرأي، دون خوف من قتل أو إرهاب أو تهديد أو إهانة أو إزعاج.
غالبية شعب كوردستان علمانيون، لذلك لا تستطيع الأحزاب الدينية إستلام الحكم في كوردستان. الواقع السياسي في جنوب كوردستان يعضد هذا، حيث أن نسبة الإسلاميين في البرلمان هناك لا تتجاوز 10% وهذا يعني بأن غالبية شعب كوردستان هم علمانيون والإسلاميون هم أقلية.
تصاعد الموجة الإسلامية الحالية التي نراها اليوم في المجتمعات الإسلامية يعود الى عيش هذه المجتمعات في ظل أنظمة دكتاتورية وشمولية، حيث عانت هذه المجتمعات من الإضطهاد والفقر والمرض، فلجأت الى الدين والغيبيات التي لها جذور فيها، آملةً في تحسين حياتها الشقية. الآن بدأت تتهاوى هذه الأنظمة ويتزامن معها تغيّر في وعي وتوجهات هذه المجتمعات والكف عن الإلتجاء الى الدين، الذي هو عاجز عن تحسين حياة الناس.
من جهة أخرى، العولمة التي نعايشها اليوم تلعب دوراً محورياً في توعية المجتمعات وتغيير أفكارها وعقائدها وثقافاتها و هذا يعني بأن الزمن ليس لِصالح الإسلام السياسي وبمرور الوقت يضمحل دوره في حياة المجتمعات الإسلامية. الدين الإسلامي نفسه لا يستطيع الصمود أمام تيّار العولمة، فيجرفه هذا التيار، حيث أن الثقافة البدوية التي يمثلّها الإسلام، عاجزة عن مواكبة تطورات وتغيرات عصرنا الحالي، ولذلك فأن الدين الإسلامي سينحصر وجوده في أماكن العبادة فقط ويقتصر معتنقيه على أعداد قليلة من الناس في المستقبل البعيد.
تزامناً مع إنحسار دور الدين الإسلامي في حياة شعب كوردستان، تنهض الأديان الكوردية الأصيلة المتجذرة في أعماق كوردستان، تستعيد حضورها وهيبتها، حيث يبدأ شعب كوردستان بإحياء أديانه الأصيلة، مثل الزردشتية واليزدانية (الديانات الهلاوية العلوية والإيزدية والكاكائية والشبك هي من بقايا الديانة اليزدانية الميترائية) التي هي جزء مهم من لغة وثقافة وتراث وتاريخ الشعب الكوردي، بدلاً من التمسك بِدين غريب عليه، فُرِض عليه في غفلة من الزمن بالسيف والقتل والإرهاب والنهب وسلب نسائه، ليتخلص من الثقافة البدوية المتخلفة المفروضة على هذا الشعب الأصيل والذي يتمّ إستعباده وإستغلاله بإسم هذا الدين. للعلم فأن الدين اليزداني كان دين أكثرية الشعب الكوردي الى ما قبل 400 سنة أي الى القرن السادس عشر الميلادي.
إحياء الدين الزردشتي في جنوب كوردستان، مثال حي على تصميم الكثير من الكورد للعودة الى أديانهم الأصيلة، حيث قامت مجموعة من الناس هناك مؤخراً بإعتناق هذا الدين وقدموا طلباً الى حكومة الإقليم للإعتراف بالزردشتية كأحد الأديان الرسمية في كوردستان وتم الإعتراف بهذا الدين رسمياً من قِبل حكومة الإقليم.
العصر الذي يعيشه الشعب الكوردي هو عصر العثور على الذات المفقودة من خلال تمسكه بِلغته والتعرّف على تاريخه وإحياء تراثه ومعتقداته والتي أديانه القديمة هي جزء أساس من تراثه ولغته وتاريخه. إن شعب كوردستان اليوم مُقبِلٌ على تنفيذ مشروع كوردستاني تاريخي حضاري عظيم، كان يفتقده منذ زوال إمبراطوريته الميدية. من خلال هذا المشروع الإستراتيجي، يستيقظ شعب كوردستان من نومه وغفوته وغفلته ومن خلاله يكسر قيود العبودية والذل والظلام والتبعية ويدخل الى عالم الحرية والإستقلال والعزة والنور. إنه وقت العمل والنضال الكوردستاني. إنه عصر النهضة الكوردستانية.
[1]