تركيا وداعش ومابينهما
محمد مندلاوي
في لعبة مخابراتية مفضوحة صيغت بأسلوب ركيك وهش في غرف قصر جانقايا, ونفذت بطريقة هوليودية في شوارع مدينة الموصل, وكأننا في أيام الحرب الباردة, عندما ترك أوردغان وبطانته وديعة بشرية من بضع عشرات من العاملين في القنصلية التركية عند أحبائه في منظمة داعش بعد أن احتلت هذه الأخيرة مدينة الموصل في ليلة الحادي عشر من يونيو الماضي. بهذه المسرحية الهزلية الساذجة التي ألفها أحمد داوود أوغلو وأخرجها أوردغان, أرادا هذان الثنائيان الشبيهان بلوريل وهاردي, أن يوهما أمريكا والغرب, بأن تركيا, لا تستطيع أن تشارك معهم في أية عملية عسكرية أو سياسية ضد داعش, خوفاً وحرصاً منها على حياة (الرهائن) الأتراك اللذين في عهدة داعش. لكن بلا أدنى شك, علم الغرب جيداً بمغزى ادعائهما الكاذب, ولم يوهما بحركتهما الاكروباتية إلا نفسيهما. لقد تصور العقل التركي الطوراني المتخلف, أنه بهذه البساطة الشديدة, التي تتجاوز مرحلة الغباء السياسي, يستطيع أن يلعب ويراوغ مع دول التي تمتلك أجهزة مخابراتية عملاقة مثل (C I A) وال (M I 6) وال (B N D) والتي ميزانيتها السنوية تفوق ميزانية بعض الدول, وتمتلك أدق التقنية الالكترونية, وتراقب تحركات الإنسان بالقمر الصناعي. إن ألاعيب الثنائي التركي أوغلو وأردوغان الشبيهين كما أسلفنا بلوريل وهاردي, قد تنطلي على السياسيين العرب, وبعض الكورد, منهم رئيس ديوان رئاسة إقليم كوردستان فؤاد حسين, الذي صرح بعد غزوة داعش لموصل, وزحفها نحو عاصمة الإقليم أربيل: إن تركيا خذلتنا ولم تقف معنا حين تقدمت داعش نحو أربيل يظهر أن غباء فؤاد حسين قد فاق غباء الاتراك المشهورين بالغباء النادر, حتى قال عنهم الفرس: لو كان التركي لقمان الحكيم, سيبقى إلى سبعين ظهر غبي وصاحبنا فؤاد حسين, بلحظة واحدة, نسي الماضي, ورمى خلف ظهره قرون عديدة من العداء التركي السافر والمستمر للشعب الكوردي, والويلات التي حصلت وتحصل يومياً على أيديهم للشعب الكوردي, واستمرار احتلالهم البغيض لشمال كوردستان. لقد انخدع هذا المسكين الخانقيني فؤاد حسين, ببعض الزيارات... التي قام بها أردوغان وأوغلو لكوردستان, تدعيماً لشركاتهم التي تنهب أموال الإقليم الكوردستاني بوضح النهار. من المؤكد, أن مثل هذا النهب المتواصل يتطلب منهم, أن يطلقوا في بعض الأحيان جملة من التصريحات الدبلوماسية المعسولة, لكي يدغدغوا بها مشاعر بعض السياسيين الكورد على شاكلة فؤاد حسين. إلا أن جميع تصريحات الأتراك المموهه, التي يراد بها ذر الرماد في العيون, لا تنصرف في بورصة العم سام, فلذا نهر الرئيس الأمريكي باراك أوباما بلغة التهديد المباشر, رئيس جمهورية الأتراك رجب طيب أردوغان, وأمره أن يقطع جميع السبل والطرق عن داعش وإلا ...؟. بعد التهديد المباشر الذي وجهه الرئيس الأمريكي لرأس النظام التركي وأمره أن تقطع تركيا علاقتها غير الشرعية بكل تفاصيلها مع داعش, ولا تدعهم أن يتخذوا من تركيا معبراً لهم إلى كل من سوريا والعراق. وأرغم تركيا على الانضمام بأسرع ما يكون للتحالف الدولي الذي يقوده الولايات المتحدة الامريكية ضد جميع أنواع وألوان التطرف والإرهاب في العالم. وقبل أن تدخل سياسة أمريكا الحازمة تجاه تركيا المشاكسة حيز التنفيذ سرعان ما أسدل هذا الكيان اللقيط الذي جاء إلى الوجود وفق معاهدة لوزان التآمري الستار على مسرحية الرهائن الأتراك المفضوحة عندما شاهد العالم نهاية المسرحية على أرض مطار أنقرة بوصول الممثلين سالمين غانمين إلى ذويهم, بعد أن أدوا أدوارهم على مدى ثلاثة أشهر وإحدى عشر يوماً في ضيافة داعش. بهذه النهاية السعيدة (للرهائن) الأتراك بدأت تعاسة أردوغان ظاهراً للعيان على تقاسيم وجهه والخطوط غير المتناسقة التي بانت على جبينه, بعد أن انكشف المستور -هذا إذا نعده مستوراً لبعض اللذين لم يفيقوا من سباتهم بعد -لأن كذبة أردوغان, خرجت عن السيطرة وفضح أمره ولم تنطلي حتى على بسطاء الأتراك, فلذا ذاقوا ذرعاً بسياساته الهوجاء وخرجوا بالأمس في مظاهرات صاخبة في شوارع إسطنبول يتهمونه علناً بدعمه المفضوح لداعش. وفي السياق المتصل قالت ممرضة تركية للإعلام إنها عالجت أعضاء مصابين من داعش في المستشفى التي تعمل فيها في إحدى مستشفيات تركيا. هذا وبعد أن عرف العالم نهجه المراوغ بدى الارتباك والقلق واضحاً في تصريحاته المتضاربة, ولم يقدم تفسيراً مقنعاً عن الصفقة التي تمت بينه وبين داعش, تارة يزعم:لقد أنقذنا الرهائن بعملية مخابراتية في غاية السرية وتارة أخرى يزعم: لقد افرج عنهم بعد أن تفاوضنا مفاوضات ديبلوماسية مع داعش الخ. وفي دورة (69) للجمعية العمومية للأمم المتحدة أثناء إلقاء كلمته تطاول أردوغان على جمهورية مصر كمحاولة أخيرة منه لتصدير الأزمة التي أوقع نفسه فيها إلى خارج الحدود. وفي المقابل أتهمته مصر بدعم الارهابيين سواءاً بالتمويل المالي أو السياسي أو العسكري. عزيزي القارئ اللبيب البيت القصيد في مجمل الموضوع الذي نحن بصدده, هو, أن نكشف خلاصة اللعبة السياسية غير النزيه التي يلعبها الأتراك في حالة داعش. تصوروا إن تركيا بعد أن أرغمت من قبل أمريكا أن تتخلى عن دعمه المتواصل لداعش ماذا سوف تفعل داعش (بالرهائن) أن بقيت محتفظة بهم؟ إنها لا تستطيع تقتلهم لأنهم رعايا البلد الذي يدعمهم في كل المجالات. وفي الحالة الثانية التي لم تعهد داعش أن يفعلها إلا وهي عدم المساس بهم بعد إجبار تركيا الانضمام إلى التحالف الدولي وبها سوف يعلم القاصي والداني حيثيات الدعم التركي لداعش, لأنها ذبحت مواطني بلدان أخرى بمجرد أن دولهم انتهجت سياسة تعتبرها معادية لها, تماماً كما ستفعل تركيا في قادم الأيام مع داعش بضغط أمريكي وغربي. فلذا, ولكي لا تنحرج الطرفان, تركيا وداعش في الأيام القادمة الحبلى بالمفاجئات التي لا تسرهما, فعليه قامت داعش بتسليم وديعتها التركية إلى صاحبها كاملة دون نقصان أي رأس. بالأمس بدأ مفعول التهديد الأمريكي يأخذ مجراه, حين شاهد العالم مباركة أردوغان للضربات الأخيرة التي وجهتها أمريكا ضد مواقع داعش في (سوريا) وقال أردوغان: إننا ننظر لها بإيجابية, ونعلن دعمنا لها, ويجب أن تستمر دون توقف. بهذا التأييد الرسمي من رأس النظام التركي للعملية الأخيرة ضد داعش, يتضح للمتتبع, أن تركيا بهذا البيان الرئاسي قد انضمت علناً إلى التحالف الدولي ضد داعش, لكن على الطريقة التركية المبنية على المتناقضات, حيث وضعت قدماً عند التحالف الدولي وقدماً عند داعش, وهذا فعل شائن وغير سليم, لأن الشيء لا يمكن أن يكون حقاً وباطلاً معاً وفي آن واحد, يجب على تركيا أن تختار بصدق وإخلاص - وهذا الصدق والإخلاص لا تجده عند الأتراك وتفتقده جمهوريتهم التركية منذ نشأتها في 1923 على يد المراوغ الأكبر مصطفى كمال- بعيداً عن المصلحة واستغلال الأزمات لملء جيوبها كما كانت تفعل في سنوات الحرب الباردة, فعليها أن توجه بوصلتها أما نحو الانضمام إلى العالم المتحضر, أو إلى عالم الميتافيزيقيا (Metaphysic), فليس من الحكمة أن تقول شيء وتفعل نقيضه. لقد أعلنت تركيا البارحة عن ترحيل (1000) مقاتل إلى بلدانهم كانوا في طريقهم إلى سوريا. يا ترى تفعل تركيا الطورانية نفس الشيء مع شباب الكورد, إذا جاءوا من شرقي كوردستان (إيران) وأرادوا اجتياز (حدودها) للالتحاق بأبناء جلدتهم في غربي كوردستان (سوريا) ليدافعوا عن الأرض والعرض؟ أم ترميهم في غياهب سجونها الرهيبة السيئة الصيت؟. يحضرني هنا المثل الشعبي المصري الذي يقول: أسمع كلامك أصدقك أشوف أعمالك أتعجب إن لتركيا علاقات متميزة مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني برئاسة (مسعود البارزاني) إلا أنها برغم علاقتها الحميمة والخاصة مع البارتي, وبسبب سوء النية والظن والوساوس التي تعشعش في رؤوس أصحاب القرار السياسي فيها احتفظت بجزء من جيشها المجرم داخل أراضي إقليم كوردستان, في الجزء المتاخم (لحدودها) والذي يخضع للحزب المذكور, الذي لم يهدد يوماً ما الكيان التركي. بينما نراها في غاية الارتياح والسعادة لمجيء داعش, التي لا تعير أية اعتبارات للقانون الدولي ولا لحقوق الإنسان نحو (حدودها) الجنوبية, بناءً على هذا, من المرجح وبلا أدنى شك, إن وصلت داعش إلى حدود جمهورية تركيا الدولية سوف تتخذ من هذا الكيان غير الشرعي المسمى تركيا منطلقاً ومعبراً نحو دول أوروبا الغربية حلفائها في حلف الناتو. وفي نهاية الأمر سوف تهدد داعش وجود الكيان التركي نفسه. وإن كنا نرفض وجود داعش ومن على شاكلتها قلباً وقالباً, إلا أن هذا ما نتمناه من أعماقنا لتتخلص شعوب المنطقة من كيان سرطاني غريب قدم من الطوران وغرس كخنجر غدر في خاصرة شعوبها, ووجوده غير الشرعي أخطر من وجود داعش ألف مرة, لأنه هو الذي ينتج مثل هذه المنظمات التي تهدد الحياة المتحضرة على الأرض.
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره ... تعددت الأسباب والموت واحد
[1]