أردوغان على خطى النازية - 1/2
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 5184 - #05-06-2016# - 00:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
ما ألاحظه أن حزب العدالة والتنمية يسير على خطى الحزب النازي، والمشترك بينهما هو وصولهما إلى سدة الحكم عن طريق الانتخابات البرلمانية وسعيهما لجعل النظام شموليا. لقد سبقه آدولف هتلر إلى السلطة بالانتخابات البرلمانية، فهما إن اختلفا شكلا ولسانا وقومية و...، إلا أنهما استخدما نفس الأسلوب في الوصول إلى الحكم ومن ثم حول مثيله آدولف ألمانيا إلى نظام شمولي وارتقى بها إلى أكبر قوة في أوربا آنذاك، وبعدها جرّ الكارثة على البشرية وعلى الشعب الألماني، فحصل ما حصل.
أما أردوغان لا زال في الطريق لتحويل تركيا الحالية، بداية إلى نظام رئاسي وبعده يكون من السهل تحقيق الشمولية في تركيا الكمالية لتصبح تركيا الأردوغانية. ومجريات الأمور في ظل سلطته توحي لي أنه يحاول منذ البداية تثبيت الشمولية، ولكن بالتدرج وبلباس جديد واسم مغاير؛ لأنها (الشمولية) أصبحت موضة قديمة ومقيتة.
ما يستخدمه الرجل الناجح والنجم الساطع أردوغان، في التكتيك والمؤامرات المتبعة لإزالة المعارضة بكل أنواعها من أمامه، والتحكم بمصير تركيا، حسب رغبته الشخصية، أو الجمعية والمركبة منه، تشبه ما فعله هتلر مع معارضيه.
سيقوم بتغيير الدستور في كثيره، ليحصر مؤسسات الدولة في نطاق السلطة الرئاسية، وهو حكم استبدادي في عمقه، رغم هيمنة النظام الانتخابي الجمهوري، البعد المرئي للجماهير، والغطاء المخادع للديمقراطية، والذي يتقلص عند بلوغ الحزب الأقوى إلى سدة الرئاسة. فالرئيس المنتخب وبمساعدة حزبه، يستمر قابضا على ذمام الحكم حتى ولو أغرق الوطن في الأخطاء، وخير مثال: ما يحصل في فرنسا، فلو كان النظام برلمانيا، برئاسة الوزراء، لتمكنت المظاهرات التي تملء شوارعها من أحداث تغيير ما في القرارات أو في الحكم ذاته. بل والأوضح منه النظام الرئاسي الأمريكي، والتي تمكن فيها الرئيس الديمقراطي براك أوباما من نقل الإمبراطورية الأمريكية إلى دولة رخوة الجوانب ( رغم ما نراه، من جانب آخر، بأنه تحوير مبني على الهيمنة التكنلوجية-الاقتصادية) وأضعاف الولايات المتحدة الأمريكية المهيمنة عسكريا-اقتصاديا ومنذ الحرب العالمية الثانية، والتي بلغت قمتها في عصري ريغن وبوش الأبن، إلى دولة على سوية روسيا والصين بل وأقله في العالم الخارجي، رغم أنها لا تزال تملك نفس الإمكانيات الاقتصادية والعسكرية، فأمريكا ورغم كل مساوئها حسب وجهة نظر شريحة من مثقفيها والشعوب العابثة بمصيرها، كانت إمبراطورية عسكرية أصبحت بدون منازع بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، والإمبراطوريات تبنى على أكتاف الأنظمة الاستبدادية، وفي عصرنا، أقرب الأنظمة للاستبداد هو النظام الرئاسي، والذي يطمح إليه رجب طيب أردوغان. مع ذلك تبقى فروقات واسعة جوهرية، بين ما يطمح إليه أردوغان وما يقيم عليه النظام الرئاسي في فرنسا وأمريكا أو الدول الرئاسية ذات الدستور الحضاري والتي تفصل بشكل واضح بين السلطات الثلاث، وسنأتي عليها في الحلقة الثانية. ولكن من المهم تبيان الفرق بين النظام المستند على دستور ديمقراطي يخدم الشعب والوطن، ودولة ذات دستور غارق في العنصرية والتمييز العرقي والاثني كتركيا، وفاضحة في التميز بين مناطقها وحقوق شعوبها. فتركيا الرئاسية الأردوغانية بقدر ما بنت في الوطن دمرت وستدمر، وتخلق المآسي بقدر ما يريد رئيسها الهيمنة عليها، وهي صورة مصغرة عن النظام الإمبراطوري.
لا أشك من وصف الرجل بالذكاء والدهاء معاً، وكذلك التصرف بالحنكة والدراية المصحوبتين بكراهية الآخر، وبحب الظهور وإذلال المنافس، ولا تخونه القدرة على الرؤية الصائبة للقضايا الخاصة به وبالحزب، وسابقا بالوطن والذي على الأغلب سينهار إذا استمر على نهجه الجاري، مع رغبات ومطامح لا يُعرف لها سقفاً، ومواراتها بعباءة عثمانية؛ وانتهاج سياسة أتاتورك في القتل والانتهازية والخباثة، فلا تأنبه ضميره إذا أضطر للقضاء على كل من يسد عليه مسالك عنجهيته.
استغل وبحنكة ودراية حاجة الشركات الرأسمالية للساحة التركية بغية التغلغل في منطقة الشرق الأوسط، وأيضا الاستفادة وبعمق من الاستراتيجية الأمريكية الأوروبية حول الإسلام المعتدل ومخاوفهما من الإسلام الراديكالي. كما عرف كيف يستخدم المنظمات والشخصيات الدينية في الداخل والخارج لترسيخ أقدامه. وتمكن ولعقد من الزمن الابتسام في وجه القوى الإقليمية والدولية، ليبلغ مرحلة ما أسماها صاحبه المعزول داوود أوغلو صفر المشاكل مع الجوار، وذلك رغم العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل، التي تصل إلى سوية الدفاع المشترك.
وعلى الأغلب الهبوط بل السقوط سيكون مدوياً، ومن المتوقع أن يشمل ليس شخصه والحزب الحاكم فحسب، بل تركيا كدولة، قد يأخذ هذا فترة زمنية طويلة يستبعد فيها المرء هذا الاحتمال، لكن عواقب من سبق أردوغان في هذا المضمار تشير إلى أنه متجه إلى الهاوية آخذا معه تركيا. سنشير إلى بعض المؤشرات التي نجدها مؤدية إلى السقوط مستقبلا:
1- المؤامرات التي يحيكها لإضعاف المعارضة الداخلية ومن ثم القضاء عليها عامة، وليس الكرد فقط، بل القوى السياسية التركية أيضا، وهذا مؤشر على توجه تركيا نحو السلطة المطلقة، والمعارضة المعدمة.
2- التصعيد المفتعل مع روسيا، وتحريضه للقوى الإسلامية داخل وعلى أطراف روسيا لإشغالها.
3- تغذية داعش، ومساندتها اقتصاديا وإعلاميا وبأساليب ملتوية لكنها واضحة، وضخها بالإرهابيين الذين يمرون من خلال مطاراتها وموانئها وحدودها، وسماحها لتجار الحروب باستخدام أجوائها للطائرات التي تغذي المنظمة بالأسلحة المهربة، وما تقدمه من رعاية لمتطوعيها القادمين من الخارج في مدنها إلى أن يتم تجنيدهم وفرزهم ضمن المناطق المستولية عليها داعشياً.
4- معاداة العديد من الدول الأوروبية وتحت ذرائع متنوعة، وتهديدهم بضخ اللاجئين، المتواجدين على أراضيها، إلى دولها.
5- الاتجار بقضية اللاجئين السوريين، ومن ثم بالقضية السورية تحت غطاء الدفاع عن معارضته، والشعب السوري بريء من هذه الازدواجية والتلاعب بمصيرهم، لمصلحة شخصية.
6- نقل القضية الكردية في داخل تركيا من حالة الاستقرار ومرحلة السلام إلى حالة حرب داخلية، ومن ثم توجيه القوة العسكرية لتدمير كردستان، وخلق موجات من المهجرين والمهاجرين الذين سيخلقون كارثة ديمغرافية واقتصادية للمدن الكبرى في الزمن القادم، إلى جانب ما تنتج عنه من دمار اقتصادي ونزيف للدخل القومي على الحرب...
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]