هل سيتححق السلام يوما ما في سوريا؟
اذا بقي النظام والمعارضة على الذهنية والتفكير الحالي فسوف لن يتحقق السلام وقد يستمر الحرب لعشرات السنين وسوف يكتوي بنارها كل المكونات السورية وستُمحى المدن الكبيرة كحلب وحمص وغيرها من على وجه الخريطة وسيكتب اهلها عن ذكرياتهم المتعلقة بالحرب والدمار والخراب والسلب والنهب والسرقات والاغتصاب وغيرها من الجرائم بحق الانسانية.
اذا استفاد النظام والمعارضة والمحايدين واصحاب الخط الثالث من الدروس التاريخية وكانوا شجعانا وعلى قد المسؤولية فقد يتحقق السلام خلال بضعة اشهر.
لنتذكر معا الدروس التاريخية التي مرت خلال العقود الماضية، ففي اسبانيا مثلا وبعد وفاة الدكتاتور فرانكو في عام 1975 م اعلن انصاره الدخول في العملية الديمقراطية بشرط ان لا يتم تعقبهم وزجهم في السجون والعفو عنهم وهذا ما حدث وتحقق السلام هناك، وفي جنوب افريقيا وبعد نهاية سياسة الابارتيد انشأ الرئيس الراحل مانيلا هيئة الحكماء او العقلاء او هيئة الحقيقة وهذه الهيئة كانت تقرر العفو عن كل شخص مهما كانت نوع جرمهم عندما كانوا يعترفون باجرامهم بشكل واضح وصحيح امام الهيئة، وفي ميانمار وقبل ان يعلن الرئيس ثان شوي استقالته اعلن عن قبوله بالخطط الديموقراطية ونفذها وبهذا نجا هو وانصاره من العقوبة والملاحقة القانونية.
المثال الاوضح الآن ما يحدث في كولومبيا حيث حصل لتوه الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس على جائزة نوبل للسلام، من المعروف ان حربا أهلية كانت تجري رحاها هناك منذ 52 عاما في كولومبيا تشبه نوعا ما ما سيجري في سوريا وروژآﭪا من حوالي ستة سنين وقد يستمر ذلك لعشرات السنين، في كولومبيا كان هناك القتل والاغتصاب والحرق والمخدرات وقتل مائات الآلاف وتحويل الحياة الى جهنم ومنذ 52 عاما ومن دون التوصل الى انتصاراي طرف ودون التوصل الى سلام والنتيجة كانت قتل اكثر من 220000 واقتلاع اكثر من 6 مليون شخصا من اراضيهم وتجريدهم من املاكهم ولو قارنا ذلك بما يجري في سوريا وروژآﭪا فالامور اكثر كارثية نظرا للتدخل الدولي العالمي واستخدام احدث الاسلحة الامريكية والروسية والاوربية ونظرا لاشتراك معظم الارهابين المتطرفين الاسلاميين من السنة والشيعة وتنظيم القاعدة وجبهة النصرة وداعش والاخوان المسلمون وغيرهم فيها.
الآن في كولومبيا وبعد الاتفاقية المبرمة مع جبهة فارك ستكون هناك عقوبات بسيطة او عفو وسيحصل السلام لان كل الاطراف غيرت من ذهنيتها وادركت تمام عدم جدوى الحرب الاهلية وضرورة التطلع الى المستقبل وتحقيق السلام وهذا ما يريده معظم المكونات ايضا في سوريا وروژآﭪا، يدرك معظم الكولومبيين بأن ثمن ذلك كبير جدا ولذلك وفي يوم الاحد الماضي كان الرئيس الكولومبي قد دعا شعبه الى الاستفتاء حول معاهدة السلام التاريخية المبرمة مع الگريللا التابعين لجبهم فارك وبات من المعروف بأن الغالبية لم يذهبوا الى الاستفتاء والنتيجة كانت تقريبا فيفتي فيفتي وبفرق بسيط جدا واذا علمنا بأن عدد السكان قد يكون حوالي 48 مليونا وان نصف المصوتين قالوا نعم للاتفاقية ونصفهم الآخر قالو لا للاتفاقية، والذين قالوا لا كانوا بقارق 54000 فقط وهذا فرق بسيط لا يكاد يكون له قيمة، وقال الرئيس جوابا على الاستفتاء (( وقف اطلاق النار سيبقى جاريا وسنناقش المعاهدة مرة ثانية ولدينا فرصة اخرى لتحقيق السلام)).
السلام وتحقيق العدالة المطلقة لا يمكن تحقيقهما ولكن يمكن تحقيق السلام في سوريا وكولومبيا مقابل ثمن باهظ ويجب على المجتمع والمكونات ان يناقشوا ويبازروا على ذلك وسيكون ذلك نقاشا حادا وطويلا وصعبا ان قرر الجميع تحقيق السلام، وهذا ما حصل ايضا في اوربا وبشكل خاص في ألمانيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 م وحصل ايضا في جنوب افريقيا بعد نهاية سياسة الابارتيد، وسيأتي يوما ما سيقوم المكونات في سوريا وروژآﭪا ايضا بذلك.
يرى كثير من الكولومبيين بأن الاتفاقية غير عادلة ولكن هيئة الحقوقيين التي تم تشكيلها ترى بأن العفو ممكن جدا للاعضاء العاديين في مجموعة ثوار فارك، ولكن كل قائد له يد في جرائم ضد الانسانية كجرائم القتل والاختطاف والاغتصاب وتجنيد الاطفال وغيرها من الجرائم التي تدخل تحت بند جرائم ضد الانسانية، هؤلاء يمكن ان يحاكموا ويلقوا جزاء 5 الى 8 سجنين بحجز حريتهم ولم يُعرف بالضبط كيفية حجز الحرية وهذا ما ستقررها تلك الهيئة في اللحظة المناسبة.
السلام ثمنه باهظ اذن ولكن عندما يتحقق شروط الثوار والطرف الآخر ويضع حوالي 15000 ثائر اسلحتهم ويتحول نضالهم الى نضال سياسي سيصل الجميع في لحظة ما الى لحظة الحقيقة وتحقيق السلام ووقف الحرب نهائيا والى الابد.
يصعب على اهالي الضحايا سواء أكان في سوريا او كولومبيا نسيان قتل اطفالهم الابرياء ويصعب عليهم مرور المجرمين امام اعينهم والعفو عنهم او ربما دخول بعضهم الى البرلمان او الاماكن الحساسة في الدولة والحكومة، ولكن عندما يضحي المرء بالماضي في سبيل المستقبل وعندما يعلم بأنه لا يمكن اعادة حياة الشهداء والضحايا مرة ثانية وعندما يعلم بأن وقف الحرب وتحقيق السلام معناها عدم اراقة مزيد من الضحايا فسيدرك تماما بأن السلام أفضل بكثير من الحرب وبأن المستقبل سيكون أفضل بكثير عندما يتحقق السلام.
في سوريا وبدون ادنى شك المسؤولية الاولى لكل هذه الحرب والدمار يقع على عاتق الديكتاتور بشار الاسد ولكن المعارضة التي تصر دائما على سقوط النظام بكل مرتكزاته ورموزه تتحمل ايضا مسؤولية هذا العدد الكبير من الضحايا وعلى الجميع مراجهة انفسهم وتغيير ذهنيتهم لان الجميع بات يدرك بأن التدخل الدولي الذي حصل في سوريا وروژآﭪا سوف لن يحل المشكلة ويزيد في الطين بلة ويؤدي الى مزيد من القتل والدمار قد يستمر لعقود من الزمن كما حدث في كولومبيا، واذا استفادت المكونات في سوريا وروژآﭪا من الدروس التاريخية واستعبرت منها واصرت على السلام فقد نكون على قاب قوسين او ادنى من تحقيق السلام خلال فترة لا تتجاوز سنة واحدة. [1]