البنية الشعبية لتقبٌل داعش
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4524 - #26-07-2014# - 16:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
لا يمكن الجزم بان المكون الذي استغله داعش لتحقيق مرامها، هو الملائم و الداعم لها و المساعد لتنفيذ غيها كما يعتبره العديدين بانه البيئة الخصبة لها . الا ان الحاضنة التي استغلها داعش و ان كانت القلة من هذا المكون بشكل مباشر و صريح، فالاكثرية المعارضة لسلطة المركز من هذا المكون لم تدعم داعش و لا تريدها سلطة لها ايضا و ان فرحت بمجيء الاخر، و لا يمكن تحملها لفترة طويلة .
تفاصيل البنية الشعبية لهذا المكون واضح المواصفات و السمات، و هو يعيش في المنطقة التي تعتبر منبع العلوم و الحضارات و توارثت ما يفرض المدنية و المعرفة اكثر من غيرها بكثير . لها تاريخ ناصع و غني و زاهي و مليء من العلماء و المثقفين و من جهابذة المعرفة و العلوم المختلفة، ومن الشعراء و الادباء و الاكاديميين الذين لهم الباع الطويل في خدمة الانسانية و التقدم و المعرفة .
نحن لا نتكلم عن الاكثرية الصامتة التي تُستغل دائما من قبل الجهات او الحلقات الصغيرة لتحقيق مرامها، و بتغييرهم تتغير جوانب الحياة و ظروفها في اي منطقة او دولة او زاوية كانت .
البنية الشعبية المرادة لسيطرة داعش و ما تتصف به لا يمكن توافرها في هذه المنطقة بسهولة . لا تعني السيطرة على الارض باستغلال الظروف المناسبة في برهة من الزمن بانك قادر على التمسك بما تريد و تتمكن من تجسيد ما تفكر به في تلك الارض . ربما تقدر على التخريب و التدمير و فرض الذات لمدة معينة، و لكن في مدينة كموصل و تاريخ طويل معروف بمكنونه لا يمكن تصور استدامة تقبل داعش بما هي عليه الان لفترة طويلة، و يمكن المساعدة على تقصير المدة و اختزالها ان توفرت العوامل المساعدة في ذلك دون استخدام القوة، اي بيان عدم تلائم و موائمة هذا التنظيم مع تاريخ و ثقافة و نمط المعيشة و الطبيعة الاجتماعية لشعب موصل و مساعدة هذا المكون باعادة النظر و العودة الى اصالته، يعقد الامر على داعش و يمنع تمددها و يضع العراقيل اللازمة امامها و يقصر من فترة وجودها .
و ان حُقبت المراحل وفق ما كانت عليه السلطات في زمانها، الا ان الاكثرية لم تكن كما كانت السلطات، و للسلطة التنفيذية و من الكتاب و المثقفين المقتاتين على ما وفرته لهم السلطات من عتبة دواوينهم هم من اسموا و رسموا هذه الحقبات الزمنية باسم و بشكل السلطة، و ان لم تكن الاكثرية الشعبية على وفاق معها . اليوم يمكن ان يعيد التاريخ نفسه في العراق،و لكن الظروف تغيرت في كافة جوانبها و لا يمكن اهمال دور الاكثرية في تجسيد و تثبيت التغيير نحو اي اتجاه كان . اي الاكثرية الصامتة هي التي يمكن تفعيلها و تغييرها في مثل هذه الظروف ان ارادت القوى الخيرة استئصال الشر من جذوره. و نحن متاكدون بان داعش ليست عصارة العقل الجمعي للشعب او المكون الذي يسيطر عليه و يتكلم باسمه دون اذن من اكثريته ( ربما قلة قليلة توافقها)، هنا لا يمكن لاي تنظيم مسيطر فوقيا و ليس داعش فقط، ان ينمط حياة شعب و معيشته كما تريد داعش ان تفعله . يبدو انها لم تدرس الواقع الجغرافي التاريخي و الثقافي لهذه المنطقة الاصيلة و تريد جلب ما طرح و نُفذ في جزيرة خالية من ابسط وسائط الحياة فوقيا و تحتيا قبل الف و اربعمئة عام و تريد تنفذه في القرن الواحد و العشرين و في ظروف مختلفة كليا كهذا وكما المنطقة عليها و تريد الاستمرار و الديمومة لحكمها وفق هذه العقلية المتخرفة .
فان كانت الاكثرية الساحقة من المكون الذي استغلته داعش لم تكن موالية للنظام المركزي في بغداد بل كانوا معارضين و محتقنين و محتجين عليه الا انها لا يمكن ان نتصور ان تكون الاكثرية حاضنة خصبة لمثل هكذا تنظيم، و هذه الاكثرية يمكنها ان تزيح داعش في لحطة زمن لو توفرت ما تتمنى و تحققت ما تحلم به من الاهداف، فالاكثرية الصامتة جزء من مكامن القوة للتغيير في اي اتجاه كان، و عليه يمكن ان تكون هذه الاكثرية هي العامل الفعال لازالة داعش لو استثيرت او توفرت لها الظروف الموآتية .
انها السلبيات التي تفرزها الاسلام السياسي مهما كان نوعه او توجهه، و لا يمكن ان تُحل قضاياه بنفس الشكل و بذات الادوات و العوامل التي اتى بها الى الساحة . السمات الثقافية و الاجتماعية التي يتمتع بها سكان نينوى ذات طبيعة مختلفة جدا عن باقي العراق، بعيدا عن الظروف الاستئنائية الطارئة نتيجة التهميش و الاقصاء الذي حصل لهم وعوملوا على شكل و طريقة غير الملائمة لخصوصياتهم، وعليه يمكن ان تكون هذه السمات من الايجابيات التي تدفع لرفض غير الصالح في منطقتهم في اية مرحلة كانت قريبا كان ان بعديا.[1]