معد فياض
شوقاً (جلال) كشوق العين للوسنِ
كشوق ناء ٍ غريبِ الدار للوطن
محمد مهدي الجواهري
ربطتني بالرئيس العراقي الراحل، #جلال طالباني#، علاقة استطيع ان اصفها بالمميزة، وهذا ما قادني الى ان افكر بكتابة مذكراته في كتاب حمل عنوانسنوات النار والثلج..لكنني تساءلت قبل الشروع بكتابة هذه المذكرات وجمع الشهادات الحية من خلال لقاءات مباشرة معه، كيف يمكن لنا أن نلملم أطراف ذكريات رجل بدأ ينسج تاريخه الاجتماعي والثقافي والسياسي وهو في سن العاشرة من عمر طفولته.. نسيج فيه من التعقيد وتشابك العلاقات ما قد يجعل الناسج نفسه يضيِّع رأس الخيط.
في الذكرى الخامسة لرحيل الرئيس العراقي جلال طالباني، نستذكر هنا بعض المحطات السياسية في حياة المناضل الكوردي الذي خاض غمار السياسة مبكرا من عمره، وتخطى الكثير من التحديات والصعاب من اجل القضية الكوردية والعراق، ذلك ان شخصية مثل جلال طالباني، أو مام جلال، كما كان يحب أن يسميه الآخرون، لم ولن يضيِّع أي حدث أو خيط أو مكان أو وقت أو جهد عندما بدأ بالفعل ينسج خريطة حياته بالرغم من التعقيدات والمعوقات والمطاردات الأمنية ومحاولات الاغتيال والاعتقالات.بل إنه نسجها واجاد نسيجها في واحدة من أكثر المناطق قلقا وصعوبة، في جبال ووديان كردستان العراق.
مفردة مام هنا تعني باللغة الكردية وحرفيا العم، لكنها مع جلال طالباني تصفه بالنابغة، فقد أُطلقت عليه وهو في الصف الرابع الابتدائي،وهذه أكثر صفة ممكن أن تعرّف به.، كنت قد سألته: ماذا تحبون أن يناديكم الناس؟، فأجاب على الفور وبلا أية مقدمات: مام جلال طبعا، ثم استطرد قائلا: أنا أحب هذا اللقب الذي عرفت به طوال حياتي.
ابن(التكية) والسياسة
لم يكن هذا الرجل حالما أو رومانسيا ثوريا أو منظرا، بل كان مناضلا بالفعل، ومقاتلا شرسا وعنيدا في الدفاع، ليس عن قضية شعبه الكردي فحسب، بل عن قضية الشعب العراقي.كثير من التقاطعات والمتناقضات والمتغيرات أحاطت حياة جلال طالباني، والعديد من التضاريس الصعبة والعصية على التعامل معها، رافقت جغرافية تحركاته، وبرغم ذلك استطاع أن يروضها ويطوّع المصاعب لتكون رهن ما يخطط ويعمل من أجله، وأن ينسج حياته بإتقان، أن يجعل من هذه التقاطعات والتناقضات والمتغيرات والصعوبات عوامل دفع ومحفزات لأن ينجح في مسيرته، فهو سليل عائلة متدينة، آباؤه وأجداده من المشايخ الذين توارثوا مشيخة التكية الطالبانية في كركوك وكويسنجق، لكن حياته أخذت منحى آخر.
منذ طفولته ذهب إلى السياسة مباشرة، وتثقف على الأفكار اليسارية، وجمع في دراسته ما بين التعليم الاعتيادي في مدرسة كويسنجق الابتدائية الأولى، ومضي متفوقا حتى نهاية المشوار الدراسي، وبين التتلمذ على أيدي المشايخ في التكية متعلما أصول الدين الإسلامي والفقه وحفظ القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وتعلم اللغة العربية إلى جانب لغته الأم، الكردية، من أجل أن يفهم معاني قصائد الجواهري ويقرأ الصحف البغدادية، وهو يسكن في بلدة أبعد ما تكون جغرافيا عن عاصمة بلده.
مام جلال لم يفرط بفرصته في التعليم الاعتيادي، ولم يضحِّ بالتتلمذ الديني تحت سقف التكية، وبذلك مسك بالتفاحتين بيد واحدة.
تاريخ هذا السياسي الثائر المقاتل مثل شجرة نبتت في صخور جبال إقليم كردستان، شجرة شقت جذورُها طريقَها بقوة بين الصخور، بينما كانت أغصانها تتفرع حرة طليقة في فضاء نقي، وتحت شمس ساطعة، تاريخ ينمو مثلما الأشجار، ويكبر مثلما الجبال، بل هو تاريخ تراكم كما تتراكم الصخور لتكون جبلا قويا، يزداد رسوخا كلما اكتسب تجارب جديدة وحقق منجزات إضافية، وكلما تقدم هذا التاريخ خطوة بدا أكثر تشابكا وتعقيدا وصعوبة وقوة وصلابة.. وعطاء.
اللقاء الأول
تعرفت على الزعيم السياسي جلال طالباني مباشرة في لندن في آواخر التسعينيات ،ومنذ اللقاء الأول بدا طالباني ودودا، مبتسما، محتفيا بي، وأشعرني بقربي منه، كان صريحا في حديثه عن الثورة الكردية ومبديا أسفه، متفائلا بعودة المياه إلى مجاريها وبانتصار الثورة الكردية.
الرئيس جلال طالباني والكاتب الصحفي معد فياض
ثم توالت اللقاءات هنا وهناك، وكان آخر لقاء بيننا قبل تغيير نظام الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين قد تم خلال مؤتمر المعارضة العراقية الشهير في فندق المتروبوليتان في العاصمة البريطانبة، لندن، آواخر عام 2002، حيث التقيت ايضا بالمناضل الكوردي مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وبعد تغيير النظام التقيت بالزعيم طالباني ببغداد عام 2004 خلال فترة رئاسته لمجلس الحكم، ومنذ ذلك توالت اللقاءات بيننا ، سواء كانت لاغراض صحفية او شخصية فهو اعتبرني صديقا مقربا، وفي ذلك شرفا لي.
مشروع كتابة هذه المذكرات، أو لنقل الذكريات المنتخبة، فكرت بإنجازها لإعجابي بشخصية مام جلال كإنسان وسياسي. لم يكن الطريق صعبا أو معقدا لتنفيذها، كنت معتمدا أولا على معرفتي الشخصية بالسيد الرئيس(وقتذاك) جلال طالباني، وبدعم من الصديق الدكتور فؤاد معصوم، وهو من مجايلي مام جلال، وكان معه في المدرسة الابتدائية في مدينة كويسنجق، كما رافقه في نضاله السياسي وفي حرب الجبال من أجل القضية الكردية، ومن مؤسسي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (اليكتي) بزعامة طالباني.
الأسلوب الذي اعتمدته في كتابة سيرة أو مذكرات جلال طالباني هو التحاور معه وتسجيل هذه الحوارات صوتيا ثم صياغتها، إذ إن هناك الكثير من الأسرار والمفاجآت التي أباح بها بكرم، وأخرى استطعت أن أستلها بصعوبة وإلحاح، بينما أخفى بعضا منها، ولم يرد على بعض الأسئلة لأسباب تتعلق بالحفاظ على تعهدات كان قد قطعها للآخرين، خاصة القيادات الكردية، أو إن هناك أحداثا لو رواها لوضعت الآخرين في إحراج، حسب قوله، منوّها دائما نتحدث عن ذلك في وقت آخر.
بعد أكثر من شهر من اللقاءات والمعايشة اليومية مع مام جلال توصلت إلى نتيجة مهمة، وهي إن هذا الرجل الذي يحفل تاريخه بإنجازات سياسية وحياتية لو وزعناها على عدد سنوات عمره لفاقتها، لا يمكن أن يكون سوى مام جلال، سواء كان مناضلا سياسيا، أو مقاتلا في الجبل، أو زعيما لحزب سياسي، أو رئيسا لجمهورية العراق، يستقبل ضيوفه ويتحدث مع الناس، وينجز أعماله بكل تواضع وبساطة.
بعد ذلك صرت أصطاد فرص اللقاء معه هنا أو هناك لاستكمال هذا الحوار الذي لم ينته خلال شهر، بل امتد لأكثر من عامين.
كنت أتمنى العمل بالصحافة
كان الرئيس طالباني يتحدث إلي كزميل في المهنة الصعبة، إذ اعترف خلال أحاديثه لي بأنه أقرب إلى الصحافة من السياسة، وكان قد ترأس صحيفة كردستان بين عامي 1959 و1960 التي كانت تصدر باللغة الكردية في بغداد، كما أنه كان يكتب باستمرار في صحيفة خابات أي الشعب، وهو من الصحافيين العراقيين الرواد، اذ كان عضو الهيئة الإدارية لأول نقابة للصحفيين العراقيين، والتي ترأسها الشاعر محمد مهدي الجواهري الذي حمل هوية العضوية رقم 1، وحسب قوله كنت أتمنى أن أصدر صحيفة في ظل عراق ديمقراطي، وهذه كانت أهم أمنياتي، ولهذا منح من قبل عدد من الصحافيين العراقيين القدامى، بينهم فائق بطي وفخري كريم، هدية الرقيم الذهبي بمناسبة عيد الصحافة العراقية باعتباره أحد أبرز روادها.
نسيج تاريخ الزعيم العراقي الكردي الراحل، جلال طالباني، كلما اتسع صار أكثر ثراء في تنوعه اللوني وثرائه الشكلي، وعمقه الفكري، ومع ذلك بقي الناسج ممسكا بكل خيوطه على الرغم من تعددها وتشابكها حتى النهاية، مؤسسا سيرته الحياتية صخرة فوق صخرة، حتى بلغت هذه السيرة، وذلك التاريخ جبلا من الاحداث التي يشار لها بالبنان، مثلما يقال.
رئيس الجمهورية الأسبق جلال طالباني - أرشيف
تلك هي سيرة وذكريات وتاريخ أول رئيس عراقي منتخب ديمقراطيا، واول رئيس كردي في تاريخ الدولة العراقية، وسابع رئيس عراقي.. بعد أن كان مطاردا سياسيا من قبل النظام السابق.
الرئيس ليس مقدساً
قلت لمام جلال كانت الأجهزة الأمنية في عهد صدام حسين تعدم كل من يروي علنا نكتة عن (الرئيس القائد)، أو يخضع للتعذيب والتغييب والاعتقال، بينما أنت تروي النكات عن نفسك علنا؟ من رئيس يعدم مواطن لأنه روى نكتة ليس إلا، إلى رئيس يحرض مواطنيه على تأليف ورواية التكات عنه، ابتسم، وأجاب قائلا أنا أريد أن يعرف الناس بأني إنسان مثلي مثلهم، وليس شخصا منزلا أو خارقا أو مقدسا، إنسان مثلي مثل بقية العراقيين، لا أفرق عنهم أو من طبقة فوقهم، أنا موظف مسؤوليتي اليوم رئيس للجمهورية، وغدا سأكون الرئيس السابق، مستطردا في حديثه ومن الممكن أن يتم انتقاد الرئيس أو رواية النكات عنه، أين هي المشكلة.
شق مام جلال طريقه السياسي، منذ وقت مبكر من عمره، قال: في كويسنجق صرت سكرتير جمعية التقدم الثقافي فقد كنت على رأس الطلبة لحضور الاحتفالات الوطنية أو الاجتماعية مثل الأفراح والتعازي، وتحول وجودنا إلى ظاهرة معروفة في البلدة.
كان عمره، وقتذاك، أقل من 13 عاما، وهو يترأس جمعية طلابية سياسية. قبل أن ينتمي طالباني تنظيميا للحزب الديمقراطي الكردي في العراق، هكذا كان اسم الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي أسسه الزعيم الخالد ملا مصطفى بارزاني، انتظم(طالباني) بطريقة أو بأخرى بالحزب الشيوعي العراقي من خلال حلقة ثقافية، تحدث عنها قائلا:كانت عضويتي في هذه الحلقة الثقافية مستمرة حتى نهاية صيف ذلك العام، 1946، حيث اختلفنا حول موضوع يتعلق بالكورد، وخلال نقاشنا فيما إذا كان الكورد شعبا وأمة أم لا، وقد فوجئت بأن مسؤول وأعضاء الحلقة ينفون أن يكون الكورد أمة أو شعبا حسب طروحاتهم الشيوعية في ذلك الوقت، وبالتالي هذا يعني أنه ليس للكورد حق تقرير المصير، لكني كنت أصر على أن الكورد هم شعب وأمة، ولو أنهم منقسمون، لكنهم شعب، وحتى إذا لم تتوفر كل شروط ستالين للأمة فهم (الكورد) شعب ولهم قضية ونضال قومي متواصل والدليل قيام جمهورية مهاباد، وأن السوفيات أيدوا مهاباد، وهذا يعني أن هناك مباركة اشتراكية للحركة الكوردية، على أثر ذلك اختلفت مع هذه الحلقة وطروحاتها وتركتهم.
تلك الحادثة هي التي جعلت طالباني يتبنى فكريا طروحات الحزب الديمقرطي الكوردي العراقي الذي كان قد تأسس توا وقتذاك، وحسب تأكيده: فإن علاقتي فكريا بالحزب الديمقرطي الكوردي العراقي تعود إلى عام 1946، ويشرح مسترسلا:كان في كويسنجق مقهى يجلس فيها المثقفون، وخاصة طلبة الجامعات الذين كانوا يدرسون في بغداد خلال عودتهم إلى عوائلهم صيفا، وأنا كنت أحب الجلوس في هذه المقهى، وفي أحد الأيام استدعاني عمر مصطفى، والمعروف باسم عمر دبابة، كان يدرس وقتذاك في بغداد وعائدا إلى أهله، قال لي أنت تلميذ ذكي وعاقل، ولا يجب أن تنجر وراء الدعايات السياسية (كان يعني حلقة الحزب الشيوعي العراقي)، ثم تحدث لي عن الحزب الديمقراطي الكوردي العراقي الذي كان قد تأسس حديثا وقتذاك، وأن (الحزب) من تأسيس الملا مصطفى بارزاني، وأن الاتحاد السوفياتي يؤيد هذا الحزب، ثم أعطاني البيان التأسيسي للحزب الديمقراطي الكوردي العراقي بتوقيع ملا مصطفى، باللغة العربية، ومنذ ذلك الوقت ارتبطت روحيا وفكريا بالحزب الديمقراطي الكوردي.
المحطات السياسية التي مر بها مام جلال كثيرة ومعقدة، تخللتها اعتقالات وابعاد عن مدينته الى الموصل، والمهام السياسية في الحزب الديمقراطي الكوردستاني كانت صعبة لكنه اجتازها بحنكة وذكاء. في فبراير (شباط) 1951 شارك طالباني في المؤتمر الثاني للحزب الديمقراطي الكردي، والذي كان قد عقد بصورة سرية في بيت علي حمدي (قتل لاحقا) ببغداد، وفي هذا المؤتمر تقرر تغيير اسم الحزب من الديمقراطي الكوردي إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، وإلغاء البرنامج القديم وكتابة برنامج جديد تضمن التأكيد على حق الشعب الكوردي في تقرير مصيره بشكل اتحاد اختياري مع العراق، وهذا منهاجنا منذ البداية أن يكون عراقا فيدراليا، وأن تكون هناك حكومة كوردية إلى جانب الحكومة الفيدرالية، في ظل عراق جمهوري ديمقراطي شعبي، وكردستان إقليم ضمن هذا العراق، وتم تغيير شعار الديمقراطية لكل العراق والحكم الذاتي للأكراد إلى الديمقراطية الشعبية للعراق والفيدرالية للأكراد، وتم تثبيت كل هذا في البرنامج الجديد للحزب.
يستطرد طالباني بقوله:في يناير (كانون الثاني) عام 1953، نظمنا المؤتمر الثالث للحزب الديمقراطي الكردستاني، وقد انتُخبت في هذا المؤتمر عضو اللجنة المركزية للحزب، كان عمري 20 عاما، وقد كُلفت بتشكيل اتحاد طلبة كردستان، وفي فبراير (شباط) ذات العام، أي بعد شهر واحد من عقد المؤتمر الثاني للحزب، وشكلنا اتحاد طلبة كردستان العراق الذي انتُخبت أمينا عاما له.
مع بارزاني الخالد
سألته: فيما إذا كان وقتذاك قد قابل زعيم حزبه، ملا مصطفى بارزاني أم لا؟ انتبه متحفزا للحديث وقال: بقيت أمنيتي بلقاء زعيم حزبي، ملا مصطفى بارزاني، نابضة في داخلي، ذلك إن بارزاني، لم يكن زعيم حزب كوردي وحسب، بل هو رمز للتحرر الثوري الوطني، والمدافع عن حقوق الشعب الكوردي، وأحد أعمدة دولة مهاباد الكوردية، إذ تبقى هذه الدولة، أو جمهورية مهاباد، على الرغم من عدم استمرارها، فإنها تشكل رمزا لأماني الكورد في أن تكون لهم دولتهم المستقلة.
جلال طالباني والرئيس مسعود بارزاني في صورة أرشيفية
في عام 1957، دُعي مام جلال، وباعتباره الأمين العام لاتحاد طلبة كردستان، إلى حضور مهرجان الشباب والطلبة العالمي في موسكو كجزء من الوفد العراقي، وكان هناك شبه يقين في داخل طالباني بأنه سيلتقي بالزعيم ملا مصطفى بارزاني الذي كان يقيم في موسكو آنذاك لاسباب امنية وسياسية.
قال: قبل أن أصل إلى موسكو للمشاركة في مهرجان الشباب العالمي عام 1957، كنت قد كتبت إلى ملا مصطفى بارزاني عن زيارتي إلى عاصمة الاتحاد السوفياتي ورغبتي في مقابلته، وراسلته عن طريق عنوان شخص وسيط في ألمانيا الغربية. وبالفعل تتم الموافقة على لقاء زعيمه.
يصف مام جلال تفاصيل هذا اللقاء بكثير من الفرح، يستعيده ويستحضره وكأنه يحدث الآن، ارتسمت ابتسامة على وجهه، وشع ألق في عينيه، وبدأ يتحدث مهيئا إياي لحدث مهم، بل بالغ الأهمية، وقال: كان عمري وقت ذاك 24 عاما، توجهت مع شخصين من الكورد العراقيين المقيمين في موسكو إلى العمارة التي كان يسكن فيها بارزاني وصعدنا بواسطة المصعد من غير أن أنتبه في أي طابق كان، وضرب أحد المرافقين الجرس، ففوجئت أن ملا مصطفى بارزاني فتح الباب بنفسه، حييته، ثم عانقني، فأغمى علي من شدة الفرحة، وهنا فلتت دمعتان من عيني الرئيس طالباني مسحهما مزيحا قليلا نظارته، هدأ قليلا واستعاد وضعه، ثم قال: ذلك إن بارزاني يمثل، بالنسبة لي، رمزا كبيرا وأسطورة في نضالنا الكردي، كان على علم بالرسالة التي بعثت له بها بأني عضو المكتب السياسي في الحزب، وجلسنا نتحدث، ثم أعقب هذا اللقاء لقاءات أخرى معه، إذ لم يكن يصله إلا القليل، القليل من أخبارنا، ودارت بيننا أحاديث عن الحزب ووضع اكورد والقضية الكردية والعراق، وكيف ينظر السوفيات إلى القضية الكوردية، وماذا يجب أن نفعل، وهكذا أحاديث تهم البلد وشعبنا وقضيتنا.[1]