#مؤيد عبد الستار#
عاشت الشعوب العراقية في بلاد ما بين النهرين منذ القدم واقامت حضارات معروفة انتشرت وسادت من البحر الابيض المتوسط حتى وادي السند وغلب عليها اسم حضارة بلاد الرافدين.
ويظن البعض ان حضارة بلاد الرافدين محصورة فقط بين نهري دجلة والفرات ، والحقيقة انها تشمل مساحة جغرافية اكبر من ذلك بكثير ، لذلك نجد التشابه بين الحضارة العيلامية وهي حضارة الشعب الكوردي في جنوب كوردستان وحضارة سومر وسط وجنوب العراق وحضارة وادي السند والمعروفة باسم حضارة مدينة هاربا ايضا و تقع على نهر السند في الباكستان في الوقت الحاضر.
ورغم ان الفرس والكورد قبائل من ارومة واحدة تعود اصولها حسب المؤرخين وعلماء الاجتماع والانثربولوجيا الى اسرة الشعوب الهندو ايرانية ، وهي الشعوب الارية التي تتكلم مجموعة من اللغات المشتركة ابرزها السنسكريتية والفارسية والكوردية ... الخ. الا ان اطلاق تسمية العجم على مجموعة شعوب غمط حق الكورد وصادر تاريخهم وانجازاتهم الحضارية .
فقد اطلق العرب على شعوب العراق و البلاد الايرانية من المنطقة التي تلي نهر الفرات اسم الاعاجم ، وعرفوا الهند والصين ولكنهم لم يعرفوا حدود الصين وحسبوها اقصى الارض لبعدها عن الجزيرة العربية ، لذلك قالوا اطلبوا العلم ولو بالصين.
كان مصطلح العجم او الاعاجم يطلق على بعض الشعوب التي لايفهم العرب لغاتها ، لان من معاني الاعجم هو الذي لا يفصح في الكلام . فقد جاء في المنجد ان :
العَجَم : خلاف العرب ، سموا بذلك لتعقيد السنتهم .
العجمة : الابهام ، عدم الافصاح في الكلام .
و الاعجم جمعها أعاجم وأعجمون : من ليس بعربي .
الاعجمي والعَجَمي : من كان جنسه العجم ، المنسوب الى العجم.
وبلاد العجم : اسم يطلق احيانا على بلاد ايران .
دأب المؤرخون على اطلاق اسم فارس على بلاد العجم ، وبلاد فارس ايضا تغليب للفرس على جميع شعوب سكان الهضبة الايرانية وما يليها ، التي تشمل الفرس والكورد والبلوش والاذريين والارمن وغيرهم.
وقد خلط العديد من المؤرخين بين الفرس والكورد لجهلهم الفرق بين اللغتين ، والحق يقال ان من الصعب التفريق بين الكوردية والفارسية لاشتراكهما في سمات تجمع اصولهما والفاضهما وقواعدهما ، الا ان انتشار الكوردية في مناطق محاذية ومتداخلة مع الارامية والسريانية والكلدانية والتركية والعربية جعل بعض اللهجات الكوردية تختلف اختلافا كثيرا عن الاصل لما دخل عليها من الفاظ جديدة ، وما طرأ عليها من تغيير قواعدي ، مثل اللهجة السورانية التي تأثرت بالكلدانية فحدث فيها تغيير كبير في القواعد فاصبحت تختلف بعض الشي ء عن اللهجة الكرمانجية ( البادينانية ) واللورية ( الفيلية ) ، بينما تاثرت الفارسية اكثر من غيرها من اللغات الهندو ايرانية بالعربية بعد الفتح الاسلامي فاستعارت الالفاظ العربية بكثرة اذ يقدر الباحثون ان 40 % من الكلمات الفارسية مستعارة من العربية.
لا شك ان بلاد الرافدين كانت منطقة تقاطع طرق التجارة والهجرة بين الشرق والغرب ، وبوتقة انصهار مختلف الشعوب على مر الاف السنين منذ فجر التاريخ مما جعل العديد من الاقوام واللغات تتفاعل في المنطقة وتنتج حضارات مختلفة متجانسة مكملة بعضها للبعض ، ولا ينكر ان السومرية واحدة من اقدم تلك الحضارات التي كان لها الفضل في اختراع الكتابة وتطويرها فيما بعد ، ونمت جذورها وتفرعت في بلاد الرافدين.
وقد عرفت بلاد الرافدين شعوبا وقبائل كثيرة منها كانت اصيلة ومنها قبائل وفدت خلال حقب مختلفة ، ومن بين شعوب المنطقة المشهود لها بالانجازات الكبيرة الشعب الكوردي الذي ساهم في حضارات الشرق الاوسط من خلال الحضارة الميدية ، والحضارة العيلامية والامبراطورية الساسانية، قبل الاسلام . وقد غلب بعد الفتوحات الاسلامية مصطلح العجم على الحضارتين العيلامية والامبراطورية الساسانية من باب تسمية الكل بالجزء ، وقد عرف بعض المؤرخين الفرق بين الكورد والفرس، بينما عزى بعض المؤرخين اصول الكورد الى الفرس والعرب و الجن وغير ذلك من اساطير وخرافات.
كانت الامبراطورية الساسانية امبراطورية كوردية وكانت عاصمتها تيسفون ، وهي عاصمة الشعب الميدي ، بالكردية ماد وجمعها مادان ، وكانت تيسفون عبارة عن مجموعة مدن صغيرة للشعب الميدي – مادان - واحتفظ العرب بعد الفتوحات باسمها مع شئ من الهمز فاسموها مدائن ، التي تشير الى المدينة ايضا حسب الاجتهاد الذي يحمل كثيرا من الصحة الى انها كانت مدنا عامرة بالزراعة والصناعة والبناء ، ومازال الطاق – ايوان كي خسرو ويسمى ايضا طاق كي خسرو، او طاق كسرى - شاخصا منذ الفي عام رغم الاهمال الذي تعرض له ، وقد جاء في سلسلة مقالات من جامعة طهران للاستاذ رشيد ياسمي بعنوان : الساسانيون كورد لا فرس ، ان اردشير بن بابك بن ساسان الذي كان كاهنا في معبد اناهيت في مدينة برسي بولس – اطلق عليها العرب اسم اصطخر – مؤسس الامبراطورية الساسانية لم ينحدر من اسرة مالكة بل كان من عامة الناس وانه كوردي تربى في خيام الكورد لذلك شن عليه اردوان حربا لكنه خسر الحرب فانتصر عليه اردشير وقتله . وكانت للساسانيين علاقات تجارية مع عرب مكة حيث يتوافدون اليهم في طاق كسرى ، وقد تميز البلاط الساساني بالابهة والفخامة و انتشر الساسانيون المجوس في اليمن وعمان وانحاء الجزيرة والبحرين واليمامة ومكة وكانت مكة تتاجر مع الساسانيين والروم معا. واستمرت الامبراطورية الساسانية 427 عاما حكم خلالها 33 ملكا. ومن ملوكهم شابور الثالث حكم عام 383 كان يجيد العربية ويقول بها شعرا اما يزدجرد الاول فقد ارسل ابنه بهرام الخامس ليتربى عند ملك الحيرة النعمان بن المنذر وامره ببناء قصر الخورنق وكان اسم البناء سنمار الرومي الذي تروى القصص قتله من قبل النعمان بعد اكماله القصر فقالت العرب جزاء سنمار ، اما كي خسرو الاول الملقب انو شيروان وسمي قصره بطاق كسرى سنة 540 م فاشتهر بالعدل وسقطت بلاد الشام بيده ووصل سواحل البحر المتوسط ، واخر ملوكهم يزدجرد الثالث 632 – 651 م وفي عهده انتهت الامبراطورية الساسانية بالفتح الاسلامي للعراق وايران . (1)
وقد اشتهرت العديد من الاسماء والشخصيات والرموز الكوردية في التاريخ الاسلامي ولكن غلب عليهم لقب العجمي والفارسي مما غمط قوميتهم الكوردية الحقيقية مثل ابي مسلم الخراساني القائد الكوردي الذي ساهم في انتصار العباسيين وتاسيس الدولة العباسية ،اغتيل للتخلص من نفوذه فيما بعد ، اما اسرة البرامكة التي عرفت في العصر العباسي فهي اسرة كوردية صميمة ولكنها نسبت الى العجم ، تعرضت للتصفية فيما بعد ايضا للتخلص من نفوذها ، ولكن اثارها ظلت ببغداد وظل ذكرها مثلا يضرب في الكرم فيقال للكريم السخي برمكي استعارة من كرم وسخاء البرامكة وما عرفوا به من سخاء و رفعة وخلق وعلم وادب وفن ، ويؤكد الدكتور احمد الخليل في مقال له عن مشاهير الكورد في التاريخ الاسلامي كون البرامكة اسرة كوردية استنادا الى ما جاء في كتاب ابن خلكان وفيات الاعيان ، ويفصل الحديث عنهم ،( أن النسبة ( فارسي ) هي نسبة سياسية وثقافية قبل أن تكون نسبة قومية، وهذا ليس بالأمر الجديد ولا بالفريد، فنحن إلى اليوم نعرف الكثير من المشاهير عبر النسب السياسية، فكان يقال ( العالم السوفياتي ) أو (الروسي) ويكون الرجل أوكرانياً أو قوقازياً أو أرمنياً أو طاجيكياً، وكذلك الأمر اليوم بالنسبة إلى (الصيني) و(الأمريكي ) وغيرهما. وقد يقال: كيف تكون الأسرة البرمكية كردية، وتكون في الوقت نفسه من مدينة بَلْخ الواقعة في شمالي دولة أفغانستان الحالية؟ وهذا أمر شرحه يطول، وخلاصته أن سدانة بيوت العبادة في الديانة الميثرائية (قبل الديانة الزردشتية) كانت موكلة إلى بعض الأسر الميدية العريقة، وبعد ظهور العقيدة الزردشتية، وتحوّل الميديين إليها، أصبحت تلك الأسر الميدية تتولّى أمور سدانة بيوت العبادة الزردشتية، تماماً كما كانت بعض الأسر القرشية تتولّى سدانة الكعبة في مكة قبل الإسلام، وظلت تتولى أمورها في الإسلام بعد أن اعتنقت الدين الجديد. وكانت بَلْخ قبل الإسلام تابعة للدولة الميدية، وبما أن بيت (النوبهار) كان من أقدس بيوت العبادة الزردشتية قبل الإسلام، فمن الطبيعي أن يكون القيمون عليها من الميديين (أجداد الكرد) ) (2)
لقد استغلت السلطات العراقية الشوفينية هذا الخلط في المصطلح فلجأت احيانا كثيرة الى النيل من الكورد الفيليين على اساس انهم فرس وهي حجة واهية الهدف منها نقل انتماءهم الجغرافي خارج العراق ورميهم على بلاد ايران ، في الوقت الذي نجد مدنهم الشهيرة موجودة داخل حدود الدولة العراقية ، وهم شعب يعيش منذ الاف السنين في المنطقة ، وانقسم بين ايران والعراق بعد تخطيط الحدود بين الدولتين ، ومن اشهر مدنهم بغداد والمدائن – تيسفون - وواسط و خانقين وبدرة وزرباطية ومندلي وجلولاء وغيرها كثير، اضافة الى انتشارهم في محافظات الوسط وجنوب العراق مثل محافظات واسط و العمارة والديوانية والناصرية والبصرة ، ووجودهم التاريخي الكبير معروف في العاصمة بغداد .
وقد غمط المؤرخون العرب حق اللغة الكوردية ، فاهملوا الاشارة اليها وحسبوها فارسية ، ولذلك غلب اسم اللغة الفارسية على اسم اللغة الكوردية ببغداد ومناطق وسط وجنوب العراق ، علما ان الفارسية كانت مصطلحا سياسيا تطلق على الشعوب التي كانت تدين بالزرادشتية وكانت ثقافتها ولغاتها متقاربة وتعيش تحت سلطة الامبراطورية الميدية او الاخمينية او الساسانية او الصفوية رغم ان عماد الامبراطوريات هذه كان الفرس والكورد .
ان سكان مناطق بغداد ووسط العراق يتكلمون اللغة الكوردية قبل الفتح الاسلامي وما زالت لغتهم حتى اليوم فلماذا نقول عنهم فرس او عجم ؟! وتحت هذه الحجج ادعى نظام صدام ان الكورد الفيليين من اصول فارسية وهجر الالاف منهم الى ايران قسرا ، طبعا لاننكر ان في العراق شريحة كبيرة من اصول فارسية ولكن هؤلاء يختلفون عن الكورد ، اضافة الى ان الكورد يعيشون تاريخيا في العراق وايران وتركيا وسوريا ، فليس من الغريب ان تتداخل شعوب هذه البلدان وتعيش فيما بينها دون اعتبار للحدود التي رسمت مؤخرا ، مثلما يحدث الاختلاط بين عرب العراق و عرب الشام عند خط الحدود الذي رسم بين الدولتين سوريا والعراق. والغريب ان القوانين في العراق كانت تتيح لكل من ياتي الى العراق من المغرب ومصر والسعودية وسوريا والاردن وغيرها الحصول على الجنسية العراقية بينما سكان العراق الاصليين من الكورد الفيليين لا يحق لهم التمتع بامتيازات جنسية بلادهم ، وحكمت عليهم السلطات بالانتماء الى ايران في الوقت الذي تقر بان مدنهم مثل المدائن و خانقين ومندلي وجلولاء والسعدية وزرباطية وبدرة وغيرها هي مدن عراقية ، فكيف تكون المدينة عراقية وسكانها غير عراقيين ، بهذا المنطق الغريب جرى اضطهاد الكورد الفيليين وتغييب الالاف من شبابهم وتهجير اسرهم وقتل من قتل منهم في سجون الانظمة الاستبدادية الشوفينية ودفن الالاف في مقابر جماعية مازال اغلبها مجهولا ، ولم تكشف سوى بعض المقابر التي ضمت رفات الالاف من الكورد .
(1) ينظر مقال السيدة افيستاخان المنشور في موقع جلجامش الالكتروني بتاريخ الاربعاء 2 / 1/ 2008 تحت عنوان : الساسانيون كورد لا فرس ، عن مقالات الاستاذ رشيد ياسمي .
الرابط الالكتروني للمقال :
http://www.gilgamish.org/viewarticle.php?id=history-20080102-6645
(2)ينظر المقال المنشور في صحيفة التاخي يوم 16 نوفمبر 2009 تحت عنوان مشاهير الكورد في التاريخ الاسلامي – الحلقة الثانية - د. احمد الخليل ، وهو منشور في مواقع الكترونية اخرى وجاء فيه ما يلي :
(أما الأصل الكردي للبرامكة فقد أكّده، بما لا يدع مجالاً للشك، مؤرخ قديم وشهير هو ابن خَلِّكان، صاحب كتاب
( وَفَيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ) .... ومن أشهر شخصيات آل برمك، في العصر العباسي: خالد بن برمك، ويحيى بن خالد، والفضل بن يحيى، وجعفر بن يحيى. ... يعدّ خالد بن برمك المؤسس الأول لأسرة البرامكة، ولد عام ( 90 ﮪ )، وكان أول من اعتنق الإسلام من البرامكة، وقد انضم إلى صفوف الموالي الذين ناهضوا الأمويين).[1]