#فؤاد حمه خورشيد#
ليست هذه هي المرة الاولى التي يزور فيها الرئيس مسعود البارزاني للقطب الجيوبولتيكي الابرز في السياية العالمية ، والاكثر جلبا لانتباه العالم، فيما يخص التحرك الدبلوماسي الرتيب للزعيم الكوردي على الصعيدين الاقليمي والدولي وارتباطه بالوضع المختمر للقضية القومية الكوردية منذ زمن ، رغم ان هذه الزيارة قد لا تكون الزيارة الاخيرة بطبيعة الحال.
بعد خلاص الاقليم من جيوبولتيكية تطويق الدائرتين، المحلية والاقليمية، وتبعيتهما منذ عام 2003، و تحرر سياسته الداخلية والخارجية ،بحكم الوضع الفدرالي، فان القضية الكوردية هي الاخرى انطلقت من شرنقتها المحلية الى الاجواء العالمية، واصبح للمظالم التاريخية التي تعرض لها الكورد ، بقديمها وجديدها ،انعكاسات ايجابية في ضل النظام الدولي الجديد لما بعد احرب الباردة، وقفزت به القضية الكوردية الى مطاف القضايا الدولية واجبة الحل ، اذ يعد الامر بالنسبة للشعب الكوردي ، كما يقول المثل (لا صديق لنا سوى الجبال) ، بل اصبح الواقع يشير الى ان هناك المزيد من القوى الصديقة للقضية القومية الكوردية وزعامتها على الصعيدين الاقليمي والدولي ، بمعنى ان كل من الاصدقاء الاقليميين والدوليين باتوا ينظرون الى الرئيس مسعود البارزاني وطروحاته ، ازاء مطالب امته المشروعة ، بمنظار جديد وفق حسابات جيوبولتيكية في اي محفل ،أو مؤتمر ، أو دعوة رسمية يتلقاها من بلدانهم بدلالة استقباله لديهم ،بكل برتوكولات واتكيتات الاستقبال ، وكانه رئيس دولة غير معلنة .
الرئيس مسعود البارزاني ، على الصعيد الانساني رجل بسيط ومتواضع ، وعلى الصعيد السياسي رجل متفتح ومتفهم لظروف العصرومتطلبات بلاده وشعبه اقليميا ودوليا، وعلى الصعيد القومي هو رجل الكلمة الموثوق والمعتمد، وفي ميدان المبادئ هو الرجل الاكثر صدقا وصراحة ودفاعا عن مبادئ امته وامالهاوتطلعاتها المستقبلية في الحرية والسيادة، وفوق كل ذلك فهو على الصعيد الجيوبولتيكي الاقدر على فهم السياسة الاقليمية والدولية ولعبة الامم وان يكيف القضية القومية الكوردية مع تقلباتها ومفاجاتها من دون الاضرار بها . وتبعا لذلك ليست هناك ، في كوردستان ، اية غرابة او شكوك اينما حل ورحل البارزاني ،منفردا كان او ضمن وفد ، بل ان كل زيارة من زياراته الى الخارج تزرع في بيت كل كوردي باقة من الورد والامل، لما تبعثة من الامل والارتياح على المستقبل الكوردي الذي طال انتظاره .
علمتنا السياسة ان نقرأ الكثير مما في قلب هذا الرئيس الفذ من عينيه ، ومن ملامح وجهه كلما رأيناه على منصة يخطب ، او منضدة يناقش، او حتى لدى استقباله لزواره من الرساء والسفراء والقناصل اوقيادات الاحزاب. وفي هذه السفرة نتطلع ، جيوبولتيكيا ،الى ان حقيبة الرئيس هذه المرة ستكون مليئة بامور جديدة كثيرة خاصة(كوردستانية) وعامة (اقليمية) ، وما يهمنا منها هو الخاص لوحده ، ذلك الذي يتعلق بمصير قضيتنا القومية اليوم ، سواء بحث ذلك مع الجانب الامريكي بشكل مباشر او غير مباشر.
ان سيناريو الخاص،( حسب الاستشراف المستقبلي للجيوبولتيك)، يتضمن حقيبتين: الاولى تحتوي على عتاب تاريخي للشعب الكوردي على الصديق الامريكي، والثانية تحمل فتح ملف (حق تقرير المصير) للشعب الكوردي. فالعتاب على الولايات المتحدة ،هنا، ياتي في سياق العتاب على دولة عظمى صديقة اختارت الشعب الكوردي ، هي الاخرى ، كصديق وحليف لها في المنطقة لاهمية كوردستان وقيمتها الجيوستراتيجية وفاعليتها كاقليم جغرافي ديموقراطي متميز وسط بحر من عدم الاستقرار الشرق اوسطي المهدد لمصالحها. وقد يتضمن هذا العتاب تذكير الصديق بالمظالم الكبيرة التي الحقت بالشعب الكوردي جراء تجميد حقه في تقرير مصيره منذ نهاية الحرب العالمية الاولى وحتى اليوم.
1- العتاب على الصديق لعدم استخدام نفوذه لدى شاه ايران عام1947 لمنعه من اعدام الشهيد قاضي محمد.
2-عتاب للصديق لعدم تنفيده لبنود رئيسه وودرو ولسن الخاصة بحق تقرير المصير للشعوب المعلنة من قبله عام 1918.
3-العتاب على الصديق لضعف دوره في تنفيذ معاهدة سيفر عام 1920.
4- العتاب على الصديق لعدم استخدام نقوذه لوقف الانتهاكات التي مورست ضد الكورد بعد معاهدة لوزان 1923.
5- عتاب على الصديق لدوره في تجميد ثورة ايلول باتفاقية الجزائر عام 1975.
6-عتاب على الصديق لعدم معاقبته النظام السابق عند استخدامه للاسلحة الكيمياوية والابادة الجماعية ضد الشعب الكوردي عام 1988.
ولكن ، وكما يقول المثل (اذا كنت في كل الامور معاتبا صديقا، لم تلق الذي لا تعاتبه)!!فهذا العتاب كله لا يعني انكار الدور الايجابي الذي لعبته الولايات المتحدة في دعم المطالب الكوردية في فرض الملاذ الامن ، والحكم الفدرالي، والاسناد الجوي للبيشمه ركة ضد العدوان الداعشي، وانما للتذكير وحسب .
اما الحقيبة الثانية فالمتوقع، جيوبولتيكيا، انها تضم مطالب الامة الكوردية في حق تقرير المصير اسوة ببقية شعوب الارض التي نالت استقلالها وحريتها بأقل من ربع تضحيات الشعب الكوردي، وهو الحق الذي طالبت به الولايات المتحدة عام 1918، اي قبل 27 عاما من اقرار هذا الحق في ميثاق هيئة الامم المتحدة لدى انشائها في عام 1945.وهذا يعني،ليس احتمالا ، بل حتميا، من وجهة النظر الجيوبولتيكية، ان طرح موضوع الدولة الكوردية المستقبلية ، او اعلان حق تقرير المصير للشعب الكوردي لتشكيل كيانه السياسي كيفما يريد ويختار،سيكون احد مدارات الحوار الثنائي الكوردي - الامريكي على اكثر الاحتمالات ، لتتبناه الادارة الامريكية كبند من بنود اجندتها الحوارية الجيوبولتيكية مع حلفائها الاوربيين والتوصل معهم بشانه الى صيغة تنصف الامة الكوردية ،وترفع الحيف ،الذي حرمها من تاسيس دولتها المستقلة، عنها. فالامة الكوردية اليوم هي اكبر امة يقدر عدد سكانها من 30-40 مليون نسمة ولا تزال امة بدون دولة قومية مستقلة.
ان تم ذلك، وان من خلف الكواليس، فان في ذلك فتحا بينا للعقلية الجيوبولتيكية للرئيس مسعود البارزاني، فليس مستبعدا ان يكون هذا المسعى القوني الكبير والخطير هو ما يختتم به رئاسته الثانية في قيادة الاقليم التي اتسمت بالامن والاستقرار والرخاء للشعب الكوردي، والتي زادت من ثقة ويقين كل الاطراف بقيادته للمرحلة الحالية والمستقبلية ، وربما لدولتهم المرتقبة كذلك.[1]