علي صالح ميران
السّلاجقة، أو بنو سلجوق، هي سلالة تركية حكمت في أفغانستان وإيران، وأجزاء من الأناضول، وسورية والعراق والجزيرة العربية، ما بين 1038-1157م (إلى سنة 1194م).
ينتمي السّلاجقة إلى قبيلة (قنق)، إحدى العشائر المتزعمة لقبائل الغزّ التركية. دخلت هذه العشيرة في الإسلام أثناء عهد زعيمها سلجوق سنة 960، ثمّ دخلت بعدها في خدمة القَرَاخانات في بلاد ما وراء النهر.
وقام أحفاد سلجوق: طغرل بك (1038-1063م)، وجغري (1038-1060م)، بتقسيم المملكة إلى نصفين: النصفُ الغربيّ وقاعدته أصفهان، والنصفُ الشرقيّ وقاعدته مرو.
وبعد انتصاره على الغزنويين سنة (1040م)، بالقُرب من (دنكان)، توسّعت مملكة طغرل بك إلى الغرب أكثر، ثم ضمّت إليها فارس سنة (1042م)، وبعضُ الأجزاء من الأناضول، ثمّ العراق أخيراً سنة (1055م)، بعد القضاء على
دولة البويهيين في العراق.. وقد دخل طغرل بك بغداد في 25 رمضان 447 ﮪ/23 ديسمبر 1055م.
أطلق المؤرِّخون على الفترة الّتي دخل فيها السّلاجقة العراق تسمية (عصر نفوذ السلاجقة)، حيث كانت بيدهم مقاليد الأمور، ولم يبق للخليفة العباسي سوى بعض المظاهر والرسُوم، وأعلن طغرل بك نفسه حامياً للخَلافة العبّاسية، وخلع عليه الخليفة لقب السلطان. وشبّ صراع على الحكم بعد وفاة طغرل بك، ولكن لم تلبث الأمور أن هدأت بعد قيام (ألب أرسلان) بتولّي الحُكم، والقضاء على الثورات.
النظام العسكري - تقسيمات الجيش ورتبه
كانت توجد ثلاث رتب رئيسة في الجيشِ السلجوقيّ، أعلاها هي رتبة (الأمير الحاجب الكبير) الّذي يقومُ بإدارة الجيوش وتوجيهها وقيادتها، وهو أكبر رجال الدولة نفوذاً بعد السلطان. ويجب أن يكون الحاجب كبيراً في العُمر، بحيث لا يقل عمره عن 35 أو 40 عاماً، من أجل أن يملك خبرةً كافية في الإدارة والتّنظيم وغيرها. ويتولّى الحاجب العديد مِنَ المهام؛ مثل: تحديد الأماكن المناسبة لوقوف الجيش، وتزويده بالمؤن، وترتيب صفوفِه للقتال. ويَلي الحاجب: (القائد العام)، أو (الأسفهسلار)، وهو الّذي يُشكِّل أداةَ الاتِّصال بين الحاجب والمقدّمين (قادة الفرق)، كما أنه يمثِّلُ القائدَ الأكبر والأهمّ للجيش، ويُمكنه إدارة الجيش وتولّي تنظيمه في حال غياب الحاجب.
وقد كانت هذه الرُّتبة موجودة في الأنظمةِ العسكريّة منذ عهد الغزنويين. أمّا الرُّتبة القيادية الأقل في الجيش؛ فهي (المقدّم)، وهو الّذي يتولّى قيادة الفرق العسكريّة، ويُمكن أنْ يكُون المقدم (أمير حرس) هو مَنْ يتولى تنفيذ العقوبات، وضبط النِّظام في الجيش، ويُسمّى في هذه الحالة (جندر)، أو قائد قلعة، (ويُسمى في هذه الحالة دزدار).
وكانتْ هُناك أيضاً رُتب أُخرى تتعلّق بضبط الجيشِ، والحِفاظ على نظامه، مثل (قاضي العسكر)، وهو مَنْ يحكُم بين العساكر، ويُعاقبهم على أخطائهم، و(أمير السلاح)، وهو حارِسُ مخازِن الأسلحة، وغيرها.
تنظيم الجيش
كان الجيشُ السلجوقيّ يُنظّم بشكلٍ رئيس من قِبَل ما يُسمّى ب(ديوان عرض الجيش)، والّذي يتضمّن أسماءَ الجند، ورواتبهم، وأحوالهم كافّة، وكان القائِمُ على إدارة هذا الديوان شخصٌ يُسمّى عادةً ب(العارض)، وهو الّذي يقومُ بتنظيمِه، وتدوين الأسماء، وغيرها مِنَ الأعمال. وكان (ديوانُ الجيش) ديواناً أساسيّاً ومهمّاً جداً، لأنّهُ يقعُ على عاتقِه مهمّة الحِفاظ على النظامِ العسكريّ، وإدارة جيُوش الدّولة.
اهتمّ السّلاجقة بإعطاء الجند أرزاقَهم، والتّعجيل بها؛ حِرْصاً على نيلِ رِضَاهُم، ومِنْ ثَمَّ الحِفاظ على استقرارِ الجيش، وقد كان الجنُود يتسلّمون رواتبهم نقداً في الأيّام الأولى للدّولة السّلجوقية، لكن السلطان ملكشاه استغنى لاحقاً عن صرفِ المال لهم، وأصبح يُقطع لهم الإقطاعات بدلاً من ذلك. وفي كلتا الحالتين كان ديوان (عرض الجيش) هو المسؤول عن تنظيم توزيع الرواتب، كما أنّ توفيرَ المؤن كان جُزءاً مهمّاً من مهام الدِّيوان. وقد كان بعض القواد يقومُ بنفسهِ بشراء المؤن للجيشِ، في بداية العهد السلجوقيّ، لكنّه لاحقاً، وحتّى لا يضطرّ الجنُود إلى أخذ ما يحتاجُون إليه غصباً من النّاس، قامَ (نظام الملك) بتوزيع مُؤن مُخصّصة للعسكر على مختلف مُدن الدّولة السّلجوقية ومناطقها، وقد ساعد هذا الإجراءُ في حلِّ مشكلاتِ المؤن، وأتاح للديوان إدارة توزيعها بسهُولةٍ ويُسر.
هذا، وقد أشرف الديوان على تسليح الجيش أيضاً، ويُقال: إن الجيش كان يتضمّن - منذ عهد طغرل بك – نجارين، وغيرهم، لصنع ما يحتاجه العساكر مِنْ أسلحةٍ وعتاد، وكان يتمُّ تزويدهم بالسِّلاح والعتاد حتّى أثناء المعارك والقتال. وكانت هُناك مخازن مُخصّصة لاحتواء أسلحة الجند، يقومُ بحراستِها (أمير السّلاح)، أو ما يُعرَف ب(سلاح دار).
قوّات الجيش
تألّف الجيشُ السّلجوقي من أعراقٍ مُتعدّدة، فقد كان يتضمّن أتراكاً وكورداً وعرباً وفرساً وديالمة وأرمن. كما أن قوّاته كانت تتألّف من مشاة وفرسان ورماة، فيتقدّم المشاة الجيش، وخلفهم الفُرسان، الّذين كانوا يتميّزون بمهارتهم في إطلاق السّهام أثناء جَرْي خيولهم. وكانت قوّات الجيش السّلجوقي تنقسِمُ إلى عِدّة أقسام؛ منها: (الجيش النظاميّ)، وهو يمثِّلُ القوّات الّتي تعملُ بشكلٍ دائم في خدمةِ الدولة، وتتألّف من العبيد الّذين أُسروا في المعارك، أو قُدِّموا كهدايا للسّلاجقة من قبلِ بعضِ الملوك.
كانت قبائل الأتراك من العناصِر المهمّة، وكثيراً ما كان سلاطين السّلاجقة يُضطرون لدفع المال لها تجنّباً للحرُوب معها، وكان لها دورٌ مهم جدّاً في تأسيسِ الدولة السّلجوقية، واستمرارها. وكانت تلتحقُ بجيوش السّلاجقة عند نشوب حرُوب القوّات الخاصة بالولايات، إذ كان لكُلِّ حاكمِ ولايةٍ قوّاتٌ خاصّة يستخدمها للدِّفاع عن منطقته. وكانت هُناك فِرَق في المدن المجاوِرة تلتحِقُ بالجيُوش عندَ المرور بها. وإضافةً إلى هؤلاءِ، كان هُناك متطوِّعُون يرغبُون بالمشاركة في الجهاد، وهؤلاء لم يُدوَّنوا ضِمن ديوان (عرض الجيش) السّلجوقي.
وقد تضمّن جيش الدولة أيضاً: قسم الطلائع، وهُم فرق من الجند يتقدّمون الجيش كي يستطلعوا مناطق وُجود العدو، وطبيعته، ومعلومات عن مناطقِ المعارك، وكانوا لا يدخلُون في القتالِ عادةً. وتوجد فرق أخرى تتقدّم الجيش تُسمّى ب(تشكيلات المنزل)، ووظيفتها اختيار المواقِع المناسبة لإقامة الجيش، وتجهيزه بكُلِّ ما يَلْزم من طعامٍ وغيره.
الأسلحة والتحصينات الحربية
استخدم الجنود السّلاجقة أسلحة القتال العادية؛ مثل: السّيف والرمح والقوس والمقلاع، وكان القوس والسّهم من أهمِّ أسلحتهم، فقد اشتهروا بمهارتهم في رمي السّهام، خاصّةً من فوق ظهور الخيل. فقد كان الرماة الخيّالة يُطلقون السّهام أثناء عدو خيولهم دون أنْ يؤثّر ذلك في دقّة إصابتهم. وكانوا يرتدون درُوعاً واقية للحماية، مع خوذ تُسمّى ب(البيضة)، والتروس في أيديهم، لصدِّ ضربات العدو. واستخدموا أيضاً أدوات الحصار الثقيلة، بما في ذلك المنجنيقات، والأبراج الخشبية (الّتي يقتحِمُون بها أسوار العدو)، ورأس الكبش (الّذي يُحطِّمون به بوابات الحصُون)، والدبّابات، وسلالم الحصار .
المراجع:
1- النظم الحربية عند السلاجقة، د. نائف بن حمود بن محمد أبو قريحة، ط(1)، 1423ﮪ، ص113 إلى ص161.
2- الحروب الصليبية في المشرق، سعيد أحمد برجاوي، ط(1)، دار الآفاق الجديدة، بيروت - لبنان، 1984م.[1]