=KTML_Bold=محمود عباس: مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً الجزء “التاسع والعشرون”..=KTML_End=
قراءة في كتابه: التكوّن التاريخي الحديث للجزيرة السورية.
تبريراته للتهجير الممنهج للكورد من قبل سلطتي البعث والأسد:
يجمع الكاتب ضمن صفحات الفصل الخامس عشر، والمعنون ب (من الهجرة إلى الجزيرة إلى الهجرة منها) زبدة الكتاب وغايته، ويركز على أن هجرة الكورد من الجزيرة هي حصيلة حاصل، لأنه يرى بأن الديمغرافية الكوردية في هذه المنطقة هي بالأصل مبنية على الهجرة الخارجية، قدموا من كوردستان، وهو يعني شمال كوردستان (تركيا حسب رؤيته) معتبراً الخط الحدودي المرسوم بين سوريا الفرنسية وتركيا الكمالية النهاية الجنوبية لكوردستان، متناسياً أن هذا الخط تم باتفاقية مرفوضة كوردياً وبالمطلق.
وكما نلاحظ وبهذه الجدلية الساذجة، يلغي كوردستانية الجزيرة! ولا نعلم فيما إذا كان فعلاً مقتنعا بما يقوله، أو أنه يؤدي مهمة لحزب عنصري. وهذا المفهوم أو الطرح هي جل غاية الذين سخروه للكتابة في هذه القضية، فقدموا له كل الخدمات المادية، وفتحوا له أرشيف المربعات الأمنية السورية السرية وغيرها.
والتوجه الحقيقي الأفضح لهذا النهج العدائي لحقوق الكورد في كوردستانهم الجنوبية الغربية يظهر في عنوان الجزء الخامس من الفصل الخامس عشر وفي الصفحة(834) ” المجتمعات المحلية الكوردية السورية واختراع “كوردستان الغربية””. ولربما هنا، إما إننا نحتاج إلى دراسة كاملة لتعرية خلفيته الثقافية ومصداقيته من عرض هذا الكتاب، علماً أن العديد من المؤرخين والكتاب الكورد وغير الكورد دحضوا هذه الفبركة التاريخية، وادعاءات الأنظمة العروبية ومثقفيها وسياسييها في هذا المجال. أو بأننا سنكتفي بعرض عنوانه هذا والتي تفضحه والشريحة العروبية المماثلة له.
وفي الصفحة (836) من جملة عدة صفحات متتالية، يدافع فيها الكاتب البعثي عن سلطة حافظ الأسد ويمجد فيه، والأغرب أنه يبرأه من العديد من جرائمه وبشائعه بحق الشعب السوري والكوردي بشكل خاص، ومن ضمنها مخططات عمليات التعريب، المرفقة بنقد ساذج، وهو بحد ذاته مدح غير مباشر. يقول بأن الغبن الوحيد الذي حصل للكورد، ولم يصححها حافظ الأسد، وهي أنه لم يسمح لهم بالتدريس بلغتهم كبقية الأقليات الموجودة في سوريا كالسريان والأرمن، ومحمد جمال باروت بهذه السياسة المخادعة لا يدافع عن الكورد بقدر ما يهمش مكانتهم كقومية ثانية في سوريا بطريقة غير مباشرة، فيسقط عنهم الصفة القومية، وحق الملكية الجغرافية-السياسية لأرضهم، ويدرجهم في خانة الأقليات، علماً بأنه يعلم تماماً حقيقة مخططات البعث والأسد، وكان الموجود غير ما يذكره، وعدم السماح لهم بتدريسهم بلغتهم الكوردية، نابعة من أنهم يدركون أن الكورد شعب وليسوا أقلية، وما يسكنونه هي جغرافيتهم، فأي حق لهم ستجر الحقوق التالي وراءه، واللغة كبداية ومن أهمها، فلو ظهرت لبرز من خلالها المطلب القومي الكوردستاني على السطح، ولمعرفة سلطة البعث والأسد بأنهم سيعجزون عن مجابهتها في حال البدء بها، يقدمون حججهم ومصادرهم الملفقة هذه.
ولم يعد غريباً لنا وفي خضم التطورات الجارية في المنطقة عودته إلى البعد الوطني وتحريكه لهذا المفهوم الطوباوي في حضرة الاستبداد البعثي أو الأنظمة العروبية الأخرى، للتغطية على: عمليات التعريب والتمييز العنصري، ومعاناة الكورد في فترة البعث والأسد، فيضفي على ما كان يقوم به الأسد من جرائم، وإصدار القوانين الاستثنائية والمراسيم الرئاسية الجمهورية، الصبغة الوطنية، لتطوير سوريا، ويقول حول هذه الجدلية المشوهة في الصفحة المنوهة سابقاً(836) ” وباتت سورية ما بعد هذه المشكلة تطرح مسألة الاندماج الاجتماعي والتكامل الوطني على أساس الوحدة الأساسية للوطنية الحديثة، وهي المواطنة وحقوقها الأساسية”. وبالفعل هناك جانب صريح في هذا الكلام، وهو حق المواطنة، والتي أرادت سلطة حافظ الأسد أن يناضل الكورد من أجلها، لجعلهم ينسون حقوقهم كشعب، والتغاضي عن أنهم أصحاب أرض، وشعب له خصوصياته، تحت الغطاء المزركش، والمتداول كثيرا في الفترة الأخيرة، والذي يسميه كاتبنا الوطنية الحديثة! والتي لم يكن لها وجود على أرض الواقع منذ الحكومات السورية الأولى، وحتى بعضها التي كانت تحت الانتداب الفرنسي.
ينهي الكاتب زبدة قناعاته في هذا الفصل وفي الصفحة(837) أو بالأحرى المفاهيم المكلفة بنشرها وكتابتها، من قبل البعث الأسدي وتلقفتها المركز العربي للاستراتيجيات، القطرية، تحت رئاسة عزمي بشارة، بعد انهيار البعث وهروبه من سوريا، فيقول الكاتب” ولم يكن الأكراد مضطهدين في هذه الحالة لكنهم كانوا محرومين من حقوقهم الثقافية، وفيما عدى ذلك هناك مشترك في معاناتهم مع قضايا الحقوق والحريات السياسية، أو الحريات المدنية بالتعبير الأمريكي. وهي قضايا مشتركة مع قضايا السوريين كافة” وعلى الأغلب فضلت عدم التعقيب على هذا العرض الأكثر من ساذج وسفيه، فيا عجبي من جملته (لم يكن الأكراد مضطهدين)!
في الصفحة(846) الهامش(29) يسرد معلومات ساذجة علمياً عن الجزيرة، كسند إضافي لمقولته السابقة حول الهجرة، وبها يعطي تبريراً لجرائم حزبه العروبي العنصري وسلطتي الأسد، فيعرض قضية مناخية غير موجودة في المنطقة المعرفة بنسبتها الجيدة من هطول المطر مقارنة بكل سوريا، والغنية بالمياه الجارية والجوفية، وهو عامل القحط، ويبحث فيها كسبب لهجرة الكورد من منطقتهم، قدمها كجزء خاص تحت عنوان ” دينامية القحط” وسبقها بعنوان مشابه “دينامية التصحر”، وفي الواقع المنطقة الكوردية وحتى مصب الخابور مع الفرات لا تصيبها القحط بحيث تؤدي إلى هجرات جماعية، لا شك تمر سنوات جفاف متتالية، تفاقمت تأثيراتها على خلفية الإهمال المتعمد من قبل السلطات السورية العروبية بالمنطقة، ومنها عدم تطوير المشاريع الزراعية وبشكل مخطط في البدايات إلى أن بلغت درجة تخريب الموجود، وسببت في العوز رغم وفرة المياه الجوفية والسطحية في المنطقة والتي بالإمكان الاستغناء الجزئي عن هطول الأمطار، فيما لو كان هناك دعم من سلطتي البعث والأسد اللتين يدافع عنهما الكاتب.
يحرف سنوات الجفاف تلك إلى قحط أو شبه قحط، وفي الهامش يضيف عليها عامل التصحر! والتي لا وجود لها في جغرافية الجزيرة كما ذكرنا ويعرفها كل من عاش في الجزيرة! وهناك فرق شاسع بين التصحر والقحط والجفاف لسنة أو سنتين. وبكوننا من أبناء المنطقة ونعرف الأرياف التي يتحدث عنها، ويبرر الهجرة منها تحت عامل التصحر، ويورد أمثلته في الهامش المذكور، أو بسبب عامل القحط كبند ثان لعامل الهجرة، ويذكر أسماء القرى بأنها بوار والسلطة تريد إعادة تعميرها، وبالتأكيد تم تعمير مناطق منها لا للكورد أصحاب الأرض، بل لإتمام مسيرة الاستيطان العربي، أي عملية تعريب كوردستان، وعلى أثرها ظهرت قرى الغمر، أو ما يجب تسميتها المستوطنات العربية. وهنا إما أنه يتلاعب بمفاهيم القراء، أو أنه مكلف بعرض هذه المعلومات وبهذه السذاجة، ليعتم على عملية بناء المستوطنات العربية، مع مقولة تعمير القرى المتأثرة بالتصحر الذي لا وجود له، وبالهجرة التي خططت لها السلطة البعثية – الأسدية، وكما ذكرنا عن طريق إصدار قوانين ومراسيم عنصرية.
لم يعد غريبا علينا ولكل من يتمعن في مضمون كتابه غاية عرضه لأفكاره ومعلوماته بهذه الضحالة والبساطة الفكرية، كمعرفتنا لغايته التحدث عن التصحر والقحط ومعرفة كل من عاش أو زار الجزيرة عن هذه المسألة التي لا وجود لها، وأن معظم القرى التي يأتي على ذكرها، لم تتصحر ومناخها بعيد كل البعد عن هذه الآفة، ولا زال فلاحيها ومالكيها يسكنونها، ولتمرير فكرته، يعرض جغرافية بعض القرى الكوردية بشكل خاطئ وعشوائي، فعلى سبيل المثال، خراب العبد وهي لآل يوسف الأحمد، تقع في شرق جنوب القامشلي، وخراب كورت في شرق جنوب تربه سبيه، وجالكه هي لأبناء أعمامنا من عشيرة دوركا، وتقع على مقربة من حدود تركيا في شرق تربه سبيه بحدود عشرين كيلومتراً، وهي ضمن منطقة خط المطر فوق أل 300 مم، وأراضيها الزراعية غنية، ومثلها وقريبة منها كوندك، أما موزلاني الواقعة ما بين عاموده وقامشلو، وهي عامرة، والعديد من القرى الأخرى التي يأتي على ذكرهم يمكن أن نقيسهم على هذا المنوال.
ونعود لنسأل ماهي الغاية من هذا العرض التلفيقي؟ باستثناء ربما مخطط تفريغ الجزيرة قدر الإمكان من سكانها الكورد، ومحاولة إحلال أبناء الداخل ذات الكثافة السكانية مكانهم، خاصة، والتي كانت سرعة التزايد السكاني فيها تفوق كثيرا مستويات العمران والتطور الاقتصادي، ولم يتم ولكن عوض عنهم بالغمريين.
والهجرة أو التهجير الممنهج تم على خلفية العديد من المشاريع الاستثنائية، وليس القحط والتصحر، والمخططة منها تمت تحت ظروف معينة، ولغايات ذاتية خدمت السلطة بشكل مباشر، كتطوير قطاع الاستخراج النفطي والغاز والذي مواردها ذهبت مباشرة إلى القصر الجمهوري، تحت شعار (النفط في أيدي أمينة، فلا تسأل عنها)…
يتبع…
[1]