=KTML_Bold=محمود عباس: مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً الجزء “الواحد والثلاثون”..=KTML_End=
الباحث والكاتب السياسي الدكتور محمود عباس
قراءة في كتابه: التكوّن التاريخي الحديث للجزيرة السورية.
تبييضه لبشائع حافظ الأسد بحق الكورد:
كانت خطط حافظ الأسد وأبنه، حول الشعب الكوردي وقضيته، أكثر عنصرية وشمولية من السلطات السورية السابقة، وضعت بأبعاد استراتيجية، لغاية تدمير الشعب الكوردي في منطقته، أو خلعها منه، وعلى مراحل، أو تهجيره منها تحت مسوغات مصطنعة أو ملفقة، وبمؤامرات متنوعة، خططت وبذهنية إجرامية.
ولاجتثاثهم من جغرافيتهم كان يحرض مربعاته الأمنية للقيام بكل البشائع الممكنة، ركزت في البدايات على الحركة الكوردية الثقافية والسياسية، فأجبرت شريحة واسعة منها على الهجرة، وخاصة الخارجية، وكثيراً ما تخللت أفعالهم ترهيب ممنهج، أو بالتحريض والدعاية على الهجرة، كثفوها بين الشباب المتخرج من المدارس، بعد أن صعبوا عليهم دخول المعاهد والجامعات السورية وبكل الأساليب الممكنة، ونحن هنا لا نتحدث فقط عن الذين نزعت عنهم الجنسية السورية، أو الذين يدرجون تحت خانة الأجانب ولا يحق لهم التسجيل، بل عن شريحة واسعة من الشباب الكورد خريجي الثانويات، الذين كان يدفع بهم للهروب من الوطن بسهولة مقارنة ببقية الشعب، وخلق كل الصعوبات عند العودة أو الزيارة، ومنها، كان عليهم مراجعة المراكز الأمنية مرات عديدة خلال زيارتهم، وأبشع فيما لو علموا بأنها عودة دائمة، وكثيرا ما كان لا يحصل على أذن بالخروج إلا في اللحظة الأخيرة، ليرهبوهم من العودة ثانية، فلا يوجد كوردي قام بزيارة أهله دون أن يكون قد طلب إلى الأمن السياسي والعسكري وفرع فلسطين وغيرها، وكثيرا ما كان يحولونهم إلى فروع خارج محافظاتهم للتعجيز، فمنهم من قضوا في الفروع الأمنية أكثر مما قضوه بين أهلهم. والعائدون واجهوا البطالة والضغوطات الأمنية بكل أوجهها.
والكاتب، ورغم كل هذا التدمير الممنهج من قبل سلطة البعث وحافظ الأسد، يحاول خلق تبريرات لهذا النهج المتبع من قبل سلطة عروبية عنصرية، ويحاول تبييض صفحتها، وخاصة تاريخ حافظ الأسد الإجرامي، فيقول في الصفحتين(854-855) ” …مظلة “اللجوء الإنساني”. وكانت مظلة فقط لهجرة ذات دوافع اقتصادية-اجتماعية وليس سياسية-ثقافية على الإطلاق، فلم يعان المسيحيون قط كجماعة في تاريخ سوريا الحديث بعد الاستقلال من أي اضطهاد أو إقصاء أو تمييز سياساتي لأسباب تتعلق بمسيحيتهم، كما أن سياسات التمييز ضد الكورد باستثناء شرخ الهوية الوطنية السورية المتمثل ب”أجانب تركيا” أو “أجانب الحسكة” لم تكن قط من النمط الكمالي التركي الذي يدفع للهجرة والفرار، بل شكل المجتمع الكوردي السياسي السوري، إحدى القواعد الاجتماعية- السياسية للنظام السياسي السوري في مرحلة الرئيس الراحل حافظ الأسد.” ولا نظن أن هناك مؤرخ يمكنه أن يقتنع أو يقنع الأخرين أن زوال المسيحيين من المنطقة كان جراء عامل اجتماعي، فقط، وليس تحت تأثير ضغط الحكومات ذات التوجه العروبي الإسلامي، وبعضها الراديكالي، إلى جانب القوى السياسية الإسلامية المتنفذة والتي كانت لها هيمنة في معظم الحكومات بعد الانتداب، الذين كتبوا الدستور السوري على النهجين القومي العروبي، والإسلامي المتزمت، وأحد أبرز نتائج وجوه هذا الفعل العدائي تجاه الأقليات المسيحية هي الهجرة الجماعية، والتعامل المرن مع المسيحيين بدأ بعد ظهور مشاكل إخوان المسلمين في بداية الثمانينات، لكنها عادت إلى سابق عهدها وأبشع من بدايات هذا القرن، وفاقمت فيها المنظمات الإسلامية التكفيرية المسلحة.
قامت الحركة القومية العروبية ضد كل تحرك غير عربي في سوريا، ومنذ بدايات تشكيل الدولة السورية، وتحت اسم الكتلة الوطنية ومن ضمنهم حكومة تاج الدين الحسيني، عارضت استيطان المهجرين المسيحيين، الهاربين من المجازر العثمانية وحتى من تلك التي هيمنت عليها الكماليون، وكانت تحت مرأى البريطانيين في العراق، والذين اضطروا بعد مجزرة سبايدر الهجرة إلى سوريا، وحاولت سلطة الاحتلال الفرنسي استيطانهم على ضفاف نهر الخابور، لكن الكتلة الوطنية تحركت في البرلمان وفي الدولة ضد المشروع، وبها أثبتوا أن العلاقة التاريخية التي يطبل لها العروبيون اليوم بانتماء مسيحيي سوريا إلى العروبة ملفقة وورائها خباثة. واستنادهم علاقة تربط بين المسيحيين السوريين أصحاب الأرض والعرب القادمين من الجزيرة العربية، ولم تكن موجودة يوما سابقاً، إلا بمنطق التبعية، وما يربطهم اليوم هي اللغة العربية، والتي كانت لغة القرآن والسلطة، وموجة تعريب المسيحيين تمت في الأربعينيات من القرن الماضي، لتسخيرهم، وبها سلبوا تاريخهم وتاريخ المنطقة وأدرجوها لمصالح العروبيين، وفي هذا البعد أثبتوا أنهم لا يؤمنون بوجود شعوب سورية أصلية كانت تتبع المسيحية قبل الإسلام، وهم الأراميين والسريان والأشوريين، والفينيقيين والكلدانيين، وغيرهم وكانت لهم حضارات بعكس القبائل العربية القادمة من الصحراء.
السياق التاريخي، والبحث السياسي الذي يورده في الفصل الأخير من الكتاب، حول عملية الإحصاء الاستثنائي والقوانين الاستثنائية، والبرامج ذات المضامين التعريبية، يحاول الكاتب عرض ذاته في سياق الباحث المحايد، ولو كان في الحقيقة متبعا هذا المنطق والطريقة في العرض، ومتجرداً من النزعة العروبية، والحيز القومي، منذ البداية، وخاصة حول التاريخ القديم للمنطقة، لتمكن من تقديم دراسة ليس بأكثر من ربع حجم كتابه، كأحد المراجع والأبحاث التي بالإمكان الاعتماد عليه في تاريخ الجزيرة القديم والحديث، سياسيا وديمغرافيا، ولتقلصت عدد صفحات كتابه إلى الربع على الأغلب، ولما برز فيه كل هذا التكرار والتناقضات، ولتعامل مع القضية الكوردية ليس فقط في الجزيرة بل في كل جنوب غربي كوردستان، وبشكل خاص القضية الجيوسياسية والديموغرافية بشكل منطقي، ولما عتم على البعد القومي الكوردستاني، وحرف بل غيب الجغرافي-السياسي الحقيقي، ولما حصر القضية الكوردية ضمن قضية اجتماعية، وحقوق المواطنة.
كما ويستخدم الكاتب أساليب أخرى لعرض غايته، كتكرار الحدث ذاته بأوجه متعددة، لتغييب النقص الموجود في أثبات الوجود العربي في المنطقة، من خلال عملية ضخ وعرض المعلومات والمراجع كماً لا نوعية، والتي معظمها لا تتلاءم وغاية الكتاب ذاته، ولا مضمونه، فهي كثيرا ما تتجاوز مجالاته المطروحة، والعديد من الصفحات والمعلومات والمراجع ليست لها علاقة بالمنطقة الجغرافية المعنونة، وفي هذا السياق، يكرر بعض المواضيع بعدة إشكاليات دون أن يضع لها نتيجة، ولا يبين أسباب خلفية تكراره، ولا تظهر حتى عند الانتهاء من مرجع وتناول آخر سبباً غير إلهاء القارئ وتضييعه، فينزل الكاتب معلوماته كل مره بنفس الديباجة الكلامية، وفي النهاية تسيل كل المعلومات ضمن الصفحات دون أن يثبت مفهوم ما، وهي لا تفيده في توضيح غاية الكتاب، لذلك يعود ويؤكد عليها، مثلما فعلها بين الصفحات(67-84) عندما يتناول تاريخ مدينة دير الزور، كأول حضر في الفرات الأوسط، علماً أن المعلومات المعروضة تفيد فيما لو كان البحث حول تاريخ العشائر العربية الرحل في بادية الشام وجنوب الفرات الأوسط، بشكل منفصل.
يسقط الباحث في المغالطات، على خلفية التكرار الواسع في المسائل ذاتها، وبنفس الطريقة وبالصيغ ذاتها، ومنها تتعرى غاية الكاتب أكثر، فهو في الواقع يقلل من التركيز على الحقائق التاريخية بقدر ما هو على إقناع القارئ بعدمية الوجود الكوردي في المنطقة، ورغم كل محاولاته، تظهر العروض منخورة، ولا تسند غايته رغم عمليات البتر المستخدمة في مصادره، وهي أكثر من واضحة عند القارئ الحصيف.
سنأتي في حلقاتنا القادمة على مجموعة من المواضيع المكررة، وأخطائه، وبالصفحات والعناوين. للعلم إن الإشكاليات الواردة في الكتاب من الفبركة والمغالطات المقصودة وتشويه التاريخ وغيرها، التي يمررها محمد جمال باروت ضمن صفحاته الموبوءة، والواجب تعريتها من قبل النقاد والمؤرخين، من الكثرة بحيث يحتاج الناقد إلى كتاب بحجم كتابه ليلم بجميعها، ونحن أكتفينا بالرئيسة منها…
يتبع…
[1]