إستفتاء إستقلال إقليم جنوب كوردستان
د. مهدي كاكه يي
لمناسبة قرار القيادة الكوردستانية لإقليم جنوب كوردستان بإجراء إستفتاء الإستقلال في الخامس والعشرين من شهر أيلول الحالي، أود أن أتحدث هنا عن هذا الحدث التاريخي الذي ينتظره الشعب الكوردي منذ إنهيار الإمبراطورية الميدية أي منذ أكثر من 2500 سنة وخلال هذه الفترة الطويلة ضحّى الشعب الكوردستاني بأرواح الملايين من أبنائه وبناته وتعرضت كوردستان للخراب والدمار وهو مستمر في نضاله من أجل حريته وبناء كيان سياسي له على أرضه التاريخية لينقذ نفسه من العبودية والتبعية ويعيش بِحرية وكرامة ورفاهية ويستثمر ثروات بلاده ويبني بلاده ويساهم في بناء الحضارة البشرية الى جانب الشعوب المتقدمة.
1. يظن البعض بأن شعب كوردستان يقوم بِتأسيس دولة قومية على غرار الدول القومية العربية والتركية والإيرانية العنصرية وهذا غير صحيح. دولة كوردستان ستكون دولة التركمان والآشوريين والسريان والكلدان والأرمن، بالإضافة الى الكورد وسيتم الإعتراف بكافة حقوق المكونات القومية الكوردستانية من سياسية وثقافية ويتم التعامل مع الكوردستانيين على أساس المواطنة والكفاءة ويتساوون في الحقوق والواجبات.
2. يتم سن دستور عصري في جمهورية كوردستان يقر نظاماً علمانياً، يفصل الدين عن السياسة ويتبنى نظاماً لامركزياً مستنداً على الجغرافيا، لا الجانب الإثني أو الديني ويمنع الأحزاب الدينية السياسية ويحدّ من العلاقات العشائرية المتخلفة وينص على حرية المعتقد وممارسة الطقوس والشعائر الدينية لكافة الأديان الكوردستانية والإحتفاء بِأعيادها ومناسباتها وجعل الدين علاقة شخصية بين الإله والإنسان.
3. يطالب بعض القوى السياسية الكوردستاية في الإقليم بِتأجيل إستفتاء الإستقلال مُعللةً ذلك بإفتقار كوردستان للدستور وبِسبب الأزمة الإقتصادية التي يمر بها الإقليم والخوف من إستمرار إحتكار السلطة في الإقليم من قِبل العائلات الحاكمة بعد تأسيس دولة كوردستان. نعم كان من الضروري وضع دستور خلال الفترة الطويلة من الحكم الكوردستاني للإقليم (سنة 1992 – الى الآن) أي خلال 26 سنة الماضية، مع ذلك يمكن سن الدستور بعد تأسيس دولة كوردستان وعرضه لإستفتاء شعبي أو تشريعه من قِبل الدورة القادمة للبرلمان الكوردستاني. كما أن إقليم جنوب كوردستان غني بمصادره الطبيعية وأراضيه الخصبة ولذلك عند إستقلاله ستتوفر له فرصة ممتازة لتحسين إقتصاده وتوفير الرفاهية لشعبه. كما قلنا، ينتظر شعب كوردستان منذ أكثر من ألفَين وخمسمائة سنة لمثل هذه الفرصة التاريخية لتنال بلاده إستقلاله ولذلك لا ضير من تقبّل شعب كوردستان للسلطة العشائرية والعائلية لعدة سنوات أخرى على فرض إستمرار هذه السلطة. يجب أن نعرف بأنه عند إستقلال الإقليم وإعتراف المجتمع الدولي به، سوف تتوفر للشعب فرصة ممتازة للقيام بالإحتجاجات وإزاحة أصحاب السلطة عن الحكم من خلال صناديق الإنتخابات، وخاصة في عصرنا الحاضر، حيث يرتفع الوعي المجتمعي لشعب كوردستان بسرعة، بينما في الوقت الحاضر فأن فرص محاولات التغيير محدودة ومحفوفة بالمخاطر بسبب إفتقار الكوردستانيين لِكيان سياسي يحافظ على وجوده ومكتسباته.
كما أن الوقت الحاضر هو الوقت المثالي لإعلان إستقلال كوردستان، حيث أن الحكومة العراقية ضعيفة وتدب الفوضى في منطقة الشرق الأوسط والوجود السياسي والعسكري للولايات المتحدة في المنطقة والعلاقات السيئة التي تربط الغرب بِكلّ من إيران وتركيا التي يحكمها إخوان المسلمين، بينما المستقبل مجهول لا يمكن التكهن به أو الإعتماد عليه.
نقطة مهمة أخرى هي أن مجتمعات الشرق الأوسط هي مجتمعات متخلفة، مشبّعة بالروح العنصرية والطائفية والشمولية ولذلك فأنّ أية جهة تستلم الحكم في العراق سيكون موقفها من حق تقرير مصير كوردستان موقفاً سلبياً وتقف ضد طموحات شعب كوردستان. ها هو السيد نوري المالكي نائب رئيس جمهورية العراق يكرر نفس عبارات التهديد التي كان يطلقها أزلام حزب البعث الحاكم في العراق ضد شعب كوردستان بِقوله للسفير الأمريكي في العراق : (لا نسمح بإقامة إسرائيل ثانية في شمالي العراق!!). كما أنه يجب ذكر حقيقة مهمة أخرى وهي أن أية حكومة عراقية تستلم الحُكم تكون تحت ضغوطات كل من تركيا وإيران اللتين تغتصبان أجزاء من كوردستان وهاتَان الدولتان تضغطان على الحكومة العراقية وتدفعانها الى رفض الإعتراف بِحق شعب كوردستان في تقرير مصيره كما يحصل اليوم وكما حصل خلال حُكم حزب البعث في العراق أثناء مفاوضات الثورة الكوردستانية مع الحكومة العراقية، حيث كانت تركيا تمارس ضغوطاً كبيرة على الحكومة العراقية لِمنع إحراز سكان الإقليم لأية مكتسبات وطنية وقومية.
4. إجراء إستفتاء الإستقلال من عدمه لا يُغيّر شيئاً من الواقع التحرري الكوردستاني، حيث أنه سواء تمّ الإستفتاء أم لاء، فأن الإقليم ماضِ في طريقه نحو الإستقلال، حيث أنّ الإقليم شبه مستقل منذ 26 سنة وإذا أضفنا الأطفال الكوردستانيين الذين كانوا يبلغون من العمر 7 سنوات أو أقل في سنة 1992 التي تم خلالها جعل الإقليم منطقة آمنة من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، فهذا يعني أن المواطنين في الإقليم الذين أعمارهم 33 سنة فما دون (26 سنة + 7 سنوات = 33 سنة) لا يربطهم أي شئ بالعراق وشعبه ولا يفهمون اللغة العربية وغير متأثرين بالثقافة العربية وبذلك ليست هناك أية مشتركات تربط هؤلاء بالعراقيين وأنّ إنتماءهم هو لكوردستان فقط. عليه فأنّ هناك الكثير من الساسة والكُتّاب الساذجين والحهلة الذين لا يعرفون هذه الحقيقة ويريدون إجبار شعب كوردستان بالقوة على العيش القسري مع العراقيين. فشلَ هذا العيش القسري الذي إستمر لِحوالي 100 سنة في العراق والآن آنَ لعقلاء العراق أن يكونوا واقعيين ويأخذوا الدروس من التاريخ ويعترفوا بإستقلال إقليم كوردستان لتصبح كوردستان والعراق جارَين صديقَين ومُسالِمين، نتفرغ لبناء بلدَينا وخدمة شعبَينا. كفانا سفك المزيد من دماء عراقية وكوردستانية وتخريب وتدمير بلدَينا بِدون طائل.
كما أنه من الجدير بالذكر بأنّ تأجيل الإستفتاء سيكون إنتحاراً سياسياً للقيادة الكوردستانية وفي هذه الحالة سيطيح مواطنو الإقليم بهذه القيادة التي تتهرب من تحمّل هذه المسئولية التاريخية.
5. بسبب كون كوردستان محاطة بالأعداء، فأنه يجب إتخاذ إجراءات إحتياطية كاملة فيما يتعلق بالجوانب الإقتصادية والمعيشية والعسكرية ومصادر الطاقة وغيرها والتهيؤ لِحدوث أسوء الإحتمالات، بما فيها الحصار الإقتصادي والتدخل العسكري الأجنبي الذي هو مُستبعَد جداً. كما أنه من الضروري مفاتحة الحكومة الإسرائيلية لإقامة إتحاد كونفيدرالي بين كوردستان وإسرائيل لحماية الإقليم من الأخطار الخارجية التي تحيط بها. يجب على قيادة إقليم جنوب كوردستان العمل سريعاً لتأسبس إتحاد مع إقليم غرب كوردستان وتحرير الأراضي الكوردستانية الممتدة من هناك الى البحر الأبيض المتوسط للوصول الى منفذ بحري للإستغناء عن الإعتماد على المنافذ الحدودية للبلدان المُغتصِبة لكوردستان. كما أن هذا المنفذ البحري يقع مقابل إسرائيل وبذلك فأنّ هذا المنفذ يجعل من إسرائيل وكوردستان جارتَين.
6. يجب من الآن ضمان معيشة ورواتب موظفي كوردستان في جميع مناطق الإقليم، من ضمنها المناطق الكوردستانية التي لم تكن تحت الحكم الكوردستاني قبل سقوط حكم حزب البعث في العراق لطمأنة شعب كوردستان على معيشته وحياته.
[1]