الكورد بين الديمقراطية و القومية
في كوردستان هناك صراع بين فكر أو مشروع يسعى إلى تحقيق تغير ديمقراطي غير قوموي و بين أصحاب من يدعون أنهم يمتلكون المشروع القومي . و يحاول أصحاب ما يسمى بالمشروع القومي اتهام المشروع الديمقراطي بمعادات تطلعات الشعب الكردي في تقرير مصيره. و يقول البعض ما فائدة دمقرطة بلدان هي بالأصل مغتصب و محتلة لكردستان ؟ و اصبح كلمة أخوة الشعوب و العيش المشترك و الديمقراطية لديهم كمصطلحات معادية لحق التقرير المصير و لتطلعات الشعب الكردي .
كل الأحزاب الديمقراطية بالعالم تسعى لإقناع العالم بوجهة نظرها و هذا لا يعني تدخلا في شؤون الغير بل هو النضال من أجل مبدأ و فكر تؤمن بها. ربما يجوز أن نقول علينا عدم التدخل في شؤون الغير و لكن الإيمان بالفكر الديمقراطي ليس فيها ما يعيب .و القول أننا نريد أن تكون تركيا اوايران أو سوريا أو العراق دول ديمقراطية هذا لصالح القضية الكوردية و ليس ضدها . قضية التحرير و الديمقراطية متلازمان ،و هي لا تعني معاداة التطلعات القومية كما يدعي البعض بل تعني معادات الأفكار القومية العنصرية . ألا تعيش الكثير من القوميات و المكونات في الغرب في دولة واحدة متساوية الحقوق و إذا ما خيروا تلك القوميات و المكونات بين الانفصال أو البقاء معا ،سيختارون البقاء معا دون تردد ؟.كذلك لدينا لو ألتزمت الدول التي تتحكم بالشعب الكوردي بتطبيق المبادىء الديمقراطية بحق شعوبها فهل سيختار الكورد الانفصال أما البقاء مع الشعوب التي تحترم حقوقها و إرادتها ؟ بتاكيد الكورد لا يسعون الى تدمير البلدان و تجزئتها و اضعافها ، بل مطلبهم هو الحصول على حقوقهم المشروعة .
ليس المهم المساحات و الحدود و اسماء الدول بل المهم هو إلى أي درجة يخدم هذا النظام حقوق الإنسان ؟! ما فائدة دولة قومية لا تحترم حقوق شعبها ؟ أفضل الأنظمة عالميا هي ليست أنظمة قومية بل أنظمة ديمقراطية تمثل كافة مكونات بشكل عادل و دون أي اضطهاد لأي مجموعة أو مكون حتى و إن كان أقلية بسيطة . و الديمقراطية و تطورها في أي نظام مرتبط بأضعاف مركزية الدولة .فلا وجود لديمقراطيات بالأنظمة الشمولية و المركزية و القوموية.
أي حركة لا تحترم حقوق كافة المكونات هي حركة عنصرية مهما كان اسمها و شعاراتها، فأطلاق اسم الديمقراطي على أي حركة أو أي نظام لا تعني أنها غير قوموية. فمبادىء الديمقراطية و تطبيقها يمكن رؤيتها عمليا من خلال نظام يحقق العدالة والتنمية و يحترم الحقوق و ليس عبر الشعارات و النظريات و الادعاءات .
علينا رؤية التجارب الديمقراطية الناجحة بالعالم و كيفية احترامها لحقوق الإنسان. و ليس النظر إلى ممارسة الأنظمة الشمولية و القومية العنصرية .
و حسب قناعتي فإن أفكار الزعيم الكوردي عبدالله أوجلان هي أفكار ديمقراطية و ليست أفكار قوموية عنصرية .بمعنى هو يعادي الدولة القومية العنصرية و لكنه يطالب بكيان يتحقق فيه كل متطلبات الفكر الديمقراطي فهو يسعى لتطوير الديمقراطية عبر إضعاف سلطة الدولة المركزية و إعطاء المجتمع و المجموعات و الفئات مزيدا من المبادرة و القرار لسير أمورها .و كل ادعاء انه يعادي قيام دولة كوردية هو ادعاء باطل أو عدم فهم لهذه الأفكار .
الفكر الديمقراطي بميراثه الغني حقق نجاحات عديدة في الغرب خاصة و عبر تجارب مختلفة و انظمة عديدة و هي أنظمة ليست متناقضة و لا تعادي بعضها ،بالعكس فهي تكمل بعضها و تشكل اتحادات وروابط قوية بينها و خير مثال هو الاتحاد الأوروبي المتشكل من أنظمة ديمقراطية أو على الأقل من أنظمة تحترم حقوق الإنسان.
منذ عدة سنوات تمارس بعض الحركات الكوردية الدعاية لقيام و اعلان دولة كوردستان في جنوب كوردستان . و رغم أنها دعاية الغرض الأساسي منها هو استخدامها ل: 1- الحصول على تنازلات من الحكومة المركزية 2- الادعاء بامتلاك مشروع قومي يعاديه طرف كوردستان آخر .ألا إن الطرف الذي يمثل التغير الديمقراطي لم يعادي في يوم من الأيام قيام دولة كوردية .
و نحن نقول هنا من حق الشعب الكردي الحصول على دولة مستقلة أو ان يقرر ما يراه مناسبا من الأنظمة او الادارات او طريقة تعامله مع الجوار لتقرير مصيره بنفسه . و ليس هناك اي حركة تعادي تطلعات الشعب الكردي إلا إذا كانت مرتبطة و تابعة . و في حال حصول الاستقلال فإن تلك الحركة التي تتهم من قبل من يدعون أنهم أصحاب مشروع قومي هي ستكون السند و الحامي لهذه الدولة لو كان نظامها فعلا في خدمة الشعب الكردي.
الخلاف حاليا بين من يدعي أنه يملك مشروع قومي و بين من يمثل الفكر التغير الديمقراطي ليس في أعلن دولة أو عدم إعلانها .بل الخلاف هو هل هذه الدولة أو النظام الحالي في خدمة الشعب أم في خدمة أعداء الشعب؟ .الخلاف هو لماذا يتم إعاقة المؤتمر الوطني الكوردستاني بحجج واهية و يتم عقد صفقات مع أعداء الكورد لمصالح آنية و اقتصادية في الأغلب حزبوية أو عائلية ؟ الخلاف ليس أن قرر الشعب في جنوب كوردستان إعلان الإستقلال أو البقاء ضمن أقليم فيدرالي ضمن العراق ،بل الخلاف هو لماذا تفضل سلطة الإقليم أو أصحاب المشروع القومي علاقاتها مع الأعداء على علاقاتها مع المشروع الذي يمثل التغير الديمقراطي.
أوجلان بأفكاره الذي يمثل التغير الديمقراطي متهما دائما من الأنظمة القوموية و الشمولية بأنه يسعى لقيام دولة كوردية انفصالية .و متهما من حركات و أحزاب قوموية كوردية بإنه تنازل عن حقوق الشعب الكوردي و يسعى لخدمة الغير .
لكن حقيقة أفكاره الذي يعتبر نظرية شاملة لتغير الديمقراطي تسعى لتحقيق تطلعات #الشعب الكردي# و كل الشعوب في الشرق الأوسط من أجل تحقيق الحرية و العدالة و العيش المشترك بسلام و دون نزاعات و حروب ،و هي نظرية بحاجة إلى دراسات و مناقشات و حوارات و مؤتمرات لاعطائها حقها و ليس اتهامها اتهامات رخيصة كما يفعل البعض من الذين يدعون أنهم أصحاب مشروع قومي.[1]