باحث اقتصادي دولي: قطع حبال التواصل النفطي بين روسيا ودول أوروبا الغربية غير مرجح
تحاول موسكو ليّ ذراع الدول الغربية وواشنطن عبر استغلال ما تملكه من غاز ونفط، ورداً على ذلك تحاول الدول الأوروبية الاستغناء عن إمدادات الطاقة الروسية عبر الاعتماد على مصادر أخرى، ومع ذلك استبعد الباحث والاقتصادي الدولي مغرديتش بولدوكيان، أن تكون لأوروبا القدرة على ذلك.
رافق التحرك العسكري الروسي في أوكرانيا، تحرك اقتصادي روسي ضد أوروبا، حيث أعلن الرئيس الروسي خلال اجتماع للحكومة في 23 آذار أنه قرر تطبيق سلسلة من الإجراءات لتحويل الدفعات مقابل إمداداتهم من الغاز إلى الدول غير الصديقة إلى الروبل الروسي، وبذلك اختار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدخول في حرب الغاز مع الدول الأوروبية التي تستورد كميات هائلة من هذه المادة الضرورية سواء للحياة اليومية لمواطنيها أو لبعض صناعاتها كما هو شأن ألمانيا وفرنسا وفنلندا وغيرها من دول التكتل، وذلك كردّ انتقامي على العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا الاتحادية، ولكن لم تمس هذه العقوبات حتى الآن أهم شريان حياة اقتصادي لروسيا، وهو مبيعات الطاقة إلى أوروبا، والتي قد تصل قيمتها إلى 555 مليون دولار يومياً بالأسعار الحالية.
ويرى خبراء الاقتصاد أن بوتين يحاول دعم العملة الروسية التي تعرضت لضغوط شديدة في المقام الأول، ويرون فيها خطوة ذكية من قبل بوتين لإلغاء العقوبات المفروضة على موسكو، حيث بات على الدول الأوروبية شراء الروبل (بغية تحقيق الاستقرار في سعره) من البنك المركزي الروسي، وهذا يتعارض في الواقع مع العقوبات المالية الغربية.
وترفض الدول الأوروبية حتى الآن الاستجابة لرغبة بوتين في الدفع بالروبل لمواصلة توريدها بالغاز الروسي، ووجدت كحلول آنية لمواجهة هذا أزمة الطاقة، عبر تفعيل مخطط لتوريد الغاز، ويتمثل في إيجاد خطوط إمداد بديلة، وتخفيض الاستهلاك مع استخدام الاحتياطي.
وعن تبعات هذا الأمر أجرت وكالتنا حواراً مع الباحث والاقتصادي الدولي مغرديتش بولدوكيان، وفيما يلي نص الحوار:
*ماهي أهداف روسيا من تحركها العسكري والاقتصادي الموجه ضد أوكرانيا والغرب؟
للحرب الروسية على أوكرانيا أكثر من هدف وغاية في عقل وتفكير الدب الروسي. أولى الأهداف وهي المعلنة تأمين حدود روسيا من ناحية أوكرانيا، وهذا يكون من خلال إبعاد الحلف الاطلسي عن أوكرانيا وصولاً إلى ضمان حياد هذه الدولة التي كانت يوماً ما من تابعية منظومة الاتحاد السوفييتي السابق، ومن الأهداف الروسية أيضاً حصولها على اعتراف نهائي من أوكرانيا بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وكذلك موافقة أوكرانيا على استقلال الإقليمين المتنازع عليهما.
دخلت روسيا الحرب لأهداف جيوسياسية، وخلال مسار الحرب رأت روسيا أن الفرصة اليوم باتت متاحة وممكنة لتغيير واقع التعاطي المالي والاقتصادي مع دول أوروبا الغربية التي ساندت كرواتيا في الحرب ضد روسيا واتخذت مع الولايات المتحدة الأميركية عقوبات شديدة بحق روسيا ما تسبب في انهيار سعر الروبل الروسي.
*كيف سترد روسيا على العقوبات الغربية، وهل ستستغل موسكو حاجة الدول الغربية الكبيرة إلى مصادر الطاقة الموجودة لدى روسيا؟
الفرصة التي وجدتها روسيا متاحة أمامها هي استعمال الطاقة المتوفرة لديها كسلاح دفاعي في وجه الغرب الذي يعتمد بنسبة كبيرة على الغاز الروسي بشكل أساسي، حيث تدرك روسيا أن الدول الغربية، لا سيما ألمانيا وفرنسا وغيرها من دول أوروبا الغربية تعتمد بشكل أساسي في تأمين احتياجاتها من الطاقة على روسيا، خصوصاً على الغاز الروسي الذي يؤمن على سبيل المثال 50% من إجمالي حاجة ألمانيا. لذلك هدد ويهدد الروسي بوقف إمداد الغرب بالغاز المسيل عبر خط نورد ستريم 1 أو بمطالبة الغرب بدفع ثمن الغاز بالروبل الروسي عوضاً عن الدولار لدعم العملة الروسية.
المطالب والتهديدات الروسية اربكت الغرب الذي رأى في الموقف الروسي تهديداً لأمن الطاقة في القارة العجوز، وسارع الكوبوي الأميركي لمساعدة وتطمين حليفه الغربي فأفرج عن جزء من مخزون نفطه الاحتياطي لخفض أسعار النفط التي ارتفعت بشكل كبير، كما ضغط الأميركي على أكثر من دولة لتعويض الغرب بالنقص في إمدادات النفط والغاز الروسي من دون تحقيق نتائج على الأرض كونه من شبه المستحيل أن يتم تأمين البديل للغاز الروسي، فقطر على سبيل المثال أعلنتها صراحة أنها وفي الحدود القصوى لا يمكنها تأمين أكثر من نسبة 10-15 % من احتياجات أوروبا من الغاز، كما أن دولاً أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا لا تملك الإمكانات المطلوبة.
*هل تستطيع الدول الأوروبية الاستغناء عن إمدادات الطاقة الروسية؟
بات الغاز الروسي قدر الدول الغربية ولسنوات طويلة، لذلك على حلفاء أوكرانيا تنظيم خلافهم مع الدب الروسي تجنباً للأسوأ، كما أن على روسيا تنظيم هذا الخلاف كونها تعتمد بشكل كبير على صادراتها النفطية إلى أوروبا في دعم اقتصادها ومراكمة العملات الصعبة، فصادرات روسيا من النفط والغاز الطبيعي تساوي40% من ميزانية روسيا الفيدرالية ونحو 70% من إجمالي صادراتها. أما بالنسبة لدول اوروبا الغربية فإنها تستورد 150-190 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً. في المحصلة وكما توحي بذلك موازين ووقائع المصالح المتبادلة فإن روسيا كما الغرب لن يذهب أي منهما بعيداً في رفع منسوب التحدي بينهما، فهما يدركان أن التمادي في العداء سيلحق الضرر بكلا الطرفين، لذلك فإن سياسة تنظيم الخلاف ووضع ضوابط ورسم خطوط حمر هي السياسة الأمثل والأصح لروسيا كما للغرب بانتظار حصول حلحلة في مسار الحرب التي على ما يبدو قد وصلت إلى خواتيمها.
*هل تحاول موسكو ليّ ذراع الدول الغربية وواشنطن عبر استغلال ما تملكه من غاز ونفط؟
في خلاصة الأمر؛ المرجح أن لا تقطع حبال التواصل النفطي بين روسيا ودول أوروبا الغربية وأن لا نشهد سياسات لليّ الأيدي، بحيث لن تقدم روسيا على وقف إمدادات الغاز إلى الغرب كونها تدرك عواقب مثل هذا الإجراء على الاقتصاد الروسي وعلى الروبل. من ناحيتها دول الغرب لن تغامر في إثارة الدب الروسي كي لا تخسر إمدادات الغاز كونها تعلم أن لا بدائل اليوم عن هذا الغاز. أما فيما يخص الدفع بالروبل فهذا الأمر سيبقيه الروسي كسلاح تهديد فوق رقبة الأوروبي ليس أكثر.
مغرديتش بولدوكيان هو باحث اقتصادي دولي لديه الكثير من المؤلفات، وحاصل على العديد من الجوائز، كما شغل منصل نائب حاكم مصرف لبنان، وهو أكاديمي درّس في خمس جامعات لبنانية في الفترة ما
[1]