حمادة فراعنة
لا يملك كردي واحد شجاعة الوقوف علناً مع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، لأن الكرد كانوا أولاً بأغلبيتهم ودائماً مع نضال الشعب العربي الفلسطيني من أجل استعادة هويته الوطنية المفقودة المبددة، وكانوا ثانياً مع حق الفلسطينيين في النضال والثورة وسقط منهم الشهداء في صفوف الثورة الفلسطينية، وحينما خدمت متطوعاً في إحدى قواعد المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان كان مسؤول القاعدة الفدائية مناضلا عراقيا كرديا، وكانوا ثالثاً ولازالوا مع حق الشعب العربي الفلسطيني لاستعادة حقوقه الكاملة غير المنقوصة على أرض وطنه فلسطين ولهذا هناك مكتب رسمي لمنظمة التحرير وسلطتها الوطنية في أربيل، وقد سجلت أحزابهم الرئيسية سياسات معلنة في أدبياتهم وبياناتهم أنهم ضد الاحتلال والاستيطان والتهجير، ولهذا فمن الطبيعي أن يكون الشعبان في خندق واحد ضد الظلم والأحادية والتعصب القومي، ومن أجل الديمقراطية وحق تقرير المصير ومن أجل الاستقلال .
الموقف الإسرائيلي
ولكن المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، بلا تردد يقف مع القضية الكردية، لا حباً بالكرد، وليس انحيازاً لقضيتهم العادلة وحقوقهم القومية المهدورة، بل يقف مع الكرد لعدة أسباب جوهرية هي :
أولاً : لتقسيم العراق وإضعافه، فالشعب العراقي بعربه وكرده، كان دائماً مع الشعب الفلسطيني، حينما كان ملكياً وجمهورياً، وحينما كانت تحكمه الرجعية أو التقدمية، وشهداء الجيش العراقي أثارهم مازالت باقية في جنين فلسطين والمفرق عندنا في الأردن ، دلائل حية مازالت تنطق بدور العراقيين على جبهات المواجهة ضد العدو الإسرائيلي عامي 48 و 67، ولهذا فالحقد الصهيوني الإسرائيلي مازال يقظاً ضد العراقيين لإحباط المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، ودوافعهم على الرد بدلاً من الصاع صاعين، عبر العمل والتحريض والإسناد والاعتراف بدولة كردية نكاية بالعراق، وليس تعبيراً عن موقف أخلاقي أو إنساني نحو حق الكرد بالاستفتاء وتقرير المصير والاستقلال، وهو نفس الموقف الإسرائيلي التحريضي المعادي للسودان لنفس الدوافع الإسرائيلية في الحقد على العراق، نظراً لمشاركة جيش السودان مع الجيش المصري في الحرب على فلسطين، وسقوط شهداء سودانيين مع المصريين في المواجهات ضد جيش الاحتلال عامي 48 و 67، وهذا ما يفسر وقوف وانحياز ودعم تل أبيب لمشروع استقلال جنوب السودان، ودعم حركته الانفصالية عن الخرطوم، وحينما كنت أنبه القيادة السودانية الرئيس عمر البشير والدكتور حسن الترابي والصديق مصطفى عثمان، كانوا ينظرون أن دوافعي الأردنية الفلسطينية هي الطاغية على تقييمي السياسي وأن تحذيراتي لهم غير واقعية، ولكن بعد أن تركت السودان، وأصبحت عضواً في البرلمان الأردني، دعاني الرئيس البشير ورد الاعتبار للتقييم الذي كنت أردده ، وقال أمام عدد من القيادات السودانية “ الأخ حمادة كان مصيباً ونحن لم نكن نقدر ذلك “ .
ثانياً : انتصار القضية الكردية واستقلال كردستان، سيشكل الخطوة الأولى الجوهرية، والنقلة النوعية المطلوبة على الطريق الطويل لنقل الفكرة وتطبيقاتها، على سوريا ومن ثم تركيا وإيران، فهي ضربة تكتيكية أمنية تستهدف إلى جانب العراق كلاً من سوريا وإيران وتركيا، لإضعافهم، على طريق تقسيمهم، فيكسب المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي بضربة واحدة متعددة الأهداف بإضعاف البلدان الثلاثة، وتوجيه ضربات موجعة للعرب وللمسلمين معاً، للسنة وللشيعة لا فرق بينهما، فالعنصرية والعداء للأخر وتدمير كل من يقف في وجه مشروعهم الاستعماري التوسعي سياسة استراتيجية أمنية ثابتة لدى تل أبيب، لتبقى “ إسرائيل “ وحدها قوية على المستوى الاستراتيجي في قلب العالم العربي وقلب العالم الإسلامي .
$الموقف القيمي الأخلاقي$
ومع ذلك يجب أن يتحلى موقفنا كعرب، القيم الأخلاقية، والإقرار بالشراكة، واحترام التعددية، وما نقبله لأنفسنا نقبله للأخرين، وما نرفضه لأنفسنا نرفضه للأخرين ، وخاصة حينما يكونون شركاء وجيرانا تربطنا معهم أواصر وتاريخ وتراث صنعناه معاً، لا أن نكون حبيسي المصالح الضيقة وأسرى الرؤى الحزبية، فالكرد ليسوا عرباً، لهم تراثهم وقوميتهم ولغتهم وتم تمزيقهم كقومية وكشعب بين إيران وتركيا والعراق وسوريا، وتم تقسيم أرضهم بين البلدان الأربعة، ومع ذلك عاشوا وتكيفوا، مع نتائج اتفاق سايكس بيكو، كما العرب في بلاد الشام الذين تقسموا وتمزقوا بين العراق وسوريا والأردن ولبنان، وأُعطيت فلسطين لتكون وطناً قومياً لليهود وفق وعد بلفور، وناضل العرب ضد نتائج سايكس بيكو وضد وعد بلفور فأفلحوا وأخفقوا مثلهم مثل الكرد، واليوم كما أن للعرب تطلعاتهم القومية فللكرد أيضاً تطلعاتهم، وبدلاً من الصراع والتحدي والمواجهة، ليكن الحوار وحُسن الجوار والبحث عن حلول عملية واقعية، تمنح الثقة والشراكة والتعددية واحترام الأخر، كما قلنا في ملتقى الديمقراطية وحق تقرير المصير الذي عقد في السليمانية يومي 16 و 17 أيلول الجاري ونبهنا القيادة الكردية الحاضرة ممثلة بالسيد ملا باختيار عضو الهيئة العاملة للمكتب السياسي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، والسيد محمود محمد عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، وأحد أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي الكردستاني وحذرناهم من العوامل الأربعة التالية :
أولاً : أن يظهر الكرد وكأنهم قسموا العراق ومزقوه مستغلين أزمته الداخلية، فقضيتهم العادلة يجب أن تبقى أسلحتها نظيفة نقية من دنس التآمر على العراق الذي حضنهم وكانوا مواطنين فيه ومنحهم الحكم الذاتي في عهد الرئيس الراحل صدام حسين منفرداً على سائر البلدان الثلاثة الأخرى، فثمة فضل للعراق رغم كل الظروف الدامية والصعبة والقاسية التي عاشوها في ظل حكامه أسوة بباقي العراقيين .
ثانياً : مدينة كركوك تشكل هاجساً وحساسية لكافة المكونات العراقية، فلا تبحثوا على تعظيم خصومكم، بل اعملوا على توسيع شبكة المؤيدين لكم .
ثالثاً : لا تسمحوا للبعض من ضيقي الأفق، وأصحاب ردود الفعل الشوفينية المتعصبة من الكرد، أن يتباهوا بموقف العدو الإسرائيلي لكم ومعكم، فهو معكم كرهاً بالعرب وبالمسلمين، فلا تنسوا أن صلاح الدين الأيوبي محرر القدس هو منكم وجدكم وأن محمد علي باني نهضة مصر الحديثة هو أحد قيادات الشعب الكردي المسلم، وأن نضالكم مع فلسطين هو أحد عناوين تراثكم الزاهي وأن الفصائل الفلسطينية وخاصة فتح والشعبية والديمقراطية والشيوعيين كانوا معكم ويتعاطفون مع قضيتكم وقدموا لكم المساندة في الأوقات الصعبة .
رابعاً : ثمة وحوش مفترسة لديها أنياب قوية ومخالب مؤذية محيطة بكم في إيران وتركيا، تستهدفكم وستنال من إنجازاتكم التي تحققت لكم ، ولهم أدوات فاعلة في العراق، سيتم توظيفها واستعمالها لتقويض ما حصلتم عليه، فلا تتسرعوا وتفقدوا ما تم بنائه لكم بجهدكم ونضالكم .
قلت ذلك في كلمتي الرئيسية باسم زملائي من الكتاب جميل النمري ومحمد خروب وعريب الرنتاوي وحازم المبيضين ورجا طلب الذين تحدثوا في جلسات الحوار بهذه المعاني والمضامين وأفضل، وكان التجاوب الكردي إيجابياً من قبل قادة الملتقى من القيادات الكردية المسؤولة .
وعليه نقف مع قضية الشعب الكردي، ليس نكاية بإيران وتركيا الذين يقفون موقفاً معادياً لحق الكرد في التعبير عن هويتهم القومية، ولا نقف ضد الكرد لأن العدو الإسرائيلي يقف مع حق الكرد بالانفصال أو الاستقلال، بل نقف مع الكرد كما قلنا في جلسات الحوار لملتقى الديمقراطية وحق تقرير المصير الذي حضره العديد من المثقفين والقوميين والتقدميين العرب من العراق وسوريا ومصر وفلسطين وتونس والسودان ومن المقيمين في أوروبا، قلنا أننا نقف مع الكرد لعدة أسباب :
$لماذا نقف مع القضية الكردية$
أولاً : لأننا في الأردن مع التعددية، فشعبنا الأردني من المسلمين والمسيحيين، ومن العرب والكرد والشيشان والشركس والأرمن، ونحن نتباهى بهذه التعددية، وهي مصدر قوة وتفوق وإبداع لنا كأردنيين .
ثانياً : لقد وقف الكرد مع الشعب الفلسطيني ضد العدو الإسرائيلي ومشروعه الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، ولذلك نقف معهم، كما وقفوا معنا في مواجهة عدونا القومي ، الذي لا عدو لنا غيره ، فالفرس والترك ليسوا أعداء وإن كنا نختلف معهم في بعض السياسات .
ثالثاً : نحن نؤمن بقيم الاحترام المتبادل والديمقراطية، وعلينا أن نحترم خيارات الكرد حتى يحترموا خيارات العرب، ونحترم المسيحيين حتى يحترموا إسلامنا، وهو نفس الموقف الذي نبديه مع الأمازيغ في بلدان المغرب العربي، والأفارقة في السودان والصومال وأريتريا وجيبوتي، فهذه ضرورة حياتيه كما هي الحياة التي عشنا وولدنا معها ذكوراً وإناث، بشراً وحيوانات، وهي كذلك وعلينا أن نقر بذلك ونتكيف معه قناعة وسلوكاً ورغبة .
$نتائج مؤتمر الملتقى$
في أعقاب اللقاء العربي الكردي صدر البيان التالي عن ملتقى الديمقراطية وحق تقرير المصير وجاء نصه حرفياً :
“ في مدينة السليمانية عاصمة الثقافة في اقليم كوردستان انهى ملتقى الديمقراطية وحق تقرير المصير يومي 16 و17 ايلول اعماله بمشاركة نخبة متميزة من المثقفين العرب من العراق وتونس و مصر والسودان وفلسطين والاردن ولبنان و ومن المثقفين الكورد، الذين شاركوا سوية في اعمال الملتقى والمحاور الاساسية التي تمحورت حول قضايا الديمقراطية وحق تقرير المصير والهوية وقضية الاستفتاء اضافة الى الدراسات المقدمة حول الخلفية التأريخية لتطور القضية الكوردستانية وسياقاته التأريخية وصولأ الى المستجدات الحاصلة ومواضيع تتعلق ببناء الامة والدولة الكوردستانية المستقلة.
تميز الملتقى بالحوار الجاد والتفاعل الحيوي والتنوع الثري في وجهات النظر المبني على المحاججة بالمنطق والاستناد الى المعارف في مجالات السياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع والنظريات المتباينة في مجالات الهوية وبناء الامة والتفاعل الحضاري.
لقد جاء عقد الملتقى بمبادرة من المجلس الاعلى للاستفتاء في اقليم كوردستان، ايماناً بالتوجهات السياسية للمجلس الذي يضم اغلبية الاحزاب الكوردستانية وممثلين عن المكونات القومية والدينية، بأهمية العمق العربي بالنسبة لكوردستان – العراق والتوجه الى الرأي العام العربي ليس في العراق فحسب، بل في كل البلدان العربية، تأكيدا بأن العلاقات المتنامية بين الشعب الكوردستاني بكل قومياته ومكوناته وبين الشعب العربي علاقات لابد من التأكيد على صيانتها وتطويرها لما يخدم اطفاء بؤر التوتر في المنطقة ويبني سلامأ عادلا بين الشعوب على اسس المساواة الفعلية واحترام ارادة الشعوب في تقرير مصيره والتأكيد على الطريق الديمقراطي المدني في البناء بما يفضي الى التنمية ومشاركة شعوب المنطقة قي التقدم والتطور.
جدير بالذكر أن المتلقى فقد احد اعضائه المشاركين مساء اليوم الاول من الفعالية وهو الاخ العزيز ( احمد ناصر الفيلي) رئيس تحرير صحيفة التأخي الذي وفاه الاجل اثناء مداخلة له حيث ودع المشاركون جثمانه الى مثواه الاخير معزيا اهله واصدقائه”.
$الموقف الأميركي$
وصلت رسالة غير معلنة من وزير خارجية الولايات المتحدة لرئيس الإقليم مسعود البرزاني ، تتضمن ما يلي :
أولاً : تأجيل الاستفتاء مع ضمانة أميركية لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه بينكم وبين بغداد .
ثانياً : إجراء الاستفتاء في المحافظات الثلاث فقط أربيل ودهوك والسليمانية ، بدون أن يشمل ذلك المناطق المتنازع عليها وفي طليعتها كركوك وما حولها .
ثالثاً : إذا أصررتم على الاستفتاء فالموقف الأميركي سيكون محايداً ، وقد تكون مكتسبات الإقليم في خطر .
$الموقف النهائي للقيادة الكردية$
إجتماعات متواصلة لبلورة المطالب الكردية التي سيحملها وفد إلى بغداد ، وبعدها سيكون الموقف والرد الكردي إزاء هذه التطورات التي تبدو ساخنة وقد تتحول إلى ساخنة جداً واجتياحات دامية [1]