#مؤيد عبد الستار#
نشطت القوى السياسية والجمعيات الكردية عامة والفيلية من ضمنها في الدول الاوربية قبل سقوط النظام الدكتاتوري في العراق، فعقدت الاجتماعات واللقاءات العديدة في مختلف البلدان الاوربية، على أمل أن تحقق أفضل سبل التكاتف والتلاحم بين القوى المناهضة للدكتاتورية كي تتوحد وتقدم ما باستطاعتها من أجل تقريب يوم الخلاص من النظام الصدامي المقيت، وكان أن اجتمعت مجموعة من الشخصيات والجمعيات الكردية الفيلية في هامبورغ عام 2002 وشكلت مجلسا عاما فيليا ، وكان لي شرف المشاركة بهذا الاجتماع وتسلمت رئاسة تحرير جريدة ( صوت الكرد) التي أصدرنا بعض اعدادها من لندن ، ولكن ما ان سقط النظام الصدامي في نيسان 2003 حتى سارعت العديد من الجهات الكردية الى تشكيل منظمات واحزاب مختلفة ، وكان حصة الكرد الفيليين من تلك الاحزاب والمنظمات بضعة تشكيلات جنينية تحاول البحث لها عن مكان تحت الشمس ، اولا شمس العراق الذي تحرر من قبضة الدكتاتورية، وثانيا شمس كردستان التي تنفست الصعداء لاول مرة ، واعلنت الفدرالية الكردستانية ضمن اطار عراق موحد.
كانت كردستان ساحة واسعة لعدد من الاحزاب الكردية ، منها اكبر حزبين عريقين هما الحزب الديمقراطي الكردستاني ( البارتي ) ، والاتحاد الوطني الكردستاني ( يكيتي ) ، ثم احزاب اخرى صغيرة توحدت في صيغة جبهة كردستانية ، استطاعت ان تجد في ائتلافها في قائمة واحدة طريقا ناجحا لدخول الانتخابات موحدة وتتقاسم المقاعد في الجمعية الوطنية بنسبة معقولة فرضتها معادلات التحالفات السياسية مع الاحزاب العراقية الاخرى.
وفي خضم هذه التفاعلات ، ليس غريبا ان تنشأ العديد من المنظمات السياسية الكردية الفيلية ، فانه لامر اعتيادي ان تنتقل حمى الديمقراطية الى الجميع ، فيجدون متعة الحرية في تأسيس احزاب واصدار مطبوعات مختلفة لا يجمعها جامع ولا يحدها حد .
الا ان سير الاحداث ومجرى الحياة السياسية لايسمح للجميع بالرقص كيفما يشاءون في صالة واحدة ، بل يجب مراعاة ايقاع موسيقى الفرقة التي تقف على المنصة لتعزف انغام الحرية كما تمليها القواعد ، وتفرضها القوانين .
ولذلك ستبحث جميع التشكيلات الحديثة ، والتي تفتقر الى الخبرة السياسية ، المحلية والدولية ، عن حلفاء يمهدون لها الطريق الوعر الذي تتلمس فيه مصلحة شعبها وقومها ، وبالنسبة للكرد الفيليين ، فان مصلحتهم مرتبطة ارتباطا عضويا بشعبهم الكردي ، سواء داخل العراق او خارج العراق، ولكن الظروف الدولية والاقليمية الحالية تفرض عليهم الالتزام اولا بالتحالف مع شعبهم داخل الحدود السياسية للعراق، اي ان الشعب الكردي في العراق هو الظهير الاول للفيليين الكرد، مثلما الشعب العراقي – بكافة قومياته وطوائفه- هو الظهير الاول للقوميات والطوائف العراقية المختلفة. ان المعادلة العراقية معادلة مزدوجة ، فالشعب العراقي هو اولا ، والقومية أو الاثنية التي هي احدى مكونات الشعب العراقي ، هي اولا ايضا. ففي العراق ، الجميع واحد ، والواحد – جميع- .
إن هذه المعادلة الصعبة ، هي احدى اهم المشاكل التي تفرض حلولا صعبة على الجميع ، وحده العراقي الواعي يستطيع ايجاد الحلول لهذه المعادلة، ولذلك لايجد السلفي الرجعي المتعصب اية امكانية لفهم وحل هذه المعادلة ، فيرتدي الحزام الناسف لينتحر وسط جمع من العراقيين، اي يقتل نفسه ويقتل الاخرين ( طبعا اضافة الى عوامل اخرى عديدة) اي انه لعجزه عن الوصول الى فهم المعادلة يختار اسهل الحلول ، وهو الانتحار ، بالضبط مثل الفتى او الفتاة التي تعجز في حل عقدة حب فاشل فيكون الانتحار هو الخيار، وهو ايضا ما يحدث لطلاب المدارس المراهقين ، الذين يفشلون في اجتياز الامتحان، فيختار بعضهم الانتحار.
عانى الكرد الفيليون انواعا واشكالا متعددة من الاضطهاد، اولها الاضطهاد الطبقي على يد مضطهديهم من امراء وشيوخ ورؤساء عشائر، كانوا يعدون ابناء عشيرتهم عبيدا ، او اتباعا لايستحقون الحياة ، فالامراء والاقطاع ساموا ابناء العشائر من الكرد الفيليين شتى انواع العذاب ، حتى ترك الالاف منهم اراضيهم وهجروها الى المدن ليعملوا ويكدحوا في اشق المهن المتعبة ، فعملوا حمالين في المدن وعمالا كسبة وصباغي احذية وغير ذلك من مهن صعبة كي يعيلوا ابناءهم ويطعموهم لقمة الخبز المغموس بعرق الجبين، وهو مدعاة فخر لنا وليس عارا كما يراه بعض الاباطرة.
اضافة الى هذا الواقع المزري ، عانى الكرد الفيليون من التمييز العنصري على ايدي الحكومتين ، الشاهنشاهية في ايران ، والحكومة العراقية في العراق، وذلك لان اراضيهم قسمت بين الدولتين الصفوية والعثمانية سابقا، والايرانية والعراقية لاحقا، وظلت قضية الكرد الفيليين اسيرة العقلية الشوفينية في البلدين ، مع تعاطف شعبي ، وخاصة من الاحزاب التقدمية واليسارية ، لذلك نجد انتماء العديد من الكرد الفيليين الى الاحزاب القومية الكردية واليسارية العربية، وقتالهم العنيد الى جانب الزعيم عبد الكريم قاسم الى اخر لحظة في حياته، كونه الزعيم العراقي الاول الذي لم يمارس الشوفينية العنصرية معهم او مع الاخرين من ابناء الشعب العراقي.
اما في العهد الصدامي المقيت ، فقد عانى الشعب العراقي جميعا ، ولكن محنة الكرد الفيليين كانت محنة لاتوازيها محنة ، فقد جردهم النظام من مساكنهم واموالهم واوراقهم الشخصية،حتى انه لم يتردد في تجريد الاطفال الصغار من شهاداتهم المدرسية ، ورماهم على الحدود وسط الالغام في عمليات تهجير اتصفت بالهمجية والحقد الاعمى ، فاصبحت قضية الكرد الفيليين من اعقد القضايا في العراق، وستبقى بحاجة الى حلول جذرية لسنوات قادمة ليست قليلة، نظرا للاثار التدميرية التي جرتها وحشية النظام الصدامي المقبور.
وما ان اتيحت الفرصة امام الشعب العراقي لان يمارس حقه في الانتخاب ، ظهرت على خشبة الواقع السياسي تحالفات وقوائم سياسية تحاول حشد اكبرعدد من الاصوات تحت رايتها، ولما كان الكرد الفيليون يشكلون صوتا وطنيا قويا قد يتجاوز تعداده المليونين في وسط وجنوب العراق ، ستحاول قوى سياسية مختلفة الاستفادة منهم لتعزيز وجودها داخل الجمعية الوطنية والحصول على مقاعد نيابية من خلال اصواتهم.
يعيش الكرد الفيليون في بغداد ومدن محافظة واسط المحاذية لايران ، والعمارة وبصرة والحلة وكربلاء والنجف، وخانقين وبعقوبة وغيرها.
وتتوزع انتماءاتهم وولاءاتهم الايديولوجية والمذهبية بين قوى اليسار والاحزاب القومية الكردية والتنظيمات الدينية الشيعية. وتحاول هذه الاحزاب والقوى السياسية الاستفادة منهم واجتذاب اوسع قطاعاتهم الاجتماعية للفوز باصواتهم.
في هكذا مشهد، توجد امام الكرد الفيليين بعض المهام العاجلة يجب حسم علاقتهم معها ، فمن خلال الصراع السياسي الدائر بين القوى السياسية تمتاز المرحلة الحالية باستحقاقات اولية ، على رأسها الحصول على كامل الحقوق الكردية للشعب الكردي في العراق ، وهذا يشمل جميع الشرائح التي تنضوي تحت مسمى الشعب الكردي مثل السوران والبهدينان والفيليين والكاكائيين والشبك والايزديين والهورامانيين والكوران .... الخ.
ان اولى المهام هي التكاتف الكردي والالتفاف حول القيادة الكردية والبرلمان الكردستاني ومحاولة التعامل مع الحياة السياسية العراقية من خلال البرلمان الكردستاني ، والعمل على ايصال عدد مناسب من الكرد الفيليين الى البرلمان لترسيخ المطالب الكردية وتفصيلاتها والمطالبة بتلبيتها والعمل على تحقيقها بالوسائل البرلمانية المعروفة.
وهذا ما سعينا الى العمل من اجل انجازه من خلال اللائحة التي قدمناها باسم الهيئة التأسيسية لوحدة الكرد الفيليين الى السيد مسعود البرزاني رئيس اقليم كردستان والى البرلمان الكردستاني ، ولجنة صياغة الدستور.
ان هذه المبادرة تعكس الروح التوحيدية لدى الكرد الفيليين بدل الذهاب في متاهات مذهبية وايديولوجية لاتحسم الموقف لصالحهم وتبدد اصوات الكرد فتخسر القائمة الكردية عددا من الاصوات في الانتخابات القادمة مما يضعف تمثيلها في الجمعية الوطنية والحكومات التي ستشكل في المستقبل .
إن المناورات التي تقوم بها بعض المجموعات من خلال تشكيل مجالس باسم المذاهب او باسم احزاب مذهبية تحركها من وراء الستار لا يؤهلها لاحتلال المكان الذي تطمح فيه في الحياة السياسية العراقية ، لان مصالح تلك الاحزاب والقوى الدينية تجمعها مصالح انية ، لا تربطها علاقة مصيرية مع قضية الكرد بصورة عامة ولا مع الكرد الفيليين بصورة خاصة ، لان الانتماء المذهبي يعمل من اجل كسب الساحة الاوسع وهي الساحة العربية ومن ثم الساحة الاسلامية ، وفي كلا هاتين الساحتين لاتحتل القضية الكردية مركز اهتمامها ، لذلك من الافضل للقوى الكردية الفيلية ان تتوحد مع قضيتها الاولى وهي القضية الكردية ، فالشعب الكردي يواجه معركة مصيرية تتمثل بالاعتراف بحقوقه الكبرى مثل الحق في استخدام لغته الكردية وعودة محافظة كركوك الى احضان كردستان، وعودة المدن الكردية الى محافظاتها الاصلية ، واقرار حقوق الشعب الكردي في الفيدرالية وتقرير المصير وعودة المهجرين والمرحلين الى اراضيهم وبيوتهم وغير ذلك ، وان هذه الحقوق بحاجة الى تكاتف جميع القوى الكردية وعدم تشتيت جهودها، واذا كانت هناك مطالب واتجاهات ايدولوجية فمن الافضل ان تتفاعل تحت سقف البرلمان الكردستاني وان تناقش مع القيادة الكردية والوصول معها الى افضل الصيغ المناسبة في العمل والنضال .[1]