الكرد الفيلية: بصيص امل من قرارات منصفة اطفأه التلكؤ في تنفيذها
بمناسبة الاحتفال بذكرى تبني الجمعية العمومية للأمم المتحدة للإعلان الدولي لحقوق الانسان في 10-12-1948 وذكرى صدور العديد من القرارات المنصفة بحق الكرد الفيلية عن السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية العراقية،
لا نريد ان نعيد الى الاذهان العطاء السخي الذي قدمه الكرد الفيلية للمجتمع العراقي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والادبية والرياضية وغيرها، عطاء يشهد لهم به الجميع،
ولا نريد ان نكرر ما تعرض له الكرد الفيلية من اضطهاد وملاحقة ومظالم متكررة منذ تأسيس دولة العراق وصدور قانون الجنسية رقم 42 لسنة 1924، خاصة عام 1937 (حيث جرى اول تهجير قسري جماعي للكرد الفيلية) واعوام 1969-1972 و1980-1990، اضافة الى الإبعاد بشكل فردي وبشكل مجموعات لأسباب سياسية،
بل نريد ان نُذَكِرَ بان قرارات عديدة قد صدرت بعد سقوط النظام الدكتاتوري الفردي عام 2003 عن مجلس الحكم الانتقالي لرفع جزء من الغبن عن الكرد الفيلية. وصدر منذ عام 2010 العديد من القرارات التي اعطت بصيص امل للكرد الفيلية بان المظالم الكبرى التي تعرضوا لها ونتائجها واثارها سترفع عنهم قريبا وسيستعيدون حقوقهم المصادرة ويتم تعويضهم ماديا ومعنويا ويصبحون مواطنين كبقية العراقيين دون تمييز وتهديد. رغم ان هذه القرارات منصفة الا انها لا يمكن ان تعوضهم عن المصائب والمعاناة التي تعرضوا لها ولا زالوا بفقدان اكثر من 22,000 من فلذات اكبادهم واحبتهم الذين احتجزهم النظام السابق وغيبهم قسرا دون محاكمة حتى ولو صورية ودون ذنب ارتكبوه سوى كونهم كرد فيلية ومواطنين عراقيين مسالمين ومتقدمين في مجالات عملهم ونشاطاتهم ومعطاءين للعراق وشعبه، ولا يمكن ان تعوض المبعدين قسرا الذين بلغ عددهم 600,000 عراقي من حملة الجنسية العراقية اعوام 1980-1990 حسب الاحصائيات المتوفرة (التي اكد وجودها الاستاذ عبد القادر الحمداني، المدعي العام في قضية قتل وتهجير الكرد الفيليين) وقبلها المبعدين اعوام 1969-1972.
نذكر من بين اهم هذه القرارات ما يلي:
حكم المحكمة الجنائية العراقية العليا المؤرخ في 29-11-2010 في قضية (قتل وتهجير الكرد الفيليين) الذي عدَّ ما حل بالكرد الفيلية جريمة ابادة جماعية وجرائم ضد الانسانية. ومصادقة محكمة التمييز على هذا الحكم.
قرار مجلس الوزراء العراقي المرقم 426 الصادر بتاريخ 08-12-2010 المتعلق برفع جميع الاثار السلبية عن الكرد الفيلية وتشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ هذا القرار.
قرار مجلس النواب العراقي الذي اتخذ بالإجماع في 01-8-2011 والذي عدّ ما حل بالكرد الفيلية جريمة ابادة جماعية بكل معنى الكلمة. ومصادقة رئاسة الجمهورية على القرار.
قرار مجلس القضاء الاعلى المرقم 1029/مكتب/2017 المؤرخ في 07-12-2017 بتشكيل لجنة قضائية للإشراف والمتابعة على اعادة جميع الحقوق القانونية للمكون الفيلي.
يترتب على هذا الحكم وتترتب على هذه القرارات تبعات سياسية-انسانية (على راسها رد الاعتبار للمكون الكردي الفيلي، والكشف عن مصير المحجوزين المغيبين قسرا وكيفية تصفيتهم ومكان رفاتهم، واعطاء الكرد الفيلية تمثيلا عادلا في مجلس النواب ومجالس المحافظات يتناسب مع عددهم) ونتائج ادارية (تمشية معاملاتهم في استعادة جنسيتهم العراقية المسقطة عنهم وممتلكاتهم المصادرة وغير ذلك) ونتائج مالية (تعويض ذوي شهدائهم ومنح المستحقين رواتبهم التقاعدية وتعويضهم عن الممتلكات المنقولة وغير المنقولة المصادرة (التي اخذتها منهم الدولة عنوة وتعسفا، اي سرقتها منهم)، اي تعويضهم عن كل الاضرار التي تعرضوا لها زمن النظام السابق). لذا يجب على دولة العراق بكل سلطاتها ان تلتزم بهذه القرارات وتنفذها كاملة لان هذه القرارات لم تصدر كي تبقى حبرا على ورق او من اجل ذر الرماد في العيون.
لقد رحب الكرد الفيلية بصدور هذه القرارات المنصفة متوقعين ان تزال عنهم تبعات واثار المظالم التي تعرضوا لها على يد دولة العراق. ولكن وللأسف الشديد اصابتهم خيبة امل صادمة لان هذه القرارات بقيت دون تنفيذ ودون متابعة مما اشعرهم بإجحاف وغبن كبيرين وخلق خيبة امل وحيرة واسعة وتشاؤم عميق لدى الكرد الفيلية وهم يتساءلون عن اسباب تجميد هذه القرارات وارشفتها في دواليب الدوائر الرسمية المسؤولة عن تنفيذها لتجمع الغبار وتلتفها الظلمات!
لقد انتظر الكرد الفيلية 38 عاما بأمل الحصول على خبر يقين عن مصير شهدائهم الابرار من المحجوزين المغيبين قسرا (اكثر من اثنين وعشرين الفا) وعن كيفية تصفيتهم وعن مكان رفاتهم. لقد تم الكشف عن عشرات المقابر الجماعية لأسرى الحرب الكويتية والحرب العراقية–الايرانية وضحايا الانتفاضة الشعبانية والانفال والبرزانيين وغيرهم ولكن لم يتم لحد الان الكشف عن اية قبور، جماعية او فردية، لشهدائنا الابرار! لماذا وما هي اسباب ذلك؟ هل هو عدم وجود المؤهلات والكفاءات والموارد المالية حين يتعلق الامر بضحايا الكرد الفيلية؟ أم هل هو فعل عمد من قبل السلطات العراقية لإخفاء الحقائق عما جرى لهؤلاء الضحايا الابرياء؟ اليس في صفوف عناصر اجهزة النظام السابق رجال ذوو ضمائر ووجدان واصحاب مروءة وجرأة كي يكشفوا المخفي من معلومات عن مصير محجوزينا المغيبين؟ علما بان الكثير من هؤلاء العناصر قد تمت اعادتهم الى الخدمة في مختلف اجهزة الدولة (القوات المسلحة والامن والمخابرات والاستخبارات والشرطة ..الخ) والى الاحزاب المتنفذة. لقد صبرنا واوشك صبرنا على النفاذ بعد 15 عاما من السقوط.
اننا نستصرخ، بكل قوة وبصوت عالِ، ضمير كل انسان شريف في السلطة وخارج السلطة، داخل العراق وخارجه، ان ينشر ما لديه من معلومات حول هؤلاء المحجوزين المغيبين قسرا، مؤكدين للجميع بان الكرد الفيلية ليسوا من طلاب الانتقام ولا يريدون الثأر او الفصل العشائري بل ان هدفهم هو الحصول على معلومات مؤكدة عن ما حلَّ بالمحجوزين المغيبين قسرا ومكان رفاتهم لكي يتم دفنهم بكل ما يستحقونه من احترام وتقدير واجلال واقامة مجالس العزاء لهم ليرقدوا في مثواهم الاخير بسلام ولتخف معاناة ذويهم الاحياء ولو قليلا ولترتاح ارواح الموتى من ذويهم الذين كانت امنيتهم الوحيدة هي ان يروا فلذات اكبادهم قبل ان يغادروا هذه الحياة الدنيا. فهل هناك رجال شرفاء ذوو ضمائر حية واصحاب مرؤة وشجاعة يستجيبون لهذه الصرخة النابعة من صميم القلوب؟
البعض من الكرد الفيلية على استعداد تام للتنازل عن ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة المصادرة وبقية حقوقهم وعن التعويضات التي يستحقونها مقابل الحصول على معلومات موثقة من السلطات العراقية ذات العلاقة وغيرها عن افراد عائلاتهم المحجوزين الذين غدر بهم النظام السابق وغيبهم دون أثر.
وبموجب الاعلان الدولي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (الذي اصبح نافذا من 23-03-1976) والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الذي صار نافذ المفعول من 3 كانون الثاني/يناير 1976) وغيرها من العهود والمواثيق الدولية التي صادق عليها العراق، وحسب حكم المحكمة الجنائية العراقية العليا وقرار مجلس النواب العراقي وقرار مجلس الوزراء، فان دولة العراق ملزمة ان تقدم معلومات موثقة عن مصير الكرد الفيلية الذين كانوا محجوزين لديها قسرا، خاصة وان لديها الالاف من الوثائق تتعلق بقضية الكرد الفيلية (والتي اكد وجودها المدعي العام في قضية قتل وتهجير الكرد الفيليين الاستاذ عبد القادر الحمداني).
ان اهمال دولة العراق بسلطاتها وأجهزتها المختلفة تنفيذ هذه القرارات المُلزمة ينم عن عدم رغبتها في الالتزام بالمواثيق الدولية التي وقعت عليها وعدم احترامها لقرارات السلطات العراقية القضائية والتشريعية والتنفيذية الواردة اعلاه. ويكشف هذا التلكؤ ايضا فقدان الارادة السياسية عند أصحاب القرار والقوى السياسية المتنفذة لإعادة حقوق الكرد الفيلية المصادرة وحماية مصالحهم. اما نحن الكرد الفيلية بشكل عام فإننا نجهل أسباب ذلك ويستغرب منها المدافعون عن حقوق الانسان وحقوق المظلومين، من عراقيين وغير عراقيين، بعد كل العطاء الذي قدمه الكرد الفيلية للمجتمع العراقي في مختلف المجالات وبعد كل التضحيات التي قدموها من اجل العراق وشعبه وكل ما عانوه بسبب مواقفهم الوطنية.
لذا يطالب الكرد الفيلية دولة العراق بسلطاتها التشريعية والقضائية والتنفيذية بما يلي:
تقديم معلومات موثوقة عن مصير شهدائنا المحجوزين المغيبين قسرا وكيفية تصفيتهم ومكان رفاتهم.
شمول جميع الشهداء المحجوزين المغيبين من الكرد الفيلية بقانون مؤسسة الشهداء وبمؤسسة السجناء السياسيين وبالقوانين الاخرى وتقديم الرعاية والدعم والتعويضات المادية والمعنوية لذويهم دون تسويف ومماطلة ودون وضع معوقات وفرض شروط تعجيزية ودن تهديد واهانة من قبل موظفي الدوائر ذات العلاقة.
تنفيذ جميع القرارات المدرجة اعلاه دون استثناء وعدم تجاهلها كون تنفيذها مُلزِم ويقع على عاتق دولة العراق.
الاستجابة لمطالب الكرد الفيلية وعدم اهمالها لأنها مطالب مشروعة وعادلة ومبنية على اسس قانونية نافذة.
اصدار مجلس النواب العراقي تشريعات تلغي القرار الجائر والتعسفي لمجلس قيادة الثورة (المنحل) المرقم 666 والمؤرخ في 07-05-1980 والمنشور في جريدة الوقائع العراقية رقم 2776 بتاريخ 06-05-1980 وكل ما ترتب علية ونتج عنه من قرارات واجراءات.
اصدار مجلس النواب العراقي تشريعات تحرم اسقاط جنسية العراقيين من حملة الجنسية العراقية، وتمنع ابعادهم عن وطنهم العراق، وتحرم مصادرة وثائقهم الثبوتية ومستمسكاتهم الشخصية الاخرى وممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة التزاما من دولة العراق بالإعلان الدولي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبالشرائع السماوية والقوانين الوضعية الدولية والعراقية.
اصدار مجلس النواب العراقي تشريعات تعتبر توجيه التهديد او اثارة العداء والكراهية (شفهيا او تحريريا) ضد اي مكون عراقي من قبل اي شخص او منظمة او حزب جريمة يعاقب عليها القانون بصرامة.
اصدار مجلس النواب العراقي تشريعات لتعويض جميع المتضررين من النظام الدكتاتوري السابق ماديا ومعنويا وعلى راسهم الكرد الفيلية الاكثر تضررا من النظام السابق.
اعادة الممتلكات غير المنقولة (الاملاك) المصادرة تعسفا من الكرد الفيلية الى اصحابها الاصليين من الذين لم تسمح لهم ظروفهم لحد الان بمتابعة اجراءات استعادتها او تعويضهم عنها، وتعويض الممتلكات المنقولة والودائع المصرفية والديون على الاخرين التي تمت مصادرتها من الكرد الفيلية وسُلَمَت وارداتها الى وزارة المالية في حينه.
اعادة الجنسية العراقية الى جميع الكرد الفيلية الذين اسقط عنهم النظام السابق جنسيتهم العراقية كعقوبة جماعية بقراره التعسفي المرقم 666 لسنة 1980، دون فرض شروط تعجيزية ومعوقات، اما من قبل دوائر الجنسية داخل العراق او من قبل السفارات العراقية في الدول التي يتواجد فيها العراقيون المسقطة عنهم جنسيتهم العراقية والذين لا يستطيعون السفر الى العراق لأسباب مختلفة.
تأسيس مركز علمي يعمل فيه ذوي الاختصاص لجمع وتنظيم وحفظ ودراسة الوثائق والمستمسكات وغيرها التي توثق الجرائم (ارهاب الدولة) التي ارتكبها النظام السابق ضد المكون الكردي الفيلي وغيره من المكونات العراقية واصدار الكتب والدراسات بمختلف اللغات عن هذه الجرائم لكي يطلع عليها الراي العام العراقي والعربي والاسلامي والعالمي وعلى مدى بشاعتها. وادخالها في المناهج والكتب الدراسية في العراق لكي تكون الاجيال القادمة على اطلاع عليها بأمل منع تكرارها.
نعلم نحن الكرد الفيلية بان (الحق يؤخذ ولا يعطى في العراق) كما تبين ثقافة البلد وممارسات الدولة. ونعلم ايضا بان (ما ضاع حق وراءه مُطالب). لذا فنحن مستمرون في المطالبة بحقوقنا المغتصبة ومصالحنا المشروعة من اجل اخذها واعادتها الى اصحابها الشرعيين وحمايتها. وسيكون لتحقيق هذا الهدف فرصة نجاح اكبر في اجواء التعاون والتآلف والتنسيق بين القوى والمنظمات والشخصيات الكردية الفيلية الجدِّية التي تضع حقوق ومصالح مكوننا الكردي الفيلي قبل مصالحها الذاتية الانانية وقبل مصالح الاخرين ولا تلجأ الى خلق المشاكل والخلافات والفُرقة في صفوفنا. ولكن ستكون فرص نجاحه اقل كثيرا في اجواء التضاد والتكسير وخلط الاوراق وعدم الاكتراث بنتائج ما يَصدر من اعمال وتبعات ما يُطلق من اقوال مضرة بقضيتنا وحقوقنا ومصالحنا وبمكوننا ككل. تُبَين تجارب ما بعد السقوط صحة هذا الاستنتاج.
الاتحاد الديمقراطي الكوردي الفيلي[1]