نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (23) – أسلاف الكورد: الميديون .. تأسيس مملكة ميديا
د. مهدي كاكه يي
عند توحيد القبائل الميدية بقيادة دياكو، كانت الممالك القوية، مثل المملكة الآشورية والحثيّة والمصرية ومملكة أورارتو في صراع مع بعضها من أجل بسط النفوذ والهيمنة على منطقة الشرق الأدنى. نتيجة هذه الحروب، ضعُفت هذه الدول عسكرياً وإقتصادياً وهذا الضعف كان لصالح الميديين، حيث تهيأت لهم فرصة جيدة لترتيب البيت الميدي وتأسيس مملكة لهم.
كان دياكو يطمح في تأسيس دولة قوية للميديينa، إلا أن وقوع ميديا بين المملكتّين القويتَين، آشور وأورارتو، كان عائقاً أمامه لتحقيق هذا الهدف. لذلك كان عليه أن يتحالف مع إحدى هاتين الدولتَين للقضاء على الدولة الأخرى وتحقيق إستقلال ميديا بعد أن تختفي إحدى هاتين الدولتَين. إختار دياكو التحالف مع أورارتو، حيث كان الملك (روساس الأول) يحكم أورارتو آنذاك.
بتحالف الميديين في عهد دياكو مع مملكة أورارتو، إستطاعت أورارتو أن تحقق إنتصارات كبيرة في حروبها، لا سيما على مملكة ماناي، حيث إستولت على 22 قلعة تابعة لهذه المملكة في زمن ملكها (اولوسولو)1. نتيجة تحالف الميديين مع مملكة أورارتو ضد الدولة الآشورية، قام الآشوريون بحملات عسكرية ضد الميديين في عهد الملك الآشوري سرجون الثاني والتي دفعت الميديين الى التوحّد السياسي والعسكري2. كما أن إستمرار الحملات العسكرية الآشورية على مملكة أورارتو1، وخاصة بعد الحملة العسكرية الثامنة للملك الآشوري سرجون الثاني2 التي هدمت أركان مملكة أورارتو، أدت الى إضعاف مملكة أورارتو بحيث لم تعد قادرة على مواجهة دولة آشور وبذلك تهيأت الفرصة لآشور أن تواجه الشعوب الأخرى في المنطقة.
هذه الظروف أتاحت الفرصة للميديين بالعمل الدؤوب لتأسيس دولة مستقلة لهم بقيادة الزعيم الميدي دياكو بعد أن وحّد الإمارات والقبائل الميدية. في ظل قيادة (دياكو)، تعززت الحياة الإجتماعية والإقتصادية للميديين، وتمرّسوا على إحتمال الشدائد والصعاب ليكونوا مؤهلين للمشاركة في الحروب وتحمّل أعبائها. هذا التطورالحاصل في حياة الميديين أصبح يُشكل تهديداً للحكم الآشوريb.
بعد أن أصبحت ميديا قوة لا يستهان بها في المنطقة، أطلق الآشوريون على العاصمة الميدية (إكباتانا) إسم (بيت دياكو) نتيجة القوة التي كان يتمتع بها دياكو وتأثيرها الكبير على الآشوريين. إستمرار العمل الجاد من قِبل دياكو من أجل تأسيس دولة ميدية مستقلة للميديين و إندلاع ثورة الميديين ضد آشور خلال حكم الملك الآشوري سرجون الثاني في نهاية القرن الثامن قبل الميلاد، دفع الملك الاشوري سرجون الثاني الى أن يشن حملات عسكرية ضد الميديين لِمنع دياكو من تأسيس دولة في المنطقة التي كانت تُشكّل الجزء الشمالي والشمال الغربي من الدولة الآشورية آنذاك. قام الآشوريون بحملات عسكرية في السنوات (716- 715) قبل الميلاد، ضد مراكز الثورة الميدية، حيث قامت القوات الآشورية بإجتياح المدن والقصبات والقرى الميدية وأسر الزعيم الميدي دياكو ونفيه مع أسرته الى مدينة حماه في سوريا الحالية في سنة 715 قبل الميلاد. عندئذ خضع 22 حاكماً ميدياً . .c, dللحكم الآشوري
بعد عودة دياكو من الأسر وتوحيده للقبائل الميدية، أصبح أول ملك لها، وحكم لمدة 53 عاماً، إلا أنه حسب المصادر الآشورية المعاصرة، كان دياكو رئيساً محلياً في المنطقة الواقعة بين مملكة آشور وأورارتو.
بعد وفاة الملك (دياكو)، خلّفه في الحكم إبنه ( خشتاريتي Khashtariti (675 – 653 قبل الميلاد) أو )خشاتريتا Khshatrita) باللغة الأكدية أو (فراورتيس (Phraortes حسب تسمية المؤرخ اليوناني (هيرودوت)e. وُجِد أقدم ذكر لهذا الملك في كتابات الملك الأخميني دارا الأول في مدينة بيستون. سار هذا الملك على نهج أبيه في توحيد الإمارات والقبائل الميدية وتأسيس جبهة قوية لمواجهة الإعتداءات الآشورية .إستطاع هذا الملك أن يوحّد معظم القبائل والإمارات الميدية بالإضافة الى حلفائهم الكيمريين والإسكيثيين3، حيث ساعده في ذلك ضعف النفوذ الآشورية على ميديا وإنحسار الهجمات العسكرية عليها وإختفاء السلطة الآشورية في المناطق الشرقية من الإمبراطورية الآشورية، وخاصة في عهد الملك الآشوري (سنحاريب)، حيث كان منشغلاً بمواجهة الإنتفاضات والثورات الإيلامية المندلعة ضد الدولة الآشورية.
إستمر نموالنفوذ الميدي والأقوام المتحالفة مع الميديين في المناطق الشرقية لبلاد آشور، خاصةً بعد أن ضعُفت نفوذ و قوة ممكلة (أورارتو) في زمن ملكها (روساس الأول) نتيجة للحملات العسكرية الآشورية المتواصلة عليها في عهد الملك الآشوري (سرجون). هكذا فأن هذه الأوضاع سنحت الفرصة للملك الميدي (فراورتيس) بأن ينجح في ضم مدنٍ عديدة الى مملكته والذي كان ينال الدعم من القبائل الفارسية التي إستقرت في الجهات الجنوبية الشرقية في نهاية القرن الثامن قبل الميلاد.3
أدركت الدولة الآشورية مدى خطورة القوة المتنامية للميديين على نفوذها وسلطتها وهيمنتها على المنطقة، إلا أنها كانت عاجزة عن مواجهة الميديين عسكرياً، حيث كان الآشوريون منشغلين بالحروب والإضطرابات التي بدأت بفقدان الامبراطورية الآشورية للمناطق الغربية والجنوبية لها. لذلك إضطر الآشوريون أن يعقدوا إتفاقيات وتحالفات مع بعض الأمراء الميديين، كما جاء ذلك في المعاهدة السياسية التي أبرمها الملك الآشوري أسرحدون (681- 669 قبل الميلاد) قبل وفاته بثلاث سنوات مع الأمير الميدي (راماتايا Ramataya) حاكم الإقليم الميدي (أُوركازابانو Urkazabanu). تمت دعوة هذا الأمير الميدي الى مراسيم تنصيب ولي العهد الآشوري (آشوربانيبال) و) شمش شم أوكن) إبنا الملك الآشوري أسرحدون4.
تم إبرام هذه المعاهدة بإشراف محافظ مدينة (دور شروكين)) مدينة خرسباد الحالية( الذي كان مشرفاً على إحتفالات رأس السنة الآشورية. نصّت المعاهدة على أنه عند موت الملك الآشوري (أسرحدون)، يجب أن يُخلّفه ولي العهد (آشور بانيبال) الذي يجب تقديم الحماية له. كما نصت المعاهدة على أنه في حالة وفاة الملك الآشوري (أسرحدون) عندما يكون أبناؤه قاصرين، يجب مساعدة ولي العهد الآشوري (آشور بانيبال) للجلوس على العرش الآشوري والمساعدة في تنصيب أخيه (شمش شم اوكن) ليصبح ولياً للعهد ويحكم بلاد بابلf. كما تضمنت المعاهدة توجيه لعنات إله الحرب الآشورية (ننورتا) الى الأمير الميدي المذكور في حالة عدم إلتزامه بنصوص هذه المعاهدة.
المصادر
1. علي قاسم محمد. سرجون الاشوري 721-705 ق.م. رسالة ماجستير غير منشورة. جامعة بغداد، كلية الآداب، ، ص 83.
1983
2. طه باقر وآخران (1980). تاريخ إيران القديم. بغداد، صفحة 39.
3. سامي سعيد الأحمد (2000). العراق في القرن السابع قبل الميلاد. منشورات بيت الحكمة، بغداد، صفحة 55.
4. سامي سعيد الأحمد و رضا جواد الهاشمي (1990) تاريخ الشرق الأدنى القديم (ايران والأناضول). بغداد، وزارة التعليم العالي، صفحة 89.
[1]