نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (36) – أسلاف الكورد: الميديون .. ميديا بعد سقوط إمبراطوريتها (4)
د. مهدي كاكه يي
في خريف وشتاء سنة 324 أو 323 قبل الميلاد، إستضاف (آترپات) في مدينة إكباتانا الأسكندر المكدوني و أحد أقرب أصدقاء الأسكندر الذي كان إسمه (هيفايستيون Hephaestion) والذي كان الشخص الثاني في القيادة. يذكر بعض المصادر أن (آترپات) عرض على الأسكندر تقديم هدية ثمينة له والتي كانت عبارة عن مائة مُحارِبة (أمازونيات)، إلا أن (آريان Arrian) ينفي حصول هذا الشئa. الملك المكدوني ربما إحتاج للترفيه عن نفسه لأن صديقه المقرّب (هيفايستيون Hephaestion) قد توفي بعد وصوله الى مدينة إكباتانا بفترة قصيرة. لاحقاً، بعد 8 أشهر، مات الأسكندر وذلك في شهر يونيو/حزيران من سنة 323 قبل الميلاد.
بعد وفاة الأسكندر المكدوني، أصبح صهر (آترپات) الذي كان إسمه (پيرديكاس) وصياً على العرش للأخ غير الشقيق للأسكندر المكدوني الذي كان إسمه (فيليپ الثالث). بعد تقسيم بابل، قام القادة المكدونيون بتقسيم المقاطعات خلال المؤتمر الذي تم عقده في (تريپاراديسوس Triparadisus) وذلك في سنة 323 قبل الميلاد. تم تقسيم ميديا، حيث مُنِح القسم الجنوب الشرقي الذي كان يُشكل الجزء الأكبر من ميديا الى شخص مكدوني إسمه (پيثون Peithon) والذي كان جنرالاً في جيش (پيرديكاس) وهذا القسم كان يسيطر على الطريق الرابط بين الغرب والشرق، بينما إحتفظ (آترپات) بالقسم الشمال الغربي من ميديا كمملكة له والذي كان يقع حول حوض نهر آراس، حيث أن (آترپات) رفض الولاء لخلفاء الأسكندر المكدوني، فأسس مملكة مستقلة وحصر الحُكم في عائلته. كانت (ميديا الأتروپاتية) بلداً عظيماً نظراً للقوة العسكرية الكبيرة التي كانت تملكها، حيث كان الجيش الميدي مؤلفاً من عشرة آلاف فارس و أربعين ألف مشاة.
تمّ قتل (پيرديكاس)، الذي كان صهر (آترپات)، من قِبل (پيثون) في صيف سنة 320 قبل الميلاد.
كان (آترپات) الحاكم الوحيد الذي تمكن من الإحتفاظ بِحُكمه، كما كان الحال في عهد أسكندر وبعد وفاته، ومع ذلك ظلت أراضي واسعة من كوردستان مثل آسيا الصغرى وبلاد ما بين النهرَين (ميزوپوتاميا) وجنوب ميديا، بما فيها (لورستان) و (أفرومان) وقسم من (أردلان)، تحت سيطرة الغزاة المكدونيين، حيث أنهم أنشأوا هناك مستوطانات إغريقية (يونانية). حكم (آترپات) فقط شمال ميديا، من ضمنها المنطقة الواقعة حول بحيرة (أورميه) و شمال مدينة (إكباتانا) والمناطق الواقعة على جانبَي نهر آراس. هكذا تمخضت عن فترة حكم الأسكندر المكدوني قيام دولة (آتروپاتينا) في جنوب آذربايجان وقيام دولة ألبانيا في الشمال.
أصبح جنوب ميديا مع إكباتانا تحت حُكم (أنتيگونوس Antigonus) وثم أصبحت تحت حُكم سلوقس الأول في حوالي سنة 310 قبل الميلاد، بينما حافظ (أترپات) على حُكمه ونجح في المحافظة على إستقلالية مملكته.
هذا هو آخر الأخبار عن (آترپات) في المصادر اليونانية. لم يتم ذكره في تأريخ حروب الممالك الهيلينية (ديادوچي Diadochi) التي تم إنشاؤها على أنقاض الإمبراطورية المكدونية بعد وفاة الأسكندر المكدوني. من خلال الأحداث يتبين أن (آترپات) توفي بعد سنة 320 قبل الميلاد. على كل حال فأن إسم (آترپات) يظل باقياً في إسم (آذربايجان) التي هي في الوقت الحاضر مقاطعة تقع في شمال إيران الحالية.
ليست هناك معلومات عن الوظائف التي شغلها (آترپات) في سنّه المبكر، إلا أنه من المؤكد أن والدَيه كانا من مُعتنقي الديانة اليزدانية. يمكن الإستدلال من إسمه الذي يعني (حامي النار)، على أنه كان أحد أبناء اليزدانيين. من الجدير بالذكر أن النار مقدسة في الديانة اليزدانية التي سبقت الديانة الزردشتية بفترة زمنية طويلة، وأن الديانة الزردشتية إقتبست الكثير من فلسفتها وطقوسها من الديانة اليزدانية، ومنها تقديس النار، إلا أن الكثير من المؤرخين والباحثين يجهلون أو يتجاهلون الديانة اليزدانية التي كانت الدين الرسمي للإمبراطورية الميدية وينسبون كل ما له علاقة بعبادة وتقديس النار الى الديانة الزردشتية. من المرجح جداً أن عائلة (آترپات) كانت غنية وذات نفوذ كبيرة، حيث أن إبن العائلة كان حاكماً لميديا.
يذكر المؤرخ اليوناني (بوليبيوس) بأن عاصمة ميديا الآتروپاتية في ذلك الوقت كانت مدينة (گازاكا) الواقعة في منتصف الطريق بين مدينة (إكباتانا) و(أرمافير) على نهر آراس. إمتدت مملكة (آترپات) من بحر قزوين الى منابع (ريوبي العليا) الذي هو نهر(فاسيسا) الواقع في جمهورية جورجيا الحالية، حيث كان من المقرر أن تشمل أيضاً (أرارات) و(إفيريا)1.
تقع عاصمة (أتروپاتين)، (گازاكا)، في السهل الأوسط. تمّ إكتشاف قلعتها (فرآسپا Phraaspa)، على نهر آراس من قِبل علماء الآثار في أبريل/نيسان 2005. كان الملوك الميديون لهم جيش قوي ومولعون بالفنون الحربية، خاصةً في سلاح الفرسانb، c. مع ذلك، في سنة 220 قبل الميلاد، تمّ إجبار الملك الميدي (أرتابازانيس Artabazanes) من قِبل (أنتيوچس الكبير Antiochus the Great) على إبرام معاهدة مجحفةb. في الأوقات اللاحقة، أصبح الحكام الميديون يعتمدون بدورهم على الپارثيين، وعلى الملِك الأرميني (تيگران Tigranes). في عهد (پومپَي Pompey) الذي هزم ملِكهم (داريوس)d، إعتمد الملوك الميديون على (أنتونيو Antonius) الذي غزا آتروپاتين و على ملِك روما (أوغسطس Augustus). في زمن سترابو (سنة 17 ميلادية)، كانت السلالة الملكية الميدية لا تزال باقية.
المصادر
1. تاريخ العالم القديم. موسكو، 2000، صفحة 389.
المراجع
a. The Anabasis of Alexander; or, The history of the wars and conquests of Alexander the Great. Literally translated, with a commentary, from the Greek of Arrian, the Nicomedian, Published 1884.
b. Polybius v. 55.
c. Strabo xi. 253.
d. Appian, Mithr. 108.
[1]