هل تتکرر تجربة أکراد العراق في سورية؟
فيرا سرکيس
عاش الأکراد السوريون في ظل نظام حزب البعث والحکومات التي سبقته في ظروف إنسانية وسياسية صعبة. وبدأت مأساتهم في العصر الحديث في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين، حيث اتهموا بعبور الحدود السورية الترکية بشکل غير مشروع، ووصل الأمر في ستينات القرن الماضي إلى تجريد نحو 120 ألف منهم من الجنسية السورية.
ومنع أکراد سورية من ممارسة أبسط حقوقهم ومنها التعلم بلغتهم الأم، وتعرضوا إلى مختلف أنواع التنکيل وصولا إلى عام 2011 حيث اندلعت الأزمة الحالية، فوجد أکراد سورية أنفسهم من بين محرکي الاحتجاجات في مناطقهم وغيرها، وکان من بين أسباب مشارکتهم في تلک الاحتجاجات شعورهم بالحاجة لحماية أنفسهم متأثرين بإخوتهم في إقليم کردستان في العراق.
فمنذ بداية الأزمة السورية قدم إقليم کردستان الدعم السياسي والعسکري لأکراد سورية، بهدف ملء أي فراغ قد يحصل في حال الإطاحة بنظام بشار الأسد. وأصبح الأکراد في سورية يميلون إلى الأخذ بزمام أمورهم بأنفسهم، ساعين إلى إنشاء حکم ذاتي کردي يشبه إلى حد کبير الحکم الذي يتمتع به الأکراد في العراق.
فأين سيکون موقع الأکراد في خريطة "سورية جديدة"؟ وما هو دور إخوتهم في إقليم کردستان في مساعدتهم على تقرير مصيرهم؟
دور إقليم کردستان
يؤکد أوميد صباح المتحدث باسم رئاسة إقليم کردستان في حوار مع موقع "راديو سوا" أن الإقليم يقدم مختلف أنواع المساعدات للسوريين اللاجئين في الإقليم، مشيرا إلى أن الإقليم تمکن ضمن هذا الإطار من احتضان أکثر من 30 ألف لاجئ، منتقدا المساعدات المتواضعة للمنظمات الدولية له.
ومن جانبه، يلخص عبد السلام برواري عضو البرلمان العراقي من الحزب الديموقراطي)القائمة الکردستانية(دور الإقليم على مستويين، الأول يتعلق بموقف حکومة إقليم کردستان الذي يتعارض مع موقف حکومة العراق، حسب قوله، موضحا أن موقف الإقليم يؤکد على "دعم الشعب السوري بکل مکوناته في سعيه نحو حکم ديموقراطي".
أما الجانب الثاني فيتعلق بوجود "أخوة لأکراد العراق" في الضفة الأخرى من الحدود مع الإقليم. ويشير برواري إلى وجود حالة خاصة في المناطق الکردية في سورية بحيث أن الأکراد هناک تسلحوا. ويلفت في السياق ذاته الانتباه إلى دور مجموعة من الأحزاب الکردية التي دعاها رئيس إقليم کردستان مسعود بارزاني إلى أربيل حيث اتفق معها على تشکيل هيئة سياسية عليا لها في سورية.
وفي سياق الحديث مع تحالف الأحزاب الکردية السورية الـ16، يؤکد رئيس "الاتحاد السياسي الديموقراطي الکردي السوري" عبد الحکيم بشار لموقع "راديو سوا" أن مساندة أکراد العراق لأکراد سورية هي مساندة سياسية وعملية لأن الشعب الکردي "محروم عبر التاريخ من مساعدة أي جهة دولية".
التدريبات العسکرية
وأبعد من هذه المساندة العملية، لم يعد سرا تدريب أکراد سوريين في مخيمات داخل إقليم کردستان لملء أي فراغ أمني في حال الإطاحة بنظام الأسد.
ويکشف عبد السلام برواري أن بعض الشباب الذين عبروا الحدود رغبوا في تلقي تدريبات عسکرية للتهيؤ لمرحلة قد يجدون أنفسهم فيها مضطرين لتولي الأمن في حال فقدت سلطة الدولة، وفي سياق إعداد مجموعة تتولى ضبط الأمن.
ومن جانبه، يکشف عبد الحکيم بشار أن قسما من الجنود الفارين من الجيش السوري من الأکراد التحق بالجيش السوري الحر، فيما عبر القسم الآخر إلى کردستان العراق حيث تتم إعادة تأهيلهم بغية الاستعانة بهم في المستقبل لحماية المناطق الکردية في سورية.
ومما لا شک فيه أن هذه التدريبات العسکرية تحصل استباقا لأي تطور قد ينتج عن حصول تغيير في المنطقة، وأيضا في سياق خطط لملء أي فراغ أمني. وفي هذا الشأن، يقول أوميد صباح إن الموقف الرسمي لرئاسة الإقليم هو السعي الدائم لحماية الحقوق الدستورية والفدرالية للأکراد بشکل عام أو في حال حصول أي تغيير يؤثر على أوضاعهم.
"کردستان الکبير"
وفي ظل التطورات الحاصلة في الجوار بدأ الحديث عن "کردستان أکبر" يضم المناطق الکردية في کل من سورية وترکيا وإيران، إضافة إلى إقليم کردستان العراق. وهنا يقول برواري: "لا نخفي أننا مثل أية أمة أخرى وأي شعب آخر نؤمن بحقنا في دولتنا". وأشار إلى أنه في حال قيام "سورية الجديدة"، وفق وصفه، فالمؤکد أن الأکراد هناک سيطالبون بحکم ديموقراطي يحترم المکونات الإثنية.
نحن لا نخفي الأمر سواء مع ترکيا أو مع إيران أو حتى مع نظام الأسد قبل أن يأتي بشار، کانت القيادة الکردستانية صريحة بالقول نحن مستعدون لنقل تجربتنا إلى الجميع سواء ضمن سورية الجديدة أو کما نفعل مع سائر الأکراد..
وأشار إلى أن المطروح الآن هو حکم ذاتي وحتى کلام عن "سورية فدرالية". وفي حال قيام "سورية جديدة"، يشرح برواري دور أکراد إقليم کردستان في المرحلة الانتقالية قائلا: "نحن لا نخفي الأمر سواء مع ترکيا أو مع إيران أو حتى مع نظام الأسد قبل أن يأتي بشار، کانت القيادة الکردستانية صريحة بالقول إن أکراد سورية إخواننا، ونحن مستعدون لنقل تجربتنا إلى الجميع سواء ضمن سورية الجديدة أو کما نفعل مع سائر الأکراد".
وفي ظل تحذيرات من تعميم رئيس إقليم کردستان مسعود بارزاني نزعته القومية إلى الجوار السوري، يقول برواري إن قراءة صحيحة لموقف بارزاني تشير إلى انه صريح في هذا الموضوع، لناحية تأکيده أنه حتى آخر لحظة يؤمن بحق الأکراد في أن تکون لهم دولتهم، مقابل احترام قواعد اللعبة الدولية.
اتحاد فدرالي
ومن الجانب السوري، يؤکد رئيس "الاتحاد السياسي الديموقراطي الکردي السوري" عبد الحکيم بشار أن الأکراد يطالبون الآن بدولة اتحادية في سورية، معتبرا أن هذه الدولة على شکل الفدرالية هي التي تحمي وحدة سورية وليس العکس. ويشير إلى أن مطلب القوى الکردية في سورية يتمثل بأن يکون من حق کل مکون ضمن الدولة الاتحادية إقامة شکل من أشکال الحکم الذاتي والفدرالية، في المناطق الکردية في الساحل السوري.
الأکراد في سورية يطالبون الآن بدولة اتحادية في سورية
ويدعو بشار إلى التعامل مع الأحداث في سورية بواقعية لناحية تطورها بشکل مأساوي يدل على أن سورية تسير نحو حرب طائفية، وبالتالي نحو التقسيم. ويؤکد أن مواجهة کل هذه التحديات الآن وبعد سقوط النظام سيکون عبر تشکيل اتحاد فدرالي في سورية، على شکل فدرالية تخص الشعب الکردي، وفدرالية تخص المکون العلوي، وأخرى تخص الدروز، وفدرالية تخص العرب السنة.
حزب العمال
ولکن ما قد يعيق هذه المساعي هو وجود صعوبات سياسية على أرض الواقع، أبرزها موقف حزب الاتحاد الديموقراطي واسع النفوذ بين أکراد سورية، والمعروف بعلاقته الوطيدة مع حزب العمال الکردستاني في ترکيا.
ويقول برواري إن الوضع معقد کثيرا لاسيما أن ترکيا لها مشکلة مع حزب العمال الکردستاني، وقد تبحث عن ذريعة للدفع باتجاه مزيد من التعقيد في حال أي تصرف استفزازي يبدر من حزب العمال الترکي أو فرعه السوري.
وفي موازاة هذا أيضا، تبرز الخلافات داخل حزب مجلس کردستان في سورية الذي يضم جناحين: المجلس الوطني الکردي السوري المؤيد للجيش السوري الحر ومجلس شعب غرب کردستان الذي يتولى إدارة المناطق الکردية في سورية.
وإذ يوجه البعض اتهامات لمجلس غرب کردستان بالتباس مواقفه وعلاقته مع النظام السوري، إلا أن المجلس يؤکد التزامه باتفاقية أربيل التي مهدت لتوحيد المقاتلين الأکراد داخل المناطق الکردية السورية وتأسيس جيش شعبي يحل محل الميليشيات المسلحة.
ويؤکد عبد الحکيم بشار أن الخلافات تؤثر على مستقبل الأکراد في سورية، مشيرا إلى أن أحزاب المجلس الوطني الکردي بصورة عامة تساند الجيش السوري الحر باعتباره الذراع العسکري "للثورة"، إلا أنه يکشف أيضا عن تحفظات بعض القوى الکردية على جزء من الکتائب المسلحة في الجيش الحر، حيث يقول إن بينها کتائب جهادية وسلفية، وإن هذه الکتائب لن تکون مقبولة أو ضمن الجيش السوري المقبل.
أعداد الأکراد
يذکر أن الإحصاءات قدرت خلال عام 2012 عدد الأکراد بـ 27 380 000 نسمة، 56 في المئة في ترکيا، و 16 في المئة في إيران، و 15 في المئة في العراق، و5 إلى 10 في المئة في سورية.
ويعتبر الأکراد من إحدى أکبر القوميات التي لا تملک دولة مستقلة أو کيانا سياسيا موحدا معترفا به عالميا.
کما يشکل الأکراد ثاني أکبر الأقليات العرقية في سورية بعد العلويين. ولا يعرف على وجه اليقين العدد الفعلي لهم في ظل غياب أي إحصاءات رسمية. وتتراوح التقديرات غير الرسمية لأعدادهم في سورية، ما بين مليون ومليونين، وبعض المصادر المقربة من الأکراد ترفع تلک التقديرات إلى نحو ثلاثة ملايين نسمة من أصل أکثر من 20 مليونا.
ففي ظل کل هذه التعقيدات يشعر الأکراد السوريون بالقلق الکبير على مصيرهم خاصة مع انسداد أي أفق للحل في سورية، وکذلک تفاقم الأوضاع في العراق وبرودة العلاقة بين بغداد وأربيل، فهل تسير الأمور کما تشتهي سفنهم؟