بمناسبة الذكرى ال 100 للمجازر ضد الأرمن..
محمود يسأل .. وزنگابادي يُجيب.
محمود زايد – القاهرة وأربيل : 17 – 4 – 2015م.[1]
في صباح يوم الجمعة (17 نيسان 2015م) أرسل لي الكاتب والشاعر الكردي جلال زنگابادي ملفًا إلكترونيا (Word) من أربع صفحات ذات جمل ومعلومات مركزة عنوانها: (حقيقة إبادة الأرمن) . وحسبما ذكر، هي عبارة عن فقرات من كتابه: (جينوسايد الإنتلجنسيا الأرمنية…). وقد وافق ذلك الذكرى المئة للمجازر التي طالت الأرمن وغيرهم من قِبَل الجيش التركي والجندرمة والفرق الخاصّة إبتداءً من 24 نيسان 1915م.
وقد تناولت ورقة أ. جلال زنگابادي عدة أمور مهمة:
أغلب الكتب التي تحدثت عن مذابح الأرمن تحتوى (على حد قوله) أكاذيب وأغاليط وأضاليل باتت من قبيل الأمور المسلّم بها حتى عند أغلب الباحثين المتشدّقين بالأمانة العلميّة والموضوعيّة الحياديّة.
لولا حماية الكرد للأرمن؛ لما نجا نحو 200 ألف منهم من الموت، بشهادة باحثين من الأرمن أنفسهم، ورغم ذلك ما برح بعض الشوفينيين الأرمن يتّهمون الكرد بمشاركتهم الفعّالة للترك في المجازر، وقد أفرزت تلك الشوفينيّة عمليات انتقام فرق الأرمن من الكرد في شمال كردستان خاصة إبّان الحرب العالمية الأولى، لاسيما مع الهجوم الروسي في أوائل1916م.
لعبت الدول الغربية أخبث الأدوار في احتدام المسألة الأرمنية؛ إذ استخدمت الأرمن بيدقاً وتاجرت بدمائهم ؛ لتحقيق مصالحها في المنطقة.
– – – –
وبعد قراءتي للورقة، دار هذا الحوار بيني وبين أ. جلال زنگابادي:
د. محمود زايد:
صباح الخيرات أ. جلال زنگابادي. أرجو أن تكونوا بخير. تلقيت ملف (حقيقة إبادة الأرمن) مع تحيّتك لي:
أولا: أحييكم على الرصد الموجز الشامل للمسألة ؛ فبالفعل ما تزال تحتاج إلى كثير من الدراسات والأبحاث المنصفة، في ظل جو من المبالغات والإنكار من قبل بعض الأطراف. وفي ظني: أن بعض الأتراك (خاصة المدنيون) شملهم قسط من الإبادة المتمثلة باعتداءات عصابات الأرمن.
جلال زنگابادي:
عصابات الارمن الحقت الاذى بالكرد أكثر من غيرهم؛ لأن الترك كانوا اقلية ضئيلة مع الموظفين الترك في الاناضول الشرقية.
د. محمود زايد:
لقد تعاون الأرمن والكرد مع رجال الاتحاد والترقي لعزل السلطان عبد الحميد، وتغيير نظام الحكم ، ثمّ انقلب الاتحاديون ضد الكرد والأرمن المتعاونين معهم. وسؤالي هنا:
– لو كان الكرد وقتذاك عندهم نوع من التنظيم الذي كان عند عصابات الأرمن، و كانوا مدعومين كالأرمن من قبل من روسيا؛ فهل كانت ستشملهم مجازر الاتحاديين؟
جلال زنگابادي:
أخي الكريم. لو كان الكرد مدعومين من الغرب ويحالفهم الأرمن؛ لسقطت الامبراطورية العثمانية على أيديهم في أوائل ثمانينات القرن التاسع عشر/ أمّا التهجير القسري فقد شمل أكراد المناطق المتاخمة لروسيا القيصيرية ومناطق أخرى وبلغ عدد المهجّرين أكثر 750 الف ومات الكثير منهم جوعا وبردا. لكنْ قلما تعرّضت قوافل ترحيلهم لهجمات قوات الجندرمة والفرق الخاصة ؛ لأنهم معروفون ببأسهم الشديد ولم يستسلموا كالقطعان مثل الأرمن! ومع ذلك شملت تراجيديا الترحيل زهاء المليون من الكرد.
د. محمود زايد:
استغل الاتحاديون مسألة مجازر السلطان عبد الحميد (1894- 1896) ضد الأرمن للانقلاب عليه. وقد انضم إليهم الأرمن. لكن الأرمن شربوا من الكأس نفسه، بل أشد كما ورد في تصريحات بعض رجال الاتحاد والترقي ، إذن إتخذ الاتحاديون المظلومين رافعة ترفعهم إلى سدة الحكم، ثم كسروها!
جلال زنگابادي:
أشاطرك الرأي بخصوص تكتيك قادة الاتحاد والترقي الذين كانوا اشد عنصريّة طورانية (بانتركيزم) في خداع الكرد والأرمن والعرب وغيرهم.
د. محمود زايد:
أعجبني جدا توضيح حضرتكم لمسألة ماهية (الفرسان الحميدية( من حيث التكوين عام 1891م، والعدد أكثر من نصف مليون ونسبة الكرد فيها حوالي العشر (عشرة آلاف) وذلك لا يعفي إشتراك بعض الكرد من العشرة آلاف) بحكم فساد بعض الأغاوات لمنفعتهم الخاصة) في جرائم الإبادة ، وإنْ كانت غالبية الكرد قد آوت وحمت الفارين من الأرمن وغيرهم.
جلال زنگابادي:
والله لولا الكرد لانقرض المزيد من الارمن والاشوريين.
د. محمود زايد:
في نظري أن التركيز على حقيقة دور الكرد في حماية الأرمن أمر مهم جدا. لأن الدعاية الأرمنية المضادة وقتذاك، جعلت الجنود الأرمن في الحرب العالمية الأولى يرتكبون من المجازر والفظائع الوحشية ضد الكرد (شمال ، شرق وجنوب كردستان) ما لا يتصورها ذهن، بشهادة الضباط البريطانيين والروس وقتذاك.
جلال زنگابادي:
لديّ المزيد من المصادر وبشهادة العديد من الباحثين الارمن بخصوص انقاذ الكرد للأرمن/ فقط بعض العنصريين الارمن ينكرون ذلك وبعضهم ممن حماهم الكرد وانقذهم من الموت المؤكّد!
د. محمود زايد:
مع أني لم أعد أعوّل كثيرا على الموقف الدولي؛ لأنه يتعامل مع الأمر بما يتفق ومصالحه في المنطقة، بغض النظر عن القيم والمبادئ الإنسانية، فضلا عن الاتفاقات الدولية. مع ذلك، فقد شغلني كثيرا .. سؤال: لماذا لم يستثمر الكرد عالميا، مثلما الأرمن، المجازر التي ارتكبها الترك ضدهم؟
جلال زنگابادي:
التعويل على الموقف الدولي بات تجارة خاسرة؛ لأن القوى الكبرى أنانية بلا اخلاق لا تعنيها سوى مصالحها، وما أشبه اليوم بالبارحة، بل أوقح عهرا ودعارة في مضامير السياسة والاقتصاد والثقافة؛ حيث تحسب امريكا واوربا البلدان المتخلفة والنامية مجرّد فرائس.
د. محمود زايد:
أعتقد أن الدين (إسلام الكرد ومسيحية الأرمن) كان له ولا يزال دور مهم في هذا المجال.
جلال زنگابادي:
كلامك صحيح، لكن الاوربيين استغلوا مسيحية الارمن وفق ” كلمة حق يُراد بها باطل” أي في سبيل مآربهم ، وإلّا أين كانوا حين كان الأرمن يُذبحون ذبح النعاج؟! أما بخصوص الكرد، فأن القوى العظمى ظلّت غير مكترثة بهم وقدمتهم ككبش فداء لتأسيس دول العراق وتركيا وسوريا ، ناهيك عن مصالحها مع ايران؛ لكي لا تغيظ هذه الدول العميلة لها وتظل تحلبها، بل تظل تستخدم الورقة الكرديّة للضغط والإبتزاز.
د. محمود زايد:
في عهد السلطان عبدالحميد كانت أرمنستان بين هواءين: شطر روسي قيصري، وشطر أوروبي غربي، ولم تكن المصالح متفقة بين أوروبا الغربية والقيصرية الروسية؛ ولذا وقع الأرمن بين فكي كماشة مصالحهما.
جلال زنگابادي:
وشطر من التجار الأرمنيين والموظفين كان مع الترك؛ لضمان مصالحهم.
د. محمود زايد:
تتميز كتاباتكم بأنها غالبا ما تحتوي على مفردات جديدة، واشتقاقات معبرة، أنتم من تبدعونها وتبرزونها للقراء. ففي ورقتكم هذه استعلمت كلمة: (استفرصت) في قولكم: “استفرصت الدول الكبرى هذه المسألة”، بمعنى استغلت الفرصة. وهي كلمة قوية في رأيي.
جلال زنگابادي:
أنا شاعر أصلا، واتعامل مع اللغة بصفتها غاية ووسيلة وأنشد دقّة التعبير عن أفكاري وأحاسيسي ، وطالما أبتكر كلمات اشتقاقا ؛ لكي أطرح أفكاري بأقصى قوّة ممكنة.
د. محمود زايد:
ذكرتم أن هذه الورقة عبارة عن فقرات من كتاب لكم تعدونه حاليا تحت عنوان: )جينوسايد الإنتلجنسيا الأرمنيّة( فإلى أين وصلتم فيه؟
جلال زنگابادي:
مازلت أشتغل عليه متناولاً إبادة المثقفين الأرمن وتراثهم الثقافي والحضاري، وهذا الموضوع غير مسبوق بالعربيّة والكرديّة والفارسية والتركية على حد متابعاتي ، بل أظنه غير مطروق بصورة مستقلة حتى لدى الباحثين الأرمن! ومن اجل التمهيد لمحور كتابي هذا ؛ درست عشرات المصادر ببضع لغات فخرجت بقراءة شبه جديدة لحقيقة ابادة الارمن! وسأنشر بعد ايام اقساما منه بمناسبة مئوية الإبادة.
تصوّر قمت بجرد وتعريف أبرز المثقفين المقتولين والمهجرين وجيل النكبة ومثقفي الدياسبورا (الشتات)، وليس من طبعي أن أتصدّى لموضوع ؛ إذا لم أقدّم شيئا جديدا، وموسوعة (الكردلوجيا) شاهدة بين يديك.
د. محمود زايد:
صدر في كردستان) عن دار آراس عام 2012م) كتاب مهم جدا عن الكرد والأرمن 1877 – 1920م للدكتور هوگر طاهر توفيق. لا أردي ما إذا كنتم قد اطلعتم عليه أم لا؟ وفي رأيي المتواضع، كتاب د. هوگر من أفضل ما قرأت (علميا وأكاديميا) في هذا المجال. وهو بالأصل أطروحة دكتوراه.
جلال زنگابادي:
عثرت على كتاب هوكَر في آخر يوم (12 نيسان 2015) في معرض الكتاب بأربيل ولم اكمل قراءته ، وهو يبدو لي من افضل الدراسات.
د. محمود زايد:
أتمنى أن يقع كتابكم هذا بين يدي القراء قريبا. وفي نهاية حواري معكم أشكرك أ. جلال زنگابادي على جهدكم العلمي، وإطلالاتكم التنويرية المتتابعة، وأتمنى ألا تنقطع.
جلال زنگابادي:
سلمت ودام فضل