بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها (1918-1914م) وبعد أن تكبدت جيوش دول المحور الهزائم المرّة من قبل قوات الحلفاء، ومنها الجيش العثماني الذي انهزم في الحرب شرَّ هزيمة وعلى مختلف جبهات القتال وساحات المعارك الطاحنة؛ تم عقد هدنة بين المتحاربين عُرفت بهدنة “مودرس” في 30 تشرين الأول 1918م، لكن الدولة اليونانية خرقت الهدنة وقامت بغزو غرب الأناضول في أيار 1919م وعلى إثر ذلك قام الجنرال (مصطفى كمال #أتاتورك#) بإطلاق ما يسمى بحرب التحرير في 19 أيار من عام 1919م لاستعادة غرب الأناضول من القوات اليونانية؛ وأمر كمال بعقد اجتماع شامل للبرلمان العثماني (أي مجلس المبعوثان) بتاريخ 28 كانون الثاني من عام 1920م وكان هذا الاجتماع آخر اجتماع له والذي أصدر إعلان سُمّي بالميثاق الملّي([1]) مع أمر باللجوء إلى القوة العسكرية لتطبيقه، ومن بنود ومقررات هذا الاتفاق مايلي:
جميع الأماكن والمناطق الجغرافية التي تعيش وتقيم فيها غالبية تركية فهي تعدّ من الآن فصاعداً وطناً وسكناً للأتراك ودياراً أزلية للأمة التركية.
اعتبار سكان هذه المناطق من الكرد والسريان والعرب جزءاً من الأمة التركية.
ضمّ تراقيا الغربية وقبرص وجزر بحر إيجة إلى الدولة التركية كون قسم من سكانها أتراك.
لكن هذه المطالب التركية جوبهت بالرفض من قبل الحلفاء، وتم رفض الميثاق الملي جملة وتفصيلاً، وهذا الميثاق بمثابة إنكار مطلق لهزيمة الجيوش العثمانية، وتتالى الهجوم اليوناني العسكري حتى إلى عمق الأناضول، ففرض الحلفاء معاهدة سيفر بشروط وبنود قاسية حصرت حدود الدولة التركية المفترضة في مساحة تقل عن نصف مساحة الأناضول (آسيا الصغرى).
رفض كمال المعاهدة واتهم الحكومة العثمانية الموقعة على بنود سيفر بخيانة الميثاق الملّي، وشكّل حكومة في أنقرة وخاض حرباً قاسية مع اليونان إلى أن انتصر عليها، فنالت حكومة كمال اعترافاً دولياً، وتم دعوة تركيا إلى مؤتمر لوزان بسويسرا عام 1920م. طالب رئيس هيئة أركان الجيش التركي آنذاك عصمت إينونو بالموافقة على بنود الميثاق الملّي، فرفض على نحو قاطع من قبل الحلفاء ومنهم فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، اليونان… إلخ، وتأجلت المفاوضات إلى الجولة الثانية في نيسان من عام 1923م، ليتم منح كامل الأناضول للدولة التركية الجديدة مقابل اعتراف تركيا بحدود الدول المستقلة عن الإمبراطورية العثمانية بما فيها سوريا والعراق وبحدودهما المعروفة حالياً من قبل الجميع.
واليوم بعد أن بدأت تركيا بالتدخل العسكري في المناطق المحررة من شمال سوريا من خلال عملياتها العسكرية الثلاث تحت مسميات تضليلية، وهي:
عملية درع الفرات في عام 2016م؛ واحتلال جرابلس وألباب وأعزاز.
عملية غصن الزيتون في عام2018 م؛ واحتلال عفرين بعد ستين يوماً من المقاومة التي هزَّت الضمير العالمي.
عملية نبع السلام في عام 2019م؛ واحتلال سري كانييه/ رأس العين وكري سبي/ تل أبيض.
وتقوم من خلال توغلها العسكري بإجراء عمليات تغيير ديمغرافي من خلال توطين المرتزقة في المناطق المحتلة، ومحاولة إقامة منطقة آمنة له وصولاً إلى إنشاء إقليم تابع لتركيا يمتد من إدلب غرباً وحتى الحدود العراقية شرقاً، أي ضمن حدود ما يسمى بالميثاق الملّي وذلك بعد مئة عام من رفضه في لوزان عام 1923م؛ فهي محاولة تركية لنقض بنود لوزان وتجاوز الحدود إلى منطقة الموصل بما فيها المناطق التي تديرها حكومة إقليم كردستان العراق وكركوك والمناطق المتنازع عليها من قبل كل من الإقليم وبغداد، والدليل تصريح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو الذي أعلن أن الموصل وحلب كانتا ضمن حدود الأمة التركية، كما ضموا سابقاً لواء اسكندرون وقضم المزيد من أراضي جيرانه خاصة سوريا والعراق.
واليوم يحاول أردوغان إحياء الميثاق الملّي العثماني الذي اعتمده مجلس المبعوثان العثماني عام 1920م والذي يعتبر كامل شمال وشرق سوريا وجنوب كردستان بما فيها الموصل وأجزاء من اليونان وأرمينيا مناطق تركية يجب إعادتها إلى السيطرة التركية وكأن التاريخ المأساوي للمنطقة يكرر نفسه من جديد..
[1] الميثاق عبارة عن مستند أو وثيقة أو خارطة توضح وترسم الحدود الجديدة لتركيا….[1]