السعودية ودولة كردستان الكبرى
هذا المقال بقلم محمد المنشاوي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN
“يجب أن نعمل على إيجاد كردستان الكبرى بالطرق السلمية لأن من شأن ذلك أن يخفف من المطامع التركية والإيرانية والعراقية، وستقتطع دولة كردستان الكبرى كل من ثلث إيران وثلث تركيا وثلث العراق”.
كانت تلك كلمات اللواء السعودي المتقاعد أنور عشقي، الذي يرأس حاليا مركز الشرق الاوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية بمدينة جدة. قد يتفهم البعض كلمات الدكتور عشقي كونها تعبرا عن رأي الرجل الذي لا يشغل حاليا أي منصب حكومي، إلا أن تقييم الكلمات ومعناها يختلف عندما توضع في الاطار الأكبر الذي ذُكرت فيه. سمعت هذه الكلمات الأسبوع الماضي عندما استضاف مجلس العلاقات الخارجية، وهو أحد أهم المركز البحثية بالعاصمة الأمريكية، ندوة فريدة ليس فقط من حيث هوية حاضريها من خبراء الشأن الشرق أوسطي في واشنطن، بل لأنها كانت حدثا نادرا بمعايير واشنطن لهوية المتحدثين أمامها. اعتقدت في البداية أن الندوة ستكون سرية مغلقة “Off record ” على شاكلة العديد من الفعاليات في واشنطن والتي تجري خلف أبواب مغلقة والتي أحضر الكثير منها ويشترط عدم الكتابة عنها، إلا أن المفاجأة كانت في الرد على سؤالي أن الندوة “On record ” أي مفتوحة للكتابة عنها، ويمكن أيضا تصور المشاركين فيها، وكانت الاجواء العامة داخل الندوة احتفالية بصورة واضحة.
تحدث أمام الجلسة إضافة للدكتور أنور عشقي، المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية دور جولد، وأدار الندوة آليوت أبرامز الباحث بالمجلس والمسئول الأمريكي الأسبق والمحسوب على تيار المحافظين الجدد. إلا أن إلقاء نظرة سريعة على خلفية الدكتور عشقي قد تكون كفيلة بإثارة عددا من الأسئلة كونه قد سبق له العمل مستشارا لمجلس الوزراء السعودي ومستشارا للسفير السعودي الأسبق لدى واشنطن بندر بن سلطان، وكونه بالطبع مسؤولا عسكريا سعوديا وإن كان سابقا. عنوان الندوة “تحديات إقليمية وفرص: رؤى من المملكة السعودية وإسرائيل” كفيل أيضا بإثارة عدة تساؤلات!
يتساءل العقل الجمعي للأكراد عن تأثير ما تشهده المنطقة من فوضى وصراعات وتطورات على حلم تأسيس دولة خاصة بهم. وقبل زيارة هامة قام بها رئيس إقليم كردستان العراقي مسعود بارزاني لواشنطن الشهر الماضي قال رئيس ديوانه فؤاد حسين، إن العلاقات بين أربيل وبغداد تجئ على رأس أجندة المحادثات مع الأمريكيين، وأضاف أن الرئيس بارزاني سيطرح قضية قيام دولة كردية مع أوباما، مشيرا إلى رسالة سابقة بُعث بها إلى أوباما وتؤكد على حق الأكراد في تقرير المصير. من جانبه لا يمانع الكونغرس في التعامل المنفصل مع إقليم كردستان العراق، بل يتعد ذلك بالتعبير عن رغبة في التعامل المماثل مع سنة العراق أيضا مباشرة وبعيدا عن حكومة بغداد المركزية بحيث يمكن أن تذهب شحنات أسلحة أمريكية لأكراد العراق أو سنتها بدون المرور ببغداد. ولا يضيع الأكراد فرصة استعداد واشنطن للتعامل المنفصل معهم، إذ يقومون بحملات علاقات عامة واسعة تشمل تنظيم رحلات تأخذ أعدادا كبيرة من أعضاء مجلسي الكونجرس ومساعدي الأعضاء لإقليم كردستان. وأقابل كثيرا باحثين من مختلف مراكز الأبحاث الأمريكية ممن تنظم لهم حكومة كردستان رحلات (يوجد لها مكتب تمثيلي بقوم بمهام السفارة في واشنطن)، ويعود هؤلاء مبشرين بالاستقرار وبالرخاء الاقتصادي والفرص المتاحة للاستثمار هناك. ويتم الترويج كذلك للتسامح الديني والعرقي تجاه غير الأكراد خاصة مع نزوح العديد من قيادات سنة العراق لإقليمهم من أجل ايجاد ملاجئ آمنة داخل حدود الاقليم مخافة عنف الميليشيات الشيعية والداعشية. من هنا ليس بمستغرب تصاعد الحديث في الدوائر البحثية القريبة من إسرائيل مثل معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أو مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية عن عمق العلاقات التي تجمع بين حكومة إقليم كردستان العراقي وبين إسرائيل. ويتحدث مسئولون أمريكيون كثيرا خلف الابواب المغلقة عن دعمهم لقيام دولة كردية إذا ما انتهينا إلى ضرورة أو واقع تفكيك العراق وسوريا إلى دويلات. ويزداد الحديث عن لقاءات أصبحت تعقد دوريا بين مسئولين أكراد عراقيين ومسئولين إسرائيليين، تندرج هذه اللقاءات ضمن مساع إسرائيلية دولية لمساعدة الأكراد في بناء دولة مستقلة يعترف بها العالم.
بعد مرور أكثر من أربع سنوات على بدء الثورة أو الحرب الأهلية في سوريا تبدو تداعيات تقسيم سوريا أقرب للواقع منها للخيال. وسينتج في الأغلب نموذجا للأكراد أقرب إلى نموذج كردستان العراق، حيث لا يخضع لأي سلطة من حكومة دمشق كما الحال مع حكومة بغداد اليوم. ويشكل الأكراد ما يقرب من 15% من أجمالي الشعب السوري، ويتمركزون في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية المتاخمة للحدود مع تركيا والعراق. ويعتبر ذلك عامل ضغط ومسهل يدفع باتجاه إنشاء منطقة كبرى يسيطر عليها الأكراد ويتمتعون فيها باستقلالية تامة إلى جانب إخوانهم في العراق. ورغم إدراك القوميون الأكراد بأن الوضع الراهن يشكل لحظة فارقة في تاريخهم منذ تم انتهاك حقهم في دولة مستقلة إبان الحرب العالمية الأولى، إلا أنهم يدركون أنهم لا يستطيعون فعل ذلك من دون تركيا. وجاءت الانتخابات التركية الأخيرة لتمنح الاكراد انتصارا انتخابيا غير مسبوق إثر حصول حزبهم الرئيسي “الشعوب الديمقراطي” على 12% من أصوات الناخبين الأتراك، أي ما يقرب من 80 نائباً، ليكون الحزب الرابع في البرلمان التركي للمرة الأولى. وهو ما قد يثير مفاجآت لاحقا قد لا يستبعد معها مباركة تركية لفكرة دولة كردية خارج حدودها.
وبالطبع يمكن تفهم وجود علاقة قوية لإسرائيل بالأكراد من منطلق “عدو عدوي صديقي”، فإيران وسوريا والعراق وتركيا دول تجمعها حالة من العداء التاريخي بإسرائيل. صعود فكرة “دولة كردية كبرى”، رغم مشروعية الفكرة، قد يغير معادلات كثيرة يخلق معها ميزان قوى جديد في الشرق الأوسط لا يمكن إلا لإسرائيل الاستفادة منه. من هنا لا يمكن تفهم أو تبرير خروج أصوات سعودية هامة قريبة من دوائر الحكم لتطالب بالإسراع بإيجاد دولة كردية من واشنطن، خاصة مع صعوبة تفهم وجود أي مصالح حقيقية للسعودية بصورة مباشرة أو غير مباشرة![1]