#زهدي الداودي#
حق تقرير المصير (بالإنجليزية self-determination) (بالألمانية Selbstbestimmungsrecht) هو مصطلح في القانون الدولي يعني منح الشعب أو السكان المحليين إمكانية أن يقرروا شكل السلطة التي يريدونها وطريقة تحقيقها بشكل حر وبدون تدخل خارجي.
يُنسب ويكيبيديا، الموسوعة الحرة هذا المصطلح إلى رئيس الولايات المتحدة الأميركية وودرو ويلسون مع أنه جرى قبله استخدام مصطلحات مشابهة. كان مبدأ حق تقرير المصير في جوهر اتفاقية فرساي التي وُقعت بعد الحرب العالمية الأولى، وأمر بإقامة دول قومية جديدة في أوروبا بدلاً من الإمبراطورية النمساوية-الهنغارية والإمبراطورية الألمانية. وفيما بعد كان هذا المبدأ أساس المطالب المناهضة للاستعمار، بمعنى الدعوة إلى إلغاء السيطرة الأوروبية الاستعمارية على إفريقيا وآسيا.
وعندما بسطت ثورة أكتوبر إنتصارها النسبي على الأوضاع في روسيا القيصرية، بشّر لينين أتباعه بأن نظامه الإشتراكي قد حلّ المشكلة القومية بضربة واحدة وإلى الأبد. بيد أن الإشتراكي-الديمقراطي النمساوي أوتو باور تصدى له قائلا:إن النظام الإشتراكي لا يحل مشكلة القوميات، بل يؤدي إلى خلق الوعي الطبقي الآيل إلى الإستقلال
تطرق مصطلح تقرير المصير منذ البداية إلى السكان الذين تربط بينهم لغة مشتركة وثقافة مشتركة (قومية) والمقيمين في منطقة محددة أي أرض مشتركة وتاريخ مشترك. جرى تطبيق حق تقرير المصير من خلال الإعلان عن المنطقة وعن الجمهور المقيم عليها كدولة قومية، أو كجزء يتمتع بحكم ذاتي داخل اتحاد فدرالي. وقد اتضحت الإشكالية الكامنة في تطبيق مبدأ حق تقرير المصير في الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين، وتمثلت تلك الإشكالية في أن قبول جميع المطالب بحق تقرير المصير قد هدد بتقسيم أوروبا إلى دويلات صغيرة وخلق المزيد من الحدود السياسية التي تحول دون العبور الحر للناس والبضائع. حاولوا حل هذه الإشكالية من خلال إقامة فدراليات مثل يوغسلافيا، وتشيكوسلوفاكيا، وغيرهما، غير أن هذا الحل باء بالفشل لأن الشعوب التي كانت تقيم في تلك الدول لم تتمكن من تطبيق سلطة مشتركة لزمن طويل. ليس هذا فحسب، فلم يقطن كل شعب في منطقة محددة. فيهود أوروبا مثلا أقاموا في مجتمعات صغيرة نسبيا منتشرة في جميع أنحاء القارات. وكان الهنغاريون موزعين بين هنغاريا نفسها وإقليم ترانسيلفانيا الواقع في عمق الأراضي الرومانية.
جابه تطبيق حق تقرير المصير مشاكل أصعب في فترة إلغاء الحكم الاستعماري، في أواخر سنوات الأربعين من القرن العشرين، وفي سنوات الستين من القرن ذاته. لقد جرى تعريف الحدود السياسية في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط بموجب مصالح الدول الأوروبية العظمى، وكثيرا ما تجاهلوا المزايا الخاصة للسكان المحليين، كالدين ، العادات، اللغة، والتاريخ وما شابهها. رأت الأمم المتحدة، التي قبلت بحق تقرير المصير كجزء من ميثاق الأمم المتحدة (في تعديل عام 1951)، كما رأت الدول الأعضاء فيها، أن تطبيق حق تقرير المصير هو داخل الحدود القائمة، مما أدى إلى إقامة دول متعددة القوميات تواجه صعوبة في تطبيق حكم مشترك.
جرى في أوروبا، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، موازنة حق تقرير المصير من خلال إقامة منظمات للتعاون الدولي. أهم تلك المنظمات هي الاتحاد الأوروبي الذي يتيح الانتقال الحر للأشخاص والبضائع بين الدول الأعضاء فيه، كما يضمن إطارا دستوريا مشتركا بين الدول الأعضاء. وجرى ذلك كله مع المحافظة على استقلالية كل دولة عضوة في الاتحاد. صمد هذا المبنى سنوات طويلة غير أنه بات في الآونة الأخيرة يواجه تحديات معقدة: الهجرة المكثفة من الدول الإفريقية والآسيوية مما يغير من تركيبة السكان في بعض الدول، بالإضافة إلى ظاهرة العولمة، أي تطوير وسائل المواصلات والاتصال السريعة مما يخلق مجتمعات عالمية واتحادات تجارية دولية تختزل قوة الدول القومية والمنظمات الدولية التي أقامتها. أنظر: ويبيكيديا / الموسوعة الحرة.
وإنطلاقاً من تلك الآراء والمفاهيم التي ظهرت كإستجابة منطقية لحركة التاريخ التي أفرزت مشكلة حق الشعوب في تقرير مصيرها، جرى ترسيم حدود عدد كبير من بلدان الشرق الأوسط، بشكل مغاير لمبدأ حق تقرير المصير. من هذه المشاكل معاهدة سايكس – بيكو السرية التي رسمت في العام 1916 خريطة الشرق الأوسط بالقلم والمسطرة وقسمت كوردستان إلى أربعة أقسام وزعت على تركيا، إيران، العراق وسورية. ومنذ ذلك التاريخ، بل وقبل ذلك بفترة طويلة، يعاني هذا الشعب الأعزل مختلف أنواع الإضطهاد والظلم على أيدي الحكومات الدكتاتورية بحجة الحفاظ عن الأمن والإستقرار ووحدة الوطن. ولم تتمكن الحكومات الجائرة من إبادة هذا الشعب أو قمع كفاحه العادل في سبيل حريته وحقوقه العادلة، بل بالعكس، تحولت الحركة الوطنية الكردية إلى حقيقة ملموسة، تنظر إليها الشعوب وهيئة الأمم المتحدة بعين العطف والرعاية، إذ يكفي أنها ألزمت الصمت لفترة طويلة، تجاه الممارسات البربرية ضد هذا الشعب. وتمكنت الحركة الكردية إسباغ طابع الديمقراطية على طبيعة نضالها وذلك برفعها الشعار التاريخي: (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان) وما لبث أن تحولت عبارة الحكم الذاتي إلى (الحكم الفيدرالي). وهكذا تعانق الشعبان العربي والكردي وواجها معاً الإستبداد المسلط على العراق.
مع دخول قوات الإحتلال الاميركية إلى الأراضي العراقية، تغيرت الأوضاع وأقحمت مفردة الديمقراطية في شؤون الحكم وظهرت في سماء السياسة العراقية لأول مرة مفردة المحاصصة، التي جاءت كنتيجة حتمية لتحويل الدين والمذهب إلى أداة، بل لعبة بيد السياسة المقيتة التي لا تعرف مفاهيم الصداقة والأخلاق والفضيلة. وإذا كان ثمة سلاح بتار يؤدي إلى تمزيق البلد وهيمنة الجهل وفرض الحرب الأهلية والتبشير بالتخلف ونكران الهوية الوطنية ووحدة البلد، فهو سلاح المحاصصة التي دفعت العراق قرناً كاملا إلى الوراء.
وأدت سياسة المحاصصة جدلياً إلى بروز الفساد والإنتهازية وسرقة أموال الدولة والإجرام وإنتعاش الإرهاب وتدني مستوى التعليم بكل أقسامه. لقد هيمن التخلف بأسم الدين ولا سيما المذهب على الساحة السياسية. وبالعكس من هذا التخلف الذي أصبح سمة أساسية للقسم العربي من العراق، تحول أقليم كردستان إلى واحة آمنة لا يطالها الإرهابيون، أزدهرت فيها حركة العمران والبناء بشكل سريع ومنظم. وكان أن أصبح التطور يأخذ طابعاً لا متساوياً في عموم العراق، تخترقه فجوة هائلة تتسع يوماً بعد يوم. وتجري المحاولات في القسم العربي، ولا سيما الشيعي لإتيان حكومة تسخر الدين الحنيف وتضعه في خدمة السياسة المقيتة. ويتحول الصراع إلى صراع بين التخلف والعلمانية. أي العودة إلى فترة ما قبل العصور الوسطى الإسلامية. هذا من جانب ومن جانب آخر يجري الصراع بين التخلف والعلمانية على مستوى أعلى، مستوى الأقليم والحكومة الاتحادية. وهكذا يتبلور نظامان مختلفان، متخلف ومتطور، يتخذ كل واحد منهما طريقاً مغايراَ للآخر.
وفي خضم هذه التحولات الغريبة عن المناخ السياسي العراقي التقليدي منذ تأسيس الدولة العراقية في العام 1921 ترتفع أصوات مختلفة تقوم بتفسير الديمقراطية والفيدرالية والمحاصصة حسب هواها ومصلحتها. إنها ترى في الديمقراطية سلماً يؤدي إلى قمة السلطة وإمتلاكها إلى الأبد. وترى في الفدرالية إنفصالاً لا مفر منه وأما المحاصصة فعبارة عن توزيع أموال الدولة بالتساوي بين كوادر وأعضاء الأحزاب الحاكمة.
والآن، يعيد السؤال نفسه من جديد:
العراق... إلى أين؟
الجواب: هل يمكن ردم الفجوة؟ وتفسير مفردات الديمقراطية والفدرالية والمحاصصة بشكل صحيح؟
الفجوة أعمق من أن تردم. والمؤمن لدغ أكثر من مرة من نفس الجحر. والإرهاب أقوى من أمن الدولة.
حفظك الله يا عراق.[1]