مساهمة في جدل حول التسميات الكردية في سورية، مدينة عفرين السورية…
محمد عبدو علي*
تقع منطقة جبل الكرد أو الأكراد أو كرد داغ القديمة في أقصى الزاوية الشمالية من الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وتشغل الزاوية الشمالية الغربية من قوس الهلال الخصيب وسورية، وتعتبر مرتفعاتها من النهايات الجنوبية الغربية لجبال طوروس. يبعد الجبل عن مدينة حلب نحو 60 كيلومتراً. ومساحة المنطقة حوالى 2075 كيلومتراً مربعاً.
وكانت المنطقة على مدى قرون، إحدى مناطق العبور الرئيسية من الأقسام العليا من بلاد الرافدين وبلاد الشام إلى ساحل البحر المتوسط وآسيا الصغرى، ومنها كانت تمر الطرق المؤدية إلى أنطاكية من جهتي الشمال والشرق. وهي منطقة غنية بالمياه، أراضيها خصبة الأمر الذي جعل منها عبر العصور منطقة استيطان مهمة، ومحل نزاع وتنافس بين دول وأقوام مختلفة عرقياً وحضارياً، ولذلك شهدت بعض أكبر الأحداث أهمية في تاريخ الشرق الأدنى.
يأخذ جبل الكرد اسمه من الجماعة القومية التي تقطن أرجاءه، وهم الكرد. وهي تسمية قديمة للجبل. وجاء في كتاب «ذكرياتي عن بلاد ألف ليلة وليلة» للملحق التجاري الفرنسي في حلب ما بين 1548-1556، ما يلي: «أنه وبحكم مهنتي في استيراد الحرير كنت أسافر إلى كلس وعنتاب وأعزاز وجبل الأكراد وما إليها». أي أن تسمية الجبل ب «جبل الأكراد» كانت معروفة منذ ذلك التاريخ على الأقل (هذا الكتاب مطبوع في مدينة ليون الفرنسية عام 1655، المصدر – موسوعة حلب المقارنة، خيرالدين الأسدي- الجزء الثالث- ص 240). كما ذكر القنصل الروسي في بيروت قسطنطين بازيلي 1809-1884، صفحة 182، حول أحداث نهاية احتلال إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا لمناطق جبل الكرد ما يلي في كتابه «سورية وفلسطين تحت الحكم العثماني»: «بتحريض من السلطان العثماني، نزلت جماعات كثيرة من جبل الكرد وكافرداغ نحو ممتلكات القوات المصرية…»، وهذا يدل على أن هذا الاسم كان متداولاً منذ أوائل القرن التاسع عشر على الأقل. أما «كافرداغ» فهي تسمية تركية بمعنى جبل الكفار. والكرد يسمونه «جياي كه ور» بمعنى الجبل الأبيض لبقاء الثلوج على قمته حتى أواسط الصيف، ويعرف في كتب الجغرافيا ب «جبل الأمانوس» ويطلّ على خليج الاسكندرون من الشرق. ويفصله القسم الشمالي من سهل العمق عن جبل الكرد نحو 10 كيلومترات، ويسمى سهل ليجه «المستنقع» بالكردية.
ولا نعرف للجبل والمنطقة تسمية أخرى غيرها. ويسميه الأكراد «جبل الكورمانج»، والكورمانج اسم إحدى لهجات اللغة الكردية والناطقين بها. كما يطلق الاسم نفسه على كل كردي ليست له عشيرة، أو لا يعيش في منطقة عشيرته، أو الذين يمتهنون الزراعة ويستقرون في قرى ثابتة، ولا يرتحلون مع قطعان مواشيهم إلى المراعي الجبلية في فصول الرعي.
أما الرواية الدينية الإيزيدية عن اسم «كرمانج»، فتقول أنه مؤلف من كلمتين: Kur «الولد»، وmanc «الفاخر، الطاهر»، أي «الولد الطاهر، المختار، الفاخر»، وهو لقب «شيث بن آدم» الذي يعتبرونه جدهم الأول.
ويقول جميل رشيد أستاذ التاريخ في جامعة أربيل، إن اسم «كورمانج» مذكور في النصوص التاريخية في فترة ما قبل الميلاد على شكل «كوردماد». ويشار به إلى قبائل باسم «كورد» من شعب «ماد»، ثم أدمجت الكلمتان مع الزمن ولفظت بشكل «كورمانج».
ولكن في فترة الحكم العثماني، ترجم الاسم إلى التركية «كرد داغ» أي «جبل الكرد»، (داغ تعني الجبل بالتركية) واستخدم بتلك الصيغة في الوثائق العثمانية الرسمية.
وبعد الحرب العالمية الأولى واحتلال القوات الفرنسية سورية، قسمت منطقة جبل الأكراد إلى قسمين: شمالي ضم إلى تركيا، وجنوبي احتفظ به الفرنسيون، وبقيت تسمية «كرد داغ» في التداول الرسمي في العهد الفرنسي، وحتى نهاية العقد الأول من استقلال سورية. ثم ترجم من قبل السلطات السورية حينها إلى اللغة العربية وأصبح «جبل الأكراد أو جبل الكرد».
وبعد ذلك، في سنوات الوحدة بين مصر وسورية، أزيل اسم الأكراد من اسم المنطقة، وأصبحت تعرف بمنطقة عفرين وذلك على اسم النهر والمدينة. ولكن بقي اسم «جبل الكرد» كتسمية جغرافية متداولاً في الكتب المدرسية وغيرها.
وفي سبعينات القرن العشرين، قامت الحكومة السورية بتعريب الأسماء في المناطق الكردية، وأسقطت اسم الكرد من الجبل نهائياً، وسمي ب «جبل حلب»، علماً أنه يبعد عن مدينة حلب أكثر من 60 كيلومتراً، والمرتفع الجبلي الأقرب إلى مدينة حلب من جهة الشمال هو جبل ليلون أو سمعان، وهو يفصل مدينة حلب عن جبل الكرد (جبل حلب حالياً).
– تسمية عفرين:
هو اسم نهر عفرين، وأطلق على المدينة بعد تأسيسها في مطلع القرن العشرين. وقد وجدنا اسم «عفرين» بصيغته الحالية، في أربعة مصادر تاريخية من العهد الإسلامي، وهي: تاريخ حلب– للعظيمي، صفحة أحداث عام 1085. وصبح الأعشى للقلقشندي. والدر المنتخب لابن الشحنه. ومعجم البلدان لياقوت الحموي، القسم الثاني. وبذلك يكون أقدم ذكر لاسم «عفرين» بشكله الحالي يعود إلى عام 1085. إلا أن أي من تلك المصادر لم تتطرق إلى معنى اسم «عفرين» وأصله. وسنبحث هنا في أصل ومعنى (عفرين)، ونذكر بعض الآراء بصدده:
1- «عفرين» في المعاجم والمصادر العربية:
جاء في «القاموس الوسيط»، أن عَفِر وعَفّرَ: بمعنى خالطه بما يخالف لونه، واعتَفَرَ الشيء: أي خالطه بالتراب.
وجاء في معجم «لسان العرب»: عِفِرّين تعني «مأسدة»، وقيل هو الأسد. وقيل لكل قوي: ليث عِفِرّين.
أما مؤرخ حلب خير الدين الأسدي فيقول: إن كلمة عفرين تعني التراب. وينقل عن الأب شلحت أنها تعني الغبار، فيتساءل عبدالله الحلو حول ذلك ويقول: «هل كانت المنطقة مميزة بكثرة غبارها حتى سميت بذلك؟ الواقع أنه لا يوجد إلا هذا التفسير». ولكن يبدو أن الحلو لم يكن يعرف أن منطقة عفرين غنية بالمياه وحراجية ولا يثار فيها الغبار إلا نادراً جداً.
وتشير المصادر إلى أنه في العهد الروماني، كان يمر من موقع مدينة عفرين طريق روماني «سريع». وأظهرت حفريات البناء على جانبي شارع طريق جنديرس، حجارة مشذبة أثرية ضخمة، وجرار فخارية كبيرة، ما يدل على استيطان قديم في الموقع. كما كانت هناك مغاور وكهوف عدة شمال المبنى القديم لشركة الكهرباء، كانت تستخدم قديماً من قبل المسافرين، بدلالة القطع النقدية المعدنية القديمة التي كانت تظهر في أرضيتها.
ويجدر التمييز بين منطقتين تحملان التسمية نفسها في سورية، أما المنطقة الثانية المسماة «جبل الأكراد» فهي في ريف محافظة اللاذقية الشمالي، وتقع بين طريق حلب-اللاذقية من الشمال، ومن الغرب ناحية القساطل ومن الجنوب ناحية صلنفة ومن الشرق المنحدرات المطلة على سهل الغاب. وتضم المنطقة نحو خمسين قرية، ينتمي سكانها إلى عشائر كردية كبيرة ومعروفة في القسم الغربي من بلاد الأكراد، وتعود بدايات وجود الكرد في تلك الناحية إلى العهد الأيوبي.
* كاتب وباحث كردي سوري[1]