=KTML_Bold=محمود عباس: مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً الجزء “الحادي عشر”..=KTML_End=
الباحث والكاتب السياسي الدكتور محمود عباس
عن مصداقية محتويات الكتاب:
1- عرض الكاتب عدد من المؤرخين المسلمين كمصادر، عند محاولته توثيق التاريخ المفبرك للجزيرة السورية وتعريبها، علماً بأن ما يورده هؤلاء المؤرخون في كتبهم لا تتوافق وطروحاته ومفاهيمه وغايته، ومن بينهم عزالدين بن الأثير الجزري (1163م-1239م) والذي كان أبن المنطقة من مدينة جزيرة بوتان، والمسماة تزامناً مع التغييرات العديدة للمدينة، وغيرها من مدن الجزيرة وأماكنها الجغرافية، إلى أن استقرت في فترة الخلافة العثمانية على )جزيرة بن عمر (والعثمانيون سموها(جزرً) وذكر أن أسمها القديم قبل الغزوات الإسلامية وحتى بدايات الخلافة العباسية كانت(باكردي، بالكاف الكوردية ( (bagirdêوتعني احتجاز الهواء، لأنها في أرض غائرة) وذكر في تاريخ الأبرشيات الكلدانية أنها كانت موجودة قبل الميلاد، وكانت مركزاً لمرور الحملات المقدونية، وبحدود عام 410م بنيت فيها الأبرشية المسماة على أسم المدينة ب(باقردو، باللغة الكلدانية) كما وبني الرومان في الموقع حصناً سمي ب (بازيته(bajêtê) أو بازفرته، وتقرأ الزاي بالجيم الشامية ( (bajivirtêوتعني المكان الذي يدور فيه الهواء) ولوجود المدينة بنوا الجسر على نهر دجلة لربطها بالطرف الأخر من النهر، وجزء من الجسر لا يزال قائما حتى اليوم، رغم انحراف مجرى النهر. وكان أبن الأثير يعرف أسماء المناطق والمدن بحكم ولادته والعيش فيها، فلم يذكر اسم لمنطقة الجزيرة، غير (ديار الجزيرة) وهو أول من أستخدم مصطلح ما بين النهرين، وسمى المنطقة أحيانا بولاية (ما بين النهرين). وياقوت الحموي(1179م-1229م) المؤرخ –والجغرافي، هو ياقوت أبن عبد الله الحموي الرومي، يقال إن أصله يوناني والبعض ذكر بأنه كوردي، ولم يرد في كتبه ذكر أسم ديار بكر أو ديار مضر، للمناطق التي يبتغيها الكاتب، في فترة أقدم من تاريخ وجوده، وكتابه عن الديار الثلاث هذه تبحث في سياق الفترة الزمنية الأولى والمتوسطة للخلافة العباسية، ويطلقها على جغرافيات متعارضة عما يعنيه الكاتب. والبلاذري (ت 892م) هو أحمد بن يحي بن جابر البلاذري، ينتمي إلى أحد الشعوب الإيرانية، ويركز في تاريخه حول المنطقة على ماض لا يقترب من مبتغى الكاتب، ولا يتعرض إلى تاريخ الجزيرة بالنكهة التي يتقصدها، أو فيما إذا كان هناك وجود للقبائل العربية في تلك المنطقة، قبل الإسلام، وأهم ما يركز عليه هي فتوحات عياض بن غنم، كالمعاهدة التي فرضها على أهل نصيبين. وكذلك الطبري وغيره من المؤرخين المسلمين لم يأتوا على ذكر أسم جزيرة بن عمر. وبالتنقيب في صفحات هؤلاء المؤرخون الذين يوردهم الباحث يتأكد لدينا أن التاريخ الذي يود الكاتب إعادته إلى ما قبل الإسلام، لا يتعدى القرن الحادي عشر الميلادي.
2- يورد الكاتب مصادر عديدة أخرى في هذا السياق، وفي غيرها من القضايا التاريخية المتعلقة بالجزيرة، وأسماء كتاب وكتب، دون أن يتأكد فيما إذا كان أولئك الكتاب بذاتهم يستندون على مصادر موثوقة، مثبتة في التاريخ، وعلى الأغلب إنها إملاءات ذاتية وسرديات عرضية، وعليه فإسناداته بهذه الطريقة، تصبح هشة أو ضعيفة البنية.
3- كما ويذكر كتاب وباحثين ومؤرخين معروفين مع أسماء أبحاثهم وصفحات منهم، لكن طرحه ومفاهيمه لا تتلاقى وما يعرضونه من القضايا والتاريخ، ومنهم: عبدالحكيم الكعبي، وسيار الجميل، وإسكندر داود، وأحمد وصفي زكريا، ومؤرخين كماكس فرايهن فون أوبنهايم، والمطران مار سويروس، اسحق ساكا، وهي أسماء جديرة بالتقدير والانتباه لها، لكن جميعهم وبدون استثناء لا يذكرون ما يطرحه الكاتب محمد جمال باروت حول تاريخ الجزيرة، وبعضهم لا علاقة لهم بموضوع بحثه، باستثناء فرايهن فون الذي يبحث في تاريخ العشائر العربية دون التعرض إلى جغرافية الجزيرة وتاريخها، وما يعرضه لا تتوافق والكاتب، والأقرب إلى موضوعه هو البطريرك أفرام الأول، عندما يتحدث عن ديانات بعض القبائل العربية المسيحية، أنظر الصفحة(41) من كتابه المذكور، والبطريرك كانت له غاية ذاتية، وعلى أثرها أرتفع بعدها مقامه الديني، إلى جانب صراعه مع شخصيات ضمن الكنيسة الأرثوذكسية التي كانت تقف في وجه المد العروبي، وهو من المناهضين لمفهوم القومية الأثورية، وحاربته أغلبية القوى المسيحية الأرثوذكسية في المنطقة، أنظر (ص 130-131) من نفس الكتاب، مع ذلك فالبطريرك أفرام في كتابه ورسائله لا يمزج بين الغساسنة والكلد-أشوريين من خلال المسيحية، والقبائل العربية المستعربة حضورها ظهرت في المنطقة بعد الغزوات الإسلامية.
4- معظم المؤرخين السريان والأثوريين، ومن ضمنهم البطريرك أفرام الأول، يؤكدون على البعد الشاسع بين شعوب المنطقة والغساسنة وكذلك القبائل العربية المسيحية كبكر وبني ربيعة ومضر وغيرهم. حتى وأن الفروقات بين الغساسنة والقبائل العربية واسعة، كاللغة والجغرافية، والعرق، والعلاقات الاقتصادية، (راجع بحث السيد محمد مندلاوي، (الكذب والتدليس…) فقد بقيت القبائل العربية في حالة رحل في شمال شبه الجزيرة العربية وفي أطراف البادية، أو في الفرات الجنوبي، بعكس الشعوب المسيحية أبناء الحضارات القديمة الساكنين حضرا في مدن الجزيرة. فالموجود في الدول العربية والمسماة بالشعوب العربية لا علاقة لهم بالقبائل العربية كعرق أو القومية المشتركة أعضائها بمورثات موحدة، والرباط الوحيد الذي تنامى بعد المد الإسلامي العربي في المنطقة هي اللغة العربية، (لغة القرآن) والتي طرأت عليها تغيرات عديدة جراء اتصالها بلغات الشعوب الأخرى، وتغذية علمائهم لها وعلى مدى القرون اللاحقة للغزوات ونشر القرآن. فالصفات الشكلية والمورثات، والعادات والتقاليد، وحتى اللهجات تعدم البعد الوراثي العرقي العربي عن الشعوب المسماة جدلاً بالعربية في سوريا الكبرى ومن ضمنها الجزيرة، وعليه فالكتاب العروبيون الذين يقدمون نظرياتهم عن القومية العربية الواحدة، والجغرافية العربية، يتغاضون عمداً عن حقيقة واضحة وهي ليس كل من يتكلم العربية اليوم هم عرب، المستعربة أو العاربة، بل هي شعوب تركت لغتها مع اجتياح لغة السلطة، ولغة القرآن، ورباطها مع العروبة رباط لغوي، أضيفت إليها رهبة المستبد، لا أكثر، فالواقع الجاري يحتاج إلى إعادة بناء كلي، وتجديد للمفاهيم الخاطئة التي فرضتها السلطات العروبية، وعلاقاتهم مع الشعوب الأصلية بدأت تنمو بشكل خاطئ من بدايات تدميرهم للحضارات الساسانية والمصرية والبيزنطية.
5- الخريطة 1-1 الواردة في الكتاب، الصفحة(42) والتي يستند عليها لتبيان حدود جغرافية الجزيرة، أي كوردستان الجنوبية الغربية، وتوزيعها بين القبائل العربية الثلاث بكر وربيعة ومضر، حديثة المنشأ، وعلى الأغلب ظهرت بتحفيز من الحركات القومية العروبية، وتاريخها تعود إلى عام 1922م، وهي من ضمن الفترة التي برزت فيها الحركات المذكورة، ولا يستبعد أنها فبركت ضمن أقبية المراكز الأمنية، والمسمات جدلاً بالمراكز الاستراتيجية العلمية، مثل غيرها من صفحات التاريخ المزور والمفبرك، ولا توجد خريطة غيرها أو أقدم منها، تبين أسماء القبائل الثلاث في المنطقة، أو التسميات الجغرافية التي أصبح الكاتب يوردها ضمن كتابه كجدلية مطلقة منتهية الإثبات! علماً أن الاستناد على الخرائط القديمة مطعونة فيها لظهورها في الفترات اللاحقة للخلافة العباسية، وكانت ترسم بطلب من الحكام، ولا تعكس التاريخ، ولا الواقع الحقيقي للشعوب، حتى ولو أن أحد أقدم تلك الخرائط تبين وجود الشعب الكوردي في المناطق التي يجردها الكاتب للقبائل العربية الشمالية المستعربة. والكاتب في سنده هذا، يؤكد على عدمية البعد التاريخي للوجود العربي في الجزيرة السورية، مثلما استند كتاب آخرون على بعض الخرائط ومتناسين أخرى، لتثبيت وجهة نظرهم، حول وجود القبائل العربية الثلاث في كوردستان، وهم مثله يفضحون الفبركة التاريخية، خاصة عندما يأتي هو والأخرون على ذكر المناطق الحديثة ضمن الدولتين الوليدتين (سوريا أو العراق) كأجزاء من الديار الثلاث أو قسم منها، ليثبت جغرافيته القبلية المختلقة. وفي الواقع هذه الطفرة الجغرافية تنامت مؤخرا بين العديد من الكتاب العروبيين، ومعظمهم استخدموا الخريطة المذكور الحديثة العهد، ويعرضونها كمصدر لوجودهم الجغرافي والتكوينات السياسية العربية المعاصرة، بعد تصاعد أسم الكورد وقضيتهم في المحافل الدولية.
يتبع…
[1]