=KTML_Bold=محمود عباس: مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً الجزء “السابع والعشرون”..=KTML_End=
قراءة في كتابه: التكوّن التاريخي الحديث للجزيرة السورية.
قضية الجزيرة الكوردستانية حديثاً
وللتغطية على عريه الفكري-السياسي، وتاريخه المفبرك، وتشويهه للحقائق، خصص الكاتب محمد جمال باروت صفحات عديدة من كتابه، عن تاريخ الجزيرة في القرن الماضي، عرضها بمنهجية البعث والشريحة العروبية، الغارقة بالتزوير وفبركة تاريخ المنطقة والشعوب التي استعمرت عربيا تحت الصبغة الإسلامية، مروجا أفكار الأنظمة العروبية، ومراكز أبحاثهم ودراساتهم الاستراتيجية، والتي خصصت لها سلطاتهم الملايين من الدولارات، لتثبيت فبركاتهم التاريخية.
يستند الكاتب على منطقهم وأفكارهم، وكأنها جدلية مطلقة، ولا بديل عنها، كترويجه لمفهوم (رابطة الدم) بين شعوب الحضارات السورية والقبائل العربية الغازية والمحتلة لا حقاً، وبالتالي يجعل الطرفين امتداد لبعضهم، وعليه ينفي مع غيره من المؤرخين والسياسيين العروبيين أن تكون غزوات القبائل العربية للمنطقة استعماراً كالاحتلال البيزنطي لسوريا.
وهو المفهوم الذي حرض له عروبيا والقوى الإسلامية السياسية العربية وسميت بالفتوحات تماشيا مع المصطلح الذي أطلقه ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان) فيقول محمد جمال باروت في الصفحة (825) ” واتسم الهلال الخصيب في هذا القلب منذ ” آلاف السنين” بعلاقته البشرية وحتى ب “رابطة الدم” وفق مفهومها الخلدوني من الناحية البشرية مع قبائل شبه الجزيرة العربية المنتقلة إلى مراعيه وأراضيه قبل الفتح العربي الإسلامي” وفي الحقيقة هنا يحرف المفهوم الخلدوني، ليتطابق على ما يعرضه، علماً أن أبن خلدون واضح في هذا، فهو يميز بين البداوة والحضر، وقد تعمق فيها في مقدمته، بل أن فصول من كتابه يركز على عدم وجود مثل هذا الرابط، والبداوة لا تخلق بقرون، وتأخذ مراحل زمنية طويلة قبل الحضر، فكيف سينتقل العرب من البداوة إلى الحضر خلال سنوات الغزو القصيرة.
وفي الحالة المعاكسة، يضع الفرضية بأنها حدثت قبل عشرات القرون من بداية الغزوات، أي انتقال الشعوب السورية الحضرية إلى الجزيرة العربية وتم حينها تراجع في نوعية النمط المعيشي من الحضري إلى نمط البداوة، وحتى لو حصل في الواقع فلا بد وأن تبقى موجودة في ذاكرة الشعوب، ولكن كره القبائل العربية الجاهلة لحياة الحضر، دلالة على أنهم لم يعرفوا يوما النمط الحضاري، وبالتالي ليس لهم أية علاقة بالشعوب السورية وحضاراتها، ولم تكن موجودة قبل الغزوات، فحتى لو استندنا إلى قصص الأديان السماوية، المؤدية إلى أن ظهور القبائل العربية المستعربة، وهؤلاء لا علاقة لهم بالعرب العاربة، والقبائل المهاجرة من سوريا كإبراهيم الخليل وقبيلته القادم من أور مروراً بأورفه، إلى حيث فلسطين ومن ثم مكة، حسب النصوص الدينية دون وجود إثباتات اركيولوجية علمية، شكلوا مع مرور التاريخ القبائل العربية المستعربة، أو شعب الصحراء، لكنهم ظلوا بمنأى عن الاختلاط مع الشعوب السورية وبلاد ما بين النهرين الأصليين، وانفصلوا عنهم بزمن يمتد إلى قرون، وإذا حكمنا بهذه الجدلية فجميع شعوب الشرق الأوسط هم في البدء كانوا من نوح ونوح كان من منطقة كردستان الحالية، وبالتالي جميع الشعوب من هذه المنطقة، وهي رؤية أكثر من ساذجة في تقسيم الشعوب وخلق رابط الدم بينهم.
وهذا النهج ينجر على السلطات التي حكمت المنطقة على مر التاريخ، فهي ورغم التسميات المتنوعة فهي تنتمي إلى كل الشعوب، ولكن الواقع ومنذ بدء التاريخ وحتى اللحظة تتعارض وهذا النهج الساذج، فالحاكم أو الحكم البيزنطي كان مجرد نظام حكم تابع لإمبراطورية، استعمرت المنطقة، لكن أغلب حكام المنطقة كانوا من شعوبها، ولم يكن يفترض أن يكون منتميا إلى قبيلة بيزنطية، كما أفترضها العرب بأن يكون الحكام حصرا من قريش ولا حقا من العرب. أما بالنسبة للساسانية فهم كانوا الأصل شعبا وحكاما، أي أنهم لم يكونوا مستعمرين، بقدر ما كانت القبائل العربية الغازية، حتى ولو صنفوا تحت راية الإبراهيميين، قصص الأديان السماوية.
ويقع الكاتب في تناقض آخر ضمن الصفحة (825) وعلى الأغلب يدركها، مع ذلك يتداولها لأنه في الواقع يود زيادة صفحات كتابه حتى ولو غرقت في التناقضات، وهو هنا يتحدث عن تكوين سوريا من اللاشيء، وتحت مخطط استعماري خارجي لا علاقة لشعوب المنطقة بمجرياتها، ولم تعكس رغباتهم وطموحاتهم، وقد امتدت تشكيل الدولة السورية، بولادة قيصرية خلال سنوات (1920م- إلى عام 1939م) لا كما يذكرها هو لأن آخر رسم لحدود سوريا انتهت في عام 1933م والتي طبقت على بنية اتفاقية انقره الثانية، وهي كانت حدود لواء اسكندرونه، لا شك أن هذا النهج مطعون فيه، والمصادر متضاربة، والعرض في عمقه مبني على خلفية عنصرية لا سند تاريخي وقانوني له وتناقضه هنا فاضح. وهو بذاته يناقض نهجه السابق عندما يقول ” وكان رسم حدودها قد تم عبر رحى القوى واستغرق رسم حدودها مع كل من العراق وتركيا نحو ثلاثة عشر عاماً (1920-1933)، وتشكلت في النهاية منذ عام 1939 بعد سلخ لواء اسكندرونه من سوريا وضمه إلى تركيا” وهنا تتبين حداثة تشكيل سوريا الحالية، وعملية البتر لجنوب غربي كوردستان.
ينتقل في الفصل الموجز عن كتابه، إلى مفهوم مفاده أن الحركة القومية الكوردية، وقضية غربي كوردستان تشكل على خلفية ثلاث عوامل أو ظهور ثلاث حركات كوردستانية سياسية الحزب الديمقراطي الكوردستاني العراقي، والحركة الأبوجية كما يوردها هو، والثالث هو تأثير بعض النخب الثقافية السياسية الكوردستانية العراقية الذين حرضوا السياسيين الكورد ضمن سوريا، وبالتالي نضجت مفهوم كوردستان الغربية أو غربي كوردستان، ويذكر بأنهم كانوا خلف تشكل المفهوم ويهاجمها بقوله في الصفحة(834) “بينما لم تشكل المناطق التي يتكثف فيها الوجود الكردي السوري قط في أية مرحلة من مراحل الحركة الكوردية الحديثة جزءاً من كردستان” لا شك يتناسى العديد من العوامل والوثائق التاريخية التي تفند مقولته هذه، فقد أستند في معظم مراحل دراسته لتاريخ المنطقة وتاريخ الحركتين العربية والكوردية وتشكل سوريا إلى ما يتلاءم ونهجه العروبي العنصري، باستثناء حالات عرضية عكست مفهومه.
وفي الواقع العوامل الداخلية التي أثرت على الوعي الكردي كان له تأثير، لكن هناك عامل خارجية أقوى وأهم ، من العوامل الداخلية المذكورة، ومنها عامل سيطرة النزعة العروبية العنصرية وظهور الحركات القومية العربية الشوفينية على الساحة السورية، وانتصارها على الوطنية وأصبحوا الأغلبية السياسية، وسيطروا على الذين كانوا ينادون بالمفاهيم الوطنية بعد الانتداب، وشريحة واسعة من هؤلاء حتى في المراحل الأخيرة من الانتداب كانوا في عمقهم من المحرضين على التصعيد القومي، والمؤدي إلى رد الفعل الكوردي، وظهور الحركة القومية الكوردية، وبالتالي انتقال الكورد السياسيين والمثقفين والملاكين إلى الحيز القومي، مقابل ما كان يطبخ في الطرف العربي، كمحاولاتهم تطبيع الشعب الكوردي، وخلق تاريخ ملفق ومشوه للمنطقة، للقضاء على مقومات القومية الكوردية، والتي كانت تسير هادئة تحت غطائي الوطنية والأمة الإسلامية.
وهذه اللعنة الشوفينية نزلت على الأحزاب والحركات والشخصيات العروبية بدءاً من الملك فيصل الذي فضل العرب على الأديان السماوية في خطابه المشهور في حلب عام 1920م، وكذلك من زكي الأرسوزي والحصري والحوراني وميشيل عفلق المستعرب، وأمثالهم، ومن بينهم معظم رؤساء الحكومات المتتالية بعد الانتداب إلى أن تمخضت بشكلها البشع في البعث والأسد…
يتبع…
[1]