هل خسر الإقليم الكوردستاني قوته أمام أدوات إيران؟
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 7168 - #20-02-2022# - 10:16
المحور: القضية الكردية
تعطيل التطور في الإقليم الكوردستاني، أصبح الهاجس الأول لكل القوى المتربصة، لأجلها يتم تحريض المكون الشيعي، وعلى كل المنحنيات، من محاولات توسيع الخلافات الداخلية، إلى إضعاف الإقليم اقتصاديا، إلى الطعن في نزاهة البعض من قياداتها، والتشكيك في ديمقراطيتها، ومن المؤسف أن الأبواب مشرعة لهم، من خلال الطرف الكوردي المعارض، والفساد المتزايد، التي هزت البنية القوية للإقليم، إلى درجة لم تعد تجدي نفعا، وضعف تأثيره في المجالين الداخلي والدولي.
ولقناعة أدوات إيران التامة أن التبعية والفساد في العراق الشيعية بلغت مرحلة اللاعودة، والإقليم يتصاعد، وجدوا أن تعطيل المنوه إليه أصبح من ضرورات اللحظة، لذلك أثاروا وبدعم إيراني الاستحقاقات النفطية، من خلال فرض الإملاءات على المحكمة الإتحادية، آملين أن يجعلوا من الإشكالية الدستورية واحدة من الشرارات التي قد تلهب مستقبلا ليس هولير المتطورة، بل العلاقات بين هولير وبغداد.
فما يجري اليوم في العراق المتهاوية، لا يختلف ما تم في الماضي بين حكوماتها وكوردستان، الذهنية العنصرية الثقافية والأخلاقية هي ذاتها، اجترار لمستنقع البعث بوجوه جديدة. شعب الإقليم الكوردستاني أمام صفحة تضاف إلى الصفحات التي احترقوا فيها، أو احرقوا ذاتهم لإنقاذ وحدة العراق، خلال العقدين الأخيرين، والتي تم فيها هدر الطاقات لإنقاذ الفاسدين الذين كانت كوردستان تحتضنهم يوما كالمعارضة، ودفعتهم للصدارة، إلى أن بلغت بهم القدرة للطعن في ركائز الفيدرالية، ومحاولة إلغائها من الواقع العملي، آملين تهميش بنود النظام الفيدرالي ضمن دستور لا يزال كثيره مشوها.
العراق دولة أكثر من عاجزة أمام كتلها المذهبية والتي ولاءاتها لغير العراق، ضعيفة خارجيا؛ هشة داخليا، قوية على كوردستان، دولة متعددة البيئات والطوائف والإقطاعات، تنهشها المذهبية منذ الخلافة العباسية أي قبل 1300 سنة إلى اليوم، ومن المؤسف أن كوردستان العشائرية أو الحزبية العشائرية لم تسلك طريقا مغايرا طوال هذا التاريخ. ولنكن منطقيين، فثلما تعطلت اليوم المناصب، والتعددية في العراق، تماهت معها كوردستان في العديد من الأبعاد. لم يستجد في الطرفين أي تغيير سياسي جوهري، ظلت الوجوه ذاتها، ساهموا في الانقسام الاجتماعي الحزبي المذهبي، والذي يعتبر أحد عناصر إضعاف كوردستان القوية أمام الكتل العراقية الهزيلة.
بغض النظر عن تعارض القرار الحالي مع المادة 112 الدستورية، ورفض القاضيين الكورديين للنص اللا دستوري، كان قراري المحكمة الإتحادية: الطعن في نزاهة المرشح الرئاسي الكوردي السيد هوشيار زيباري. ولا دستورية استثمار كوردستان لنفطها وغازها، غايات أبعد من ظاهرها، وهي دفع العراق إما إلى التقسيم، أو إلى دولة اللا دولة، أو خلق حرب أهلية، كوردية شيعية، مثلما كانت في السابق كوردية بعثية-سنية، أو صراعات مستمرة بين مكوناتها ليتم تعطيل كل ما هو إيجابي في النظام الفيدرالي، ومن أحد مخرجاتها أن شعوب الدول الأخرى المحتلة لكوردستان لن تتأثر مستقبلا بطفرات الإقليم الكوردستاني.
لذا يفترض على قيادة حكومة كوردستان، مواجهتهم على أسس مغايرة لما تم في الماضي، والعمل على إحداث تغيير بنيوي في النظام المركزي السياسي العراقي المهيمن، ليس لمواجهة النظام المذهبي العنصري في بغداد، بل لإقناعهم أو إرضاخهم لقبول جدلية المسيرة المنفصلة بين الطرفين، ومن ثم التحضير للقادم المتوقع والذي لا بد منه. فقد ثبت وعلى مر التاريخ، أن الشعب الكوردي كان مساهما في بناء معظم حضارات منطقتنا، وإقامة الإمبراطوريات وتوسعها، وتشكيل حكومات وإسقاط بعضها، ولم يغب عن الساحتين الثقافية والسياسية في جميع المراحل الزمنية، بل كان مشاركا أو طرفا رئيسا في أغلب إدارات شعوب المنطقة وأنظمتها، بسلبياتها وإيجابياتها. مع ذلك ظل تابعا وأداة للاستخدام عند الضرورة.
والمؤلم أن الشعب الكوردستاني وبكل مكوناته، ومذاهبه، كان ولا يزال في قمة التفاني، دون أن يعير معظم قادته إلى قادم أمتهم، على أن يكون لهم نظام سياسي - إداري تحت أسمهم الكوردي أو الكوردستاني، واستمرت تبعيتهم للقوى المهيمنة؛ وتقديم الأفضل لهم، مقابل تصعيد الخلافات بين بعضهم على أسس الموالاة، ليس لمن يقدم الأفضل للشعب وقادمه، بل لمن يساعده على إذلال الكوردي الأخر.
لذا علينا أن نُحمِل ذاتنا، كحراك، أسباب قدرة المحكمة العراقية الاتحادية الطعن في استغلالنا لاقتصادنا المنهوب على مدى قرن وأكثر، وندرك، أن أي صعود لقضيتنا لا بد وأن تستند إلى العامل الداخلي، الجدلية التي أصبحت أكثر من معروفة، والتي تفند النظريات المبنية على أن مصير الشعب الكوردي وقضيتهم كانت ولا تزال بيد القوى الدولية التي رسمت خرائط المنطقة، وتحكم على قادم شعوبنا، وكثيرا ما تتماها معها حراكنا للتغطية على الضعف الذاتي، نعرضها إما كتأنيب للضمير، أو لتبرير ما كانوا ولا زلوا عليه قيادات الأمة من ضعف القدرات السياسية والدبلوماسية، مع هشاشة الوضع الاقتصادي، العامل الأخير والذي هو نتيجة عدم قدرتهم على الخروج من قوقعة الخلافات الداخلية، وأصبح أحد أسباب التناحر بين الحزبين الحاكمين سابقا، وكل الأحزاب حاليا، وعلينا ألا ننسى أن العلاقة بين الواقع الاقتصادي والخلافات الداخلية، طردية عكسية، نبتت على أرضيتها شريحة من تجار الحروب، والفاسدين، والسياسيين الانتهازيين، وهم الذين سهلوا للقوى التي تتحكم بالمحكمة الإتحادية وغيرها من إدارات بغداد المركز أو التابعة للمكون الشيعي-الإيراني عرقلة تطور كوردستان وقادمها، لذا بدون تقوية الداخل الكوردستاني، وإيقاف التآكل الداخلي، والحد من الفساد، وتوسيع أطر الديمقراطية، ستظهر إدارات عراقية أخرى لتضع مطبات مغايرة لعرقلة التطور الكوردستاني.
[1]