من مآسي حراكنا الكردي - الجزء الرابع
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6547 - #26-04-2020# - 11:28
المحور: القضية الكردية
يخطأ من يقول إن الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، وجريدتينا (بينوسا نو) بنسختيها الكردية والعربية، مستقلة، مثلما يخطأ من ينتقدنا عندما لا نشارك في السلبيات الناتجة عن الصراع الجاري بين طرفي الحراك السياسي، فلنا خط فكري ثقافي واضح؛ نسير عليه، وعلى الأغلب هناك من لا يتوافق مع الكثير مما نطرحه، وفي مقدمتهم مجموعتي الأحزاب السياسية والشرائح الثقافية التابعة لهما، فكما نعلم لا يوجد كردي مستقل، والاستقلالية جدلية خاطئة، وهنا وفي ظروف الحراك الكردي تعني الابتعاد عن القضية، لذلك كنا واضحين منذ بداية الصراع السوري، أن الطرفين المتنازعين في الحراك السياسي الكردي( أنكسي وتف دم) يمثلان قطبي النزاع الفاشل والمهين على المجتمع الكردي، ومع الزمن أصبحا مرفوضان من أغلبية الشعب؛ وخاصة من الحركة الثقافية الواعية، وهناك من كان له مصلحة في إظهارهما كممثلين عن المجتمع والحركة الكردية، طابت لهم هذه المنهجية، وتمسكوا بها رغم كل السلبيات، وعلى أثرها رفضنا مشاركتهم في جل ما كانت تملى عليهم، والتي بها خسروا مصداقيتهما وتاهوا في الدروب.
ويخطأ من ينادي بالخط الثالث، المشابهة لمنطق الاستقلالية، فهو اعتراف مباشر بالطرفين الحزبيين؛ المتخاصمين تحت إملاءات خارجية، فما ننتهجه، لا تعني الاستقلالية، كما ولا مكان للصراع الكردي-الكردي فيه، ولا تعني إلغاء النقد البناء، ونسخر نشاطاتنا لتصحيح المسارات، وتوعية الحراك السياسي والمجتمع، وعلى أساسها لم نميل إلى أحد الجهتين، رغم أننا لم نتقاعس يوما في دعم الإيجابيات، وبالمقابل سكتنا عن سلبياتهما الصغيرة؛ ليس تهاونا، بل من باب الحكمة، لئلا نزيد الشرخ ضمن المجتمع الكردي، ولنخفف من الصراع الفاشل.
لا شك لم ننتم كحراك ثقافي إلى أي من الطرفين الحزبيين، لأننا لم نجد فيهما قدرة الاحتضان، ولا سعة الوعي والإدراك على الاستماع، كما ولم نكن نملك الإمكانيات الكافية لتصحيح مساراتهم؛ فيما لو انضممنا إليهم، والتي معظمها ترسم من جهات غير واضحة المعالم، ولم نملك قوة المواجهة من داخل تنظيماتهم، وعليه فضلنا وعن وعي العمل خارج الأطر الحزبية الموجودة، وجل من أتبعوهم من الحراك الثقافي استخدموا كأدوات لأجندات حزبية، خسروا قدراتهم مع الزمن.
الطرفان يمثلان قطبي النزاع البائس في مجتمعنا، لكنهما ليستا بوصلة أو مؤشر لنعت أي طرف ثقافي لا يتماشى معهم بالاستقلالية السلبية وفي منطقهم تعني التقاعس عن أداء الواجبات القومية. وفي الواقع تعيينهم كقطبين ومساندتهم على هذه المنهجية، نتجت عنها الكثير من السلبيات، وقد تزداد مستقبلاً.
الاستقلالية جدلية مطعونة فيها، تنشرها الشرائح التي لا تريد مجابهة القوى المهيمنة على رقاب المجتمع، وفي واقع الحراك الكردي في جنوب غرب كردستان، تبنته طرفي النزاع، وهو مفهوم لا يختلف عن المفهوم الذي نشرته السلطات الشمولية، من لا يكون معنا فهو ضدنا، لأنه لم يكن هناك قطب أخر ينافسه.
رغم ذلك ورغم ما قمنا به لم نتمكن نحن في الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، وقبلنا شريحة لا بأس بها من حركتنا الثقافية وعلى مدى العقود الثلاث الماضية من إحداث تغييرات مناسبة لمفاهيم شعبنا، وعندما استمرينا في انتقاداتنا وتهجمه البعض من حراكنا وبالأساليب الكلاسيكية ذاتها، لم ننقذ أحزابنا السياسية من أوبئتها، ولا من براثن القوى الإقليمية وإملاءاتها، كما ولم نتمكن من إلغائها، ولا من صنع البديل أو إنتاج الأفضل، بل ساهمت شريحة واسعة من حراكنا الثقافي، وخاصة المتعاملة مع الأحزاب أو التابعة لها، في تعمية بصيرة المجتمع والحراك السياسي معاً، ونستطيع القول إنها لا تزال تعيش في دوامة بين المفاهيم المتضاربة التي تطرحها الأحزاب المتصارعة. فقد شاركت شرائح منها، وخاصة الراضخة للإملاءات الحزبية، في إثارة حلقات التخوين، وتوسيع الشرخ بين الحراكين، المؤدية إلى إعادة إنتاج السلطة الشمولية في المنطقة، وعلى أثرها استمر جدلية القطبين، التي حافظت القوى المهيمنة على وجودهما.
ومن جهة أخرى والتي تضيف البشاعة على الواقع الكارثي، ففي الأونة الأخيرة ازدادت ولادات الأحزاب، وفاقمت من انشطاراتها السابقة، إلى أن أصبحت منبعاً لسخرية الشارع الكردي، فتكاثرها وضعفها رسخت لدى مجتمعنا قناعات بعدمية قدرتها تحقيق أدنى المطالب القومية الكردية.
لم يكن خافيا دور السلطة في معظم ما كان يجري ضمن تنظيماتنا السياسية، عن طريق مرابعها الأمني المشهور بكل قبائحه في قامشلو، لكنها اليوم وبغياب السلطة النسبي لا بد وأنه هناك من يقوم بدورها، ولربما القطبين أو أحدهما، الذي يريد إنتاج السلطة في ذاته، أو أنه يعيش الضحالة الفكرية في كيفية تناول القضية القومية والوطنية، وهنا نشاهد غياب دور الحراك الثقافي وضعفه في تصحيح المسار أو توعية الأحزاب المعنية.
تخلف القطبين عن مطالب الشارع الكردي، وتراجعهما في البعدين القومي والتنظيمي أصبح جليا للمجتمع، كما ولم يبينا عن أية مهنية في معالجة القضايا القومية على المستويين الإقليمي والدولي، وكمحاولة للحفاظ على وجودهما المرفوض من قبل أغلبية الحراك الثقافي والمجتمع، يتقبلان كل ما يملى عليها من الخارج، كالحفاظ على تشرذمها، وتوسيع الشرخ ليس فقط بينهما كأحزاب، بل بينها وبين الحراك الثقافي، وكمحاولات لرأب الصدع، وتصحيح الواقع المؤلم، وتنوير الدروب والنهوض بهما، حافظنا على منهجية عدم السقوط في منطق التحيز والوقوف مع طرف ضد الأخر، لكن تتبين يوما بعد أخر أن جلهم يؤمنون بمنهجية الأحزاب الشمولية، يبتذلون النقد، ويهاجمون كل مثقف لا يتغاضى عن أخطاءهم، وفضائحهم، وتحريفاتهم حتى للتاريخ الكردي. وبشكل أو أخر يرفضون توعية الذات، أو التجمع مع الأطراف الأخرى، وخاصة الحراك الثقافي الرافض للقطبين المتنافسين، الدارس لمجريات الأحداث، ومعالجة القضايا بعقلانية وبعد قومي، علها تنقذهم من التبعية، وليس من الهلاك، والتي نراها صعبة لكنها ليست مستحيلة.
لأننا جميعنا نعلم أن أحزابنا كانت تتلقى الإرشادات المباشرة وغير المباشرة منذ عقود، والمدرك للواقع لم يكن يعاتبهم عليها، لأنها كانت تعيش تحت هيمنة نظام مجرم، وسلطة شمولية لم تتوان من استخدام كل أنواع الإرهاب عن طريق مربعاتها الأمنية، وكانت من الحنكة الحفاظ على الذات والتلاؤم مع الواقع، لكن الظروف تغيرت في السنوات الأخيرة لصالحهم، وبإمكانهم تطوير الذات، وتغيير مفاهيمهم ومنهجيتهم. لكن جلهم وحتى الآن يفضلون الحفاظ على ماضيهم، إما لأنهم يؤمنون بالثقافة الشمولية التي تربوا عليها، أو أنهم دون الإمكانيات الفكرية على التغيير.
وفي الحالتين يحاولون إعادة إنتاج النظام السابق أو المشابه له، كطريقة وحيدة لديمومة الذات بمنهجية السيد والموالي، وهنا يتفاقم الصراع بينهم وبين الحراك الثقافي، وكثيرا ما يهاجمون شريحة منه، إما بإملاءات خارجية أو كأسلوب ساذج لإعادة إنتاج ما لقنوا من المفاهيم، فيحاولون التصدي لكل نقلة نوعية للحراك الثقافي، أن كان فرديا، وهو ما تم ويجري الآن مع عدد من كتابنا وإعلامينا، أو محاربة ممنهجة لمحاولات حراكنا الثقافي خلق تكوين حديث عصري للحراك الكردي السياسي محرر فكريا من التبعية للخارج، كمحاربتهم ل (الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا) وبأساليب عدة.
تدرك الأنظمة المحتلة لكردستان، أن بيننا وبينهم خطوة زمنية لا حضارية من حيث السيادة، ونحن على سويتهم من الإدراك والوعي إن لم نكن قد تجاوزناهم، والسيادة التي يتمسكون لا بد من تدميرها، وإعادة تكوينها بنظام فيدرالي لا مركزي، لإنقاذ ليس فقط مجتمعنا الكردي بل شعوب الأنظمة الاستبدادية ذاتها، كالشعب العربي في واقعنا ضمن سوريا كوطن وجنوب غرب كردستان كمنطقة، والعنجهية السابقة لا محالة منتهية، رغم ما تملكه السلطة والمعارضة السوريتين من الإمكانيات، وما تصرفه على أجهزتها الأمنية والإعلامية من أموال، لمواجهة الصعود الكردي، والتي في كثيره لا زالوا ينجحون حتى اللحظة.
لهذا نحيد بالأحزاب الكردية التخلي عن منهجيتهم الفاشلة، لأنها مبنية على الثقافة الماضية الفاسدة، فالحراك الثقافي والإعلام الحر رغم مرارة لهجاتها، يظلان منبعا التنوير، وبالصراع معهما يخلقون ساحة مليئة بالمرارة، ولنبلغ الغاية ونبني وطنا جميلا لا بد من التعاضد، وتقبل بعضنا، بل على القطبين دراسة كل الانتقادات الموجهة إليهما، علها تشع عليهما نورا.[1]