الحدود الجغرافية لبلاد الكورد كوردستان فى مطلع القرن السابع الميلادى 2
#فرست مرعي اسماعيل#
من الضرورى بمكان، رسم خارطة توضيحية اللأقاليم الجغرافية التي تضم بلاد الكورد تبين فيها بصورة جلية مواطن الكورد (كوردستان)، نظرا لاختلاف التسميات الجغرافية تبعا للتسلسل التاريخى من عصر الى عصر، والتداخل الاثنى (العرقى) بين الكورد والفرس والارمن والسريان وغيرهم بفعل عوامل العيش المشترك معا فى تلك الاصقاع.
كانت بلاد الكورد في عصر ما قبل الاسلام وفي بدايته تقع ضمن عدة اقاليم جغرافية أشار اليها البلدانيون (= الجغرافيون)، ومنها: الجزيرة الفراتية (= ميسوبوتاميا)، ارمينيا (= بلاد هكاري والزوزان)، إذربيجان (= أتروباتين – ميديا الصغرى)، اقليم الجبال (= الغربي- ولورستان الشمالية) ، خوزستان( = لورستان الجنوبية)، فارس (= الزمزم الكوردية).
ولم يكن خافيا محاولة بعض مؤرخى الامم السابقة الذكر طمس المعالم التاريخية والجغرافية الكردية بدوافع دينية وعنصرية محضة، والقاء ظلال من الشك حول اصل الكرد ومحاولة ربطه بجنسهم، أو محاولة ربط انتماء الكرد واسقاطها على نظريات اسطورية كالضحاك والجن، اضافة الى ذلك أن الذين أرخوا لهذه الفترة لم يعايشوا مجريات الاحداث التى كانت كوردستان مسرحا لها، أو كان الكورد ابطالها وهذا ينطبق الى حد كبير فى المناطق التى كانت خاضعة للسيطرة الفارسية الساسانية.
أما المناطق الكوردية الخاضعة للسيطرة الرومية البيزنطية والارمنية فان الدوافع هنا تختلف بعض الشىء، فقد سار المؤرخون والجغرافيون والبلدانيون المسلمون على نفس النهج الذى اتبعه المؤرخون والجغرافيون اليونان والرومان والارمن فى اطلاق اسم ارمينيا وميسوبوتاميا على مناطق كوردية كثيرة، حتى بعد مرحلة الاستقرار الاسلامى فيها لعدة قرون كبلاد بلاسجان(= بلاشجان) وساترودان، والمناطق المحيطة بنهر الرس – نهر الاكراد (= نهر آراس - شمال غرب بحيرة اورمية). وأطراف بحيرة وان، مناطق الزوزان (جنوب بحيرة أرجيش - وان) ، كمنطقة هكاري، ومناطق (ديار بكر الحالية وأطرافها)، جزيرة بوختان (بوهتان -بوتان – جزيرة وأطرافها الغربية والجنوبية).
ان الباحث قد لايجانب الحقيقة اذا قال بان حوالى النصف من الاراضى المحسوبة على ارمينيا من الناحيتين الادارية والاسمية هى اراض كوردية -وللبرهنة على ذلك يمكن الاستدلال بكتابات المؤرخين والجغرافيين اليونان بل - وحتى الارمن انفسهم- فى هذا المجال أمثال :هيرودوت، زينفون، سترابون، موسى الخوريني (مايساي خورنيسكى)، جيفوند، اليزيه وردبت، ليو الارمني، ومادونه المستشرقون المعاصرون على سبيل المثال لا الحصر: وايسباخ، درايفر، مارك سايكس، كيرزون، مينورسكي، والخرائط التفصيلية الملحقة بتاريخ كمبردج القديم، اضافة الى المصادر السريانية .
بناءا على ما تقدم نجد ان الكورد شعب واسع الانتشار يمكن ان نجد مواطنه تمتد من خراسان فى شرق ايران وهمدان حتى تخوم آسيا الصغرى فى سميسات (شمشاط) وملاطيا على حد تعبير درايفر. ولكن هذه المناطق قد تقلصت وتمددت حسب الظروف، إلا ان هذه الملاحظة تنطبق على اطراف البلاد المذكورة، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان اقواما اخرى كالفرس والارمن والعرب يشاركونهم العيش فى هذه البقاع المذكورة، اما قلب كوردستان اما يطلق عليه (الكوردستان المركزى) فبقى مستمرا واحتفظ بكل الاسس والمقومات القومية للكورد من دين ولغة وعادات وتاريخ مشترك .
ومما تجدر الاشارة اليه أنه كان على الباحث ان يستعين بالمصادر اليونانية، السريانية فضلا عن الأسلامية، كي يستطيع الألمام بما يمكن أن نطلق عليه اسم الجغرافية السياسية للمنطقة الكوردية ابان عصر صدر الاسلام، ليتمكن من خلال الجمع والمقارنة بين هذه المصادر الوصول الى أفضل صيغة علمية ممكنة لرسم خارطة (كوردستان) انذاك.
فالمصادر اليونانية تشير الى عدة مقاطعات تفصل مابين بلاد أرمينيا وبلاد ميسوبوتاسيا (بلاد مابين النهرين) وبضمنها مقاطعه كوردوئين القديمة Gordyene التي كانت عبارة عن مقاطعة صغيرة تحتل الجبال والتلال والهضاب الممتدة بين ديار بكر- نصيبين- وزاخو، والى الجنوب الشرقي منها كانت هناك مقاطعة باسم اديابين Adiabene تشمل جميع المناطق شبه الجبلية الممتدة حول أربيلا (أربيل) وحتى نهر سيروان (= ديالى)، والى الشمال الشرقي من اديابين كانت تقع مقاطعة أتروباتين Atrobatene (ميديا الصغرى) ، وفيما يلي هذا الأقليم كانت تمتد مرة أخرى الأراضي الميدية Media الواسعة وغير المحددة بشكل دقيق .
وهؤلاء الميديين هم الأجداد الحاليين للكورد حسب النظرية التي تبناها المستشرق الروسي فلاديميرمينورسكي (1877 – 1966م) في المؤتمر العشرين للاستشراق الذي عقد في مدينة بروكسل عام1938م، وتبناها باحثون آخرون من الاوروبيين فضلاً عن غالبية الباحثين والمؤرخين الكورد وغيرهم، وهذه النظرية تثير التساؤل الاتي؟ لو لم يكن الأكراد أحفاد الميديين، فماذا حل اذن بشعب عريق وجبار،ومن أين انبثقت هذه الشبكة الواسعة من القبائل الكردية التي تتكلم بلغة ايرانية موحدة، ومتميزة عن اللغات الأيرانية. وعلى مايبدو فان بعض المصادر والخرائط السريانية تدعم هذه النظرية .
ومن جانب اخر حددت المصادر السريانية المنطقة الكوردية بالاراضي الواقعة بين جبال زاكروس شرقا وجزيرة ابن عمر وجبال طورعابدين غربا، الا ان مصادر هم المتاخرة اعتبرت هذه المنطقة سريانية .
وعلى هذا الاساس يمكن أن نحدد منطقة كوردستان في مطلع القرن السابع الميلادي/ الاول الهجري من ناحية الجنوب في مقاطعة خوزستان (= عربستان) بالخط الذي يمتد شمال مدينة الاهواز قرب مدينة مناذر، ويمتد الى الشرق موازيا نهر الدجيل (الكارون) الى ان يصل مقاطعة فارس حيث يلتف على زم الرميحان احدى زموم الأكراد في فارس وبعد أن يلتف الخط حول هذا الزم ينحرف باتجاه الشمال الغربي ويضم رستاق القامدان الواقع في جنوب غرب مدينة اصفهان، وبعدها يمتد الخط بانحراف بسيط باتجاه الشمال الغربي حيث يفصل المناطق الفارسية عن منطقة اللور الصغرى الكوردية، ويستمر بنفس الاتجاه مع انحراف بسيط نحو الشمال الشرقي حيث تقع مدينة سهرورد الكوردية (= موطن الفيلسوف الاشراقي الكوردي – شهاب الدين السهرودي المقتول (549 – 587ﮪ/1154 – 1191م) ، ثم يرجع الخط الى سيرته الاولى ويقطع نهر سفيدرود ويظل في سيره الى ان يلتقي مع بحيرة اورمية في زاويتها الجنوبيه الشرقية، بعدها يستمر الخط نحو ساحل البحيرة الشرقي، وعندما يصل الى نقطة في أقصى الشمال الشرقي منها ( = جبال سَبَلان) التي يبلغ ارتفاعها 4000م عن مستوى سطح البحر، وهي سلسلة تمتد من جبال آرارات باتجاه الشمال الشرقي، يستمر هذا الاتجاه الشرقي لبلاد الكورد في السير باتجاه الشمال الشرقي الى ان يلتقي بنهر الرس (الاكراد)، وبعدها يسير بموازاة النهر ثم ينحرف بزاوية قائمة بالاتجاه الجنوبي الغربي الى ان يلتقي ببحيرة وان في زاويتها الشمالية الشرقية، ويستمر في سيره بموازاة ساحل البحيرة الشمالي، وعندما يترك البحيرة يظل سائرا بخط مستقيم مخترقا منطقة خلات ومستمرا في السير نحو الشمال مارا بملازكرد ومستمرا في السير نحو شمال موش مارا بأرزنجان وأرضروم الى أن يصل الى منطقة بينغول وسيواس ومن ينحني باتجاه ملطية ويصل في سيره الى المناطق المحيطة بغازي عيناب حيث يظل مستمرا وينحرق شيئا فشيئاً باتجته الحنوب الغربي الى ان يلتقي بنهر نهرالفرات في ضفتها اليمنى ويسير بمحاذاة نهر الفرات الى مناطق الكرد في جبل الاكراد حول مدينة حلب بعدها ينحرف باتجاه الشرق مارا بخط مستقيم باتجاه الحسكة الى أن يصل الى الحافات الجنوبية لجبل سنجار(= مدينة سنجار)، ثم يظل مستمرا في سيره الى أن يلتقي بنهر جلة شمال مدينة الموصل ويعبر النهروينحرف باتجاه الجنوب الشرقي مستمرا في سيره بمحاذاة جبل مكحول (= سلسلة حمرين)، حيث يفصل اقليم الجزيرة وشهرزور عن اقليم العراق العربي، ويظل الخط مستمرا في سيره نحو الجنوب الشرقي الى أن يقطع منطقة العراق العربي جنوب غرب مدينة جلولاء ويظل مستمرا في سيره حتى يصل جنوب غرب مدينة مندلي ومن ثم بدرة وجصان حيث جبال اللور، ويلتقي مرة اخرى مع الحدود الجنوبية عند مدينة مناذر بعد ان يعبر نهر الدجيل مرة أخرى، ويدخل الحدود الجنوبية للورستان على الحدود الشمالية لخوزستان قاطعا نهري الكرخ ودزفول ويدخل في أجزاء من اقليم فارس حيث الزموم الكوردية جنوب غرب مدينة أصفهان.[1]