الأول من نوفمبر؛ يوم #كوباني# العالمي لماذا تقع تركيا شمال كوباني؟
سيهانوك ديبو
الواحد من نوفمبر/ تشرين الثاني؛ لن يكون يوماً اعتيادياً؛ إنما هو يوم فرصة واقعية للتاريخ، يكاد هذا اليوم لا يشبه الأيام التي مضت وفي الوقت نفسه تشبه القليل من الأيام التي تأتي.
حينما جادل الفيلسوف أوجلان بأن عناصر الفيدرالية الديمقراطية التسعة التي وضعها في أسره ستقوى مع الوقت وتتوسع لتولِّد منطقة شرق أوسط أكثر استقراراً وعالماً أكثر أمناً؛ كان في الأساس منطلقاً من إدراك أن الأفراد النديين (المواطنين الأحرار مؤسسي المواطنة الحرة) هم نويّات المجتمعات المنظمّة والمنتظمة وفق مؤسسات تضمن ديمقراطية مجتمعية تؤكد في واقع الحال المجتمع الديمقراطي، ما سيقود طبيعياً إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي والعالمي من خلال تيسير العمليات والأفعال التي تنتهي في هكذا نتيجة. ومثل هكذا نتيجة لم تكن في طبيعة الحال موجودة إنما تم خلقها من خلال براديغما الأمة الديمقراطية؛ والأخيرة في طورها الأول وينتظرها أطوار كثيرة تعتمد على المؤسَّس وتستأصل ما ينالها من ظواهر مرضية كالفساد وغيرها من العوائق والمحَجِبات.
سنكون منصفين لو قلنا بأن كتب التاريخ تخلو من هذه الظاهرة؛ ظاهرة التضامن الأممي مع مدينة…مع كوباني. وكل من تضامن وهذه المدينة يعرف قصتها مثلما يدركها غير المتضامن أيضاً؛ إنها قصة مقاومة شعب أنتجت وحدات حماية الشعب والمرأة التي ظلت متشبثة بتراب كوباني معلنة المبدأ: النصر أو النصر؛ فانتصرت بعد مقاومة استمرت لمدة تسع وأربعين يوماً؛ وحيدة تقاتل بدمها وبإرادتها أمام واقعة طارئة بل أمام دولة طارئة امتلكت السلاح النوعي والحشد الكبير المتعكز على استطالات نظام الاستبداد واستفراغ الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط وتساهل تسلط الحوكمة العالمية. وأمام ما تسمى دولة الإسلام في العراق والشام سقطت جيوش وخرّت مدن واستسلمت جيوش. وكانت سقوط داعش في كوباني أول هزيمة للدولة الطارئة على يد المرأة والشباب وعموم الشعب المقاوم في كوباني. المشهد في كوباني ليس متعلق بانهزام طرف عسكري أمام طرف آخر؛ كما حال كل الحروب؛ خاصة إذا ما أدركنا بأن المسألة ليست صرف عسكري، إنما أصل هذه المسألة وما تبعها وما سبقها أن فكراً نتج من لحظات سكون مرّت على الشرق الأوسط وأنتجت بدورها نمطية يمكن تسميتها بالتحطب المجتمعي؛ أي عندما يكون اللا إحياء السمة فيكون التحطب ظاهراً. أما الفكر الجحيمي فيستند إلى رباعية: استبعاد المرأة واستعبادها، نمطية التوحش بأبعادها، ثوقفة القتل، إحياء الجهاد واستحياء الاجتهاد. هذا الفكر هزم في كوباني وينتظر الإجهار عليه في هذه اللحظات السورية العصيبة التي يعيشها السوريين الآن ودق طبول الهزيمة الكبيرة لداعش في الرقة، أمّا الفكر المنتصر فَمتمثل بثقافة الأمة الديمقراطية: الشرق محكوم بأصوله؛ كما أن كل ورقة بجذرها تحتكم، فإن الشرق الأوسط مكتوب له النهوض ومن ثم إحياء مجتمعيته المتبعثرة. والبعثرة صارت على يد الخارجي: رسامي الخرائط ونقاشي اصطناع الدروب؛ وعلى يد الداخلي: صنّاع الاستبداد وظُلّام الشعوب.
كل ثورة/ معركة/ حرب/ صراع؛ تؤدي في نتيجتها إلى انتصار المحكوم به على الحاكم؛ يعتبر معرفياً؛ تغيير مجتمعي أصيل لا يمكن تأويله، وكما كانت ثورة سبارتاكوس ضد السيد/ السادة؛ كانت كوباني المنتصرة على النظام الاستبدادي في تركيا أكبر الداعمين لداعش، وأفشلت ذرائعية النظام الاستبدادي في دمشق وحججه بأن لا ثورة في سوريا ولا مطاليب شعبية ثورية في سوريا وإنما جموع من الإرهاب تسلب وتنهب وتقتل، وانتظر -بفارغ الدم- أكثر كي يسيطر الإرهاب على كوباني ويتحيّن الفرصة ويكرر للعالم أسوأ ما قيل في عمر الأزمة السورية: إما أنا وإما الإرهاب، ولا حراك سوري ثوري يُذكر ولا مطالب سوريّة ثورية تُذكر؛ إنما ثلة إرهابيين تتحرك وتتمدد- كما زعم النظام دائماً- بالطبع غالبية صنوف المعارضة حتى اللحظة تثبت بالدليل القاطع حجة النظام هذه. أما مشرفي لعبة الأمم فهم بطبيعة الحال وبطبيعة النماذج العتيقة التي قامت عليها الدول فقد أثبتوا بأنهم مراقبين نوعيين -حتى- لشهيق الشعوب وزفيرها؛ لكنهم فاشلون في رصد إرادة المجتمعات. الطلقة التي تخرج من بندقية تغطيها جدائل ثائرة تأبى أن تكون امرأة/ عبدة/ إمة؛ طلقة لا تخيب؛ طلقة ترسم المستقبل، وهذا أصل الحديث في كوباني.
للديمقراطية ألف تعبير ويزيد؛ لكن؛ أعظمها ديمقراطية القبول وأسوأها العددية وأكثرها رخاوة التي تأتي موَفّقة غير توافقية، أما أمتنها تلك التي تحظى بالإجماع. والإجماع تم ملاحظته في أن تكون الفلسفة أم العلوم، وعلم الاجتماع ملكها، وبأن الأرض تدور، ورغم هذه الاجماعات العلمية لكننا اليوم أمام اجماع علمي معرفي آخر لو أدركنا بأن تعريف المجتمع –أيُّ مجتمع في الشرق الأوسط- على أنه ثقافات متتامة وليست قوميات متناحرة؛ والقومية الجزء الأهم في الثقافة المجتمعية؛ تعريف يتم صياغته في نظرية الأمة الديمقراطية وهي السبب الأساس في الإجماع الأممي الذي صار بأن تكون كوباني أم المدائن وهو الاجماع المُحِقُّ؛ أيضاً.
الواحد من تشرين الثاني؛ الذكرى الثالثة للتضامن العالمي مع كوباني تصدف – مع العلم لاصُدَفَ في التاريخ- مع التزامن الأممي نفسه في الحرب ضد داعش في كل من الموصل والرقة، ومثل هذا الربط لا بد منه؛ على الأقل منع أن تتحول الرقة إلى قاعدة استطراق ينهمر فيها الإرهابيين من الموصل إلى الرقة، وتسهم في تأخير حل الأزمة السورية بشكل أكبر. كما أن هذه الذكرى ترى ما زرعته مقاومة كوباني كي تغدو وحدات حماية الشعب والمرأة وعموم فصائل قوات سوريا الديمقراطية الفاعل الأرضي الأكبر ضد الإرهاب وفي الوقت نفسه بأن تتحول مظلته السياسية مجلس سوريا الديمقراطية بمن فيها من قوى وأحزاب سياسية إلى لاعب على طاولة المفاوضات السورية، والتي يجب أن يتمخض عنها الحل الديمقراطي على أساس إرادة وتطلعات شعب سوريا.
كان أردوغان يراقب ما كان يحدث في كوباني ويقولها أمام الملأ: إنها ساعات و(تسقط) كوباني؛ كان يردد بعض من استطالاته المحسوبة على المعارضة من بينهم بعض من (الأكراد). لكن الذي جرى أن داعش الذي سقط وسقطت معه ذهنية العثمانية الجديدة بعد تسع وأربعين يوماً من المقاومة. واليوم فإن أردوغان لا يراقب فقط الأحداث وإنما أقدم على بعض من الاحتلالات العسكرية في سوريا. إلّا أنه يجهد كي يكذب نفسه. فهو الذي يعرف –لو في قرارة نفسه- بأن تركيا برمتها تقع شمال كوباني.
كما هو الحال دوماً؛ التاريخ لا ينتظر إنما ينظر بخشوع إلى من يصنعه عبر مشروع/ مشاريع ديمقراطية.
كل حضارة ديمقراطية وكوباني بخير.[1]