د. أحمد سينو
لا شك أن وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني كانت السبب المباشر في انطلاق المظاهرات والاحتجاجات في معظم المدن الإيرانية (163مدينة إيرانية) التي تعرضت للقتل بوحشية إثر تعرضها لضربات على رأسها أدت إلى وفاتها من قبل ما يسمى بشرطة الآداب والأخلاق الإيرانية ذات المواقف المتشددة حيال المرأة تتعلق بوضعية الحجاب على رأسها أي أنه لم يكن مناسبا وفق الشرطة الإيرانية حيث ظهرت خصلات من شعرها. لكن الموضوع أعمق من ذلك بكثير تتعلق بذهنية السلطة والثورة الإيرانية والمذهب الذي يدينون بالولاء له ولاية الفقيه ومذهب الشيعة الإمامية أو الإثنا عشرية الذي ينطوي على الكثير من الأمور المتشددة التي تتشابه مع سلوك تنظيمات إرهابية مثل داعش والنصرة حيال المرأة، فالمرأة لا ترث الأرض والعقار وعليه يقاس الكثير من الحقوق الاجتماعية كالحجاب وغيرها وكما أن ولاية الفقيه لا يرد أمره فمن يعارضه كمن يعارض الله والذات الإلهية .اذاً الإشكالية في السلطة الإيرانية إشكالية إيديولوجية وفكرية حيال حقوق المرأة وزينتها وحجابها ناهيك عن حقوقها الاقتصادية والسياسية وهذا لا يتوافق مع المجتمع الإيراني بكليته فهناك قوميات من السنة كالكرد والبلوش وأديان اخرى ومذاهب أخرى لا تتوافق مع مذهب السلطة الإيرانية كالسنة ومذاهبها والفئات الشيعية الأخرى ناهيك عن المسيحين والايزيديين والزردشتيين والكاكائيين والعلمانيين وغيرهم على أية سلطة وفي أي مكان بالعالم أن تراعي التعدد وتراعي الاختلاف والتقدم العلمي والتقني والتغييرات العالمية التي تفرزها الحروب والأزمات كالحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الغاز والطاقة وأزمة الغذاء وغيرها.
مهسا أميني أعادت للأذهان الثورة الكردية وجمهورية مهاباد الأمر الذي أدى إلى انتشار المظاهرات في عموم كردستان وفي العاصمة الكردية سنندج كما انتقلت الاحتجاجات في أغلب الجامعات الإيرانية قادتها النسوة فالطالبات خلعن الحجاب وأشعلن فيه النار كناية على رفضهن الاضطهاد والاستعباد ومطالبتهن بالاحترام والكرامة والمساواة في الحقوق والواجبات. ومراعاة ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان, وشملت المظاهرات المناطق الأذرية وتفاعلت معها الأحزاب وكذلك في إقليم الأحواز ومدينة شيراز حتى شملت سوق طهران المسمى البازار وقد حاولت السلطات الإيرانية التنصل من المسؤولية الملقاة على عاتقها بأن مهسا أميني توفيت إثر نوبة قلبية إلا أن ذويها كذبوا هذه الإداعات لقد أسفرت المظاهرات عن مقتل أكثر من خمسين إنسان من المتظاهرين جراء وحشية النظام واستبداده ولايزال العدد قابل للزيادة جراء استمرار وتمدد الاحتجاجات .
ولاشك أيضاً هناك حقوق سياسية واجتماعية واقتصادية مهدورة لكل القوميات التي تطالب بالديمقراطية واللامركزية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة التي لا تزال السلطات الإيرانية تصم الآذان لتحقيق مطالبها في ظل أزمة اقتصادية خانقة في إيران فالغلاء في ذروته والتضخم في أعلى درجاته وتدهور العملة الإيرانية أمام سعر الدولار في انخفاض كبير في ظل استمرار انخراط إيران في التدخلات الإقليمية في سوريا والعراق واليمن للضغط على الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي لجلبها إلى طاولة المفاوضات في الملف النووي الإيراني مستغلة حاجة أوربا للغاز والنفط الإيراني .
إثر تفاقم أزمة الطاقة في العالم نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية التي تشهد متغيرات عالمية كبيرة في العلاقات الدولية .
توالت المواقف الدولية من الاحتجاجات والمظاهرات في عموم إيران إثر مقتل الشابة الكردية مهسا أميني دعا وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الحكومة الإيرانية لإنهاء الاضطهاد الممنهج ضد النساء وطالب السلطات بالسماح بحرية الاحتجاج السلمي. كما نددت الأمم المتحدة بوفاة مهسا أميني في المعتقل وطالبت بإجراء تحقيق مستقل كما أعربت عن قلقها الشديد جراء العنف الكبير الذي تعرض له المتظاهرون الذي وصل إلى اطلاق الرصاص الحي وكما طالبت السلطات بالكف عن استهداف ومضايقة واحتجاز النساء اللواتي لا يلتزمن بقواعد الحجاب، داعية إلى إلغاء جميع القوانين واللوائح التمييزية التي تفرض الحجاب الإلزامي. كما توافقت كل من ألمانيا وفرنسا بمواقفها من الاحتجاجات والمظاهرات المشتعلة في إيران مع ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان والمنظمات الدولية المتفرعة عنها.
والأمر ليس كما تدعي السلطات الإيرانية بأن هناك مؤامرة ضد النظام الإيراني وهناك تحريض من السفارات الأجنبية، لذا على النظام الإيراني الوقوف على مسائل حقوق المرأة وعلى الحريات العامة والقيام بإصلاحات حقيقة وجذرية تشمل كل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية على أساس من الديمقراطية والمساواة واللامركزية.[1]